”تقاليد مذهلة“ مواكبة للحياة العصرية
مهرجان الأضواء: نيبوتا ماتسوري
سياحة وسفر
مجتمع ثقافة لايف ستايل- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
عندما كنت أعيش في مدينة أوموري في الفترة الواقعة بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٦، أدركت آنذاك مدى سرعة انقضاء فصل الصيف في منطقة توهوكو (شمال شرق اليابان). في بداية شهر أغسطس/ أب ٢٠١٢، عدت لأوموري لأول مرة منذ ثلاث سنوات لأشترك في الإحتفال المميز بهذا الموسم، ألا وهو مهرجان نيبوتا لمدينة أوموري.
تزخر محافظة أوموري بأطياف عدة من الجمال المميز للمناطق الريفية باليابان من مراعٍ ممتدة بشكل منتظم وسلاسل جبلية متموجة. ويشكل مهرجان نيبوتا الكبير والبهيج تناقضاً شديدًا مع هذه البيئة الهادئة. فهو مهرجان الألوان البرَاقة والاحتفالات الكثيرة، حين تثير إيقاعات طبول التايكو والنايات الصادحة والصنج الموسيقي، مما يجعل الدماء تجري في العروق وتشعل الألوان البهيجة الشوارع الرئيسية للمدينة بعشرات عوامات نيبوتا. ولعدة أيام، وبشكلٍ تنتشر فيه الإثارة والبهجة في كل شوارع تلك المدينة الهادئة.
وحين وصلت لمحطة أوموري بعد رحلة بالشينكنسين (القطار الرصاصة، القطار فائق السرعة) استغرقت ثلاث ساعات ونصف من طوكيو، وقد دُهشت لرؤية العديد من المباني الجديدة التي شيدت أثناء غيابي عن المدينة. إلاّ ان إذاعة المحطة كانت تبث الألحان المألوفة للمهرجان، وعندها شعرت بروح أجواء النيبوتا كما لم أشعر من قبل.
رؤية المشاهد
كان أول توقف لي عند نيبوتا كويا، وهي الحظائر الواسعة التي يتم فيها إنشاء وإصلاح تلك المجسمات الشهيرة، والتي تعتبر أيضا أماكن استراحة بين العروض. كانت هذه أول مرة أرى فيها تلك المجسمات متوقفة عن الاداء خلال ساعات النهار. وقد بدا لي أن هذه الحالة المتواضعة قد قللت من هيبتها المعتادة. وبعد قليل من المشي بمحاذاة الخليج، وصلت إلى محطتي التالية بالمهرجان. وهي مسماة وفقاً لكلمات أغنية المهرجان الشهيرة ”واراسيه“، وهي مركز للزائرين تابع للمدينة ليمدهم بالمعلومات وليتذوقوا المهرجان طوال العام.
هذا المبنى الواقع على مرمى حجر من محطة أوموري يبهر الأبصار وهو حديث النشأة منذ آخر مرة كنت فيه هناك. كما يوجد أيضاً عدد من المجسمات التي إستخدمت في الأعوام السابقة، ساطعة كالمصابيح في غرفة سوداء كالكهف. ورغم سكونها فإنها إستعادت شيئا من هيبتها في بيئتها الطبيعية بكونها في الظلام الدامس وباضاءتها من الداخل.
لقد أتيت إلى (الوا راسيه) لأشارك في الإعداد السريع لإثنين من الأدوار الرئيسية في مسيرة نيبوتا حيث انّ الهاياشي الذين يقومون بقيادة الموكب مع إيقاع طبول التايكو، والصنج الموسيقية، والنايات يسهمون ايضا في القفز والرقص والصياح بالهانتو وهو الدور الذي سأقوم بأدائه هذا العام.
والهانيتو هم الراقصون الذين يصاحبون المجسمات. هذا المهرجان يشارك فيه عشرات الآلاف من الناس كل عام. والرقصة بسيطة جداً. فهي عبارة عن القفز على ساق واحدة لمرتين، ثم مرتين أخرتين على الساق الأخرى، ومع ذلك فالمجال مفتوح للمزيد من الإبتكار. ومما يزيد من خصوصية مهرجان النيبوتا في أوموري هو مدى سهولة الإشتراك في المهرجان كهانيتو. أي زائر يملك فرصة استئجار ملابس المهرجان وهذا ما يجعله جزءاً من الموكب ذاته أكثر من كونه مجرد متفرج. وكالعديد من المظاهر الأخرى المرتبطة بالنيبوتا، ترجع أصول الهانيتو ورقصاتهم إلى التقاليد القديمة. ويزعم أحد أعضاء فريق (الواراسيه) أن الرقصة كانت تهدف في البداية إلى إطلاق الطاقة المطَهرة وبالتالي طرد الأعباء النفسية المتراكمة.
