لعشاق المانغا… شرح مبسط لمراحل ابتكار مانغا الغيكيغا التي يحبها اليابانيون
مانغا وأنيمي- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
لقد كان للمبدع سايتو تاكاؤ تأثير هائل على صناعة المانغا، رغم أنه لم يصبح أبدًا ذلك الفنان الذي يحظى باحترام نقدي كبير، أو على الأقل لم يحصل على نفس الإشادة التي حصل عليها كل من تيزوكا أوسامو أو شيراتو سانبي أو تسوغا يوشيهارو أو ميزوكي شيغيرو. ربما كان السبب في ذلك أنه قضى غالبية سنوات عمله في هذه الصناعة والتي تزيد عن 60 عامًا في خلق مادة ترفيهية لطائفة واسعة من الناس. لذا، شعرت أن هذه المقالة ستكون فرصة جيدة لإلقاء نظرة على إنجازات سايتو في عالم المانغا.
الفنان المحوري في مانغا الغيكيغا
ولد سايتو في محافظة واكاياما عام 1936. بعد تخرجه من المدرسة الإعدادية، درس المانغا أثناء عمله في محل حلاقة مملوك لعائلته. كان ظهوره الأول على الصعيد المهني في سن التاسعة عشر من خلال Kūki danshaku (البالون الهوائي) التي حققت نجاحًا في سوق تأجير الكتب الذي كان مزدهراً في تلك الفترة، وقام بالاشتراك مع تاتسومي يوشيهيرو وآخرين بتأسيس Gekiga Kōbō، لضم مجموعة من الفنانين الذين يعملون على خلق أسلوب جديد وجاد للكوميديا يسمى غيكيغا. في وقت لاحق، أصبح شخصية محورية في طفرة غيكيغا، التي حققت نجاحات كاسحة في منتصف الستينيات.
أصبحت كلمة غيكيغا عنواناً لكتب الرسوم الهزلية الموجهة للبالغين، والتي تغطي مواضيع متعلقة بهم بأسلوب أكثر واقعية من المانغا التقليدية الموجهة للأطفال السائدة في ذلك الوقت. صاغ تاتسومي صديق سايتو المصطلح لكن لا يوجد حتى الآن تعريف واضح له. إذا كان لابد أن أشرحه، فرأيي هو أن التعبير البصري السينمائي مع الاستخدام الفعال للقطات المقربة أو اللقطات العريضة، فضلاً عن استخدام دراما أكثر واقعية في سرد القصة، هي السمات المميزة لهذا النوع من المانغا. لكن ينبغي الإشارة هنا إلى أن تيزوكا أوسامو كان أول من حاول استخدام هذه التقنيات في المانغا في بداياته، وليس مجموعة فناني غيكيغا، وبالتالي يمكن تصنيف غيكيغا كحركة ”مناهضة لتيزوكا“، وكأحد أشكال تطور الأسلوب الذي استحدثه تيزوكا.
هناك أيضًا أشخاص يرون أن مجموعة فناني الغيكيغا يستخدمون رسومات واقعية ومفصلة للغاية، ولكن هذا الانطباع يرجع في الغالب إلى فنانين معينين استخدموا هذا الأسلوب مثل سايتو أو شيراتو أو إيكيغامي ريوئيتشي، الذين اكتسبوا شعبية خاصة. لكن المدقق في أعمال فناني الغيكيغا الآخرين، بما في ذلك تاتسومي أو ميزوكي أو تسوغا، سيكتشف أن أسلوبهم لا يرفض تماماً أنماط المانغا التقليدية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتصميم الشخصيات.
بالنسبة لي إذن، فإن الطريقة الحقيقية الوحيدة لرسم أي خط بين الغيكيغا والمانغا هي الحكم على ما إذا كان الجمهور المستهدف من البالغين أم الأطفال. بالطبع، أعلن فنانو غيكيغا الأوائل بأنفسهم إنهم بصدد خلق شكل جديد من المانغا يمكن للبالغين تقديره. كما أن سايتو نفسه، الذي أصبح اسمه عنواناً لهذا النوع، كان من بين هؤلاء المؤسسين.
تأثيرات متنوعة
كما ذكرنا، فإن الشكل الفني أو أسلوب الرسم الذي اختاره سايتو للتعبير عن القصص التي كتبها كان قائمًا على الواقعية.
