دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو 1964: نقطة تحول في إدراك المجتمع الياباني لذوي الاحتياجات الخاصة

طوكيو 2020

عندما استضافت طوكيو دورة الألعاب البارالمبية في عام 1964، كان هناك اعتقاد شائع بأن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لا يمكنهم أداء دور نشط في المجتمع الياباني. لكن هذه الدورة كانت نقطة تحول تاريخية، حيث ساهمت في تغيير هذا التصور المتقادم. فقد ساعدت الألعاب البارالمبية في تمهيد الطريق لرياضات ذوي الاحتياجات الخاصة، وفتحت أبوابًا جديدة لمشاركة هذه الفئة في المجتمع بشكل أوسع، مؤكدةً على إمكانياتهم وإسهاماتهم الفعالة في مختلف مجالات الحياة.

مع اقتراب موعد إقامة دورة الألعاب البارالمبية 2020، ستصبح طوكيو أول مدينة في العالم تستضيف دورة الألعاب البارالمبية مرتين. حيث أقيمت دورة الألعاب البارالمبية الأولى في طوكيو بعد دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية الصيفية عام 1964، في الفترة من 8 إلى 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 1964. في ذلك الوقت، كانت الأحداث المقامة في طوكيو تعتبر بشكل رسمي استمرارًا لألعاب ستوك ماندفيل التي أقيمت لأول مرة كمسابقة محلية في لندن عام 1948 ثم كتجمع دولي في عام 1952. لكن بعد تأسيس اللجنة البارالمبية الدولية في عام 1989، تم بأثر رجعي اعتبار هذه الدورة بمثابة دورة الألعاب البارالمبية الثانية، حيث أنها أقيمت بعد التجمع الأول الذي أقيم في روما عام 1960. في هذا المقال، سأبحث في تأثير دورة الألعاب البارالمبية لعام 1964 على المشاركين فيها وعلى المجتمع الياباني ككل، مع سرد بعض الاقتباسات المنسوبة إلى أولئك الذين شاركوا فيها.

تحركات لتعزيز رياضات ذوي الاحتياجات الخاصة

يعد ناكامورا يوتاكا الأب الروحي لرياضات ذوي الاحتياجات الخاصة في اليابان، وكان يعمل طبيباً في مستشفى بيبو الوطني. في عام 1960، درس ناكامورا استخدام الرياضة كوسيلة لإعادة التأهيل في مستشفى ستوك ماندفيل في بريطانيا على يد لودفيج جوتمان، مؤسس دورة ألعاب ستوك ماندفيل التي كانت مقدمة لتاريخ طويل من الألعاب البارالمبية. بعد عودته إلى اليابان في عام 1961، أقام ناكامورا دورة ألعاب أويتا لذوي الاحتياجات الخاصة. لذلك يمكننا القول أن الفضل في إطلاق الألعاب البارالمبية في اليابان يعود إلى ذلك اللقاء الذي جمع بين ناكامورا وجوتمان.

في تلك الأيام، كانت اليابان تفتقر إلى المرافق أو المعدات أو التشريعات اللازمة لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من المشاركة في الرياضة. عندما تساءل ممثلوا دورة ألعاب ستوك ماندفيل عن إمكانية إقامة بطولة في اليابان، قرر المنظمون اليابانيون التأكيد على حقيقة أن اليابان ستستضيف مسابقة دولية، وذلك من أجل المضي قدماً في إنشاء بنية تحتية في اليابان. بل إنه يمكن القول بأن دورة الألعاب البارالمبية لعام 1964 كانت نتيجة لجاي أتسو، أي الضغط الدولي الذي تمت ممارسته هنا لتحسين البيئة للرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة في اليابان. نظرًا لأن إنشاء بنية تحتية محلية لرياضات ذوي الاحتياجات الخاصة كان جزءًا أساسياً من اللائحة الخاصة بدورة الألعاب البارالمبية، فقد تم تنظيمهما كدورتين منفصلتين: دورة ألعاب ستوك ماندفيل الدولية، وهي بطولة دولية للرياضيين المصابين بإصابات في العمود الفقري، ودورة ثانية في 13–14 نوفمبر/ تشرين الثاني لذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الإعاقات الأخرى.

