تثبيت دعائم الدولة اليابانية بسجلات تاريخية قائمة على الأساطير !
تاريخ اليابان ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تثبيت دعائم الدولة بسجلات ”حقيقية“
يعد كوجيكي (سجل الأمور القديمة) ونيهون شوكي (سجل اليابان التاريخي) سجلين تاريخيين تم إعدادهما في عامي 712 و720 على التوالي من قبل الدولة اليابانية في بداياتها. ولكن ما هي الخلفية التاريخية والهدف من إعداد هذين العملين اللذين يشار إليهما اليوم كمصدر للأساطير المتعلقة بنشأة العالم وغيرها من الأساطير؟ وقد كان لتغيير مكانة اليابان في شرق آسيا والثورات الداخلية فيها دور مهم بالنسبة للخلفية التاريخية التي قادت لإعداد السجلين.
كان يُنظر إلى الصين في القرن الخامس على أنها تتزعم نظام وصاية هيمن على شرق آسيا. وتشهد وثيقة تعود لعام 478 قدمها يورياكو إمبراطور ’’وا (اسم اليابان في تلك الفترة)‘‘ للإمبراطور شون الذي ينحدر من أسرة ليو سونغ على حالة تبعية الدولة اليابانية في بداياتها للصين. ولا توجد سجلات لاحقة تبرهن على وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين لأكثر من قرن. بعد ذلك في عصر الإمبراطورة سويكو في مستهل القرن السابع، أكدت اليابان على أنها تقف على قدم المساواة مع أسرة سوي التي كانت قد هيمنت حديثا على الصين عندما بعثت برسالة أعلن حاملها أنها قادمة من ’’حاكم الأرض التي تشرق منها الشمس‘‘. أعد الأمير الشهير شوتوكو الوصي على الإمبراطورة سويكو السجل القومي ’’كوكّي‘‘ والذي على الرغم من أنه لم يعد موجودا إلا أنه يُعتقد أنه أول سجل تاريخي للبلاد.
كان القرن السابع زمن التحول والثورة في اليابان. وكان إصلاح تايكا عام 645 وحرب جينشين عام 672 من بين الأحداث التي أعادت هيكلة الدولة. وقد كان تايكا أول اسم عصر يستخدم في اليابان استمر من 645 إلى 650. وبما أن أسماء العصور الصينية كانت حتى ذلك الحين تهدف إلى إظهار سلطة الأباطرة الصينيين خلال العصر نفسه، يمكن اعتبار استحداث اليابان لأسماء عصورها الخاصة تعبير ا آخر عن استقلالها عن الصين.
في حرب جينشين – أكبر صراع على خلافة العرش الإمبراطوري في التاريخ الياباني القديم – أطاح الأمير أوأما بأخيه الأكبر واستمر في الحكم باسم الإمبراطور تينمو. وقد استحدث نظام ريتسوريو المتمثل في حكومة مركزية وبدأ تشييد دولة جديدة. وقد آتت أوامره بإعداد سجل قومي لتاريخ البلاد أُكُلها في نهاية المطاف وتجلت في سجلي كوجيكي ونيهون شوكي. وبالمناسبة بدأ استخدام الاسم الحديث للبلاد ’’نيهون‘‘ قبل وقت قصير من استكمال إعداد السجلين في حوالي عام 700.
يتم تدوين سجلات تاريخية قومية عادة عندما يريد الحكام تثبيت دعائم دولة جديدة. ولتوجيه البلاد نحو مرحلة جديدة، كان من الضروري أولا إعداد ’’سجل تاريخي حقيقي‘‘ يضفي شرعية على موقف الإمبراطور. وبالطبع تستند ’’حقيقة‘‘ التاريخ إلى معايير الحاكم. ولهذا السبب رأى الأمير شوتوكو والإمبراطور تينمو ضرورة لإعداد سجلات تاريخية حكومية، وهذا هو السبب أيضا في أنه بين أيدينا حاليا سجلا كوجيكي ونيهون شوكي.
