تطور ”حكاية غينجي“
ثقافة تاريخ اليابان- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
قدرات كامنة على التطور
تبرز رواية ”حكاية غينجي“ في تاريخ الأدب الياباني الممتد على مدار 1300 عام باعتبارها عملا إبداعيا مثاليا، وقد أصبحت جزءا من حياة الشعب الياباني.
ولكن كان على الرواية إظهار قدرة كبيرة على الازدهار. عادة ما تؤدي التغييرات الدراماتيكية في البيئة إلى انقراض أشكال الحياة غير القادرة على التكيف. أحد الأمثلة الكلاسيكية على ذلك هو الديناصورات. وبنفس الطريقة فإن الأعمال الأدبية التي كانت تُعتبر قمة الثقافة في عصرها قد تفقد سريعا بريقها في العصر التالي حيث تخضع القيم الاجتماعية والأنظمة السياسية والاقتصادية إلى تحول كبير.
كُتبت الرواية في وقت كان ذروة الهيمنة السياسية الأرستقراطية في مطلع القرن الحادي عشر، عندما لم يكن هناك اقتصاد نقدي متطور، ومع ذلك كان لحكاية غينجي قراء على مدار سنوات تخللها سلام وسفك دماء، وحكم الساموراي والديمقراطية، والرأسمالية وتكنولوجيا المعلومات.
يكمن سر هذا الارتباط المتواصل مع الرواية في ”طفراتها“ الثقافية الكثيرة. فبطبيعة الحال ظل نصها كما هو ولكن رغبات القراء والرسائل التي سعوا لإيجادها في العمل قد تغيرت مع تغير العصور. وقد نجحت حكاية غينجي على الدوام في إيصال رسائل جديدة من خلال التفسيرات الجديدة التي طورها أدباء مهتمون بها ما أدى إلى تكييف ذاتي للرواية مع الاضطرابات التاريخية.
من الجماليات إلى السياسة
حدث أول تغيير كبير لحكاية غينجي في القرن الثالث عشر، بعد 200 عام من كتابتها، مع الإصلاح النصي من قبل فوجيوارا نو تيئيكا (1162–1241)، وهو عالم مختص في شعر واكا. ففي عصر ما قبل تكنولوجيا الطباعة كان يتم نسخ العمل مرارا وتكرارا عن طريق الكتابة اليدوية وكانت هناك اختلافات كبيرة بين النسخ المختلفة. كانت هناك حاجة إلى شكل رسمي لرواية حكاية غينجي لتكون مؤثرة ثقافيا. تركزت جهود تيئيكا على تنقيح المحتوى وترتيب الفصول الــ54، مما جعل حكاية غينجي عملا كلاسيكيا يمكن قراءته مرارا، وأدى إلى إطلاق بحوث من شأنها إيجاد طرق جديدة لفهم العمل.
كان تيئيكا نفسه ينظر إلى الجمال باعتباره موضوعا رئيسيا. لقد عاش في بداية القرون الوسطى المضطربة في اليابان، عندما استخدم محاربو الساموراي قوة السلاح للاستيلاء على السلطة. أحيا العمل التحريري الذي قام به الأرستقراطي تيئيكا رؤية ضائعة لـ”مييابي (الرقي)“ في البلاط الإمبراطوري.
يشتهر تيئيكا أيضا بتجميع مقتطفات هياكونين إيشّو الأدبية الشهيرة والتي تضم 100 قصيدة واكا لـ100 شاعر، عاش معظمهم في فترة هييان (794- 1185). في زمن تيئيكا الذي انتشرت فيه الفوضى، سمحت له قصائده الأنيقة والرائعة التي احتوت على مفردات غينجي المصقولة ببناء عالم مثالي يتخطى الواقع.
وبعد حوالي 250 عاما من تيئيكا، برز الشاعر سوغي (1421-1502). وقد حاز بسمعته الواسعة على إعجاب شاعر لاحق معروف برحلاته ألا وهو عالم شعر الهايكو ماتسوؤ باشو (1467-1568). عاش سوغي في فترة الممالك المتحاربة (1467–1568) عندما تصارع أمراء الحرب على بلد متصدع ودخل المجتمع الياباني في اضطرابات أكبر.
