حلم جديد في الأفق: ماذا يعني انتقال روكي ساساكي إلى أمريكا للبيسبول الياباني؟

صغير جدا على المشاركة في الدوريات الكبرى؟

أعلن لاعب البيسبول المخضرم ساساكي روكي في فعالية لتكريم مشجعي فريق تشيبا لوتي مارينز في نوفمبر/تشرين الثاني، عن قرار مفاجئ قال فيه ”قررت بدعم من فريقي السعي إلى الحصول على مركز رامي في الدوريات الرئيسية لأمريكا الشمالية. وسأجعل الدعم والتشجيع العاطفي الذي تلقيته من المشجعين في اليابان قاطرة نجاحي في أمريكا. شكرا لكم!“. وكان هذا إعلانا في غاية الوضوح عن نية الرامي الشاب، على الرغم من أنه جاء قبل وقت طويل من بدء مفاوضات أولية مع أي فريق على الجانب الآخر من المحيط.

انضم ساساكي إلى مارينز مباشرة بعد تخرجه من مدرسة أوفوناتو الثانوية بمحافظة إيواتي في عام 2020. لم يتمكن في عامه الأول مع الفريق من المشاركة في مباريات ولو لمرة واحدة، بل ركز بدلا من ذلك على برنامج تدريبي لبناء قوته. ولكن بدءا من عامه الثاني، حقق 3 و9 و7 و10 انتصارات في مواسم متتالية، ليسجل رقما قياسيا إجماليا بلغ 29 فوزا و15 خسارة. في موسم 2024، حقق أخيرا انتصارات بأرقام مكونة من خانتين، ما عزز مكانته كعنصر أساسي في تشكيلة الفريق.

لا يشك أحد في أن ساساكي يمتلك موهبة لتعزيز هذا السجل أكثر. في 10 أبريل/نيسان عام 2022، أرخ اسمه برميته المثالية في المباراة السادسة عشرة في تاريخ البيسبول الياباني للمحترفين، ليصبح أصغر رامٍ يفعل ذلك على الإطلاق في سن 20 عاما و 5 أشهر. ومن إنجازاته في هذه المباراة أيضا أنه عادل الرقم القياسي للدوري الياباني للمحترفين بـ 19 ضربة في مباراة واحدة. وفي موسم 2023، رمى كرة بسرعة 165 كم/الساعة (102.5 ميل في الساعة)، ليعادل الرقم القياسي الياباني للمحترفين الذي سجله أوتاني شوهي. ولكن أداءه خلال ذلك الموسم تأثر بالإصابة، ما منعه من عرض أداء كما كان مرجوا له.

قرر فريق لوتي الآن السماح بتقديم ساساكي للدوريات الرئيسية، مستفيدا من نظام يسمح للاعبين الذين لم يقضوا 9 سنوات في فريق محترف باليابان أن يصبحوا وكلاء أحرارا. ولكن المشكلة هنا تكمن في أن ساساكي لم يتم عامه الخامس والعشرين بعد ولم يقضِ 6 مواسم في البيسبول المحترف، ما سيحد من راتبه السنوي ومكافأة توقيع العقد التي يمكنه الحصول عليها كلاعب أجنبي.

فُرضت هذه القيود في الأصل لمنع ارتفاع قيم العقود بشكل كبير بالنسبة للمواهب الشابة الواعدة ومنع فرق دوري البيسبول الرئيسي من استقطاب أغلب المواهب الشابة من دول أمريكا اللاتينية قبل اكتسابهم الخبرة اللازمة في دورياتهم المحلية. والآن بعد أن باتت هذه القيود تطبق على اللاعبين من اليابان وكوريا ودول آسيوية أخرى، فهناك فرص كبيرة بأن يبدأ ساساكي مشواره في أمريكا الشمالية كرامٍ في الدوريات الصغرى على مستوى AAA أو AA في البداية، وهو عامل من شأنه أن يقلل أيضا بشكل كبير من رسوم الانتقال التي تُدفع لنادي لوتي للسماح له بالرحيل.

