بعد سنوات من الكارثة: تيبكو تخطو أولى خطواتها لإزالة الوقود المنصهر في فوكوشيما

كوارث

مرت أربعة عشر عامًا على الكارثة التي هزّت محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية، ولا يزال العمل مستمرًا لإزالة الحطام الملوث من وحدات المفاعل المتضررة. ورغم أن التجربة التي أُجريت أواخر العام الماضي أسفرت عن انتشال أقل من غرام واحد فقط، فإن المهندسين يواصلون جهودهم الدؤوبة لاستخلاص الدروس اللازمة لمواجهة التحديات الهائلة التي تنتظرهم في هذه المهمة المعقدة.

نجحت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (تيبكو) في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024 في تجربة إزالة حوالي 0.7 غرام من حطام قضبان الوقود من مفاعل الوحدة 2 في محطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية المتضررة. وكان من المقرر إجراء هذه التجربة في الأصل عام 2021، لكنها تأخرت بسبب الوقت المطلوب لبناء معدات انتشال الوقود وإجراء الاستعدادات الأخرى. ومن أجل فهم كيف تمكن العمال من إزالة الحطام، دخلنا إلى داخل مفاعل الوحدة 5، الذي يتمتع بتصميم مماثل إلى حد كبير لمفاعل الوحدة 2 المتضرر. كان مفاعل الوحدة 5 متوقفا عن العمل لأعمال صيانة مجدولة في وقت حدوث تسونامي، ولهذا السبب تمكن من تفادي أضرار جسيمة. وبات هذا المفاعل السليم نسبيا ذو فائدة لاستخدامه في محاكاة بالحجم الكامل بهدف تطوير أنظمة انتشال الحطام وتحديد المسارات التي يتم من خلالها نشر الروبوتات داخل مفاعل الوحدة 2.

الوحدتان 5 (على اليسار) و6 مبنيتان على منطقة ساحلية مرتفعة في بلدة فوتابا، إلى الشمال من المفاعلات الأربعة الأخرى. (© هاشينو يوكينوري)
الوحدتان 5 (على اليسار) و6 مبنيتان على منطقة ساحلية مرتفعة في بلدة فوتابا، إلى الشمال من المفاعلات الأربعة الأخرى. (© هاشينو يوكينوري)

داخل حاوية الضغط

تتدلى أسفل حاوية الضغط مباشرة في مفاعل الوحدة 5 مجموعة من المعدات، بما في ذلك أجهزة تحريك قضبان التحكم لتنظيم عمل المفاعل وتبرز مثل النتوءات الجليدية. يعمل عمود طويل يُعرف باسم ”ممر الاختراق X-6“، والذي يُستخدم عادة عند استبدال هذه المعدات، كمدخل يمكن من خلاله تقريب معدات الانتشال من حاوية المفاعل.

تُستخدم هذه المساحة لإجراء الصيانة على أنظمة تشغيل قضبان التحكم والأجهزة الأخرى المتدلية من حاوية الضغط الخاصة بالوحدة 5. (© هاشينو يوكينوري)
تُستخدم هذه المساحة لإجراء الصيانة على أنظمة تشغيل قضبان التحكم والأجهزة الأخرى المتدلية من حاوية الضغط الخاصة بالوحدة 5. (© هاشينو يوكينوري)

يظهر أنبوب ”ممر الاختراق X-6“ في أسفل هذه الصورة، التي التُقطت في الممر المحيط بحاوية المفاعل.(© هاشينو يوكينوري)
يظهر أنبوب ”ممر الاختراق X-6“ في أسفل هذه الصورة، التي التُقطت في الممر المحيط بحاوية المفاعل.(© هاشينو يوكينوري)

عمود ”ممر الاختراق X-6“ مع فتح غطائه. تظهر الآلات بداخله. والمنطقة البيضاء نصف الدائرية خلفه هي الجزء الداخلي من حاوية المفاعل. (© هاشينو يوكينوري)
عمود ”ممر الاختراق X-6“ مع فتح غطائه. تظهر الآلات بداخله. والمنطقة البيضاء نصف الدائرية خلفه هي الجزء الداخلي من حاوية المفاعل. (© هاشينو يوكينوري)

