مهرجان ”تاناباتا“... مجرة درب التبانة في شوارع اليابان
مجتمع ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
في السابع من شهر يوليو/ تموز من كل عام يلتقي الحبيبان ”أوريهيميه“ و”هيكوبوشي“، وكل عام يحتفل اليابانيون بهذا اللقاء، فقد صار لقاء الحبيبين عيداً وطنياً لأمة بكاملها، إنه عيد لا توزع فيه الهدايا، لكنه يوزع الأحلام ويحقق الأماني، إنه عيد تاناباتا. في هذا اليوم يكتب اليابانيون أمانيهم على قصاصات ملونة ومزينة تسمى ”تانزاكو“ ثم يعلقونها على عيدان الخيزران مع زينة أخرى، وفي الماضي كان يتم القاء الخيزران مع الأمنيات لتطفو على النهر، ولكن للإعتبارات البيئية لم تعد تقام تلك الطقوس. ويحظى المهرجان بمشاركة واسعة من مختلف الأعمار بمختلف المدن اليابانية.
حبيبان يلتقيان مرة واحدة في العام
يعود تاريخ مهرجان تاناباتا إلى أكثر من ألف عام، ويرجع أصله إلى قصة صينية قديمة، حيث تقول الأسطورة إنه كان هناك أميرة تدعى أوريهيمي، وأمير راعي بقر يُدعى هيكوبوشي. عاشا الاثنان بجانب النهر السماوي لطريق درب التبانة. وذات يوم، التقا الاثنان، ووقعا في الحب، وبدأ في إهمال عملهما، حيث توقفت أوريهيمي عن نسج القماش، وسمح هيكوبوشي لأبقاره بالتجول في جميع الأنحاء. غضب الملك لذلك الأمر، وقام بفصل العاشقين عبر درب التبانة. ولكن في النهاية، سمح للثنائي برؤية بعضهما البعض مرة كل عام في اليوم السابع من الشهر السابع. وأصبح يوم التقاء العاشقين احتفالًا بتوزيع الأحلام، وتحقيق الأمنيات.
يحتفل اليابانيون بمهرجان تاناباتا عادة في اليوم السابع من شهر يوليو كل عام، ويختلف تاريخ الاحتفال وفقًا للمنطقة، وقد يُحتفل به في شهر أغسطس وفقًا لتفسير التقويم القمري القديم. يُقام الاحتفال في العديد من الأماكن في اليابان، ولا سيما في مراكز التسوق والشوارع التي تُزين بلافتات وأشرطة ملونة كبيرة. كما يقوم الناس بكتابة رغباتهم وأمنياتهم على شرائح صغيرة ملونة تُدعى “تانزاكو” ويعلقونها على أغصان شجر الخيزران الصغيرة المزخرفة. وفي الماضي، كانت أغصان الخيزران المزخرفة توضع في الأنهار ليحملها التيار كوسيلة لضمان منح الرغبات، ولكن تهاوى هذا التقليد مع انتشار الوعي البيئي.
لقد وصل مهرجان تاناباتا من الصين إلى اليابان، وكان يحتفل به في القصر الإمبرطوري في اليابان منذ قديم الزمان فهو مهرجان للنجوم وواحد من المهرجانات الموسمية الخمسة. يعتقد 7 يوليو/ تموز هو اليوم الوحيد في السنة الذي تتواعد فيه ”أوريهيمي“ (نجم النشر الواقع/فيغا) والتي تجيد تربية دود الحرير وأشغال الحياكة والحرير مع ”هيكوبوشي“ (نجم النسر الطائر/ألتير) وهو الذي يبغلنا بمواسم الزراعة.
وأسطورة تاناباتا الحالية هي مزيج من الثقافة الصينية بالثقافة اليابانية حيث تجمع ما بين الأسطورة السابق ذكرها والتي وردت من الصين في عصر نارا (710-794)، وطقوس ما يعرف بـ ”كيكوودين“ وهي عبارة عن الصلاة والدعاء بإجادة البنات لأعمال الحياكة والأشغال اليدوية تمثلاً ببطلة الأسطورة السابقة، بالإضافة إلى طقوس شنتوية يابانية قديمة الأصل.
تحكي الأسطورة عن النجمين ”أوريهيمي“ و”هيكوبوشي“ وهما زوجان سمح لهما بأن يلتقيا مرة واحدة فقط في العام. وقد كان لدى ”أوريهيميه“ مارة كبيرة في الغزل على النول والحياكة بينما يعمل ”هيكوبوشي“ كراع بقر مخلص في عمله. ولكنهما بعد أن تزوجا أصبحا أنساهما الحب عملهما وأصبحا كسولين فغضب والد ”أوريهيميه“ منهما وهو إله الخلق فأبعدهما عن بعضهما البعض يفصل بينهما مجرة درب التبانة فعم الحزن حياة الحبيبين المنفصلين. وسمح لهما أن يتقابلا مرة واحدة في السنة فقط بشرط أن ”يعملا بجد كما كانا“ ولهذا أخذا يعملان كل يوم بكل جهد وإخلاص حتى يأتي يوم ٧ من شهر يوليو/ تموز الذي ينتظرانه بفارغ الصبر كل عام.
