فنادق الحب في اليابان: أماكن تروي قصصاً فريدة وراء الأبواب المغلقة
مجتمع لايف ستايل- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
في زوايا مظلمة ومبهرة من ثقافة اليابان، تنسجم الماضي مع الحاضر في ملاذات تعكس انعطافات العصر ورغباته. تحكي فنادق الحب قصة تطورٍ لا مثيل له، حيث تخطو خطىً ثابتة من مجرد ملاذات للخصوصية إلى مراكز راقية لاستكشاف الحب بأبعاد جديدة.
بدأت هذه الفنادق كتجمعات تقدم الخدمات البسيطة للأزواج الذين يبحثون عن الانعزال والخصوصية، لكنها سرعان ما تحولت إلى معابد للتجربة والابتكار الاجتماعي. ابتكرت اليابان هذه المفاهيم كرد فعل على زخم التحولات الاجتماعية والاقتصادية في الستينيات، حيث كان الشباب يبحثون عن طرق جديدة للتعبير عن أنفسهم واكتساب الخبرات الحياتية.
مع مرور الوقت، تطورت فنادق الحب بسرعة لتصبح معالم تحفيزية للإبداع المعماري والتصميم الداخلي، مدمجة بأحدث التقنيات والمرافق الفاخرة. أصبحت هذه الأماكن تعبيراً عن رغبات المجتمع في التغيير والابتكار، حيث تجمع بين الجمال الفني والوظائف العملية بطرق تلبي تطلعات الأفراد المعاصرين.
اليوم، تعد فنادق الحب محطات لاستكشاف الهوية والعواطف، حيث يمكن للنزلاء الانغماس في تجربة شاملة تمتزج بين الخصوصية المطلقة والابتكار الثقافي. تقدم هذه المنشآت للزوار فرصة للتفاعل مع الفنون والثقافة بطرق غير مسبوقة، مما يجعلها مراكز للتعبير الذاتي والاستكشاف الشخصي.
فنادق الحب ثقافة يابانية
لا توجد أمثلة كثيرة لكلمات إنجليزية نبعت من اليابان وشهدت انتشاراً عالمياً. وواحد من تلك الأمثلة القليلة هو تعبير Love Hotel أو فنادق الحب. حيث يتحدث عنها الإعلام العالمي بأنها ظاهرة فريدة خاصة باليابان يتم تناولها كظاهرة شيقة وغريبة في ذات الوقت.
وعلى الرغم من كونها أماكناً يزورها الرفقاء متحملين نظرات الناس، لا نعرف السبب وراء كونها دائما فخمة المنظر. منها تلك التي ما أن تلج لداخلها حتى تجد سريراً ضخماً قابع وسط إضاءة مريبة وغامضة. هذا بالإضافة إلى مستلزمات البالغين، كراسي التدليك، الجاكوزي وما إلى ذلك من وسائل الاسترخاء وحتى أجهزة الكار يوكي والألعاب. ورغم كل شيء تظل كلّها بسعر في متناول الجميع. ولعل هذا ما يجذب أنظار الأجانب المهتمين بـ ”اليابان بلد العجائب“ لهذا المكان الملئ بالسحر. فقد سمعت أنه حتى السائحين الشباب من الأجانب أصبحوا يستخدمون هذه الفنادق مؤخراً. ومن وجهة نظر الأجانب، تعتبر فنادق الحب ”ثقافة يابانية“. ولذلك قامت الكاتبة ببحث ظاهرة فنادق الحب أكاديميا، وتكون لديها نفس الرأي.
”إن الثقافة، ليست من اختراع شخص ما، بل تنشأ وتولد من انتشار حاجة ما بين الأشخاص. ومن هنا تولد الثقافة ويتغير شكلها رويداً رويداً وهي آخذة في التطور. وليست ظاهرة فنادق الحب إلا مثالاً على ذلك فقط. فيمكن القول أن فنادق الحب بشكلها الحالي ما هى إلا نتيجة لرغبة وحاجة للعديد من الناس. وهذا هو الطريف في الأمر“.