استعداد لوتي لوداع ساساكي

وكما ذكرنا أعلاه، يتعين على لاعب الدوري الياباني للمحترفين أن يقضي 9 مواسم مع فريق محترف في اليابان ليصبح مؤهلا لأن يكون وكيلا حرا. ولكن بمجرد تسجيل اللاعب كوكيل حر، يُحرم فريقه من فرصة كسب رسوم كبيرة مقابل السماح له بالتفاوض مع فريق في دوري البيسبول الرئيسي. ولهذا السبب فإن الكثير من الفرق اليابانية تخول لاعبيها الواعدين إمكانية التعبير عن اهتمامهم بالانتقال إلى دوري البيسبول الرئيسي في عامهم الثامن بهدف تحصيل رسوم انتقال من النوادي المهتمة بهؤلاء اللاعبين.

وإذا انتظر ساساكي إلى أن يبلغ سن الخامسة والعشرين، لكان بوسعه أن ينتقل مباشرة إلى مركز الرامي في فريق من نواد دوري البيسبول الرئيسي، وبالتالي يمكن نادي لوتي من الحصول على رسوم انتقال أكبر. لكن فريق المارينز أتاح له فرصة الانتقال في وقت مبكر، حيث أولى أهمية أكبر لرغبته في تحدي نفسه في أقوى الدوريات في العالم على حساب رغبتهم في الحصول على المال الذي قد يسمح لهم بتعزيز برنامجهم المستقبلي.

قال ساتوزاكي تومويا الذي لعب في مركز لاقط الكرة لصالح فريق لوتي ومنتخب الساموراي الياباني في بطولة العالم للبيسبول عام 2006 وأولمبياد عام 2008، على قناته الشهيرة على يوتيوب ”من وجهة نظر ساساكي روكي، إن السماح له بالانتقال إلى دوري البيسبول الرئيسي هو تطور محظوظ للغاية. ولكن بالنسبة إلى نادي لوتي، من المفترض أن ينصب التركيز على بناء أقوى فريق ممكن بهدف الفوز بإحدى بطولات اليابان. يجب عليّ أن أتساءل عما يفكر فيه مشجعو فريق مارينز بشأن كل هذا“.

ربما كان أحد العوامل وراء استعداد النادي للسماح لساساكي بالانتقال هو وجود يوشي ماساتو كمدير للفريق. يوشي نفسه كان لاعبا في دوري البيسبول الرئيسي، وقد رحّب بالمشجعين في حفل التكريم المذكور أعلاه بإعلان مفاجئ قال فيه ”سنرى في الموسم المقبل لاعبا من الفريق يتوجه إلى تحدٍ أكبر، ولاعب الفريق هو روكي“. ومن الواضح أن المدير الفني للفريق يقف إلى جانب ساساكي فيما يتعلق الأمر برغبة الرامي في الانتقال إلى الدوري الرئيسي.

أمضى يوشي منذ عام 2014 عدة سنوات في كلية الدراسات العليا بجامعة تسوكوبا لدراسة نظرية التدريب تحت إشراف الأستاذ المشارك كاوامورا تاكاشي (بروفيسور حاليا)، وهو باحث ياباني رائد في مجال البيسبول. وهناك صلات ارتباطات أعمق هنا، فكوكوبو يوهي مدرس فريق مدرسة أوفوناتو الثانوية الذي لعب فيه ساساكي، درس أيضا تحت إشراف كاوامورا عندما كان طالبا في جامعة تسوكوبا. وباختصار، فإن اثنين من الشخصيات التي وجهت ساساكي خلال مسيرته في البيسبول، تتلمذا على يد نفس الخبير المشهور في مجال البيسبول.

التضحية بالانتصارات بهدف دعم المواهب

دعونا نعود إلى مشهد البيسبول في المدرسة الثانوية في صيف عام 2019. كان ساساكي هو الرامي المتميز لفريق أوفوناتو، الذي تقدم إلى الجولة النهائية من بطولة محافظة إيواتي، وكان من شأن الفوز على مدرسة هاناماكي هيغاشي الثانوية القوية التأهل إلى بطولة كوشيئن الوطنية لأول مرة منذ 35 عاما. واتخذ كوكوبو مدير الفريق قرارا مثيرا للجدل بعدم إشراك ساساكي في هذه المباراة، وهُزم فريق أوفوناتو بنتيجة 12-2. ألمح كوكوبو إلى أن اللاعب المتميز رمى 435 كرة في 4 مباريات حتى الدور نصف النهائي وأن ”هذه المباراة كانت تشكل خطرا كبيرا لتعرض روكي لإصابة أكثر خطورة من جميع ما مر به خلال مسيرته الرياضية في المدرسة الثانوية التي استمرت ثلاث سنوات. كان هدفي حمايته من الإصابة“.

