نحو شراكة أعمق: السفير سيبي جورج يتحدث عن مستقبل العلاقات الهندية ــ اليابانية

سياسة

في لقاء خاص، يستعرض السفير الهندي لدى اليابان، سيبي جورج، ملامح العلاقات الثنائية المتنامية بين البلدين، مسلطًا الضوء على الفرص الواعدة التي تقدمها الهند للشركات اليابانية الساعية إلى التوسع والنمو. كما يتناول السفير سُبل تعزيز الروابط بين الهند واليابان، سواء على المستوى الشخصي بين شعبي البلدين أو في إطار التعاون الدولي، مما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية بين هاتين القوتين الآسيويتين.

السفير سيبي جورج Sibi GEORGE

يشغل منصب سفير الهند لدى اليابان منذ عام 2022، وهو دبلوماسي مخضرم التحق بالسلك الدبلوماسي الهندي عام 1993. تولى سابقًا عدة مناصب دبلوماسية رفيعة، من بينها ممثل بلاده في كل من سويسرا والكويت. حاصل على شهادة البكالوريوس من كلية سانت توماس بالاي في الهند، كما نال درجة الماجستير في العلوم السياسية، إلى جانب دراسته اللغة العربية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

الازدهار المشترك مع الهند

المحاور: شكرًا جزيلًا لك على تخصيص الوقت لنا اليوم. أفتتح حواري بالإشارة إلى ما يشهده الاقتصاد الهندي من نمو سريع للغاية، إذ من المتوقع أن يتفوق على اليابان هذا العام ليصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم. في رأيكم ما هي العوامل التي تقف وراء هذا النمو السريع على مدى العقود الأخيرة؟

جورج: أود أن أتناول الأمر من زاوية مختلفة. فالهند اليوم تمتلك أكبر وأسرع الاقتصادات نموًا في العالم، ويعود الفضل في ذلك إلى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأناه قبل نحو ثلاثين عامًا. ورغم التحديات التي واجهها هذا المشروع سواء خلال جائحة كورونا أو الأزمات الاقتصادية المختلفة، إلا أنه حافظ على استمراريته حتى يومنا هذا. وقد ساهم هذا البرنامج في تحقيق معدل نمو سنوي يقارب 7٪ على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وهو معدل نتوقع استمراره خلال العشرين عامًا القادمة أو أكثر.

وهذا هو الهدف الذي حددته الهند، وأطلقنا عليه اسم ”أمريت كال“ أو الهند الجديدة وقد تم الإعلان عن هذا المشروع عام 2021 بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لاستقلال الهند. وقد تعزز هذا المفهوم أكثر من خلال رؤية رئيس الوزراء ناريندرا مودي، التي تقضي بجعل الهند دولة متقدمة بحلول عام 2047، تزامنًا مع الاحتفال بالذكرى المئوية لاستقلال بلادنا.

صحيح أن الاقتصاد الهندي يشهد نموًا سريعًا، لكن لا يزال أمامنا طريق طويل، إذا نظرنا إليه من حيث نصيب الفرد. وقد أكد رئيس الوزراء مودي أن إحدى الأولويات الرئيسية لأمتنا اليوم هي ”وضع الجميع على مسار النمو الشامل“. ونطمح اليوم إلى تحقيق هذا النمو بالتعاون مع اليابان، بما يسهم في ازدهار البلدين معًا.

المحاور: بالطبع، اليابان تسعى أيضًا إلى تحقيق النمو، لكننا في الواقع لم نتمكن من تحقيق نفس معدل النمو السريع الذي تشهده الهند!

جورج: دعني أخبرك أن كل شركة يابانية تعمل في الهند تشهد نموًا ملحوظا. حاليًا هناك 1500 شركة يابانية تنشط في الهند وتحقق جميعها نجاحات واضحة. وأبرز مثال على ذلك هو شركة سوزوكي، التي دخلت السوق الهندية كشركة صغيرة، لكنها اليوم أصبحت أكبر من الشركة الأم في اليابان. إنها قصة نجاح مذهلة واستثنائية، حيث تستحوذ سوزوكي على أكثر من 40٪ من قطاع السيارات في الهند. وأود أن أشيد برئيس شركة سوزوكي الراحل السيد سوزوكي أوسامو، الذي كان صديقًا عظيمًا للهند، وأثبت ما يمكن أن تحققه شركة يابانية من نجاح في الهند.

تخيل لو أن 1500 شركة تحقق هذا النجاح، أو لنذهب إلى أبعد من ذلك، لماذا لا يكون لدينا 15000 شركة يابانية في الهند. أن تكون جزءًا من قصة نمو الهند يعني تحقيق منفعة متبادلة وازدهار مشترك لبلدينا معًا.

