المانغا والأنيمي الياباني كعلامة تجارية عالمية
حدود ناروتو: ما الذي بوسع القوة الناعمة تحقيقه بالفعل !
سياسة ثقافة اللغة اليابانية مانغا وأنيمي- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
ثقافة البوب كطريق للسحر
ومثل العديد من العلماء القائمين بتدريس الدراسات اليابانية في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نظرت بدَوري إلى تَنَامِي الشعبية الكبيرة للأنيمي والمانغا اليابانية كسلاح ذو حدين فمن ناحية كنت دَوُمَاً أتطلع إلى أن يزيد طلابي من تعمقهم بهذه الدولة المثيرة للاهتمام بشكل رائع بسبب تاريخها المميز وتقاليدها الموسيقية المميزة، وإنجازاتها غير العادية في مجالات العلوم والتكنولوجيا وما شابه ذلك وعلى نحوٍ أكثر من إنتاجها من أفلام الرسوم المتحركة أو البرامج التليفزيونية. ومن ناحية أخرى وخاصة في الوقت الذي تواجه فيه دراسات المنطقة تحديات بشكل أسوأ وعندما يتوجه عدد أكبر من الطلبة لدراسة اللغات والمناطق الأخرى، فقد شعرت بالامتنان والعرفان لسحر الأنيمي أو المانغا الذي يجذب العديد من الطلاب لدورات اللغة اليابانية ولليابان نفسها. وآمل كما يأمل زملائي في تشجيع اهتمامهم واستثمار هذا الاهتمام في اليابان وللعديد من الفرص التي تقدمها لتطوير المعرفة بشكل عام مثلي أنا.
ثم مرة أخرى، هنالك أيضاً تحديات ثقافية شهيرة تواجهنا وتعد هدفاً متحركاً بشكل مستمر. فإذا ما كنت أظهر بشكل متابع للأنيمي في أحد الفصول الدراسية فسأكون واثقا أيضاً من كون مراجعي ستكون غير حديثة وبشكل مأساوي في الفصل الذي يليه. وعادة ما أحل تلك المشكلة عبر التأكيد على أن مراجعي حول الأنيمي قديمة وتعود إلى فترة عروض السبعينات مثل ”كاجاكو نينجاتاي جاتشامان“ والتي تم الاعتماد على نصوصها باللغة الإنكليزية كـ Battle of the Planets على سبيل المثال وهو ما يظهرني في صورة الشخص غير المُتابع وبشكل لا أمل فيه لدرجة أنّ الطلبة يَراودَهم الضحك لأمرين اثنين يعود أولهما إلى الشعور بالشفقة على أستاذهم المسن الضعيف وثانيهما الحنين لتلك العروض التي قد يكونوا شاهدوها في طفولتهم.
بينما أعتقد أن تلك الشعبية تطرح بعض النقاط الهامة فيما يختص بالثقافة العالمية وعلينا أن نكون مُحترُسِين دائماً تجاه أي من المزاعم بأن هذا الأمر قد يهَّمُ الدبلوماسية اليابانية والوضع السياسي الدولي. ووجدت بالرغم من ذلك أن هذا التشكيك غير مرحب به من الناحية النفسية في طوكيو منذ عام ٢٠٠٢ لا سيما منذ أن قام الصحفي الأمريكي دوجلاس ماك جراي بنشر مقاله المؤثر والمبهم وذلك تحت عنوان ”Japan’s Gross National Cool“ في مجلة ”السياسة الخارجية Foreign Policy“. لكن بين ليلة وضحاها وفي مطلع عام ٢٠٠٣ حصلت لفتة بارعة حيث مُنحت رائعة الفنان الياباني الشهير ميازاكي هاياو الفيلم الكرتوني المعروف بـ ”المخطوفة أو رحلة تشيهيرو“ جائزة الأوسكار لأحسن الأفلام المتحركة. ومنذ ذلك الوقت أخذ المسئولون والمثقفون اليابانيون على حد سواء في الادعاء بأن الشهرة العالمية للأنيمي والمانغا أصبحت تُمَكِّنُ اليابان من امتلاك ”القوة الناعمة“، وهو مصطلح بدأ استخدامه في الثمانينات من قبل جوزيف ناي أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد للتعبير عن القدرة على الإقناع أكثر من الإجبار وفي الحقيقة فإن نظرة متأنية على المجلات اليابانية الرئيسية ذات الصلة وعلى الأوراق السياسية البيضاء وما نحوها ستكشف إلى أي درجة أصبحت للفكرة شعبية بعد عام ٢٠٠٢. كما كان في أثناء مناقشة القوة الناعمة، أن تمت ترجمة الشهرة العالمية للأشكال الثقافية إلى ميزة دبلوماسية - وبالتالي فإن التحليلات الحالية للأنيمي والمانغا جذابة ثقافياً ولكنها قد تُظهر أيضا بعض الإشكالات والالتباسات.