العرض المذهل
تبدأ المواكب بعد السابعة مساءاً بقليل. مشيت أنا وأصدقائي لأكثر من كيلومتر مع الموكب باحثين عن موقع استراتيجي وجيّد لمتابعة المهرجان. بدأ الصخب بإختلاط الكثير من الأصوات مع إطلاق الألعاب النارية لتعلن بداية الموكب. وقد استمر المهرجان لمدة قاربت الساعتين، وأخيرا، ظهرت المجسمات في كامل بهائها، تدور وتغوص وتنزلق على الطرقات، يسحبها اثنا عشر رجلاً. كانت التجربة بالفعل رائعة بكل ما فيها من ليل الصيف الدافئ ، الجماهير، الموسيقى والأغاني وحشود المجسمات اللامتناهية.
لقد مرَ نحوَ عشرين مركبة وأكثر من ذلك من مجموعات الهاياشي والهانيتو. وإنتهى كل شئ في وقت قليل. واختفت المواكب وعادت المجسمات إلى نيبوتا كويا لتقضي ليلتها حتى اليوم التالي.
القصة وراء المجسمات
في اليوم التالي، أتى دوري للمشاركة في الموكب. ولكن قبلها اسعدني الحظ بمقابلة تاكينيمي هيرو ذوالإنتاج الوفير كمصمم للعديد من المجسمات والحائز على جائزة الشرف لتلك السنة لأفضل مصمم نيبوتا.
كان لقاءنا في مركز أبحاث تاكينامي هيرو نيبوتا، وهو مكان أسسه لإكتشاف إمكانيات جديدة للنيبوتا كنوع من الفنون ولمشاركة التراث الثقافي للمهرجان مع الأفراد من كل أنحاء العالم.
قال تاكينامي: ”أود أن يستمتع الناس بألوان وأشكال النيبوتا“. وعلى الرغم من فيض المعلومات الوفير لدى تاكينامي نفسه حول الخلفية الثقافية الثرية وتاريخ المصابيح، فقد قال أنه ليس على المبتدئين الشعور بأى حرج. حيث قال: ”يجب أن يستمتع الناس بحرية بأي مظهر من مظاهر المهرجان قد يروقهم“. ”الأشكال، الألوان، أو أى شئ أخر ....“
هذا وتُدين تصميمات المجسمات بفضل واضح لأساطير وتاريخ شرق أسيا، لكن تاكينمي لا يميل إلى مجرد الإقتباس. فيذكر بعض الإلهامات المذهلة من بنات أفكاره مثل ألف ليلة وليلة، عروض الموضة، وحتى أفلام قراصنة الكاريبي التي إشتهرت مؤخرا.
يوم في حياة الهانيتو
يعتبر مهرجان النيبوتا أكثر أوقات السنة نشاطاً في أوموري، وكذلك الأمر بالنسبة لي فاليوم حافل جدا. يبدأ اليوم برحلة إلى الكوبيا، وهو متجر كيمونو محلي، لإرتداء زى المهرجان وّيعد زي الهانيتو رداء محدد حيث يبدأ بـ أوكوشي، وهو بمثابة لباس داخلي، نرتدي من فوقه يوكاتا أبيض. ويزين الزي بأجراس وحزام حول الوسط. ثم التاسوكي جاكيه، كصدرية تربط يدويا حول الأكتاف والظهر، لتثبيت أكمام الكيمونو. ويلي ذلك الجوارب التقليدية ثم الصنادل وأخيرا لا يتبقى غير التاج المميز لزي الهانيتو وهوالهاناجاسا (قبعة الزهور) الهاناجاسا هي قبعة تقليدية من القش، تضيق في نهايتها ومزينة بزهور بلاستيكية ذات ألوان براقة، وفي بعض الأحيان، يعلو كل ذلك طائر في عشه. لقد وجدت هذه الهاناجاسا ثقيلة قليلا للقيام بالرقص، لذلك إنتهى الأمر بالقيام بإستبدالها بلف قطعة قماش على رأسي تدعى (هاتشماكي).
لم تكن المواكب قد بدأت في شوارع وسط المدينة بعد. ولكن كانت أعداد اليوكاتا البيضاء والصدريات متعددة الألوان قد بدأت بالفعل تفوق أعداد الملابس العادية في الشوارع.
كما حاولت تحديد مكان كوشيبيكي جونجي، قائد مجموعة أوموري طريق الشمس. وأشكره على السماح لي بالمشاركة في الإحتفالات، وأبلغه تهانيَّ بمناسبة حصول مجموعته على الجائزة الكبرى لروح الهانيتو لهذه السنة.
بعد وقت قليل، تم غلق الطريق الرئيسي شرق غرب بالمدينة أمام المرور وبدأت المجسمات في الوصول. أبدى زميل من فريق الهانيتو ملاحظة حول مدى شعوره بغرابة الأمر عندما تسير في منتصف الطريق السريع الرئيسي رقم ٤. عندما وصلنا لنقطة البداية، أضاءت الألعاب النارية السماء الممتدة خلف المسيرة وأعلنت بداية الموكب.
فريق الهاياشي في مجموعتنا يبدأ عمله في الموسيقى المصاحبة للموكب، وبينما يصيح قائد الهانيتو على رأس الموكب بالنداء الشهير ”راسيه را، راسيه را!“ تنطلق مجموعات الهانيتو التي يفوق عددها المئة ممن حولي بالرقص والصراخَ بصوتٍ جهوري واحد ”راسيه، راسيه، راسيه را!“
ارتفعت المعنويات ومن الصعب مقاومة طاقة الجماهير. وشعرت في العديد من المرات أثناء الموكب بأنني تجاوزت حدود طاقتي ولن أستطيع الاستمرار لأكثر من ذلك.