(© Nippon.com)
(© Nippon.com)

المحاور: فيما يخص الشأن الدبلوماسي، من الواضح أن الهند تقود الجنوب العالمي في السنوات الأخيرة. ما الذي تعتقد أن الهند قادرة على تحقيقه من خلال هذا الدور في علاقاتها مع الدول الأخرى؟

جورج: مرة أخرى، أود أن أضع الأمر في سياقه الصحيح. كيف نعرف هذا التجمع؟  الجنوب العالمي يضم دولًا تواجه تحديات وصعوبات كبيرة في الوضع الحالي، إلا أنه لديها تطلعات وطموحات هائلة. ومن هذا المنطلق، فإن الهند تُعد جزءًا أساسيًا من هذا التكتل، حيث واجهت العديد من التحديات في مسيرتها نحو النمو.

بصفتها رئيسة لمجموعة العشرين في 2022-2023، كان أحد أول الأشياء التي فعلتها الهند هو الدعوة إلى قمة دول الجنوب العالمي. وفي المجموع، شاركت 125 دولة في اجتماع يهدف إلى فهم التحديات التي تواجهها، وقد جلبنا هذا إلى طاولة مجموعة العشرين، وجعلناه جزءًا من جدول الأعمال هناك. في ذلك العام، عقدنا أكثر من 200 اجتماع في الهند، لمناقشة القضايا المتعلقة بالجنوب العالمي؛ وعلى الرغم من الانقسامات، فإننا عندما طرحنا قراراً يعكس آمال هذه البلدان، تم اعتماده بالإجماع كإعلان للأمل.

المحاور: نعلم أن الهند أيضًا عضو في مجموعة بريكس، التي تضم إلى جانبها كلًا من البرازيل، وروسيا، والصين، وجنوب أفريقيا. والآن، تتوسع هذه المجموعة لتشمل المملكة العربية السعودية وأعضاء جدد آخرين. فما هي مجالات التعاون في إطار هذا التكتل حسب رأيك؟

جورج: في الحقيقة إن استمرار تواجد هذه المجموعة لسنوات عديدة، بل وتوسعها مؤخراً، دليل واضح على أنها تمكنت من تحقيق شيء إيجابي. وكما لا يخفى فالهند عضو في العديد من التكتلات، مثل بريكس والرباعية (Quad) وما إلى ذلك. هناك أساسًا شيئان يحكمان سياستنا الخارجية: الأول، رفاهية الشعب الهندي، والثاني، الصالح العالمي المشترك. نحن سعداء بأن نكون جزءًا من أي منتدى يساهم في كليهما.

وإذا ما تساءلنا عما تقدمه الهند لهذه المجموعات، فسأقول بكل وضوح: نحن نقدم 1.4 مليار إنسان يعيشون في ظل الديمقراطية، نمتلك اقتصادًا ضخمًا يعد الأسرع نموًا في العالم، إلى جانب شريحة سكانية شابة متصلة رقميًا، ومواكبة للتطور التكنولوجي. كما أننا ننتهج سياسة خارجية استراتيجية ومستقلة. بعبارة أخرى، عندما نجلس إلى أي طاولة، نحضر معنا سُدس سكان العالم، لكننا لا نمثل سُدس مشاكله، بل نقدم الحلول.

المحاور: الهند تحافظ على موقفها كدولة غير منحازة.

جورج: كما قلت، نحن نركز على مفهومين ــ ما إذا كان شيء ما سيفيد شعبنا، وما إذا كان يخدم الصالح العالمي. وأعتقد أنه إذا أحسنت فهم هذين المفهومين، فسوف تجد نفسك دائمًا في المنتدى الصحيح، وبالنهج الصحيح.

المحاور: ماذا عن الرباعية؟ كيف هي علاقاتكم مع أستراليا والولايات المتحدة واليابان؟

جورج: تتمتع الهند بعلاقات ثنائية ممتازة مع كل من شركائنا في الرباعية. هناك أشياء معينة - وضعنا كديمقراطية، على سبيل المثال - تربطنا كدول متشابهة التفكير تضع أهمية مماثلة على أشياء مثل الاستقرار والسلام والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. كل هذه مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتركيزنا على الصالح العالمي المشترك.

عندما نعمل معًا من أجل أشياء مثل مفهوم منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، الذي تبنته اليابان، لا أعتقد أننا نفكر في أي دولة أخرى. نيتنا واضحة. نريد هذه الحرية والانفتاح حتى تتمكن كل دولة في المنطقة من الوصول إلى الموارد التي تقدمها المنطقة.

المحاور: لقد عملت في منظمتي الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT) ومنظمة التجارة العالمية (WTO) حيث كان هدفنا الرئيسي يتمحور حول خفض التعريفات الجمركية، وقد حقق نجاحًا ملموسًا حتى وقت قريب. أما اليوم ومع اعتماد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الرسوم الجمركية كسلاح دبلوماسي، هل تعتقد هذه الاستراتيجية ستكون فعالة، أم أنها تتعارض مع المبادئ التي عملنا عليها طوال هذه السنوات؟

جورج: من الأهمية بمكان أن ندرس مدى نجاح المنظمات المتعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية. فقد واجهت المنظمة تحديات، بما في ذلك عدم التزام البلدان بالقواعد دائما. ولكي يظل النظام فعالا، فسوف يحتاج إلى أن يصبح أكثر عدالة لمنع البلدان من البحث عن بدائل.