هذا بالنسبة لعالم السماء أما في عالمنا نحن فمهرجان تاناباتا مليء بالفعاليات. فتقام العديد من الفعاليات في كثير من الأماكن مثل الإضاءة الخاصة لكل من برج ”طوكيو سكاي تري“ و”برج طوكيو“، ومهرجان أساكوسا وفعاليات خاصة بالمهرجان في ”ديزني لاند“ وإضاءة نهر ”أووكاوا“ في أوساكا تشبيها بدرب التبانة وغيرها من الفعاليات.
طلب الأمنيات من النجوم
عندما وصل مهرجان تاناباتا إلى اليابان، كان في البداية مقتصراً على طبقة النبلاء والأرستقراطيين في البلاط الإمبراطوري، وكانوا يحتفلون به عن طريق مشاهدة النجوم ويكتبون الأشعار. ولكن بالدخول في عصر إيدو (1603-1868) وبانتشار مهرجان التاناباتا بين عامة الشعب، ولدت عادة يابانية فريدة وهي كتابة أمنياتهم التي يريدون أن تتحقق على قصاصات مستطيلة تسمى ”تانزاكو“ ويتم ربطها في أعواد الخيزران.
ومن بين الزينة التقليدية التي تزين بها أعواد الخيزران غير ”تانزاكو“ هناك زينة ترمز إلى إجادة الغزل على النول، وهناك زينة على شكل شبكة صيد ترمز إلى الصيد الوفير، وهناك زينة على شكل حافظة نقود حتى تتحقق أمنية أن يكون الشخص غنيا، كما هناك زينة على شكل طائر الكركي الذي يرمز لطول العمر وغيرها من الزينات، وكلها مصنوعة من الورق بطريقة الأوريغامي. وفي القديم كان الناس يلقون بتلك الزينة مع أعواد الخيزران في الأنهار تمنياً منهم بتحققهاً ولكن نظراً لظروف المحافظة على البيئة أصبح من الصعب فعل ذلك حالياً.
وسبب اختيار نبات الخيزران لمهرجان تاناباتا يرجع لاعتقاد اليابانيين بأن الخيزران وباستقامة ساقه وصوت احتكاك الأوراق بالرياح في الأعلى سوف يوصّل أمنياتهم إلى السماء. كما يعتقدون أن الخيزران به خاصية طرد الحشرات مما يساعد على وقاية نبات الأرز من الحشرات مما يعني ضمنيا الحصاد الوفير.
لا يقتصر التعبير عن الآمال والأحلام على التانزاكو، حيث تشمل الأوسمة التقليدية والتعويذات شرائط ملونة تدعى “فوكيناغاشي” تمثل خيوط لأولئك الذين يريدون أن يكونوا نساجين أفضل. ومن أكثر زخارف التاناباتا شيوعًا وانتشارًا: اللافتات التي تُصنع عادة بأوريغامي بألوان مختلفة. وتبدو فروع الخيزران الزخرفة والملونة آية في الجمال حيث تشبه أشجار كريسماس صيفية. وهناك أيضًا أغنية شعبية للأطفال عن تاناباتا.
مهرجان تاناباتا في التقويم الحديث والقديم
أما عن الأكلات التي تؤكل في هذه المناسبة فهي ”سومن“ وهي عبارة عن شعرية رفيعة مثل الخيط. في البداية كانت تؤكل حلوى على شكل أحبال تسمى ”ساكوبي“ وردت من الصين يعتقد في أن أكلها يقي من كل الأمراض، ولكن في اليابان تم تغييرها إلى ”سومن“ وهو أكل مناسب لصيف اليابان الحار كما أنه يشبه خيط الغزل الذي تغزله ”أوريهيميه“ أو درب التبانة. فيشبّه ”سومن“ بالنهر ويزينه بمقاطع من البامية تكون على شكل نجوم هو من الأكلات التي يعشقها الأطفال.
لقد بدأ استخدام التقويم الشمسي (الميلادي) في اليابان في عصر ”ميجي“ (عام 1873) ولكن ما زالت هناك مناطق كثيرة تقيم المناسبات التقليدية حسب التقويم القديم (تقويم قمري شمسي) الذي يتناسب الموسم أو الفصل.
أما أكبر ثلاث مهرجانات تاناباتا في اليابان فهي ”مهرجان سينداي“ (من 5 إلى 8 أغسطس/ آب بمحافظة مياغي) و”مهرجان شوونان هيراتسوكا“ (من 8 إلى 10 يوليو/ تموز 2016 بمحافظة كاناغاوا) و”مهرجان أنجوو“ (من 5 إلى 7 أغسطس/ آب بمحافظة أيتشي). هذا بالإضافة إلى مهرجان ”نيبوتا“ (من 2 إلى 7 أغسطس/ آب بمحافظة أوموري) والذي يعقد على مدى 6 أيام ويزوره 3 ملايين شخص ويقال إن هذا المهرجان هو الأصل في نقطة إطفاء الفوانيس في الأنهار والبحار للتطهر من الشرور والآثام في ليلة مهرجان تاناباتا.
من الصعب عمل حجوزات فردية في مثل هذه المهرجانات ولكن هناك العديد من البرامج لجولات سياحية لها، حيث من الممكن الاستمتاع بجو ياباني مختلف من المهرجانات الصيفية التقليدية كما من الممكن الاستمتاع بالرقص والموسيقى.
صورة العنوان : مهرجان التاناباتا في مدينة سينداي (الصورة من جيجي برس)