ساساكي روكي (الثاني من اليسار) وأعضاء آخرون من فريق أوفوناتو يحبسون دموعهم بعد خسارتهم أمام هاناماكي هيغاشي في المباراة النهائية لبطولة محافظة إيواتي في 25 يوليو/تموز عام 2019. (© جيجي برس)

لطالما ركزت تعاليم كاوامورا في جامعة تسوكوبا على الحاجة إلى تجنب إشراك اللاعبين بطرق قد تهدد مستقبلهم في سبيل تحقيق فوز آني. ويقول في كتابه بعنوان ”برنامج تدريبي لمديري ومدربي البيسبول“ إن هدفه الأساسي هو ”إعداد لاعبين من النخبة“، موضحا أن ”النخبة“ تعني ”أشخاصا سيساعدون أولئك الأضعف منهم“. تهدف طريقة كاوامورا إلى دعم لاعبي بيسبول يقدمون إسهامات للمجتمع بطريقة ما، وبالنسبة للمواهب النادرة القادرة على التأثير على المجتمع بشكل كبير، فمن الأهمية بمكان التعامل معهم بعناية فائقة. من الواضح أن يوشي حفظ هذا الدرس عن ظهر قلب، وهو ما ينعكس في قراره بالسماح لموهبة كبيرة مثل ساساكي بالخروج والتوجه إلى أمريكا، حتى وإن كان لا يزال في طور بناء مهاراته.

تلميح آخر من وكيل ساساكي

أدلى جويل وولف الذي يعمل الآن وكيلا لساساكي روكي في مفاوضاته مع منظمات دوري البيسبول الرئيسي، بتعليق عميق بعد اجتماعات شتوية جرت في ديسمبر/كانون الأول عام 2024 للمديرين العامين لفرق دوري البيسبول الرئيسي وشخصيات رئيسية أخرى. فقد قال أمام مؤتمر صحفي مشترك ”لا توجد أشياء مطلقة في لعبة البيسبول. ومن وجهة نظر روكي، لا توجد أشياء مطلقة في الحياة... وإذا تأملتم بعض الأشياء التي حدثت في حياته، وبعض المآسي التي أصابته في حياته، ستكتشفون أنه لا يأخذ أي شيء كأمر مسلم به“.

وكيل البيسبول جويل وولف يتحدث إلى الصحفيين الرياضيين في دالاس في تكساس، بتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول عام 2024.(© رويترز)

لا شك أن تلك ”المآسي“ تشمل زلزال شرق اليابان الكبير في 11 مارس/آذار عام 2011، والذي أودى بحياة والد ساساكي – كان يبلغ من العمر 9 سنوات آنذاك – واثنين من أجداده في ريكوزينتاكاتا بمحافظة إيواتي. ووفقا لوولف، كانت هذه التجربة هي التي ساعدت في تشكيل لاعب لا يأخذ الأمور كأمر مسلم به، ويمتد هذا إلى الأجور الضخمة التي قد يتوقعها في دور البيسبول الرئيسي بعد بضع سنوات من الآن، أو ”عقد ياماموتو“ كما وصفه الوكيل في إشارة إلى عقد ياماموتو يوشينوبو لاعب لوس أنجلوس دودجرز الذي تم توقيعه في نهاية عام 2023 لمدة 12 عاما بقيمة 325 مليون دولار. وكما قال وولف، في النهاية لن يكون هناك أي شخص آخر قادرا على إخبار ساساكي بما يجب أن يفعله، فهو يتحكم في مصيره وسيكون هو من يتخذ قراراته بنفسه.

لا شك أن ساساكي بعد أن فقد أعزاء على قلبه في سنواته المبكرة أصبح يركز على أهمية العيش في الحاضر. وعوضا عن التفكير في الحصول على راتب أكبر في المستقبل، سواء لنفسه أو لفريق تشيبا لوتي مارينز، فإنه يرى فرصة للعب في دوري البيسبول الرئيسي، وقد قرر المضي قدما نحو هذا الهدف بشكل قاطع.

