سر صمود «جي شوك»: كيف صنعت كاسيو اليابانية ساعة لا تقهر؟

تكنولوجيا

منذ إطلاق سلسلة جي شوك (G-SHOCK) عام 1983، حققت شركة كاسيو إنجازًا مذهلًا ببيع أكثر من 130 مليون ساعة يد متينة حول العالم. فما سر هذه الشعبية الدائمة؟ وما الذي يجعل جي شوك رمزًا للقوة والابتكار في عالم الساعات؟ جلسنا مع المصمم إيبي كيكو، العقل المدبر وراء تصميمها، لنكتشف كيف طوّر هو وفريقه هذه الساعة الأيقونية، وما الذي يميزها عن غيرها في نظره.

مفهوم بسيط

قدم إيبي كيكو، المصمم الصاعد في شركة كاسيو عام 1981، فكرة ثورية أدت إلى ولادة سلسلة جي شوك الشهيرة، التي غيّرت مفهوم ساعات اليد من خلال تصميمها المتين القادر على تحمل الصدمات والسقوط. كانت الفكرة بسيطة لكنها طموحة: صنع ساعة لا تنكسر بسهولة، مستوحاة من تجربته الشخصية عندما كسرت ساعته الثمينة بعد سقوطها.

بدأ إيبي في تطوير هذه الفكرة مع فريق عمل واجه تحديات كبيرة، خاصة في تصميم ساعة تتحمل الصدمات العنيفة. بعد مئات الاختبارات، توصلوا إلى مفهوم ”الهيكل المجوف“، حيث تمتص الطبقات الداخلية والخارجية الصدمات بدلاً من نقلها إلى المكونات الحساسة داخل الساعة. هذا الابتكار كان أساسًا لتصميم ساعة قوية ومتينة.

في عام 1983، أطلقت كاسيو أول نموذج من ساعة جي شوك تحت اسم DW-5000C، والتي أحدثت ثورة في صناعة الساعات. لم تكن هذه الساعة مجرد جهاز لقياس الوقت، بل أصبحت رمزًا للمتانة والتكنولوجيا المتقدمة. سرعان ما اكتسبت شعبية واسعة، ليس فقط بين الرياضيين والمغامرين، ولكن أيضًا بين عامة الناس الذين كانوا يبحثون عن ساعة عملية وقوية.

على مر السنين، توسعت سلسلة جي شوك لتشمل تصاميم متنوعة تناسب مختلف الأذواق والاستخدامات، من الساعات الكلاسيكية إلى تلك المزودة بتقنيات متطورة مثل GPS وقياس معدل ضربات القلب. اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، لا تزال جي شوك تحتفظ بمكانتها كواحدة من أقوى الساعات في العالم، تُستخدم في البيئات القاسية، من المهام العسكرية إلى المغامرات في الطبيعة.

نجاح جي شوك يعكس رؤية إيبي كيكو في الجمع بين الابتكار والقوة، مما جعلها علامة تجارية رائدة في عالم الساعات المتينة. هذه القصة تظهر كيف يمكن لفكرة بسيطة، مدعومة بالإصرار والابتكار، أن تُحدث تغييرًا كبيرًا في صناعة بأكملها.

ترأّس إيبه كيكو فريق تصميم ساعة جي شوك في شركة كاسيو، وهو يعمل الآن كزميل أول في مركز هامورا للبحث والتطوير التابع للشركة في طوكيو.
ترأّس إيبي كيكو فريق تصميم ساعة جي شوك في شركة كاسيو، وهو يعمل الآن كزميل أول في مركز هامورا للبحث والتطوير التابع للشركة في طوكيو.

بالنظر إلى الوراء، لا يزال إيبي كيكو يشعر بالرهبة تجاه الإنجاز الكبير الذي حققه مع ساعة جي شوك. يقول: ”أنا من النوع الذي تخطر له فكرة ما فيسير معها حتى النهاية. حين بدأت لم يكن في رأسي سوى مفهوم غامض بدأت أعمل عليه تدريجياً، لكني لم أتخيل أبدًا أن الساعة ستحظى بكل هذه الشعبية الجارفة“.