ومن ثم يتوارد علينا بإلحاح السؤال الآتي، كيف تطورت ظاهرة فنادق الحب في الاستجابة لرغبات بعض الناس؟
البداية الأصلية لفنادق الحب
وفقاً للسيدة كيم، فإن البيوت التي تواجدت فيها النسوة اللواتي يقمن باصطياد الزبائن كانت ظاهرة موجودة من عصر إيدو. ولكن فنادق الإينشوكو التي كان يذهب إليها العشاق العاديين لم تبدأ إلا مع بداية عصر شووا. وبالنظر إلى سياسة الأسعار (الليلة بـ 2 ين والراحة لوقت محدد أو لفترات قصيرة بـ ١ ين) فيمكننا القول بأنها اتخذت الشكل الأصلي لفنادق الحب. واستخدم هذه الفنادق كل من ”بائعات الهوى“ وحتى الزوجات الحقيقيات. وتناقلت الصحف وقتها الخبر مستهجنةً ”هذه العادات المتدنية“.
ولكن اختفت معظم هذه الفنادق مع بداية الحرب العالمية الثانية. وحتى بعد الحرب لفترة ظلت ”المواقع المفضلة“ لتبادل الغرام موجودة على سبيل المثال في الميدان الموجود أمام القصر الإمبراطوري في طوكيو وفي منطقة قلعة أوساكا في أوساكا.
وفقط عندما بدأت النهضة بعد الحرب، ومع الطفرة التي تحققت أثناء الحرب الكورية (1950-1952)، تسارع بناء المساكن والمباني التجارية بشكل كبير. وازداد عدد العاملين بالعاصمة، كما تنامت الحاجة لمباني الإقامة، وتم بناء نزل للتجار على نطاق واسع. واستخدم العشاق مثل تلك النٌزل وكان الكثير منهم يستخدمها لساعات قليلة دون المبيت بها. ولفتت هذه الظاهرة إدارات الفنادق التي أحست بالحاجة لوضع أسعار قائمة على الإستخدام لساعات قليلة. ونما وتطور هذا النوع من الأعمال بشكل كبير بفضل إقبال المستخدمين على الاستفادة منه.
وتجمعت الفنادق التي تتوقع استقبال العشاق في وسط المدينة وتم تغيير اسمها فجأة إلى ”فنادق الاصطحاب“.
وكانت الفترة التي زادت فيها هذه الفنادق بشكل خاص عام 1960على ما يبدو. وارتفع عددها عام 1961 وحده إلى حوالي 2700 فندق. وتوافق ذلك مع دخول قانون منع الدعارة حيز التنفيذ عام 1958، حيث حَوّل الكثير من الملاهي نشاطاتها إلى فنادق إقامة. ويقال أيضاً أن المكاسب الكبيرة لمثل هذه الفنادق شجع الكثير من المنازل المجاورة لتحويل شكلها ليناسب نشاط فنادق الإقامة. وعلى الرغم من ذلك لم يخل الأمر من فترات شهدت تراجعاً لتلك الأنشطة مثل الفترة التي تلت إقامة أولمبياد طوكيو (عام 1964).
موقف اليابان من اصطحاب الأزواج لزوجاتهم لفنادق الإقامة
لماذا زاد الطلب على فنادق الإصطحاب تلك؟ تشير السيدة كيم إلى التأثير الناتج عن ظروف السكن في اليابان. حيث كانت المساكن في الماضي تقوم على تعدد الإستخدامات لغرف قليلة. فكانت ذات الغرف تستخدم للمعيشة في النهار وغرفة طعام في وقت تناول الوجبات، وغرفة للنوم بالمساء.
تقول كيم: ”إن وجود الأطفال ومعيشة الزوجين مع والديهم. فانّه لم يتوافر للزوجين المكان الذي من الممكن أن يختليا فيه ببعضهما. هل من الممكن تصور متى إستطاعا ممارسة حياتهم الزوجية لإنجاب الأطفال؟“ ولذا لم يكن من الغريب أن لجأ حتى الأزواج لفنادق الاصطحاب لممارسة الحب.
