التعليقات الجنسية الساخرة التي هزت اليابان
سياسة مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
قام بالاعتذار ولكنه لا يتفهم خطورة المشكلة
كان مجلس العاصمة طوكيو (برلمان العاصمة وضواحيها والذي يضم نحو ١٢٧ عضواً) عُرضةً لتعليقات مهينة ساخرة تعالت أصداؤها هنا وهناك تجاه إحدى العضوات في جلسةٍ صاخبة للمجلس اعتُبرت حادثة تمييز ضد المرأة. المشهد السياسي على مستوى البلاد بِرّمَتِها وتفاصيل هذه الحادثة كالتالي: عندما أشارت عضوة المجلس ”شيومورا أياكا“ البالغة من العمر ٣٥ عاماً إلى ضرورة رسم سياسة للتعامل مع قضية النساء اللواتي يقلقن من عدم الحمل وذلك في معرض نقاش مسألة انخفاض نسبة المواليد في جلسة الـ ١٨ يونيو/ حزيران لمجلس العاصمة طوكيو، قاطعها أحد نواب الحزب الليبرالي قائلاً وباستهجان ”لماذا لا تتزوجين“ وأردف ”ألا يمكنك أن تلدي طفلاً؟؟“. وفي الـ ٢٣ من الشهر أفصح مكتب الحزب الليبرالي لمجلس العاصمة طوكيو عن هوية الشخص الذي سخر من النائبة ”شيومورا“ وهو النائب ”سوزوكي أكيهيرو" البالغ من العمر ٥١ عاماً وينتمي للحزب. ثم اعترف النائب ”سوزوكي“ بكلامه في نفس اليوم معلناً انفصاله عن كتلة الحزب وذلك بعد تقديم اعتذار للنائبة ”شيومورا“، لكنه لم يستقل من منصب كنائب. وبالإضافة إلى ذلك، اعتذر رئيس الوزراء شينزو آبي في البرلمان بوصفه رئيساً للحزب الليبرالي للسيد ”آساو كييتشي“ رئيس حزب الجميع في اليوم التالي من الحادث. أي في ٢٤ من الشهر نفسه ووفقاً لوسائل الإعلام فإن الحزب الليبرالي في مجلس العاصمة لم يكن موافقاً في البداية على تحديد شخصية الذي أطلق صيحات الاستهجان والسخرية، وكذلك نفى النائب ”سوزوكي“ أيضاً في البداية بانه صرخ مُتفوهاً بعباراتٍ نابية في وجه النائبة ”شيومورا“ ولكن يبدو أن الانتقادات والضغوط من حوله أجبرته على الاعتراف وتقديم الاعتذار في الخمسة أيام الأخيرة. وهناك الكثير ممن يعتقد أنه من الأفضل عدم التسرع في الاستنتاج أصلاً، حيث أن كيفية التعامل مع هذه المشكلة متباينٌ إلى حدٍ كبير بين الفُرقاء وأعتقد أن النائب والمشاركين في المجلس لم يدركوا بعد جوهر المشكلة التي تكمن في كل من معالجة قضية تراجع نسبة المواليد والاتجاه السائد نحو الزواج المتأخر. ولعل ما قاله النائب ”سوزوكي“ في المؤتمر الصحفي للاعتذار أنه لم يقصد الإساءة أو التشهير بالآنسة ”شيومورا“ بل تشجيعها على الزواج مبكراً وإنني لأعتبر هذه الحادثة مشكلة كبيرة في المجتمع الياباني. حيث وكما يبدو أن جميع الأطراف لم تستوعب بعد لب المشكلة ويعتقد أن كلام النائب ”سوزوكي“ لم ينبع من نية الإساءة أو التشهير، ولربما هنا تكمن المشكلة بعينها.