يتذكر إيبي اللحظة التي ألهمته لابتكار ساعة متينة، عندما رأى مجموعة من العمال الكادحين في موقع بناء بالقرب من مركز هامورا للبحث والتطوير التابع لشركة كاسيو. لاحظ أن العمال لم يكونوا يرتدون ساعات يد أثناء العمل، وذلك بسبب الاهتزازات والصدمات الناجمة عن استخدام أدوات مثل المجارف والمطارق الثقيلة وآلات ثقب الصخور، والتي كانت كفيلة بتدمير أي ساعة تقليدية.

أدرك إيبي أن هؤلاء العمال، مثلهم مثل الكثيرين في المهن الشاقة، كانوا بحاجة إلى ساعة متينة يمكنها تحمل الظروف القاسية وتساعدهم على تتبع الوقت بدقة، سواء لتحديد أوقات الاستراحة أو لمعرفة عدد ساعات العمل المتبقية. ومن هنا، ولدت فكرته عن ساعة يمكن ارتداؤها في البيئات الصعبة، مثل مواقع البناء، دون أن تتأثر بالصدمات أو الاهتزازات.

كانت وجهة نظر إيبه أن ساعة بهذه المتانة ستكون ذات جاذبية خاصة، حتى لو كانت موجهة في البداية لفئة محددة من الناس، مثل العمال أو الرياضيين. لكنه لم يتوقع أن تصبح جي شوك رمزًا عالميًا للمتانة والابتكار، وتحظى بشعبية واسعة بين مختلف الفئات، من المغامرين إلى العسكريين وحتى الأشخاص العاديين الذين يبحثون عن ساعة عملية وقوية.

هذا التصور البسيط، الذي بدأ بملاحظة يومية وتحول إلى مشروع طموح، يوضح كيف يمكن لفكرة مدروسة جيدًا وتنفيذ دقيق أن يحدثا ثورة في صناعة بأكملها. نجاح جي شوك ليس مجرد قصة عن ساعة متينة، بل هو قصة عن الإصرار والرؤية التي حوّلت مفهومًا غامضًا إلى واقع ملموس غيّر طريقة تفكيرنا في الساعات.

نماذج لساعات جي شوك من مجموعة إيبه الشخصية. يقوم بتبديل الساعات حسب الموسم.
نماذج لساعات جي شوك من مجموعة إيبه الشخصية. يقوم بتبديل الساعات حسب الموسم.

المعاناة أولاً ثم الإلهام

إدراكًا لحجم التحدي، كوّن إيبي كيكو فريقًا متخصصًا من ثمانية أعضاء وأطلق عليه اسم ”Project Team Tough“ (فريق المشروع الصعب)، حيث انصبّ تركيزهم بالكامل على تحقيق رؤية ”التريبل 10“، وهي ابتكار ساعة تتحمل السقوط الحر من ارتفاع 10 أمتار دون أن تتضرر، ومقاومة ضغط الماء حتى 10 بار، ما يعادل عمق 100 متر تقريبًا، بالإضافة إلى بطارية تدوم لعشر سنوات على الأقل.

منذ اللحظة الأولى، أدرك الفريق أن الطريق لن يكون سهلاً. كانت الاختبارات الأولية بدائية، حيث قام إيبه بنفسه بإسقاط نماذج الاختبار من نافذة حمام في الطابق الثالث لقياس مدى تحملها. ومع ذلك، كانت النتائج محبطة، حيث لم تصمد النماذج أمام الصدمات كما كان متوقعًا. حاول الفريق ابتكار حلول مختلفة، مثل تغليف آليات الساعة بمواد ماصة للصدمات كالمطاط والبولي يوريثين، إلا أن النتائج لم تكن مرضية، إذ ظهرت مشكلات جديدة كلما عززوا أحد المكونات.

استمر الفريق في المحاولات دون جدوى، ومع مرور عام كانوا قد أجروا أكثر من 100 تجربة، لكنهم لم يحققوا بعد النموذج المثالي الذي يحقق جميع معايير ”التريبل 10“. ومع ذلك، لم يستسلم إيبه ولا فريقه، فقد كان يدرك أن الابتكار الحقيقي يتطلب الإصرار والصبر والبحث عن الحلول خارج الحدود التقليدية.

”معمل الاختبار“ القديم الخاص بإيبه كان في الطابق الثالث وبه نافذة كان يرمي منها النماذج الأولية على الرصيف لاختبار متانتها.
”معمل الاختبار“ القديم الخاص بإيبي كان في الطابق الثالث وبه نافذة كان يرمي منها النماذج الأولية على الرصيف لاختبار متانتها.