توقعات كبيرة

عندما غادر أوتاني شوهي فريق نيبّون هام فايترز من أجل اللعب لصالح فريق لوس أنجلوس أنجلز، كان أيضا راميا يبلغ من العمر 23 عاما واختار عقدا في دوري صغير بأجر أقل. ولكن بفضل قدراته المزدوجة المشهود لها، سواء كرامٍ أو ضارب للكرة، ساعد من خلالها في قيادة فايترز إلى بطولة سلسلة اليابان، اختير أوتاني ضمن فريق النخبة سواء كرامٍ أو ضارب مخصص، وأصبح اللاعب الأكثر أهمية في دوري المحيط الهادئ. تتفوق إنجازات أوتاني في اليابان على ما أظهره ساساكي حتى الآن في سنواته مع تشيبا، ولكن حتى بناء على تلك الإنجازات، كان من الصعب التنبؤ بالمستويات العالية التي سيصل إليها مع أنجلز ودودجرز لاحقا. فاللاعبون النجوم الشباب مثل أوتاني آنذاك – وساساكي اليوم – يمتلكون إمكانات من المستحيل قياسها.

وتنظر وسائل الإعلام الرياضية الأمريكية إلى ساساكي بنفس النظرة، حيث يصفه جيف باسان الكاتب الرياضي المتخصص في البيسبول في شبكة ESPN، بأنه ”أحد أكثر لاعبي البيسبول موهبة في العالم“، وباتت الوجهة النهائية للاعب البيسبول إحدى أكثر الموضوعات سخونة في فترة ما بعد الموسم. ويتطلع عشاق هذه الرياضة الأمريكيون لرؤيته وهو يختار فريقا والمشاركة في المباريات لإظهار قدراته.

في غضون ذلك، يبدو أن عالم البيسبول للمحترفين في اليابان تتملكه مشاعر متضاربة بشأن هذه المسألة، حيث ساد شعور بالقلق، بل وحتى بالأزمة. وكان القرار الذي اتخذته منظمة نيبون للبيسبول للمحترفين في الخريف الماضي بسحب اعتماد قناة فوجي التلفزيونية في تغطية ”سلسلة اليابان“ بعد أن بثت الشبكة برامج تركز على أداء أوتاني شوهي في ”سلسلة العالم“ في نفس الفترة الزمنية التي بثت فيها المباريات الافتتاحية لسلسلة اليابان، في إشارة رمزية لهذا القلق إزاء الاهتمام المتزايد بدوري البيسبول الرئيسي. يبدو أن المؤسسة اليابانية للبيسبول تشعر بالتهديد من تنامي الاهتمام المتزايد بأوتاني ودوري البيسبول الرئيسي بشكل عام.

يتجه موراكامي مونيتاكا لاعب فريق ياكولت سوالوز، نحو القاعدة الأولى في استاد جينغو في طوكيو في 13 أغسطس/آب عام 2024. أبدى موراكامي اهتمامه بالانتقال إلى دوري البيسبول الرئيسي في نهاية الموسم. (© جيجي برس)

من المؤكد أن هناك نجوما يابانيين آخرين ينتقلون إلى أمريكا الشمالية. فقد أعلن موراكامي مونيتاكا، الذي سجل 56 نقطة بطريقة ”هوم رن“ لصالح فريق ياكولت سوالوز في عام 2022 – وهو أكبر عدد على الإطلاق للاعب من أصل ياباني – في نهاية موسم 2024، عن رغبته في اللعب لفريق في دوري البيسبول الرئيسي. يكتسب عالم الرياضة طابعا عالميا بشكل متزايد، ويتعين على البيسبول الياباني توضيح موقفه ضمن هذا العالم. ربما حان الوقت لإعادة التفكير في نهجنا تجاه أنظمة رسوم الانتقال والوكالات الحرة التي تنظم تحركات اللاعبين الدولية.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: ساساكي روكي، على اليسار، ويوشي ماساتو مدير تشيبا لوتي مارينز، يتحدثان إلى المعجبين في حفل تكريم لهم في 17 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024، في استاد زوزو مارين في تشيبا. © جيجي برس)