ناقش سايتو تطوره الفني في برنامج تلفزيوني على قناة NHK في سبتمبر/ أيلول 2015. وقال إنه في شبابه كان يريد أن يصنع ”مانغا شبيهة بالأفلام“ من خلال ”الدراما الواقعية“، وبعد التفكير في أفضل أسلوب رسم يمكّنه من القيام بذلك، انجذب بشكل خاص إلى nihonga، وهي لوحات على الطراز الياباني يعود تاريخها للقرن العشرين تجمع بين الفن التقليدي والتقنيات الغربية الحديثة، مثلما درس في المدرسة الإعدادية.
مما لا شك فيه أن تقنيات الرسوم الخطية المستخدمة في nihonga لخلق شعور بالواقعية، مناسبة تمامًا للمانغا على عكس الطريقة التي يستخدم بها الفن الغربي الظل لخلق ثلاثية الأبعاد، قال سايتو أيضًا إنه أحب الرسم التوضيحي للكتب، والذي يمكن اعتباره امتدادًا لاهتمامه بـ nihonga وخاصة عمل ناكا كازويا الذي اشتهر برسومه التوضيحية للخيال التاريخي لمؤلفين مثل ياماموتو شوغورو أو فوجيساوا شوهي.
على أي حال، يمكننا أن نرى تأثير nihonga والتصوير الخيالي التاريخي كعنصر آخر جديد جلبه سايتو إلى عالم المانغا، تمامًا مثل اهتمامه بالدراما الموجهة للبالغين. لذا فبرغم اتباعه منهجاً مماثلاً لمنهج تيزوكا، الذي كان هدفه في عمله المبكر أيضًا هو خلق ”مانغا شبيهة بالأفلام“ و ”دراما واقعية“، إلا أن غيكيغا الخاصة بسايتو منحت القراء إحساسًا بشيء جديد تمامًا يختلف عن أي عمل هزلي رأوه من قبل، لا سيما من ناحية التعبير البصري.
تقسيم العمل
ومع ذلك، فإن رسم تلك الصور الواقعية والمفصلة للغاية كان يستغرق وقتًا طويلاً، ولحل تلك المشكلة ابتكر سايتو تقسيمًا لنظام العمل من خلال تعيين فريق من فنانين متعددين، وبالتالي تأسست شركة Saitō Productions.
قد يبدو هذا كأنه إجراء عادي الآن، لا سيما بالنسبة لفناني المانغا المعاصرين الذين يعملون وفقًا لجداول زمنية صارمة مثل تلك الخاصة بمسلسلات المجلات الأسبوعية، ولكن من العدل القول إن سايتو كان أول من صاغ هذا الأسلوب كنموذج عمل كامل. من ناحية أخرى، تدعي بعض الأقاويل أن سايتو لم يرسم سوى عيون الشخصيات، لكنه في الواقع رسم جميع العناصر المهمة بنفسه، بما في ذلك الواجهات ومشاهد الشخصيات الرئيسية والمؤثرات الصوتية والمزيد.
الأمر المثير للدهشة أيضًا هو أنه لم يتلقى مساعدة من الآخرين في الرسم فقط، ولكن أيضًا في رواية القصص. كما قد يدرك بعض القراء، فإن أعمالًا مثل غولغو 13 تُنسب إلى أحد الموظفين المكلفين بكتابة السيناريو جنبًا إلى جنب مع طاقم الرسم.
إذن، ما هو دور سايتو بالضبط؟ إنه صناعة مخطط القصة والتكوين، وتتضمن هذه المهام وضع اللوحات الهزلية، وكتابة الحوار، وعمل رسم تقريبي للمانغا نفسها، وهي أهم جوانب عملية إنتاج المانغا. كان من الواضح أن سايتو أراد أن يكون دوره في إنتاج الكتب الهزلية شبيهًا بدور مخرج الفيلم، لا سيما بالنظر إلى تلميحاته المتكررة برغبته في صنع عمل سينمائي.
بعبارة أخرى، قام سايتو بتوجيه فريق العمل انطلاقاً من إيمانه بأن المانغا (غيكيغا) ليست نتاج عمل مؤلف واحد، بقدر ما هي نتاج عمل مجموعة من الأشخاص ذوي المواهب المختلفة. وقد أدى ذلك إلى إنتاج عدد كبير من الأعمال الترفيهية عالية الجودة على مدى فترة طويلة تزيد عن 60 عامًا! دون أي فترات راحة تقريبًا.