نصف الدائرة على الجدار إلى اليمين هي فتحة ممر الاختراق، كما ترى من داخل حاوية المفاعل. (© هاشينو يوكينوري)
نصف الدائرة على الجدار إلى اليمين هي فتحة ممر الاختراق، كما ترى من داخل حاوية المفاعل. (© هاشينو يوكينوري)

انتشال الحطام

يبلغ قطر ”ممر الاختراق X-6“ 55 سنتيمترا. في التجربة التي أُجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 على الوحدة 2، أدخل العمال أنبوب استكشاف عبر هذا العمود، ومرروا من خلاله أداة طويلة إلى حاوية المفاعل، بطريقة تشبه مد صنارة صيد. وأنزلوا من طرف هذه الأداة جهازا يشبه المخلب عبر فتحة في الشبكة المعدنية، وتمكنوا من انتشال عينة من الحطام وزنها 0.7 غرام.

ونظرا لاستحالة دخول البشر إلى مفاعل الوحدة 2 بسبب التلوث الشديد، يتم تنفيذ المهمة عن بُعد وذلك بعد إجراء مسوحات متكررة، مع مراقبة البث المباشر عبر الكاميرات. عند النظر من خلال الشبكة المعدنية في الوحدة 5، يُمكن رؤية المعدات المُستخدمة لاستبدال آليات تشغيل قضبان التحكم. أما في الوحدة 2، فيعتقد أن جميع هذه المعدات قد تهتكت بفعل قضبان الوقود المنصهرة، وتراكمت في قاع حاوية المفاعل. وتُعدّ مهمة إزالة هذا الحطام مهمة بالغة الصعوبة.

الشبكة المعدنية في مساحة العمل أسفل حاوية الضغط الخاصة بالوحدة 5 (© هاشينو يوكينوري)
الشبكة المعدنية في مساحة العمل أسفل حاوية الضغط الخاصة بالوحدة 5 (© هاشينو يوكينوري)

الجزء السفلي من حاوية الضغط تحت الشبكة المعدنية. في مفاعل الوحدة 2، يُعتقد أن قضبان الوقود المنصهرة التي احترقت عبر قاعدة حاوية الضغط مزّقت الهيكل الداخلي، ما أدى إلى تكوّن بركة من الحطام (© هاشينو يوكينوري)
الجزء السفلي من حاوية الضغط تحت الشبكة المعدنية. في مفاعل الوحدة 2، يُعتقد أن قضبان الوقود المنصهرة التي احترقت عبر قاعدة حاوية الضغط مزّقت الهيكل الداخلي، ما أدى إلى تكوّن بركة من الحطام (© هاشينو يوكينوري)

نموذج لمفاعل الوحدة 2 في المبنى الرئيسي الجديد لمحطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية. يظهر المسار عبر ”ممر الاختراق X-6“ وحطام قضبان الوقود في أسفل اليسار. (© هاشينو يوكينوري)
نموذج لمفاعل الوحدة 2 في المبنى الرئيسي الجديد لمحطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية. يظهر المسار عبر ”ممر الاختراق X-6“ وحطام قضبان الوقود في أسفل اليسار. (© هاشينو يوكينوري)

قطرة في المحيط

يصف أونو أكيرا، الرئيس التنفيذي لشركة هندسة إزالة التلوث وإيقاف تشغيل محطة فوكوشيما دايئيتشي التابعة لتيبكو، التجربة التي أجريت في الخريف الماضي بأنها ”قطرة في المحيط“.

ويوضح قائلا ”ربما لم تُسفر المحاولة الأولى إلا عن انتشال قطرة صغيرة من الوقود. لكن الأهم هو أننا سنتمكن من انتشال كميات أكبر فأكبر. سنوظف الخبرة المكتسبة من هذه التجربة لتحقيق ذلك“.