كان شعار تلك المرحلة كلمة ”غيكوكوجو“ والتي تترجم حرفيا بـ”الأدنى يطيح بالأعلى“، والتي تعبر عن كيفية إسقاط الأتباع لأمرائهم ونبذ الأطفال لآبائهم وأمهاتهم. كان الاحترام التقليدي للسادة والآباء في حالة رثة، حتى أن انتشار الزواج السياسي أدى إلى غياب الثقة بين الأزواج والزوجات.
في هذه الأرض التي مزقتها الحروب وانهارت فيها العلاقات الإنسانية قدم سوغي صلوات مفعمة بالمشاعر من أجل العودة إلى مجتمع مثالي تسوده روابط متناغمة بين الأزواج والزوجات والأسر والأصدقاء وبين الأمراء وخدمهم والمعلمين والطلاب. وقد وجد هذه العلاقات المثالية – بما فيها العلاقات بين الحكام والشعب – في غينجي والتي اعتبرها أعظم رسالة في هذا العمل الأدبي.
كان سوغي ينظر إلى حكاية غينجي على أنها شرارة سياسية لتحقيق السلام والتفهم أكثر من كونها كتابا عن الجماليات. وهو ذات المبدأ الذي تم اختيار اسم العصر الياباني الجديد على أساسه في هذا العام ”ريوا (تعني الانسجام الجميل، وفقا للترجمة الحكومية الرسمية)“.
الاستقرار والاضطراب
بعد مرور قرن على وفاة سوغي وبعد حوالي مرور ستة قرون من كتابة غينجي، حققت اليابان ”أمنا دائما“ لطالما تمناه الكثيرون. ويشبه المؤرخون فترة إيدو (1603-1868) في عصر شوغونية توكوغاوا بفترة السلام الروماني ”باكس رومانا“ في العصور القديمة.
سعى المجتمع في فترة إيدو لتحقيق الاستقرار من خلال استحداث أربع طبقات – الساموراي والمزارعين والحرفيين والتجار – وكان المواطنون العاديون قادرين على العيش بحياة مفعمة بالسلام والثقافة. وقد تسرب جو العاصمة ايدو إلى الروتين اليومي للناس.
كانت ذروة ”باكس توكوغاوا“ في عصر غينروكو (1688-1704). كان أحد أكبر المختصين برواية حكاية غينجي في ذلك الوقت هو كيتامورا كيغين (1624-1705) والذي كان أيضا معلما للشاعر باشو. تم نقل تعاليم سوغي إليه في مراسم خاصة.
قام كيغين بدمج التغييرات في منظور امتد من تيئيكا إلى سوغي، ما أدى إلى إيجاد تفسير ينظر إلى حكاية غينجي باعتبارها في آن معا نصا حول الإدارة السياسية حيث تظهر الثقة بين القادة والشعب، وكتابا للأخلاقيات يوضح كيفية العيش بشكل صحيح. وبموجب هذا التفسير أصبحت الرواية دليلا للناس الذين يرغبون في السلام، حيث يرشدهم إلى كيفية العيش بشكل أفضل في هذا العالم والوصول إلى الجنة من خلال الموت بطريقة مناسبة.
وبعد حوالي قرن من الزمان ظهرت قراءة جديدة ومؤثرة تناقض فكرة أن غينجي عالجت بشكل أساسي قضايا سياسية وأخلاقية. فقد افترض الباحث موتوؤري نوريناغا (1703-1801) أن الموضوع المركزي للرواية كان ’’مونو نو أواري‘‘ وتشير هذه العبارة التي تعني حرفيا شيئا من قبيل حساسيتنا تجاه الطبيعة الزائلة لواقعنا، إلى شكل من أشكال العاطفة البحتة في أن البشر يفقدون القدرة على التعبير عندما يكتسبون الثقافة على صورة معرفة وأخلاق.
على سبيل المثال، الشخصية الرئيسية في غينجي تحب فوجيتسوبو بشغف، ولكنها زوجة والده الإمبراطور، وعلاقتهما من المحرمات. ومع ذلك يرفض غينجي التخلي عنها وتصبح حاملا بطفله. ويحارب بكل قوته ضد الحواجز الأخلاقية والقانونية التي تقف في طريق حبه النقي.