تسخير قوى الآلهة المحلية
يبدأ كل من السجلين التاريخيين من عصر الآلهة. حيث يبدآن بسرد أحداث خلق السماء والأرض، يليها تشكيل جزر اليابان من قبل الإله إيزاناغي (أو إيزاناكي) وزوجته الإلهة إيزانامي. ومن بين القصص الشهيرة الأخرى الخلاف بين إلهة الشمس أماتيراسو وشقيقها الأصغر سوسانوو وإقدامه على ذبح الثعبان ذي الرؤوس الثمانية والأذناب الثمانية ’’ياماتو نو أوروتشي‘‘، وقيام أوكونينوشي بإنشاء البلاد وتنازله لاحقا عنها لحفيد أماتيراسو الذي نزل من السماء ليحكم البلاد، والنزاع بين الأخوين أوميساتشيهيكو (هبة البحر) وياماساتشيهيكو (هبة الأرض)، وولادة الإمبراطور جينمو الذي يعتبر أول إمبراطور لليابان على الإطلاق.
يتعاطى اليابانيون المعاصرون مع تلك السجلات التي تتناول زمن الآلهة باعتبارها مجموعة من الأساطير، ولكن ما أهمية وجود الأساطير في بداية التاريخ؟ بالنسبة لأولئك الذين قاموا بتمريرها إلى الأجيال التالية، فإنهم يعتبرونها حقائق تصف ما حدث في الماضي ولها القدرة على صياغة القواعد الاجتماعية وطرق عيش الناس وموتهم. كل أمة لها أساطيرها الخاصة التي كانت ذات يوم جزءا أساسيا من الحياة. وهكذا شكل سكان الجزر اليابانية مجتمعاتهم المحلية الخاصة، وعاشوا وفقا لأساطيرهم المتنوعة ثم ماتوا ودُفنوا وفقا لمفاهيمهم. كان تسخير قوة هذه القصص مقنعا بلا شك عند تأليف قصة عن أصول نشأة البلاد.
وباختصار فإن الموضوع الرئيسي الذي أيده كل من كوجيكي ونيهون شوكي هو كيف هبط نسل الإلهة العليا أماتيراسو من السماء ليحكموا الدولة اليابانية. ومع ذلك لم يكن هذا بمفرده مقنعا للناس في جميع أنحاء البلاد الذين كانوا يعبدون آلهتهم الخاصة ويعيشون طبقا لأساطير مختلفة، ولن يقبلوها على هذا النحو باعتبارها حقائق. هذا هو السبب في أن السجلين التاريخيين لا يصفان أماتيراسو باعتبارها إلهة واحدة ذات سلطة مطلقة، ولكنهما بدلا من ذلك يتضمنان مجموعة آلهة الأسلاف وآلهة محلية شهيرة أو غير معروفة وكذلك العديد من الأساطير التقليدية. قليل من الآلهة في هذين السجلين يبدون نشيطين مثل سوسانوو من منطقة إيزومو (حاليا هي جزء من محافظة شيماني)، حيث إن معظمهم ليسوا إلا مجرد أسماء، لكن إدراجهم في السجلين لا بد وأنه جعلهما أكثر إقناعا للناس في الأرخبيل الياباني. وقد ساعدت القوة النفسية والثقافية للآلهة المحلية على نشر الرسالة المركزية.
أسطورة نشأة العالم
سألقي الآن نظرة فاحصة على الأساطير المتعلقة بخلق اليابان، ولا سيما من خلال كوجيكي.
تتعلق أسماء الإلهين إيزاناكي/إيزاناغي وإيزانامي بالفعل إيزاناو ويعني ’’يدعو‘‘. ومع إضافة الحرفين ’’كي‘‘ و ’’مي‘‘ في ’’أوكينا (رجل عجوز)‘‘ و ’’أومينا (امرأة عجوز)‘‘، بالإمكان تمييز اسميهما كمذكر ومؤنث، على التوالي. وقد أمرتهما آلهة السماء بالوقوف على جسر السماء العائم وتدوير مياه البحر باستخدام الرمح السماوي المرصع بالجواهر. وعندما رفعا الرمح أصبح الملح المتساقط من طرفه جزيرة تسمى ’’أونوغوروشيما‘‘. يُعتقد أن إيزاناغي كان في الأصل إلها للأشخاص الذين كانوا يصطادون الأسماك في جزيرة أواجيشيما وحول بحر سيتو الداخلي، ويُعتقد أن الممارسة القديمة لإنتاج الملح كانت وراء أسطورة خلق أونوغوروشيما.