اليوم، يستخدم الباحثون في مركز هامورا للبحث والتطوير معدات مصممة خصيصًا لاختبار تأثير الصدمات على الساعات.
اليوم، يستخدم الباحثون في مركز هامورا للبحث والتطوير معدات مصممة خصيصًا لاختبار تأثير الصدمات على الساعات.

وسط شعوره بالإحباط لعدم تحقيق أي تقدم ملموس في المشروع، قرر إيبه كيكو الاستقالة من عمله في كاسيو. وفي يوم إجازته، ذهب إلى الشركة لجمع أغراضه، لكنه توقف في طريقه عند حديقة قريبة بحثًا عن لحظة من الصفاء الذهني. بينما كان جالسًا هناك، لفت انتباهه مجموعة من الأطفال يلعبون بالكرة المطاطية، فتأمل كيف كانت الكرة ترتد بسهولة بعد ارتطامها بالأرض دون أن تتأثر. عندها أدرك إيبه أن الطريقة التي اتبعها الفريق في حماية آليات الساعة لم تكن صحيحة، إذ كانوا يحاولون تحصين الوحدة الداخلية عبر إضافة المزيد من الطبقات الخارجية الصلبة. لكن الحل لم يكن في زيادة الصلابة، بل في امتصاص الصدمة، تمامًا كما تفعل الكرة المطاطية.

بهذا الإلهام المفاجئ، عاد إيبه إلى فريقه بفكرة جديدة كليًا، حيث قرروا تعليق الوحدة الداخلية التي تحتوي على الأجزاء الدقيقة في عدد محدد من النقاط داخل المبيت، بحيث تظل ”عائمة“ داخل الإطار الخارجي، مما يسمح لها بامتصاص قوة الصدمات دون أن تتضرر. كانت هذه الفكرة نقطة التحول الحاسمة في تطوير جي شوك، ولا يزال هذا التصميم العائم هو الهيكل الأساسي لساعات جي شوك حتى يومنا هذا.

بعد عامين من التجارب الشاقة وأكثر من 200 نموذج أولي، خرجت أول ساعة جي شوك إلى الأسواق في عام 1983، حيث تم إطلاق الطراز DW-5000C-1A، الذي جسّد رؤية إيبه في ابتكار ساعة متينة تتحمل أقسى الظروف، واضعًا بذلك حجر الأساس لواحدة من أشهر سلاسل الساعات في العالم.

تصميم مبيت تقليدي مقارنة بالبنية ”العائمة“ التي تتمتع بها ساعات جي شوك (على اليسار) ونموذج أولي كبير على شكل كرة.
تصميم مبيت تقليدي مقارنة بالبنية ”العائمة“ التي تتمتع بها ساعات جي شوك (على اليسار) ونموذج أولي كبير على شكل كرة.

عرض للمكونات المختلفة التي تتكون منها ساعة جي شوك. لا شك أن تصميم الساعات بحيث تكون مقاومة للصدمات ومقاومة للماء شكّل تحديًا كبيراً لأفراد الفريق.
عرض للمكونات المختلفة التي تتكون منها ساعة جي شوك. لا شك أن تصميم الساعات بحيث تكون مقاومة للصدمات ومقاومة للماء شكّل تحديًا كبيراً لأفراد الفريق.

اقتحام سوق ساعات اليد

في ذلك الوقت، كانت الساعات الرقيقة هي الموضة السائدة في اليابان، ما جعل استقبال ساعات جي شوك الضخمة فاتراً في البداية. لم يبدِ المستهلكون اليابانيون اهتمامًا كبيرًا بهذا التصميم غير التقليدي، كما أن تجار الساعات لم يكونوا متحمسين للفكرة. يروي إيبه أن بعض البائعين أعربوا صراحة عن مخاوفهم، إذ كانوا يرون أن ساعة غير قابلة للكسر قد تؤثر سلبًا على أرباحهم، خاصة أن عمليات الإصلاح كانت تمثل جزءًا مربحًا من صناعة الساعات آنذاك.

رغم هذا الاستقبال البارد، لم تفقد كاسيو الأمل في نجاح جي شوك، بل وسعت نطاق تسويقها إلى أسواق أخرى، حيث كانت الاحتياجات مختلفة والتحديات أكبر.