نقطة مشتركة مع ”مشكلة نساء المتعة“: عدم احترام حقوق الإنسان
لعل تلك الحادثة تعكس خطأ نموذجياً يرتكبه اليابانيون بشكل متكرر لا سيما بالنسية لمن تتجاوز أعمارهم سناً معيناً بغض النظر عن كونهم رجالاً أم نساءً. وأبرز الأمثلة في هذه الأيام النقاش حول ”قضية نساء المتعة “ ابانّ الحرب العالمية الثانية الذي يثير جدلاً دولياً. حيث تدور المجادلة التاريخية حول ”قضية نساء المتعة“ بين اليابان وكوريا الجنوبية، وتتجادل الدولتان حول حقيقة الأمر مما يعني هل كانت مؤسسات الدعارة والمسماة مَجازاً ”مرافق الراحة في شرقي أسيا“ التي أسستها اليابان خلال الحرب العالمية الثانية جزءً من نظام بإدارةٍ من الجيش الياباني أم كان اغتصاباً في ميادين المعركة؟ وإذا ما أردت الاطلاع على هذه القضية فهناك كثير من الكتب المتعلقة بها تشرح تفاصليها، ولكن جوهر المشكلة ليس صحة الحقيقة نفسها. وفي عام ٢٠٠٧، وخلال فترة حكومة آبي الأولى، قال آبي بشأن تلك القضية إنه كان هناك إجبار في إطار المفهوم الواسع (الإجبار على أساس العقد مع مؤسسات الدعارة) ولكنه لم يكن هناك إجباراً في إطار المفهوم الضيق (الإجبار من قبل الجيش)، الأمر الذي أثار جدلاً في البداية. حيث كانت كوريا الجنوبية تصر على أن ”الإجبار من قبل الجيش الياباني“، ومن جهة أخرى ادعى آبي أن الإجبار جرى في إطار نظام الدعارة تحت إدارة الجيش الياباني الذي كان يكتسب صفة شرعية في فترة ما قبل الحرب مما أثار انتقادات في المجتمع الدولي خاصة في أمريكا. وأمّا فيما يتعلق بحقيقة الأمر فإنني أعتقد أن كلامَ آبي صحيح ولكن تم تفسير رأيه على أنه ليس هناك مشكلة في ”الإجبار في المفهوم الواسع“، وهذا أعطى لكل من سمع هذا الكلام انطباعاً أنه حاول تجنب قضية نساء المتعة بتحويلها من قضية حقوق الانسان إلى قضية جنسية وقبول ”نظام الدعارة تحت سيطرة الجيش الياباني“ على أساس هذا المنطق. هذا وما زال الكثير من اليابانيين لا يدركون بَعد مدى خطورة القضية. ولكن نظام الدعارة تحت إدارة الجيش الياباني، يعني نظام الدعارة المقننة، هو بالنسبة للمرأة أسوأ نظم الاتجار بالبشر، وتُرجم كلام رئيس الوزراء على عدم وجود مشكلة في النظام الذي كانت تعتمده اليابان في الماضي. وقد يكون نظام الدعارة تحت إدارة الجيش هو الاتجار الرسمي بالبشر ويرمز إلى انتهاك حقوق النساء. سيما وأن النساء لعبت دوراً اجتماعياً كذلك في أي ثقافة في العالم في الماضي، ولكن هذا بنية التفرقة التي يجب علينا إنكارها على الإطلاق في العصر الحديث. في هذا السياق، فقد اُعتبر كلام رئيس الوزراء آبي أنه يقبل أو يعترف بهذا النظام، وقد أصبح وصمة عار على جبين اليابان على الرغم من قيام اليابان بحظر نظام إدارة الدعارة قبل أي دولة في آسيا منذ عام ١٩٥٨.
ماهية قضية الجنس
في هذه الأيام، قام محلل ما بتحليل قضية النساء باستخدام فيلم رسوم متحركة ”ملكة الثلج“ من إنتاج ”استوديوهات والت ديزني“، وكتب مقالة تنتقد طريق حياة لبعض النساء اليابانيات. ولكن مجلة شهرية مشهورة رفضت نشر هذه المقالة، مما أدى إلى شهرة هذه المقالة. كما قرأت أيضا هذه المقالة لأكتشف المشكلة، ولكن مضمونها كان مجرد تحليل قصصي عام وعلى أسس نظرية ”يونغ“ في علم النَفس/السيكولوجيا. وبإيجاز تتكلم هذه المقالة عن إنه عند تحليل القصة التي تقيدت فيها قدرة البطلة بسبب أعمال سحرية من أختها الكبرى وبعد ذلك عادت البطلة للحياة بحب أختها، ويبدو أن الأختين ترمزان إلى ازدواجية الشخصية الواحدة، ما يعني أن تتوصل البطلة التي قيدت من نفسها على قدرتها بالتبعة للضغوط الاجتماعية التي تصر على ”التصرف الأنثوي“ إلى التفاهم مع أختها التي تستخدم قدرتها بدون أي قيود وتعكس الجانب الخلفي لشخصية البطلة، ونتيجة لذلك اكتسبت البطلة شخصية موحدة. هذه البنية مماثلة للغاية لبنية قصة ”حكايات من أراضي البحار“ التي كتبتها ”أورسولا لي جوين“. وفي مجال النشر كان هناك مشكلة في انتقادات المقالة تجاه النساء المتعلقة بالعائلة الامبراطورية أو الحكومة، ولكن لا يعرف أي شخص حقيقة ذلك إلا الأطراف المعنية بهذا المقال. لكنّ من المؤكد أن حتى وسائل الإعلام تعتقد أنه من الممنوع انتقاد أشخاص لديهم نفوذ قوي من وجهة نظر الضغوط التقليدية على حقوق النساء. ومِن جهة أخرى، يُعتقد في المجتمع الأوروبي بشكل عام أن العادة الاجتماعية التي تطلب من النساء أن تكنَّ أنثوية هي بمثابة ضغوط على النساء وهذا الإجبار هو انتهاك لحقوق النساء. وربما يكون هذا الرأي الأساسي لنظرية الجنس. ولكن في اليابان ليس هناك أي وعي بذلك. حيث أعلن بكل صراحة نائبٌ في مجلس العاصمة بنفسه قائلا إنه يجب على النساء لعب دورها في العائلة وولادة الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد المجتمع الدولي أن اليابان دولة لم تنكر الاتجار بالبشر والذي يعتبر من أكبر قضايا انتهاك حقوق المرأة.
