هانامي.. سمفونية من أزهار الربيع في اليابان
سياحة وسفر- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
يعد الاستمتاع بأزهار الكرز في فصل الربيع ممارسة ثقافية يابانية تأسر قلوب الناس من جميع أنحاء العالم اليوم. وفي الواقع يتدفق الكثير من السياح إلى اليابان للمشاركة في ما يعرف بـ’’هانامي‘‘ أو مشاهدة الأزهار. ولمعرفة لماذا أصبحت هانامي تقليدا واسع الانتشار، من المفيد معرفة أن أصولها مرتبطة بأشجار الكرز البرية التي تنمو في أجزاء مختلفة من اليابان وتاريخ مشاهدة الزهور.
نُذُر الربيع
ساكورا أو الكرز المزهر هو الاسم العام لأنواع مختلفة من الأشجار متساقطة الأوراق العريضة من جنس الكرز Cerasus، مع وجود أكثر من 100 نوع من تلك الأشجار تنمو بشكل رئيسي في المناطق معتدلة الحرارة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. تزرع أشجار الكرز الحلو في جميع أنحاء العالم وهي واحدة من أكثر الأشجار شهرة، ولكن العديد من الأنواع البرية تنمو بشكل رئيسي في شرق آسيا. يصنف بعض الخبراء ساكورا تحت جنس الخوخ Prunus مع الخوخ الأهلي Prunus domestica))، لكن توجد اختلافات شكلية واضحة بين جنسي الكرز والخوخ أكدها الباحثون من خلال تحليل DNA باستخدام علم الوراثة العرقي الجزيئي في السنوات القليلة الماضية. وسأناقش في هذه المقالة أشجار الساكورا باعتبارها أحد أنواع جنس الكرز.
يوجد في اليابان عشرة أنواع من أشجار الكرز البري، من بينها يامازاكورا (C. jamasakura) أو الكرز الجبلي الياباني وإيدوهيغان (C. itosakura) أو كرز الربيع والتي ربما تعود إلى عصور ما قبل التاريخ عندما بدأ البشر في العيش بالأرخبيل الياباني. يامازاكورا شائعة في جميع المناطق الممتدة بين وسط وغرب اليابان، وتغطي التضاريس الجبلية بالقرب من مناطق عيش الإنسان، وبما أنها تزهر في وقت أبكر من الأشجار الأخرى فإنها تبرز على التلال في الربيع. في بعض المناطق مثل جبل يوشينو في محافظة نارا لا تزال أشجار الساكورا تزهر وتبهج العين منذ أكثر من ألف عام.
من ناحية أخرى نادرا ما يتم العثور على أشجار إيدوهيغان في المناطق الجبلية ولكنها تزهر في وقت أبكر من أشجار يامازاكورا مما يجعل زهورها الوردية أكثر لفتا للأنظار وإثارة للمشاعر بسبب جمالها. تنمو أشجار إيدوهيغان أيضا لأطوال مذهلة تصل في بعض الأحيان إلى 30 مترا، ويمكن أن يبلغ محيطها مترين ما يجعل من العديد من هذه الأشجار العملاقة عوامل جذب سياحي في حد ذاتها. وعلى الرغم من أن كلا النوعين لا ينتج فواكه صالحة للأكل، إلا أن كبار السن قد ينجذبون بشكل طبيعي إلى هذه الأشجار الجميلة ويستمتعون بمشاهدة روعة أزهارها.
من التسلية إلى النشاط الترفيهي
بدأ تقليد هانامي في اليابان في القرن الثامن، خلال فترة نارا (710-94) عندما باتت حفلات ’’كيوكوسوي نو أوتاغي‘‘ وسيلة راقية للتسلية. ففي هذا النوع من التسالي كان المشاركون يؤلفون ويقرأون القصائد أثناء جلوسهم بجانب جدول مائي، ويحتسون الشراب في أكواب الساكي قبل أن يتركوها تطفو في الجدول لتنتقل إلى الشخص التالي. درجت العادة فيما سبق على إقامة هذه الحفلات في اليوم الثالث من الشهر الثالث في التقويم القمري، والذي يقابل بداية شهر أبريل/نيسان في يومنا الحالي. تعود أصول هذه التسلية الربيعية المبكرة إلى الصين، وكانت تقام في حدائق البلاط الإمبراطوري ومن قبل طبقة النبلاء. في ذلك الوقت كانت الأشجار المزهرة التي يحظى جمالها بالإعجاب هي أشجار أوميه (P. mume) أو البرقوق الياباني، أو أشجار مومو (P. persica) أو الخوخ، والتي تم استقدامها في الأصل إلى اليابان من الصين. وهكذا فإن الأزهار التي أعجب النبلاء بجمالها في القرن الثامن في فصل الربيع لم تكن أشجار الساكورا، ولم تظهر فعاليات هانامي للاستمتاع بجمال أشجار الكرز المزهرة إلا في وقت لاحق.