الجيل الأول من ساعات جي شوك وهي الوحيدة من فئتها المحفوظة في المقر الرئيسي لشركة كاسيو. تم بيع الساعة بسعر 11400 ين ياباني وتم الإعلان عنها على أنها متينة بما يكفي لتحمل الاهتزازات الناجمة عن استعمال آلات ثقب الصخور.
الجيل الأول من ساعات جي شوك وهي الوحيدة من فئتها المحفوظة في المقر الرئيسي لشركة كاسيو. تم بيع الساعة بسعر 11400 ين ياباني وتم الإعلان عنها على أنها متينة بما يكفي لتحمل الاهتزازات الناجمة عن استعمال آلات ثقب الصخور.

كانت الاستجابة في الولايات المتحدة أكثر إيجابية بشكل ملحوظ، حيث أثارت كاسيو ضجة كبيرة عند بث إعلان تلفزيوني ظهر فيه لاعب هوكي الجليد وهو يضرب ساعة جي شوك لتستقر في قفاز حارس المرمى دون أن تتضرر. في البداية، قوبل الإعلان ببعض الشكوك، إلا أن برامج إخبارية معروفة سارعت إلى اختبار صحة ادعاءات كاسيو عبر إعادة تنفيذ التجربة على الهواء، وكانت النتيجة مذهلة—ثبتت متانة جي شوك بما لا يدع مجالًا للشك. ما إن تأكد المستهلكون من قدرة الساعة على تحمل أقسى الظروف حتى قفزت مبيعاتها في السوق الأمريكي بشكل غير مسبوق.

ورغم هذا النجاح المبكر، لم يكن إيبه متفائلًا باستمرار الطفرة، خاصة بعد أن تم تعيينه في مشروع آخر داخل كاسيو. كان قلقه الأساسي يتمحور حول سعر الساعة، حيث أوضح قائلًا: ”لم تكن علامة كاسيو التجارية معروفة بعد خارج اليابان، وكان العملاء يتوقعون الحصول على جودة عالية بأسعار منخفضة. حتى أن أحد عملائنا حذرنا من أن أي ساعة يتجاوز سعرها 4000 ين لن تُباع، بينما تجاوز سعر جي شوك 10000 ين، لذا كنت مقتنعًا بأن المبيعات ستتوقف في النهاية. لم أتوقع أبدًا أن تحقق الساعة هذا النجاح العالمي الذي استمر لعقود“.

جهاز الاختبار المصمم خصيصًا يستخدم مطرقة بوزن خمسة كيلوغرامات لاختبار قدرة ساعة جي شوك على امتصاص الصدمات عن طريق توجيه ضربة تكسر العظام للساعة.
جهاز الاختبار المصمم خصيصًا يستخدم مطرقة بوزن خمسة كيلوغرامات لاختبار قدرة ساعة جي شوك على امتصاص الصدمات عن طريق توجيه ضربة تكسر العظام للساعة.

إلى جانب جي شوك، طرحت كاسيو سلسلة من الساعات الرقمية غير المكلفة يبلغ سعرها حوالي 3300 ين.
إلى جانب جي شوك، طرحت كاسيو سلسلة من الساعات الرقمية غير المكلفة يبلغ سعرها حوالي 3300 ين.

بزوغ فجر جي شوك

في التسعينيات، بدأت ساعات ”جي شوك“ ذات المينا المستدير، بدلاً من الشكل المثمن التقليدي، في جذب شريحة واسعة من الشباب في مختلف أنحاء العالم، وذلك بفضل تصميمها المبتكر الذي كان يتناسب بشكل مثالي مع أسلوب الملابس الفضفاضة التي كانت رائجة في الشوارع الأمريكية آنذاك. تميزت هذه الساعات بمتانتها وقوتها، ما جعلها خيارًا مثاليًا للفئات النشطة مثل المتزلجين، الذين كانوا يعشقون المظهر الرياضي الجريء لهذه الساعات، فضلاً عن قدرتها على تحمل الظروف القاسية. كما كانت ”جي شوك“ محط إعجاب راكبي الأمواج، الذين ارتدوها سواء داخل المياه أو خارجها، لما توفره من مقاومة للماء وصمود في وجه الاستخدام المكثف.