علاوة على ذلك، فإن أعظم أعماله، غولغو 13، لم يكتسب فقط اعتراف موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأطول مانغا فردية في العالم حيث وصلت الآن إلى 202 مجلدًا، بل ومن الممكن أيضاً أن يستمر إنتاج هذا العمل العظيم حتى بعد وفاته بفضل وجود طاقم متكامل من الفنانين الذين يتبنون رؤيته. لا شك أن هذا هو الشكل المثالي لنظام إنتاج المانغا الذي حلم به سايتو.
أبطال لا تقهر
بعد غولغو 13، اشتهر سايتو بأعمال مثل Sabaibaru (البقاء والاستمرار)، وهي قصة عن الحياة بعد زلزال هائل، وMuyōnosuke، وهو عمل ثوري من الخيال التاريخي، والمانغا المقتبسة من السلسلة الرائعة للمؤلف إيكينامي شوتارو Onihei hankachō (ملفات جرائم أونيهي) ولكن للأسف فإن المجال هنا لا يسمح لسرد كل أعماله، ولا حتى أعماله الكبرى فقط التي لاقت إشادة واسعة.
في الأساس وكما ذكرنا سابقًا، فقد كان الهدف من جميع أعماله أن تكون ترفيهية بسيطة تجذب طائفة واسعة من الناس، وحتى إذا كانت أعماله تبرز علاقات دولية معقدة، فإن هدفها الأساسي هو القراءة السهلة دون الحاجة إلى تفكير عميق. بالطبع هذا لا يعني أن الترفيه الخالص لا يقدم أي فائدة أخرى، في الواقع، فإن أي شخص يقرأ كثيرًا أعمال سايتو من المرجح أن يتعلم منها شيئًا مهمًا للغاية.
على سبيل المثال، يواصل أبطال قصص غيكيغا الخاصة به الكفاح من أجل تجاوز أي مأزق رهيب قد يكونون فيه ولا يستسلمون أبدًا، سواء كانوا يسعون لتحقيق النصر أو مجرد البقاء على قيد الحياة، على الرغم من كل معاناتهم. هذه الصفة الجيدة مشتركة بين كل من القاتل غولغو 13 وسوزوكي ساتورو، البطل الشاب في رواية Sabaibaru (البقاء والاستمرار)، رغم التضاد الذي قد يبدو بينهما للوهلة الأولى.
هناك سمة أخرى يشترك فيها جميع أبطال قصص سايتو. فبغض النظر عن كيفية تغير العالم من حولهم، وبغض النظر عمن يتعاملون معه، إلا أنهم لا يتشككون في قناعاتهم ويظلون صادقين حتى النهاية. على سبيل المثال، في الفصل 353 من غولغو 13، بعنوان ”Jōhō yūgi“ (لعبة المعلومات)، تحاول منظمة ضخمة تجنيد غولغو لكنه يرفض قائلاً: ”أنا لا أبحث عن أي رعاة دائمين مهما كانت قوتهم...“
يمكن أن يكون نمط الحياة الذي لا يتزعزع لهؤلاء الأبطال أداة إقناع قوية تساعد على توجيه القراء، خاصة وسط حالة التخبط وعدم اليقين التي نعيشها جميعاً في عصر كوفيد-19.
لقد أجريت مقابلة مع سايتو في يوليو/ تموز 2021 من أجل كتابي Korona to manga (كورونا والمانغا)، وللأسف كانت هذه إحدى الحوارات الأخيرة التي أُجريت معه. وقتها أظهر نفس الروح التي لا تتزعزع عندما قال لي، ”لقد كتبت قصص غيكيغا خاصتي، ولا سيما غولغو 13، دون السماح للقيم المشتركة أو الحس الأخلاقي للعصر بالتأثير عليّ. حتى في أوقات مثل الوقت الحاضر، حيث يتغير الوضع الدولي والمجتمع الياباني بسرعة كبيرة، ألتزم بالتعبير عن مشاعري الخاصة في عملي. حتى لو انتهى الأمر بأن تكون قصص غيكيغا فنًا رقميًا بحتًا، وتوقفت طباعته على الورق، فلن يتغير هذا لأنني أرفض السماح بذلك“.
بغض النظر عما يحدث بعد ذلك، يبدو أن الوقت قد حان لقبول قصص غيكيغا الخاصة بسايتو باعتبارها سرداً قصصياً حقيقياً في حينه.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: سايتو تاكاؤ في مكتبه في طوكيو مع مجسم عملاق لـ غولغو 13. التقطت في 5 فبراير/ شباط 2018. صحيفة سانكاي)