رياضيون دوليون مرحون

كانت دورة الألعاب البارالمبية التي أقيمت في طوكيو عام 1964 سلسلة من المفاجآت للمشاركين اليابانيين. يقول أحد المتنافسين إنه حظي بالعديد من الخبرات للمرة الأولى في حياته، مثل فرصة مقابلة رياضيين من خارج اليابان. لقد أعجب بشكل خاص بالمجموعة المتنوعة من الكراسي المتحركة التي كان الرياضيون الدوليون يستخدمونها، ويقول ”في اليابان، كان جميع الرياضيين يستعملون نفس الكرسي المتحرك، أما هؤلاء الرياضيون فقد كانوا يستخدمون أنواعاً عديدة ومختلفة، لم أكن أعرف أبداً بوجود كل هذا الكم من الكراسي المتحركة“.

كان هناك شيء آخر جاء على ذكره العديد من المشاركين في الألعاب البارالمبية وكذلك التقارير الصحفية ألا وهو الطبيعة المرحة للرياضيين الأجانب. كما ذكر منافس آخر أن حيوية الرياضيين الأجانب مختلفة تمامًا عن نظرائهم اليابانيين، قائلاً ”نحن كيابانيين من ذوي الاحتياجات الخاصة لم نكن منفتحين على المجتمع والعالم، ولم يكن لدينا تقريباً أي اتصال مع بقية المجتمع“. وفقًا لهذا المتنافس، لم تكن هناك في ذلك الوقت ترتيبات تسمح لذوي الاحتياجات الخاصة بالمشاركة في المجتمع، وبالفعل كان العدد الأكبر من بين 53 لاعباً يابانياً من ذوي الاحتياجات الخاصة يقيم في مستشفيات أو مرافق أخرى مشابهة. على العكس من ذلك تماماً، فإن معظم الرياضيين الأجانب تمت إعادة تأهيلهم في مجتمعاتهم وكانوا يعيشون حياة مماثلة لنظرائهم الذين يتمتعون بكامل قدراتهم الجسدية.

حتى أن أحد المترجمين المتطوعين علّق على ما أبداه الرياضيون الأجانب من رغبتهم في القيام بمغامرة خارج حدود القرية الأولمبية واستكشاف محيطهم. لقد اندهش الموظفون اليابانيون المرافقون لهؤلاء الرياضيين لما يتمتعون به من روح المغامرة وأخذ زمام المبادرة، حقيقة أن ذوي الاحتياجات الخاصة يعيشون حياة مليئة بالنشاط مثّلت تحدياً للتصورات المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة التي كانت راسخة في أذهان الشعب الياباني في الستينات.

قال المتنافس الأول المذكور أعلاه إن دورة الألعاب البارالمبية ساعدته على تغيير مفاهيمه المسبقة حول ذوي الاحتياجات الخاصة. وأشار المتنافس الثاني إلى أن تلك التجربة جعلته يشعر أن اليابان كانت متأخرة 30 أو 40 عامًا في طريقة تعاملها مع ذوي الاحتياجات الخاصة. لقد بات واضحاً أن الفرق في الأداء بين الرياضيين الأجانب ونظرائهم اليابانيين يرجع إلى الفجوة في نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتم تأهيلهم في المجتمع، وقد كانت الألعاب البارالمبية فرصة ذهبية لسد هذه الفجوة.

مصدر للثقة

ما أن تم الاتفاق على أن تنطلق دورة الألعاب البارالمبية، حتى تم تعيين كاساي يوشيسوكيه للإشراف على البطولة. عمل كاساي وكيلًا لوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية (أصبحت الآن وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية) مباشرة بعد انتهاء الحرب، حيث قام بوضع الخطوط العريضة لمخطط سياسة الرعاية الاجتماعية في اليابان. بعد تركه الوزارة، أصبح كاساي نائب رئيس جمعية الصليب الأحمر الياباني، حيث أصبحت شبكة الاتصالات الواسعة التي لديه مفيدة للغاية في تنظيم دورة الألعاب البارالمبية. لقد كانت هناك حاجة إلى الاعتماد على العمل التطوعي لأداء العديد من الخدمات الضرورية، على سبيل المثال الترجمة الفورية حيث أنشأ الصليب الأحمر الياباني لواءً متطوعاً لأعمال الترجمة بعد أن تحدث كاساي إلى هاشيموتو يوكو، أحد شباب الصليب الأحمر، الذي كان يجيد اللغة الإنكليزية.