أونو أكيرا، الرئيس التنفيذي لشركة هندسة إزالة التلوث وإيقاف تشغيل محطة فوكوشيما دايئتشي التابعة لـ تيبكو. (بإذن من شركة تيبكو القابضة)
أونو أكيرا، الرئيس التنفيذي لشركة هندسة إزالة التلوث وإيقاف تشغيل محطة فوكوشيما دايئتشي التابعة لـ تيبكو. (بإذن من شركة تيبكو القابضة)

ذراع روبوتية تظهر إمكانيات واعدة

ستُجري شركة تيبكو أيضا محاولة لانتشال الحطام مرة أخرى في ربيع عام 2025. ومن أجل تقليل التحديات الناجمة عن استخدام جهاز مشابه للصنارة الذي له طرف غير مستقر، يقوم المهندسون بإعادة تصميم الطرف، بالإضافة إلى إجراء تحسينات أخرى.

قبل تجربة انتشال الحطام العام الماضي مباشرة، اكتشف المهندسون أن الأنبوب المستخدم لإدخال جهاز الانتشال إلى حاوية المفاعل جُمع بترتيب خاطئ. ومما زاد الوضع سوءا، أن الكاميرا المُثبتة على طرف الجهاز توقفت عن العمل قبل لحظات من إمساك الطرف بالحطام.

يتذكر أونو ذلك قائلا ”كان من المفترض أن تكون مهمة توصيل الأنابيب معا بالترتيب الصحيح أمرا بسيطا للغاية. لذلك، لم نتوقع أي مشكلات تتعلق بالسلامة. ولأن هذه المهمة أُجريت في منطقة شديدة الإشعاع، حيث يرتدي العمال الملابس الواقية والأقنعة الكاملة، وكان لا بد من إنجازها في وقت قصير، فقد واجه العمال صعوبة في سماع بعضهم البعض والتواصل“. ويشير أونو إلى أنه خلال التجربة القادمة، ستتوخى شركة تيبكو الحذر بشكل أكبر، بما في ذلك فيما يتعلق بالمهام التي يؤديها العمال.

تخطط شركة تيبكو بحلول نهاية مارس/آذار عام 2026، أيضا لبدء مسح آخر، وهذه المرة باستخدام ذراع آلية. وبالمقارنة مع الجهاز الذي يشبه صنارة الصيد، والذي يُسقط خطا مستقيما عبر فتحات الشبكة المعدنية، فإن الذراع الآلية تتمتع بمدى حركة أوسع. ونظرا لأن الذراع يمكنها أيضا أخذ قراءات الإشعاع والتقاط صور في نقاط مختلفة في قاع حاوية المفاعل، فسيكون هناك آمال أن تكون قادرة على جمع معلومات أكثر فائدة استعدادا لانتشال الحطام بالكامل.

تُقدر إجمالي كمية الحطام الملوث في الوحدات 1 و2 و3 بنحو 880 طنا متريا. وستكون عملية انتشاله بالكامل عملية طويلة، ومن المرجح أن تواجه عقبات غير متوقعة.

يقول أونو ”في الماضي، كنا نترك مهمة التدريب للمقاولين المسؤولين عن مشروع تفكيك المفاعل. ولكن بيئة العمل هذه صعبة وغير مسبوقة، حيث تتغير المهارات والمعرفة المطلوبة باستمرار. لذا يتعين على شركة تيبكو أن تلعب دورا فعالا في تدريب موظفيها وتزويدهم بالمهارات اللازمة للقيام بهذه المهمة. إن تفكيك المفاعل هي عملية طويلة تتطلب مشاركة جميع الأطراف. أود أن أرى عملية التفكيك تُنفذ بطريقة مستدامة بمشاركة الشركات المحلية أيضا“.

الوحدات من 1 إلى 3 كما تُرى من منصة المراقبة: حوالي 880 طنا من الحطام في انتظار انتشالها .(© هاشينو يوكينوري)
الوحدات من 1 إلى 3 كما تُرى من منصة المراقبة: حوالي 880 طنا من الحطام في انتظار انتشالها .(© هاشينو يوكينوري)

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بقلم كايدا ناؤي من Nippon.com. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الجزء الداخلي من حاوية المفاعل في الوحدة 5 بمحطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية. وبفضل تصميمها المشابه إلى حد كبير للوحدات 1 إلى 3 المنصهرة، تُستخدم الوحدة 5 كأداة محاكاة بالحجم الكامل لعملية تفكيك المفاعلات. © هاشينو يوكينوري)

    كلمات مفتاحية

    اليابان كارثة فوكوشيما المفاعلات النووية

    مقالات أخرى في هذا الموضوع