اخفاء القوة الصلبة
بالرغم من أهمية اسهامات البروفيسور ناي في العلوم السياسية فإن قلة فقط من أساتذة هذه العلوم يأخذون مصطلح ”القوة الناعمة“ على محمل الجد، ولم يتمكن أحد من قياسه أو تقييمه على نحوٍ جاد. فالموضوع يؤخذ ببساطة كأمر مُسَّلمٍ به بين مقترحي موضوع القوة الناعمة – وهم في العادة الصحفيون وأعضاء المؤسسات البحثية والدبلوماسيون - ويبدو أن القيم التي يطرحها كل من الأمريكيين يليهم اليابانيين أو الصينيين أو الكوريين أو مواطني أي دولة أخرى مقنعة بشكل كاف للجمهور الخارجي حيث أن حكوماتهم قادرة على تحقيق ما لم يكن بإمكانهم تحقيقه بشكل آخر.
ولكن التساؤل أين هو الدليل؟ فبالرغم من الانتشار غير العادي للثقافة الأمريكية في جميع أنحاء العالم – من السينما للهيب هوب وبنطلونات جينز الدنيم – بالإضافة إلى وجود العديد من الطلاب من مختلف دول العالم ممن يدرسون في الجامعات الأمريكية، وجد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أنه من الصعب إقناع أغلبية الجماهير بضرورة الحرب على العراق. سيما وأن معظم الدول التي شاركت في الحرب كانت مدفوعة ”بالقوة الصلبة“ بدلاً من ”القوة الناعمة“: وذلك تَخوّفاً من عواقب عدم تحقيق الطموحات الأمريكية الواضحة. ويبقى مثيراً للاهتمام بنفس الشكل أنه بالرغم من كل التأثير الواسع للثقافة اليابانية وشعبيتها في الولايات المتحدة فإنه لم تكن هناك حركة أياً كانت بين المجتمع الأمريكي أو السياسيين الأمريكيين لتدفئة الجهود التي يبذلها السياسيون المحافظون والكتاب في اليابان لإقناعهم بالتشكيك في الحسابات المعترف بها بشكل كبير وبالفظائع في وقت الحرب سواء ما حصل في مذبحة ”نانجنغ“ أو ما يعرف بنظام ”نساء المتعة“.
ولعل رؤساء الدول ورؤساء الوزراء يطمحون في أن تكون المشاهدة العالمية لأفلام ”ملكة الثلج“ و”بوكيمون“ ستقوم بتشجيع الجمهور الخارجي لمنح فائدة الشك إلى أكثر أهدافهم جدلية – وهي تلك الأهداف التي يحتاجون من أجلها القيام بدفعة ترمي للإقناع بفعالية القوة الناعمة. ولكنه ليس هناك على وجه الدقة أي دليل يشير إلى أن السياسة تمضي على هذا النحو، وهذا هو أحد أسباب كون معظم خبراء العلوم السياسية يلتزمون الصمت حيال هذا الموضوع.
الحاجة لاكتساب الشرعية
هذا ولا تزال شهرة القوة الناعمة كمفهوم منتشر بين المثقفين قادرة على جذب اهتمام الدارسين. فبالرغم من كل شيء يتساءل المرء عن سبب اهتمام الناس – بما فيهم المسئولين الحكوميين والسياسيين المخضرمين – بوعد القوة الناعمة ويظهروا تقارباً شخصياً لفكرة الجذب القومي؟ ولعل الأمثلة المذكورة هنا عن الولايات المتحدة واليابان مفيدة. فهاتان الدولتان كما هو واضح في غاية القوة، وكلتاهما تتمتعان بخبرة كبيرة في حيازة واستخدام القوة الصلبة، سواء كان ذلك بسبب القدرات العسكرية الأمريكية أو بسبب القوة الاقتصادية لليابان وأمريكا، كما أن معظم الدول تود تجنب إغضاب أياً منهما فلماذا إذن تهتم هاتان الدولتان بموضوع القوة الناعمة ! وما إذا كانت الدول الأخرى تحبهما أم لا؟ وعلى الرغم من كل شيء فإن ”ميكافيلي“ نفسه قد وضح أنه من الأهم أن تكون مرهوباً أكثر من أن تكون محبوباً، وربما يتساءل الشخص لماذا تطمح الدولتان تحقيق الأخيرة وهما تمتلكان السابقة.
وتُرَّجح الشعبية الفكرية للقوة الناعمة بأن النظام الدولي يشترك في اهتمامه بالشرعية وذلك ينطبق على الدول الكبيرة القوية والدول الأقل قوة على حدٍ سواء. ومن الهام في هذا النظام أن يكون ممن يمارس السلطة فيه على قناعة بشرعية ما يقوم به لأن الدول الأخرى يقنعها إيمانها بالديمقراطية أو إنسانيتها الضرورية أو موسيقا الجاز الخاصة بها أو الأنيمي الخاص بها. وبهذا المفهوم تبدو القوة الناعمة وكأنها انعكاس لصورة القوة الصلبة.