نزل الاثنان إلى الجزيرة وقاما ’’بدعوة‘‘ بعضهما البعض ليصبحا أول زوجين في التاريخ. ولكن لأن الإلهة إيزانامي هي من أقدمت على الخطوة الأولى فقد أنجبت الطفل ’’هيروكو‘‘ والذي كان مشوها ولا يرغب به أحد، وقد وضعاه في قارب من القصب وتركاه يبحر بعيدا. تشمل القصة ضمنا فكرة أنه يجب على النساء إطاعة أزواجهن، ويُعتقد أنها متأثرة بالكونفوشيوسية.
يوصف هيروكو في نيهون شوكي بأنه لم يكن قادرا على الوقوف حتى عند بلوغه 3 سنوات من العمر. ويصفه موتوؤري نوريناغا عالم الأدب والثقافة اليابانية القديمة ’’كوكوغاكو‘‘ من القرن الثامن عشر بأنه طفل بلا عظم مثل علقة ’’هيرو‘‘. في حين أن قاموسي القرن العاشر شينسين جيكيو وواميوشو يشرحان هيرومو بأنها كلمة تستخدم لوصف شخص يعاني من صعوبة في المشي، ويرى البعض أن هذا هو أصل الكلمة هيروكو.
وعلى الرغم من الصورة السلبية لهيروكو في السجلين كوجيكي ونيهون شوكي، إلا أن هناك نظرية مفادها أنه كان في الأصل إلها للشمس. في نص نيهون شوكي توصف أماتيراسو أيضا باستخدام اسم ’’أوهيرومي‘‘ والذي يمكن ترجمته ’’امرأة شمس عظيمة‘‘ أو ’’إلهة شمس عظيمة‘‘، وهذا يعني أن هيروكو قد يمثل ’’إله الشمس‘‘. اللاحقتان اللتان تعبران عن المذكر والمؤنث ’’كو‘‘ و ’’مي‘‘ يمكن ملاحظتهما أيضا في أزواج مثل ’’أوتوكو (رجل)‘‘ و ’’أوتومي (فتاة، عذراء)‘‘، و ’’هيكو‘‘ و ’’هيمي‘‘ (تستخدمان للبنين والبنات من أصول نبيلة)، و ’’موسوكو (ابن)‘‘ و ’’موسومي (ابنة)‘‘. ووفقا لهذه النظرية فقد أُبعد هيروكو عندما كان ’’طفلا علقة‘‘ لأن الدولة اليابانية في بدايتها لم تكن تقر بوجود أية إلهة أخرى للشمس إلى جانب أماتيراسو. ولكن هيروكو الذي تم التخلي عنه استعاد القبول الشعبي له في القرون التالية وأصبح معروفا لاحقا بإله صيادي الأسماك ’’إبيسو‘‘.
ولكن عندما تحدث إيزاناغي أولا مع إيزانامي نجَم عن لقائهما جزيرة أواجيشيما ثم بقية جزر اليابان واحدة تلو الأخرى. تُعرف تلك الجزر مجتمعة باسم أوياشيماغوني أو ’’الدولة العظيمة المكونة من 8 جزر‘‘، حيث كان عدد ’’ثمانية‘‘ وسيلة للتعبير عن ’’الكثرة‘‘ في ذلك الوقت، ويمكن أيضا ترجمتها ’’البلد العظيم كثير الجزر‘‘. ثم أصبحت أوياشيماغوني اسما آخر لليابان في ظل نظام ريتسوريو.
(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 25 يونيو/حزيران عام 2019. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الحاجز الرملي أمانوهاشيداتي شمالي محافظة كيوتو. ذكرت السجلات التاريخية ’’تانغو نو كوني فودوكي (سجل أرض تونغو)‘‘ أن إيزاناكي شيد أمانوهاشيداتي للسفر إلى السماء، لكنه سقط على الأرض عندما كان نائما. حقوق الصورة لبيكستا)