”كذلك كانت الحاجة للحمامات. وكانت فنادق الإصطحاب تلك وقتها مزودة بأماكن للاستحمام مشتركة للجنسين. ويبدو أنه كان يتم مناداة كل شخص برقم غرفته بعد أن ينتظر دوره. سيما وإنه كان من الطبيعي آنذاك عدم توفر مكان للاستحمام في البيت حيث كان الجميع يرتادون الحمامات العامة. وكان ذلك عامل آخر جذب المتزوجين للذهاب إلى فنادق الإصطحاب والإستحمام معا“. وذلك وفقاً لما سردته كيم إيككيون.
العصر الذهبي لفنادق الحب!
انتشرت تسمية ”فنادق الحب“ عندما تم تحسين مستوى فنادق الإصطحاب. قامت السيدة كيم إيككيون بدراستها على الفترة الواقعة بين أواخر ستينات وسبعينات القرن الماضي. وهو عصر النمو الاقتصادي الكبير في اليابان، وبعد تخطي أزمة النفط ودخول عصر الاستقرار وما يعرف أيضاً بـ ”عصر الطبقة الوسطى من المليارديرات“.وهو العصر الذهبي.
مهد إفتتاح معرض أوساكا (عام 1970) إلى ظهور طفرة السفر للخارج. وأدى ذلك إلى انجذاب الناس إلى طريقة العيش الأوروبية والأمريكية والنفور من الفنادق اليابانية التقليدية. وبواسطة المكاسب الكبيرة التي حققتها فنادق الاصطحاب سارع أصحاب تلك الأعمال ببناء فنادق على النمط الغربي.
أبرز تلك الأمثلة، فندق ”ميجورو إنبرا“ الذي تم إفتتاحه بجوار نهر ميجورو في منطقة ميجورو بطوكيو عام 1973. وسرعان ما أصبح هذا المبنى الغريب على شكل قلعة غربية قديمة حديث الساعة.
”ونظراً لأن الهدف من الإستخدام هو ممارسة الحب فقط، فلم يكن من الممكن الدعاية له بشكل واضح والدلالة عن المكان. فإن الاهتمام بجاذبية المظهر الخارجي كان بدوره أحد وسائل الإعلان عن المكان. وبالتالي فقد كان من الضروري أن يكون مظهر المكان معبر جداً عن طبيعته. ولفت نجاح ميجورو إنبرا إنتباه الشركات الأخرى، وخلال عشر سنوات انتشرت ظاهرة ”القلعة“ على مستوى اليابان“. (نفس المصدر)
كما سجل آنذاك فندق ميجورو انبرا وخلال شهراً واحداً دخلاً مالياً بلغ 40 مليون ين ياباني. وقد حفز ذلك ظاهرة ”الفنادق الفاخرة“ بين فنادق الحب التي بدأت قبل عشرات السنين. وانتشرت أضواء النيون البراقة. وتنوعت أشكال فنادق الحب من أشكال القلاع لتتخذ شكل كنيسة، ومركب فاخر. كما أخذت أنواعا أُخرى منها شكل ”الغابة“، ”المملكة المتحدة“ و”القصور“.
وهناك غرف تنوعت في ديكوراها لتصبح أكثر من مجرد غرف فندقية، فحوت على سرائر كهربائية، وقبب سماوية (بلانتاريوم)، مراكب إيطالية، ومراجيح، فملأت الغرف بجو غير مألوف.
ولكن بعد تلك الفترة الذهبية التي شهدتها فنادق الحب، دخلت فترة ركود دفعت الى التغيير من شكلها. (يتبع في الجزء الثاني)
المصادر: كيم إيككيون ”نظرية تطور فنادق الحب“ (دار نشر بونجيشونجو) كيم إيككيون ”التاريخ الثقافي بين الجنس والحب“ ( دار نشر مينيرفا) (المقالة الأصلية باللغة اليابانية، تصوير الصورة أعلى الصفحة: هانس ساوتل)