أدت دراسة الأدب والثقافة اليابانية ”كوكوغاكو (التعلم الوطني)“ التي طورها نوريناغا إلى بروز العديد من الناشطين في الأيام الأخيرة من حكم الشوغونية في منتصف القرن التاسع عشر تقريبا. وكان ”الموالون للنظام الإمبراطوري“ يعتقدون أن الإمبراطور يجب أن يدير الدولة بنفسه بدلا من تفويض مهامه لقادة الساموراي. وكان هذا يعني أنهم أرادوا الإطاحة بحكم الشوغونية ونظامه الطبقي. لقد تغيرت الرسالة التي استقاها العصر من حكاية غينجي من رسالة حول السلام والوئام إلى فلسفة مونو نو أواري لنوريناغا. وبدلا من تحقيق الاستقرار، دعا الموالون للنظام الإمبراطوري لتبني القتال سبيلا للحب والمثل العليا بدلا من تثمين أهمية الاستقرار. كانت المساواة أحد شعارات عصر نهضة مييجي. يمكن للمرء القول إن فلسفة نوريناغا شجعت الموالين للنظام الإمبراطوري، وساعدت على فتح الباب أمام الدولة الحديثة.
ترجمات للقراء الجدد
تواصلت الجهود منذ عام 1868 لإيجاد أهمية جديدة في غينجي. ركزت الشاعرة يوسانو أكيكو (1878–1942) على معاناة النساء اللواتي أحبهن بطل الرواية. كانت هذه رؤية جديدة مقارنة بالنقاد الذكور الذين ذكرتهم حتى الآن، والذين تطابقت آراؤهم حول غينجي وجعلوا من موقفه نقطة البداية لهم.
عندما كتبت رواية حكاية غينجي في القرن الحادي عشر كان من الطبيعي أن يكون لدى الرجال زوجات متعددة. وعلى الرغم من أن يوسانو عاشت في وقت كان الزواج فيه من امرأة واحدة فقط، إلا أن معاناة الحب كانت هي نفسها، وعرفت بنفسها معنى أن تكون في مثلث الحب.
وبصرف النظر عن نوع القانون، ماذا يكون الزواج إذا لم يستطع إسعاد المرأة؟ ألم يكن الحب كافيا كأساس لمثل هذه العلاقة؟ كانت تلك أسئلة جالت في خاطر موراساكي شيكيبو قبل 900 عام. في قراءة غينجي ككتاب عن المعاناة التي تتخلل حياة النساء، كانت يوسانو تعود إلى وجهة نظر موراساكي بدلا من الرجوع إلى السلام أو فلسفة مونو نو أواري.
ساعدت يوسانو أيضا في توسيع شريحة قراء غينجي من خلال ترجمتها إلى اليابانية الحديثة، ما سمح لهم بتلقيها بنفس سهولة أي رواية أخرى. أنتج الكثير من الكتاب الآخرين إصداراتهم المعاصرة الكلاسيكية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، بما في ذلك تانيزاكي جونئيتشيرو وإينتشي فوميكو وتانابي سيئيكو وهاشيموتو أوسامو وسيتوؤتشي جاكوتشو وكاكوتا ميتسويو.
أنتج آرثر ويلي أيضا في أوائل القرن العشرين نسخة إنجليزية رائعة، والتي بدت وكأنها تنقل التوق للنهضة في المجتمع الأوروبي بين الحربين العالميتين. رأى ويلي في غينجي كلا من أناقة حضارة ناضجة ونقدا لها حيث كانت مشبعة بالشعور بالأزمة. كانت نوعا من توليفة حديثة لتفسيري تيئيكا وسوغي.
أصبحت رواية حكاية غينجي بفضل ترجمة ويلي جزءا من الأدب العالمي. فالفرصة أمام الناس في جميع أنحاء العالم متاحة الآن للعثور على معانيهم ودليلهم الخاص للعيش في قصتها.
المقالة الأصلية منشورة في الأصل باللغة اليابانية في 13 أغسطس/آب عام 2019. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مشهد من الفصل ”هاشيهيمي (عذراء الجسر)“ من ألبوم لصور غينجي مرسومة على شكل مروحة يدوية. (الصورة بإذن من المعهد القومي للأدب الياباني)