إذا كان ناكامورا هو الأب الروحي لفكرة استخدام الرياضة كوسيلة من وسائل إعادة التأهيل في اليابان، فلا شك أن كاساي كان هو الرجل الذي جعل الألعاب البارالمبية جزءًا من سياسة الرعاية العامة ووضع حجر الأساس لرياضات ذوي الاحتياجات الخاصة. في مقابلة مع صحيفة ”أساهي شيمبون“، رد كاساي على أولئك الذين انتقدوا علامة سعر الـ 100 مليون ين الخاصة بالألعاب البارالمبية لعام 1964 أو الذين ادّعوا أن الحكومة يجب أن تولي الأولوية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يعانون من إعاقات شديدة بدلاً من الاهتمام بالبطولات الرياضية.

نُقل عن كاساي قوله أن عدد المرضى الذين يمكن أن تستقبلهم المرافق المخصصة للتعامل مع أصحاب الإعاقات الشديدة، سيظل محدودا،ً وأن الأهم بالنسبة للعدد الأكبر من ذوي الاحتياجات الخاصة هو أن يكتسبوا الثقة من خلال تأهيلهم في المجتمع عبر دورة الألعاب البارالمبية. كان كاساي، أكثر من أي شخص آخر، هو من حمل لواء قضية رياضات ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال ربط الألعاب البارالمبية بمفهوم دعم إعادة التأهيل وإعادة الإدماج الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة.

تعزيز الوعي

إن أحد أهم مكتسبات دورة الألعاب البارالمبية لعام 1964 هو إنشاء بنية تحتية تسمح لذوي الاحتياجات الخاصة بالمشاركة في الألعاب الرياضية. بعد الألعاب البارالمبية، تم تأسيس الرابطة اليابانية لرياضات ذوي الاحتياجات الخاصة، وتم إعادة تسمية القسم الثاني من البطولة الدولية التي عقدت في الفترة من 13 إلى 14 نوفمبر/ تشرين الثاني كبطولة وطنية لرياضات ذوي الاحتياجات الخاصة وتم إنشاء نظام للتدريب. ولذلك فقد أتاحت الألعاب البارالمبية فرصة للأجيال القادمة من أجل المشاركة في رياضات ذوي الاحتياجات الخاصة. بهذه الطرق وبطرق أخرى، تم دمج إرث الألعاب البارالمبية بشكل كامل في سياسة الرعاية الاجتماعية في اليابان، كما عملت المنافسة على تعزيز وعي الجمهور العام بذوي الاحتياجات الخاصة وتسريع اندماجهم في المجتمع، مما عزز المشاركة المجتمعية لذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع الياباني، والتي تم الاعتراف بأنها كانت أقل بكثير من الدول الأخرى.

لكن في نفس الوقت، مثلت الألعاب البارالمبية خروجًا عن الرسالة التي تبنتها حركة ذوي الاحتياجات الخاصة في فترة ما بعد الحرب، والتي كانت تشدد بشكل أساسي على الحق في الحياة لذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الإعاقات الشديدة. فإلى حد ما، أدت الألعاب البارالمبية إلى تضييق نطاق تعريف ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تركيزها على الأشخاص النشطين بدنيا ويتمتعون بقدر كافٍ من القدرة الحركية بما يمكنهم من المشاركة في الأحداث الرياضية، وانحصر نجاحها في إلقاء الضوء على نطاق محدود من التنوع.

هل ستنجح دورة طوكيو للألعاب البارالمبية 2020 في إلقاء الضوء على التنوع داخل المجتمع وتعزيز ثقافة احترام هذا التنوع؟ وفي المقابل، هل هناك تخوف من أن يسرق الرياضيون من ذوي الاحتياجات الخاصة وحدهم الأضواء؟ أتمنى أن تكون الألعاب البارالمبية حافزاً لنا على التفكير في الإمكانيات المتنوعة للتعايش في المجتمع وألا يكون ذلك قاصراً على ذوي الاحتياجات الخاصة من الرياضيين المشاركين في الألعاب البارالمبية.

(كتب النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من اللإنكليزية، صورة العنوان: حفل افتتاح دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو الذي أقيم في ملعب أودا بالقرية البارالمبية في يويوغي بحي شيبويا، طوكيو في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1964 ، في مستهل منافسة قوية شارك فيها رياضيون من 21 دولة ومنطقة تنافسوا في 144 حدثًا يمثلون 9 رياضات مختلفة، يقف ناكامورا هيروشي خلف الرياضي الذي يؤدي القسم الأولمبي. ماينيتشي شيمبون/ أفلو).

طوكيو الألعاب الأولمبية البارالمبية