في فترة هييان (794-1185) ازداد رسوخ عزيمة اليابان على تأسيس ثقافتها المميزة الخاصة بها وبدأ يتزايد عدد الناس الذين يشاهدون أشجار الساكورا في الربيع. كانت أشجار الساكورا شائعة جدا في البرية وكانت الأزهار مشابهة في مظهرها لأزهار أشجار أوميه، وأصبحت أشجار الساكورا تحل تدريجيا محل أشجار أوميه في فعاليات مشاهدة الأزهار. وفي حين أن تقاليد حفلات ’’كيوكوسوي نو أوتاغي‘‘ اختفت تدريجيا، استمر الناس في الانخراط في مشاهدة الأزهار في الربيع. حيث كان الناس يتدفقون لمشاهدة أشجار يامازاكورا وإيدوهيغان جنبا إلى جنب مع أشجار أوميه ومومو في فصل الربيع، ولكن مشاهدة الأزهار في المتنزهات كانت تعتبر مختلفة عن الاستمتاع بالأزهار في أماكن تعطي انطباعا أقوى بالطبيعة.
وفي فترة إيدو (1603-1868) انتقلت فعاليات هانامي من الحدائق الخاصة إلى الأماكن العامة الحضرية. وقد أنشأت في مدينة إيدو متنزهات في أماكن مثل أسوكاياما وغوتنياما حيث أمر يوشيموني (حكم من 1716 إلى 1745) ثامن حكام شوغونية توكوغاوا بزراعة المئات من أشجار يامازاكورا ليستمتع بها الناس العاديون. أصبحت تلك المناطق أماكن مفضلة حيث كان الناس يأكلون ويشربون ويبتهجون بها تحت الأشجار المزهرة، وهو ما شكل بدايات مهرجانات هانامي التي يستمتع بها الناس اليوم، وهي مزيج من التسلية الأرستقراطية القديمة وتسلية أكثر بساطة وأقل قدما.
ظهور أشجار سوميي يوشينو
تم تطوير العديد من أنواع أشجار الساكورا بغرض زراعتها في الحدائق خلال فترة إيدو، ويرجع ذلك جزئيا إلى زيادة استخدام أوشيما زاكوراC. speciosa) ) بالإضافة إلى يامازاكورا وإيدوهيغان. إن أوشيما زاكورا هو نوع بري ينمو في جزر إيزو التي تنتشر إلى الجنوب من طوكيو. لم تكن تلك الأشجار معروفة خلال فترة هييان، وقد بدأت تنمو على نطاق واسع بعد فترة كاماكورا (1185-1333). ولأشجار أوشيما زاكورا زهور بيضاء كبيرة، وعلى الرغم من أنها تبقى صغيرة نسبيا حتى بعد نضجها، إلا أنها تزهر بكثافة. وقد طرأت عليها طفرات نجمت عنها أزهار مزدوجة البتلات، لذلك كانت الشجرة المثالية لزراعتها في المتنزهات.
في فترة إيدو أصبحت العاصمة مركزا لما كان يعرف باسم ’’بستنة إيدو‘‘ عندما تم تطوير العديد من أصناف الأقحوان (النجم) والأزاليات (أشجار الورد) والنباتات الأخرى. لم تكن أشجار الساكورا استثناء، واستخدم خبراء البستنة في إيدو أشجار أوشيما زاكورا لإنشاء أصناف مزدوجة البتلة مثل فوغينزو (C. Sato-zakura) من مجموعة ’’ Albo-rosea ‘‘ وأوكون (C. Sato-zakura) من مجموعة ’’الأزهار الكبيرة‘‘ والتي لا تزال مشهورة حتى اليوم. لكن النتيجة الأكثر شهرة لهذا النشاط قد تكون سوميي يوشينو (C. × yedoensis) والتي يربط جميع الناس تقريبا اليوم بينها وبين هانامي.