ومع مرور الوقت، انتقلت هذه الموضة إلى اليابان، حيث بدأ المستهلكون اليابانيون يظهرون اهتمامًا متزايدًا بعلامة ”جي شوك“ التجارية. كما ساهمت الحملات التسويقية المبتكرة، التي ربطت العلامة التجارية بمفاهيم القوة والمرونة، في تعزيز مكانتها بين فئات الشباب الياباني. ومع تنامي الاهتمام بالمنتجات التي تجمع بين التقنية والتصميم العصري، أصبحت ”جي شوك“ علامة تجارية محورية في عالم الساعات الرياضية، وقدرتها على المزج بين الجمالية والوظائف المتعددة ساعدت في تكريسها كخيار مفضل لعدة أجيال.

من اليسار: ظهر الموديل DW-6000GJ-1 في عام 1990 وكان أول موديل بتصميم دائري، ثم صدر الموديل DW-6100W-9 الذي يتميز برموز الدلافين والحيتان في عام 1994، يليه ظهور الموديل DW-8400-1 Mudman لأول مرة في عام 1995 (إهداء من شركة كاسيو)
من اليسار: ظهر الموديل DW-6000GJ-1 في عام 1990 وكان أول موديل بتصميم دائري، ثم صدر الموديل DW-6100W-9 الذي يتميز برموز الدلافين والحيتان في عام 1994، يليه ظهور الموديل DW-8400-1 Mudman لأول مرة في عام 1995 (إهداء من شركة كاسيو)

لقد كان النجاح الهائل الذي حققته جي شوك بمثابة بداية عصر جديد لشركة كاسيو. يقول إيبه إنه وفريقه لم تُتح لهم فرصة الاستمتاع بما حققوه من إنجازات طال انتظارها. يروي قائلاً: ”تجاوز الطلب السقف وكان البائعون يضغطون علينا لكي نسرع بإنتاج ساعات جديدة، عززت الشركة الإنتاج لكن المستهلكين كانوا يتخاطفون هذه الموديلات من أرفف المتاجر بأسرع من قدرة الشركة على التصنيع، لقد كان الجميع في حالة ذعر لدرجة أن المكتب التنفيذي للشركة حظر على الموظفين شراء ساعات جي شوك“.

يروي إيبه لحظات اليأس والانتصار التي مر بها فريق المشروع الصعب.
يروي إيبي لحظات اليأس والانتصار التي مر بها فريق المشروع الصعب.

كاسيو تنتقل إلى مصاف الكبار

بعد النجاح الساحق الذي حققته ساعات جي شوك قرر إيبي التركيز على بناء وعي جديد لدى الجمهور تجاه العلامة التجارية كاسيو، حيث إن الشركة ظلت لسنوات تبيع فقط مجموعة من ساعات اليد الرقمية الرخيصة. لكن بعد انطلاق ساعات جي شوك الأعلى سعرًا كان إيبي مصممًا على جعل كاسيو علامة تجارية عالمية.

كان أحد أهداف فريق الإنتاج في هذه الفترة الجديدة هو إطلاق ساعة جي شوك معدنية بالكامل مصممة خصيصاً ليتم ارتداؤها في المكتب أو في رحلات العمل. وقد كان التحول من استخدام الراتنج إلى استخدام مواد مثل الفولاذ المقاوم للصدأ مع الاحتفاظ بالتصميم المقاوم للصدمات يمثل تحدياً كبيراً، لكن إيبي وفريقه نجحوا في اجتياز هذه العقبة، ووصل الطراز الجديد إلى أرفف المتاجر في عام 1996، ولأن الفئة المستهدفة كانت الموظفين الشباب فقد كان سعر الطراز الجديد MRG-100 حوالي 40 ألف ين، وكانت أول ساعة كاسيو موجهة لاختراق سوق الساعات متوسطة المدى.

إلى جانب جي شوك، ساهم إيبه أيضًا في تطوير سلسلة متطورة مثل كاسيو أوقيانوس، التي تم إطلاقها في عام 2004 بسعر 60 ألف ين، وكانت أيضًا تتميز بهيكل معدني بالكامل وهو ما كان من الصعب تحقيقه تقنيًا، بالإضافة إلى وحدة شحن تعمل بالطاقة الشمسية وخاصية التصحيح التلقائي للوقت الذي يتم التحكم فيه لاسلكياً.