الاشتراك في مفهوم القيم
وبالطبع اعترفت حكومة آبي الحالية بهذا الخطأ وتحاول تصحيحه. وعندما تتعرض للضغوط بما يتعلق بـ ”قضية نساء المتعة“، تحاول في البداية إظهار موقفها لحل قضية حقوق المرأة كما يبدو أن الحكومة اليابانية أعادت النظر في الخطأ بقبول انتقادات المجتمع الدولي. وفي السنوات الأخيرة أصبحت كلمة ”الديبلوماسية على أساس القيم“ منتشرة لفترة ما بسبب التغيرات الكبيرة لبيئة الأمن في شرق آسيا، ولكن بعد ظهور مشكلة ترتبط بتصريحات رئيس الوزراء آبي عن قضية نساء المتعة انشغلت الحكومة بالتعامل مع هذه المشكلة ولم تستطع بذل جهودٍ كافية للعمل على هذه الديبلوماسية، لأنه سبق وقد تم النظر إليها على أنها حكومة تفتقر إلى الوعي لحقوق الانسان ولا تستطيع مشاركة حليفها في القيم. وفي عام ٢٠٠٧ عبر بعض المسؤولين الأمريكيين عن الدبلوماسية والأمن في أمريكا - مثل نائبة الحزب الجمهوري ”كونداليزا رايز“ ونائبة الحزب الديموقراطي ”هيلاري كلينتون“ - عن غضب الحكومة الأمريكية الكبير من ذلك مما أدى إلى ظهور بوادر قلق لدى المسؤولين اليابانيين عن الدبلوماسية. ولا شك من أنه لم يكن توقيت حادثة الاستهجان جيدا. فبعد يومين من حادثة الاستهجان قدمت الحكومة تقريرا عن تثبيت بـ ”محادثة رئيس أمانة مجلس الوزراء السابق يوهي كونو عن إعلان نتائج البحث والتحقق بما يتعلق نساء المتعة تحت إدارة الجيش الياباني“ الذي تم تقديمه عام ١٩٩٣. وما زال مؤيدو الحكومة من داخل وخارج الحزب الحاكم يعتبرون أن قضية نساء المتعة مجرد قضية تاريخ بين اليابان وكوريا الجنوبية وكرروا الإشارة إلى صحة الحقائق والانتقادات ضد كوريا الجنوبية. ولكن جوهر المشكلة بالنسبة لليابان ليس هذه القضية بل قضية حقوق الإنسان الموجودة بين اليابان وأمريكا. وقد تم التحقيق في هذا الوقت للتنفيس عن كل من ضغوط المتشددين اليابانيين تجاه ”قضية نساء المتعة“ وضغوط منتقدي اليابان من أمريكا حول هذه القضية. وحدثت حادثة الاستهجان في هذا السياق بالضبط قبل تقديم التقرير مما يؤدي إلى إعاقة جهود الحكومة. لذلك من الممكن تخيل التنسيقات المختلفة التي جرت قبل الاعتذار.
لن نستطيع القضاء على المشكلة حتى بالاعتذار
ولكنني أعتقد أن مثل هذه المشاكل لن تمحى فقط بالاعتذار لأن من أطلق صيحات الاستهجان يعتقد أن السخرية بقوله ”تزوجي مبكراً لإنجاب الأطفال“ ليس تشهيراً. وأرى انّ هذا الاستهجان ليس تشهيراً فحسب بل تفرقة أو تمييزاً أيضاً وهنا تكمن المشكلة. وهيَ فرض قيم تقليدية على موظفة حكومية هو احتقار لها. وبالإضافة إلى ذلك، لا يدرك النائب ”سوزوكي“ هذه الحقيقة وهذه هي المشكلة. ويلمح عدم الإدراك هكذا بإمكانية ظهور زلة لسان حول قضية نساء المتعة أو استهجان جنسي مرة أخرى. كما قالت إحدى السيدات من اللواتي تتولى منصباً محترماً إنه يجب على الدول الأخرى ألا تشير إلى القيم داخل المجتمع الياباني، ولكن هذا الرأي تافه لأن قرار تشكيل التحالف - بالنسبة للدول الأخرى - مع الدولة التي لا تشترك في نفس مفهوم حقوق الانسان والذي يعتبر شيئاً مهماً يصبح موضع تساؤل وإعادة نظر في اتخاذ ذلك القرار وتنفيذه حيث ان المجتمع هومشكلة متعلقة بقيم هذه الدول. ولطالما أن ”القيم المشتركة“ محور سياسة التحالف لليابان، فإنيّ أعتقد أن حادثة الاستهجان في هذا الوقت قد تُلقي بظلال أزمة دبلوماسية من شأنها ان تؤثر على مستقبل البلاد.
(المقالة الأصلية باللغة اليابانية بتاريخ ٢٤ يونيو/حزيران ٢٠١٤، صورة اللافتة : عضو مجلس العاصمة / برلمان طوكيو النائبة ”أياكا شيومورا“ تذرف الدمع بعد سماع كلمات نابية جارحة، الصورة مهداة من نيكان سبورت / آفلوه)