بدأت أشجار سوميي يوشينو التي كانت تسمى يوشينو زاكورا في ذلك الوقت، في منتصف إلى أواخر القرن التاسع عشر في قرية سوميي في إيدو. في ذلك الوقت كانت أشجار الساكورا أحادية البتلات والتي يصل ارتفاعها لأكثر من 10 أمتار تعتبر يامازاكورا، واكتسبت اسم يوشينو زاكورا إشارة إلى منطقة يوشينو مكان ظهور أشجار يامازاكورا. لا توجد سجلات حاليا تتعلق بكيفية ظهور صنف سوميي يوشينو، لكن أبحاث الـDNA تشير إلى أن الشجرة الأم لها كانت إيدوهيغان والشجرة الأب أوشيما زاكورا. جمعت سوميي يوشينو أفضل السمات لكلا النوعين، حيث تتفتح منها أزهار وردية شاحبة اللون قبل ظهور الأوراق، كما هو الحال مع إيدوهيغان، وسرعان ما أصبحت طويلة مثل أوشيما زاكورا، وبعد برهة أصبحت الساكورا المفضلة لسكان إيدو باعتبارها الشجرة المثالية لمهرجانات هانامي.
وفي فترة مييجي (1868-1912) عندما تحولت اليابان بسرعة نحو الحداثة، كانت هذه الأشجار تزرع على نطاق واسع في الأماكن العامة مثل المتنزهات والمدارس وعلى طول الطرق في جميع أنحاء البلاد. لكنها كانت مختلفة عن يامازاكورا الموجودة في يوشينو وأطلق عليها اسم سوميي يوشينو بعد حوالي عام 1900 لتأخذ اسم القرية التي زرعت فيها لأول مرة. في اللغة الإنجليزية، غالبا ما يطلق على سوميي يوشينو اسم ’’كرز يوشينو‘‘، ولكن أعتقد أنه يجب الاحتفاظ بهذا الاسم لأشجار يامازاكورا. الاسم الأكثر ملاءمة لسوميي يوشينو بالإنجليزية هو ’’ Tokyo cherry ‘‘ أو كرز طوكيو، لأنه انتشر إلى جميع أنحاء اليابان بعد إعادة تسمية إيدو بطوكيو.
كانت أشجار سوميي يوشينو بالفعل الصنف المثالي لفعاليات الهانامي التي بدأت في إيدو. تكاثرت أشجار سوميي يوشينو على نطاق واسع عن طريق التطعيم، وخلال 10 سنوات تقريبا تصبح هذه الأشجارة طويلة ويمكن للمرء أن يدرك بسهولة أنها مثالية لمشاهدة الأزهار. ولأنها ناجمة عن التطعيم، فإن سوميي يوشينو هي نسخ متطابقة، لذلك فهي تزهر في وقت واحد وتنتج جميعها أزهارا لها نفس اللون الوردي الشاحب. تجذب هذه الأشجار الناس من أماكن قريبة وبعيدة ليأكلوا ويشربوا في مجموعات في الهواء الطلق تحت فروعها المتشعبة. وبما أن سوميي يوشينو قد زرعت على نطاق واسع، فإن تقليد مدينة إيدو المتمثل في الجلوس تحت تلك الأشجار لتأمل أزهارها الجميلة، قد انتقل مع انتشار الأشجار. ومن الإنصاف القول إنه بفضل سوميي يوشينو أصبحت الهانامي نشاطا ربيعيا يمكن للجميع الاستمتاع به.
مزيد من التنوع في المستقبل
تشتمل فعاليات هانامي على أنواع مختلفة من المتعة مثل حضور حفلة صاخبة في متنزه أو تأمل الأزهار بصمت أو الاستمتاع بمشاهدة أشجار الساكورا أثناء تسلق الجبال. تتيح الكثير من الأنواع البرية أيضا رؤية مناظر ممتعة مثل أشجار أوياما زاكورا (C. sargentii) أو كرز سارغينت في المناطق الباردة لهوكايدو، وأشجار كانهي زاكورا (C. campanulata) أو كرز بأزهار جرصية الشكل في منطقة أوكيناوا شبه الاستوائية، ونوع مكتشف حديثا هو كومانو زاكورا (C. kumanoensis) أو كرز كومانو الذي يزهر جنوب شبه جزيرة كيي.
ليست أشجار سوميي يوشينو بأي حال من الأحوال هي الصنف الوحيد الذي نصادفه. تشمل الأنواع الشائعة الأخرى أشجار شيداري زاكورا (C. itosakura "Pendula") أو الكرز المتدلي، وأشجار كاوازو زاكورا (C. × kanzakura) وأشجار تايهاكو (C. Satozakura) وغيرها. إن معرفة أصل وتاريخ كل نوع من أشجار الساكورا التي تنمو في اليابان يمكن أن تجعل تجربة الهانامي أكثر متعة.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: أناس يحتفلون في تجمعات بتقليد هانامي في متنزه أوينو بطوكيو. حقوق الصورة لأفلو. جميع الصور بإذن من المؤلف)