من اليسار: موديل جي شوك MRG-100 الصادر في 1996، وأول طراز أوقيانوس مانتا 2004 OCW-S1000. (إهداء من كاسيو)
من اليسار: موديل جي شوك MRG-100 الصادر في 1996، وأول طراز أوقيانوس مانتا 2004 OCW-S1000. (إهداء من كاسيو)

عملية بناء علامة كاسيو التجارية استحوذت على كل وقت إيبي حتى خارج الشركة أيضًا، فمنذ عام 2008 ظهر بانتظام في فعاليات عشاق جي شوك ”Shock the World“ التي تقام في مدن مختلفة حول العالم. ويشرح وجهة نظره قائلاً: ”من المهم التعريف بالقصة الخلفية للمنتج لأنها ترفع من قيمة العلامة التجارية في نظر الناس“.

زار إيبي أكثر من 30 دولة وعُرف عنه حرصه على تقديم عروضه باللغة المحلية لتكوين علاقة أعمق مع المستمعين. يعترف قائلاً: ”أنا في الحقيقة سيء للغاية في اللغات، لكن الناس يأتون متوقعين أن يسمعونني أتحدث بألسنتهم، لذا فلا مجال للاستسلام الآن“ وخلال عروضه التقديمية، كان دائمًا يشدد على أهمية امتلاك الجرأة ”أحاول إقناع الحضور بأنه لا ينبغي لهم الاستسلام أبدًا“. يشعر إيبي أن تقديم عروضه بلغة المستمعين يساعد في إيصال وجهة نظره.

إيبه يقوم بإلقاء ساعة جي شوك على لوح التصويب خلال إحدى فعاليات عشاق جي شوك ”Shock the World“ في فيتنام في عام 2011. أداؤه الذي يحظى بشعبية كبيرة أصبح من أهم أسباب حرص الناس على حضور الفعاليات (الصورة إهداء من كاسيو).
إيبه يقوم بإلقاء ساعة جي شوك على لوح التصويب خلال إحدى فعاليات عشاق جي شوك ”Shock the World“ في فيتنام في عام 2011. أداؤه الذي يحظى بشعبية كبيرة أصبح من أهم أسباب حرص الناس على حضور الفعاليات (الصورة إهداء من كاسيو).

فتح آفاق جديدة

واصلت كاسيو دعم سلسلة جي شوك بتصميمات ووظائف جديدة. بفضل نجاح طرازاتها متوسطة المدى، اقتحمت الشركة سوق المنتجات الفاخرة بسلسلة MR-G، والتي تتميز بساعات يصل سعرها إلى 300 ألف ين أو أكثر. في الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لتأسيسها، أصدرت الشركة إصدارًا محدودًا من ساعات جي شوك المصنوعة من ”الذهب الخالص“ G-D5000-9JR بتكلفة هائلة بلغت 7.7 مليون ين، وسرعان ما نفذت الساعات الخمسة والثلاثون بعد أن اشتراها عشاق سلسلة جي شوك.

يشير إيبي إلى القوة المستمرة لساعات جي شوك حتى بعد ظهور الهواتف الذكية لتحل محل الكثير من العناصر التي كان الناس يعتمدون عليها ذات يوم. ”لقد تطورت الساعات إلى ما هو أبعد من وظيفتها العملية لتدخل ضمن عناصر الأزياء والموضة، لكن ليس لدي أدنى شك في أن العلامة التجارية ستحافظ على قاعدتها العريضة من المعجبين لسنوات عديدة قادمة“.

من اليسار: الطراز G-Squad Pro GSW-H1000-1JR الذي يبلغ سعره 88 ألف ين يمكن استخدامه كمتعقب للياقة البدنية، الطراز MRG-B2000B-1AJR الفريد من نوعه بسعر 330 ألف ين، باللون الأزرق التقليدي kachi-iro، الطراز G-D5000-9JR إصدار محدود من الذهب الخالص عيار 18 قيراطًا بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لعلامة كاسيو (إهداء من كاسيو).
من اليسار: الطراز G-Squad Pro GSW-H1000-1JR الذي يبلغ سعره 88 ألف ين يمكن استخدامه كمتعقب للياقة البدنية، الطراز MRG-B2000B-1AJR الفريد من نوعه بسعر 330 ألف ين، باللون الأزرق التقليدي kachi-iro، الطراز G-D5000-9JR إصدار محدود من الذهب الخالص عيار 18 قيراطًا بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والثلاثين لعلامة كاسيو (إهداء من كاسيو).