ولكن مع كل جولة جديدة من صيحات ”الراسيه را“ أستعيد طاقتي. وعند نهاية خط سير الموكب، قمت بأداء النشيد بنفسي لعدة مرات. وبعد حوالي مضي ساعتين من الزمن و كيلومترين من السير، عدنا إلى نفس المكان الذب بدأنا منه، ونحن مرهقين لكن منتصرين، ومازلنا نردد ”راسيه، راسيه، راسيه را!“. وستظل تذكرني بحَة صوتي بهوجة الإثارة تلك التي تجتاح مدينة أوموري ومحيطها في صيف كلِّ عام. وكان اليوم التالي هو اليوم الأخير للمهرجان حيث يتم في هذا اليوم تحميل أفضل خمس مجسمات بواسطة رافعات على مراكب لتقوم بموكب بحري في خليج موتسو. وبعد إنتهاء المجسمات من موكبها الاستعراضي، ينطلق عرض الألعاب النارية في فقرة صاخبة تشير إلى بلوغ ذروة الإثارة للمهرجان. وعلى مدار الأيام القليلة التي تلي ذلك، يتم تفكيك المجسمات ومن ثم تستعيد المدينة إيقاع حياتها اليومية الهادئة. ومن المحزن جدا مشاهدة كل تلك الإثارة تنتهي حينئذ لتبقى في انتظار السنة التالية.
الماضي، الحاضر والمستقبل
ضاعت أصول مهرجان نيبوتا بأوموري مع الوقت، ولكن تاريخ المهرجان يعود إلى العديد من القرون التي مضت. والذي يعد واحداً من أكثر المهرجانات المشهورة والمميزة في اليابان، ويستمر نيبوتا أوموري في الازدهار. يتذكر تاكينامي هيرو تلك الأيام، حين كانت المواكب أبسط تنظيماً في الماضي، وكان المشاركون يغترفون بحرية من أسطلة شراب الساكيه (مشروب ياباني من الأرز المتخمر) المرصوصة سلفاً أمام المحلات و المراكز التجارية الكبيرة على مدار خط سير الموكب. يقول تاكينامي أن العديد من الهانيتو كانوا يتفاعلون بشدة مع المهرجان حتى تتمزق اليوكاتا (أحد أنواع الملابس اليابانية التقليدية) الخاصة بهم. وقد حدثني سائق تاكسي عن قصة مشابهة بأنه كان معتاد الرقص كل سنة و معه زجاجة ساكيه. وعلى الرغم من كون تجربتي الشخصية أقل من ذلك بكثير، الاّ انّي شاهدت عدداً من التغيرات منذ أول مهرجان نيبوتا حضرته في عام ٢٠٠٣. وبشكل عام ، كان مهرجان هذا العام أكثر تنظيما وحظى بمشاركة العائلات والأصدقاء. وبدا وكأن كميات الخمر قد تناقصت، كما بدت الجماهير في الموكب أو الباكتو أكثر هدوءاً وأقل صخباً من السابق.
وقد تغيرت أيضا تصميمات المجسمات. فأصبحت الوجوه أكثر تفصيلا، وأضحى العديد من مجسمات النيبوتا يتضمن أشكالاً رفيعة وطويلة تمتد لأمتار عديدة عبر المجسم. وقيل لي أن بعض المجسمات تم إضاءتها بلمبات صديقة للبيئة. وفي إشارة لما قد يحدث في المستقبل، تم تجهيز أحد المجسمات، بعاكس رقمي من صنع إنتل ليسمح للوجه بالتحرك. ومن المؤكد أن المنافسة ستستمر في لتأخذ مزيداً من الإبداع والحرفية لمستويات أبعد خلال السنوات القادمة. ويقوم تاكينامي الآن بجهودٍ مضنية للوصول بالمهرجان لآفاق أرحب. وقد قام بمساهمة هامة بنفسه في نشر النيبوتا في الخارج وذلك ببناء مجسم من الخردة لمهرجان في المجر/ هنغاريا وقام بإدارة عملية لوجستية معقدة لتفكيك مجموعات مؤلفة من اثني عشر عنصرا وأضعافها من أعمال هامة من الورق والأسلاك ونقلها عبر المحيط الهادي ليتم عرضها في مهرجان ثقافي في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الامريكية. والآن بعد أن تم ربط أوموري بطوكيو بخط حديدي جديد خصيصاً للقطار فائق السرعة شينكنسين، والمرافق السياحية الجيدة مثل واراسيه، أصبح نيبوتا أوموري أقرب للعالم الخارجي أكثر من أي وقت مضى. هذا وانني لأتمنى أن أستطيع المشاركة لعدد من السنوات القادمة، فلربما ألقاكم هناك.
( المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، كتبته ناثنيال مور، تصوير كوديرا كيه)