كما أنه من الواضح أن ”ناي“ قام بتجميع مفهوم ”القوة الناعمة“ في ذات الوقت الذي عبر فيه العديد من المثقفين والمسئولين الأمريكيين عن قلقهم من تراجع الهيمنة الأمريكية في مواجهة النمو المستمر لمنافسيها الاقتصاديين كألمانيا الغربية واليابان. والتي استحكمت في اليابان خاصة بعد أن أصبح شركاؤها حذرين بشأن تراجع اليابان المزعوم في مواجهة صعود الصين. وفي كلتا الحالتين فقد بدت القوة الناعمة تقريبا كما لو كانت اللعبة المحشوة المفضلة للطفل الصغير وبمثابة الدعم العاطفي للمراقبين الذين يشعرون بعدم الأمان في كلا الدولتين، والتي تُذَكِّرهم بأنهم ما زالوا يتمتعون بقدرٍ من الشرعية الدولية التي يفترض أن يفتقر إليها منافسوهم. سيما وأنه يسود في كلتّي الدولتين افتراضٌ يفيد بأن ثقافتيّهما ذات الانتشار الواسع تُمثلان بكُلِّ شفافية قِيَمَاً وطنية متماسكة ومفاهيم ملموسة للجماهير. وفي الواقع فإن كل عنصر من عناصر هذه الفرضية – خاصة افتراض أن القيم الوطنية متماسكة وأن الجمهور سيتفهم ويقدر منتجاً ثقافياً بنفس القدر الذي يتوقعه المسئولون من دولة المنشأ – قد يكون زائفاً بوُضُوح.
تعقيدات القوة الثقافية
وبالطبع فإنني لا أعني أن الثقافة الشعبية غير هامة سياسياً، لكن عواقبها أكثر انتشاراً من المكاسب الدبلوماسية الكلية التي تعبر عنها فرضية ”القوة الناعمة“. لذا فسوف أعود للفيلم العظيم الراجع لعام ٢٠٠٠ ”In the Mood For Love“ للمخرج وونج كار-واي (*١) من هونغ كونغ والذي جرت أحداثه في مبنىً سَكنَي بهونغ كونغ في الستينيات، و يحتوي الفيلم على مشهد مؤثر تظهر فيه إحدى القاطنات وهي تقدم لجيرانها اختراعاً جديدا رائعا قام زوجها بإحضاره للتو من رحلة عمل لليابان وهو (آلة لطهي الأرز). وعم المبنى اهتمام بهذا الاختراع الجديد وأبداء رغبة فورية من السكان لشراء نماذجهم الخاصة.
وكان السكان على علم جيد بأن آلة طهي الأرز تأتي من اليابان، وحقيقة ملاحظتهم ذلك دون ظهور أي بوادر لحقد ملموس أو حماس أو روح تنافسية. إلا أن حياتهم قد تغيرت بشكل فوري بفعل هذا الاختراع الياباني لدرجة أن وجهة نظرهم لمستقبلهم كأفرادٍ من الطبقة الوسطى تم تشكيل جزء كبير منها بفعل وجود الآلة. ويفترض وونج ضمنياً أنه بالنظر لحياة الطبقة الوسطى - آنذاك في طوكيو وأوساكا وغيرهما من المدن اليابانية- فقد أصبحت تلك أمثلةً يُقتدى بها وبحيث يطمح سكان هونغ كونغ أنفسهم إلى تحقيق ذلك. ولعل هذا أمر استثنائي في قوته الثقافية - ولكنه ليس نوعاً من القوة يمكن تفعيله بأي شكل له معنى من قبل الحكومة اليابانية أو غيرها، ولربما يعني مثل هذا الأمر أنه سيتوجّب اقناع هؤلاء المستهلكين الجدد للقيام بعمل ما تريد الحكومة اليابانية أو غيرها منهم عمله.
هذا هو الشكل الأكثر استفاضة الذي أتمناه في أن يتمكن الأنيمي والمانغا من التأثير على طلابي. وأعتقد أنه لن يكون مدعاة للفخر الافتراض بأن مجرد اهتمامهم بأفلام الرسوم المتحركة اليابانية سيتم ترجمته على أنه دعم لمبادرات الحكومة اليابانية، كما أنه سيكون من الحمق افتراض أن حب الـ كي بوب سيتم ترجمته على أنه تأييدٌ لدبلوماسية سيول، أو أن كون الشخص من عشاق الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين (NBA) سيجعله من مؤيدي الضربات التي تقوم بها الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن. لكن كل تلك الأشكال الثقافية يمكن أن تجعل منهم أشخاصاُ معرضين لعوالم تخيلية بديلة، مما يمكنهم من التعبير عن حياتهم بشكل مختلف ومن الممكن أن يوفر ذلك الفرص لطرح أسئلة إبداعية حول نُظُم البيئة التي نشأوا فيها.
(النص الأصلي باللغة الإنكليزية بتاريخ ٥ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥. صورة العنوان : المانغا تتمتع بشعبية واسعة بين صغار السن من القراء في جميع أنحاء العالم، ولكن هل يترجم هذا إلى تأثير ياباني ؟ الصورة من رويترز/أفلو.)
(*١) ^ أَوّد شُكرَ الأستاذ ”ناكانو يوشيكو“ لتذكيري بمدى أهمية هذا المشهد أثناء بحثي عن القوة الناعمة.