لا شك أن مبيعات جي شوك تدل على صدق توقعات إيبي، حيث كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو العقد الأكثر نجاحًا للعلامة التجارية حتى الآن. يمكن القول إن وصول الهواتف الذكية قد ساعد بالفعل في تعزيز شعبية العلامة التجارية من خلال جعل الناس أكثر وعيًا بالوقت، لقد أثار هذا اهتمام الأشخاص الذين ربما لم يعتادوا على ارتداء ساعة يد وألهمهم للبحث عن نموذج يناسب توجهاتهم في الموضة.

المتانة هي ما يجذب الكثير من الناس إلى ساعات جي شوك، لكن إيبه يصر على أن هذا ليس سوى جزء من جاذبية العلامة التجارية، ”يثق عشاق جي شوك في متانة منتجنا، ولعل هذا هو السبب في أن العديد من عملائنا يشترون موديلات متعددة لتتناسب مع أزيائهم المختلفة أو مع مزاجهم الذي يتغير من يوم إلى آخر“.

يحتوي مختبر جي شوك على أكثر من 200 آلة اختبار متخصصة، بما في ذلك هذه الآلة المليئة بالمياه العكرة التي تُستخدم لاختبار متانة أزرار الموديلات المقاومة للطين. يجب على كل موديل جي شوك اجتياز أكثر من 100 تجربة بنجاح قبل أن يتم التصريح بشحنه.
يحتوي مختبر جي شوك على أكثر من 200 آلة اختبار متخصصة، بما في ذلك هذه الآلة المليئة بالمياه العكرة التي تُستخدم لاختبار متانة أزرار الموديلات المقاومة للطين. يجب على كل موديل جي شوك اجتياز أكثر من 100 تجربة بنجاح قبل أن يتم التصريح بشحنه.

بالنظر إلى المستقبل، يحاول إيبي إلهام الجيل القادم من المهندسين، حيث يدير ورش عمل المخترعين لأطفال المدارس الابتدائية وغيرهم ويشجع المصممين والمهندسين الشباب على التفكير خارج الصندوق. في عالم مليء بالخيارات، يؤكد على أن البحث عن أفكار جديدة له أهمية قصوى، ويحذر من أن ”المهندسين اليوم موهوبون بشكل لا يصدق، لكن تنقصهم الجرأة“ كما يشير إلى تعاونه مع الحرفيين اليابانيين في موديلات أوقيانوس مانتا التي تتميز بالزجاج المحفور إيدو كيريكو وسلسلة أخرى مستوحاة من الصبغ النيلي التقليدي. ”لم أتوقف أبدًا عن الإعجاب بمهارات وتقنيات الحرفيين اليابانيين، إن هذا المخزون الغني من المواهب والإبداع يوفر لنا مَعيناً لا ينضب من الابتكارات. آمل أن يدرك الجيل القادم هذا الأمر ويستخدمونه لصالحهم“.

لكن إيبي ليس جاهزًا تمامًا لتسليم شعلة جي شوك الآن، فهدفه التالي هو ابتكار نموذج قوي بما فيه الكفاية لتحمل الاستخدام في الفضاء الخارجي، ومن يدري فربما يبيعه في متجر ساعات مداريّ. إذا نجح في مسعاه بحلول عام 2035 كما يأمل، فسيكون عمره حينها 83 عامًا. مثل ساعاته الأيقونية، لا شك أنه كمطوّر وحتى في ذلك العمر سيظل فضوله قوياً.

صالة العرض في المقر الرئيسي لشركة كاسيو في طوكيو بها مخططات ورسوم تشرح تاريخ الشركة منذ تأسيسها في عام 1946 (إهداء من كاسيو).
صالة العرض في المقر الرئيسي لشركة كاسيو في طوكيو بها مخططات ورسوم تشرح تاريخ الشركة منذ تأسيسها في عام 1946 (إهداء من كاسيو).

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مطوّر ساعات جي شوك إيبه كيكو في مركز هامورا للبحث والتطوير التابع للشركة في طوكيو. جميع الصور من Nippon.com)

    كلمات مفتاحية

    تكنولوجيا العلوم الشركات اليابانية

    مقالات أخرى في هذا الموضوع