المحاور: عندما ذهب وزير الخارجية الياباني إيوايا تاكيشي إلى واشنطن لحضور حفل تنصيب الرئيس ترامب، التقى بنظيره الهندي سوبرامانيام جايشانكار. واتفقا على مبادرة ثنائية بشأن تبادل العلوم والتكنولوجيا.

جورج: إن علاقاتنا التاريخية والحضارية قوية. ولكن هناك مجال مهم وهو العلوم والتكنولوجيا. هناك الكثير يحدث في التعاون الأكاديمي في هذه المجالات. ولكن هناك مجال ضخم للتوسع. لدينا الآن حوالي 600 اتصال بين معاهد التعليم العالي الهندية واليابانية. نحن بحاجة إلى توسيع هذا.

لقد نجحت الهند في مجال الفضاء مؤخرًا، مع التكنولوجيا المحلية باعتبارها الأساس. ولكن هناك مجال للتعاون هنا. هذا هو المكان الذي نريد أن نركز فيه الطاقة حتى يستمر الزخم.

المحاور: هل ستركزون على هذا المجال في مشاركتكم في معرض أوساكا إكسبو 2025؟

جورج: سنركز على تقدمنا ​​التكنولوجي: الفضاء، الذكاء الاصطناعي، أشباه الموصلات، والروبوتات. لدينا ثالث أكبر منظومة ناشئة في العالم. اليابان لديها العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي يمكن أن تستفيد من الهند لتصبح كبيرة حقًا. أحضروا تقنياتكم إلينا حققوا النجاح. هذا ما نأمل في تحقيقه في مبادرتنا الثنائية.

المحاور: بعد قضائكم عدة سنوات في اليابان، كيف تقيّمون هذا البلد وما أبرز سماته من وجهة نظركم؟

جورج: دعني أخبرك أمراً، كل هندي يحب اليابان. باعتبارها نموذجاً ملهماً من الناحية الاقتصادية، فقد كانت أول دولة آسيوية نجحت في بناء اقتصاد متقدم. خلال العامين الماضيين، قمت بزيارة سبع وأربعين محافظة وخمسين جامعة. لقد رأيت كيف أن اليابان تعتبر لاعبًا مهمًا في جميع المجالات خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا والتقدم العلمي، إلى البحث والابتكار. لذلك نحن سعداء جدًا بالتعاون مع اليابان.

أما على المستوى الشخصي، لطالما استمتعت بالدفء الذي قوبلت به في كل جزء من أجزاء البلاد.

المحاور: هناك عدد كبير من الجالية الهندية في اليابان.

جورج: نعم هناك حوالي 45000 هندي في اليابان، والعدد في تزايد. ألاحظ تدفقًا متزايدًا للمهندسين الهنود، خاصة في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات، الذكاء الاصطناعي، القطاع الصحي، والقطاع المالي. فالهند تتمتع بقدرات قوية في هذه المجالات. أما عندما نتحدث عن السمات المثالية للمدير المالي، فنجد أن النزاهة، والولاء، والخبرة في المحاسبة، والمهارات الرياضية، كلها عناصر أساسية. ونحن في الهند نمتلك كل هذه المقدرات.

المحاور: في الختام، هل هناك أي رسائل تود توجيهها إلى الشعب الياباني؟ وهل هناك مجالات تعتقد أنه ينبغي التركيز على تطويرها؟

جورج: المسألة لا تتعلق بتحسين جانب دون الآخر، بل بمدى قدرتنا على التعاون في العديد من المجالات. إن مسيرة نمو الهند ترتبط بشكل وثيق بنمو اليابان. كما ذكرتُ سابقًا، هناك 1500 شركة يابانية تعمل في الهند، فلمَ لا نجعل هذا الرقم 15000؟ تخيل حجم العوائد التي يمكن أن تحققها هذه الاستثمارات لليابان! إن الهند تمثل فرصة استثمارية هائلة، لا تقتصر فوائدها على الهند وحدها، بل تمتد إلى إفريقيا والشرق الأوسط ومناطق أخرى حول العالم. لهذا، أدعو الشركات اليابانية إلى توسيع وجودها في الهند، لما فيه خير للبلدين، بل وخير العالم بأسره.

وبالطبع، أتطلع إلى رؤية المزيد من الهنود ينخرطون في سوق العمل الياباني. إلى جانب تزايد أعداد الطلاب الهنود الذين يختارون اليابان كوجهة تعليمية، وعندما يأتي هؤلاء الطلاب للدراسة هنا، نأمل أن تتاح لهم فرصة ولوج سوق العمل الياباني بعد تخرجهم، فهذا الأمر سيعود بالنفع على كلا البلدين.

المحاور: أتفق معك تمامًا! أشكركم جزيل الشكر على وقتكم الثمين اليوم.

جورج: شكرا جزيلًا

(النص الأصلي باللغة الإنكليزية استنادًا إلى مقابلة أجريت في 21 يناير/كانون الثاني 2025 في السفارة الهندية في طوكيو. أجرى المقابلة أكاساكا كيوتاكا. صورة العنوان © Nippon.com)

    كلمات مفتاحية

    اليابان الهند علاقات سياسية

    مقالات أخرى في هذا الموضوع