عادات وآداب على الطريقة اليابانية

لماذا يُصدر اليابانيون أصواتا أثناء تناول الصوبا؟

ثقافة

موتوهاشي تاكاشي [نبذة عن الكاتب]

يقوم اليابانيون بإصدار صوت ”التناول“ المثير، عند تناول الصوبا. يثير ذلك دهشة السائحين الأجانب من زائري اليابان عند دخولهم لمطاعم الصوبا، وربما يؤدي ذلك الصوت إلى شعور البعض بالانزعاج والضيق أحيانا. لماذا ظهرت ولماذا تأصلت تلك العادة الغذائية الخاصة باليابان من تناول الصوبا عن طريق الارتشاف؟ حاولنا تحليل ذلك بسؤال صاحب أحد مطاعم الصوبا العريقة في طوكيو.

السبب وراء تفضيل طريقة ”الارتشاف“

يتم تناول الصوبا في جميع أنحاء اليابان منذ القدم، فهي ذات قيمة غذائية عالية، ويتم حصاد الحنطة السوداء التي تدخل في تكوينها بعد وقت قصير نسبيا بحيث يتراوح بين نحو شهرين ونصف إلى ثلاثة أشهر وذلك بالمقارنة مع الأرز ففي البداية، كان يتم تناول حبوب الحنطة السوداء ذاتها كما هي على شكل عصيدة أو غيرها من الأشكال، ثم تحولت إلى ”صوبا غاكي“ أي كرات الصوبا المسلوقة بعد طحنها إلى دقيق ثم عجنها ليتم تشكيلها في النهاية على صورة معكرونة. وأخيرا استقرت الصوبا في قوائم الطعام في أوائل عصر إيدو. وفي النصف الثاني من القرن السابع عشر، كان هناك بالفعل الكثير من المطاعم. وفي البداية كانت المطاعم تجمع بين بيع الصوبا والأودون، لكن الشعبية الكبيرة للصوبا أدت في النهاية إلى إقصاء الأودون لتصبح الصوبا من أشهر معالم مدينة إيدو.

وكما يقول السيد هوريي ”في البداية، كان يتم تناول الصوبا في آنية من الخيزران بعد الطهي على البخار. ولابد من أن يكون أحدهم قد لاحظ رائحة الصوبا مع خروج بخار الماء عند الطهي. لذا عند تجربة تناولها بأسلوب التناول المشار إليه، وجد أن طعمها ألذ مع الاستمتاع بالرائحة أيضا. وهكذا أعتقد أن تكون تلك العادة خبرة مكتسبة بشكل طبيعي“.

ومن المؤكد أن السبب في شعبية الصوبا يرجع إضافة لمذاقها اللذيذ، إلى قيمتها الغذائية العالية أيضا. حيث تتميز الحنطة السوداء بالمقارنة مع القمح المضاف في صنع الأودون، كونها ذات محتوى بروتيني عالٍ وغنية كذلك بفيتامين ب. وأعتقد أنه على الرغم من عدم وجود إمكانية لفحص قيمتها الغذائية وقتها إلا أنه من المؤكد أنه تم التعرف على ”فوائدها الجمّة للجسم“ عن طريق الخبرة. حيث ازداد عدد المطاعم التي تقدم الصوبا مع الوقت، ليبلغ عددها في القرن التاسع عشر حوالي ٧٠٠ مطعما في إيدو كما يُعتقد. إنّ هذا يأتي بعد حانات الشراب، التي كان عددها أكبر من عدد المطاعم وقتها.

ويضيف السيد هوريي ”يُقال أن إيدو كانت وقتها مدينة ذات مليون نسمة. ولابد من أنه كان من الضروري تناول طعام ذو قيمة غذائية عالية في وقت قصير ليتمكن الناس من العيش في هذه المدينة التي تموج بمثل هذا العدد الضخم من السكان على المستوى العالمي. وهذا أحد الأسباب التي أدت إلى تأصّل الصوبا في إيدو مقابل ثقافة الأودون في منطقة كانساي غرب اليابان“.

”ساراشينا“ الطبق الشهير بمطعم هوريي (٩٣٠ ين)، ذو شعرات بيضاء رفيعة مصنوعة من طحين قلوب حبات الحنطة السوداء. وهذا هو بالضبط الطبق المناسب للتناول مع الاستمتاع بالرائحة الخفيفة للصوبا مع كل رشفة.

كما كثرت الأكشاك حيث يمكن تناول الصوبا بسهولة، والـ”يورو صوبا أوري“ أو البائع المتجول الذي يسير حاملاً على كتفيه عصا تزن أوعية الصوبا. وكذلك وجدت المطاعم الفاخرة التي يذهب إليها الساموراي والطبقة العليا في المجتمع لتناول الصوبا، لكنها ظلت طعاما شعبيا للعامة. وجدير بالذكر، أن الأطعمة اليابانية الشهيرة مثل السوشي والتنبورا هي الأخرى سلكت نفس طريق الصوبا بداية من أكشاك الطعام في عصر إيدو كوجبات سريعة سهلة التناول وواسعة الانتشار بين الطبقات الشعبية.

وكانت سلوكيات وآداب الطعام قد ترسخت بالفعل في اليابان خلال عصر إيدو. وكان من البديهي أيضاً أن يكون إصدار الصوت أثناء الأكل كما هو شائع الآن مخالفا لتلك الآداب. ولكن كما يقول السيد هوريي ”لم يتم الاهتمام بتلك الآداب، لكون الصوبا طعاما شعبيا“، ولم يكن لأحد من أبناء إيدو أن يذكر ذلك السلوك الفظ بشيء ونظرا لأنّ تناولها يكون واقفا في أغلب الأحيان، فقد كان من الطبيعي تناولها على استعجال كما لو كان المرء يكبها كبا. ولذلك، ألم يكن من الطبيعي أن يتم تناول الصوبا مع إصدار أصوات! ويعتقد أن تلك العادة قد استمرت حتى وقتنا الحاضر، وأثرت على طريقة تناول الرامن أيضا.

الطاهي يقوم بفرك الصوبا المقطعة بعناية

الصفحة التالية: تناول الصوبا بشهية

كلمات مفتاحية

الطعام الياباني الحرفيون الصوبا

موتوهاشي تاكاشيMOTOHASHI Takashiعرض قائمة المقالات

عمل بشركة نشر، ثم محررا وكاتبا حرا في عدد من المجلات ومواقع الإنترنت. لديه حب كبير لمطاعم الصوبا التي يتم التناول بها وقوفا، أصدر ونشر ”الكتاب المصور لمطاعم الصوبا الواقفة نسخة طوكيو“ عام ٢٠١٣ و”الكتاب المصور لمطاعم الصوبا الواقفة“ عام ٢٠١٤. ويشغل منصب رئيس رابطة محبى الصوبا ”طوكيو صوباتّ دان“.

مقالات أخرى في هذا الموضوع