وجهة نظر

الشمس صفراء والقمر أبيض؟ ليس عند الجميع! تأملات ثقافية بين العرب واليابان

ثقافة

المؤمن عبد الله [نبذة عن الكاتب]

عندما يجتمع الناس معًا، تنشأ ثقافة جديدة هناك. فلكل دولة ثقافتها الوطنية، ولكل منطقة ثقافتها المحلية، ولكل شركة ثقافة عمل خاصة بها، ولكل دين ثقافته الدينية. ويُعتقد أن الاتجاه السائد في المجتمع الحديث هو التفتت الثقافي المتزايد.

فعلى سبيل المثال، هناك أنماط وميول حياتية مختلفة حتى بين أبناء المجموعة العرقية الواحدة. فثقافة المنطقة العربية ونُظمها الاجتماعية لم تعد موحدةً، كما أن طرق التفكير لم تعد متجانسة بالضرورة. فالتشرذم يتسارع بوتيرة غير مسبوقة، ولا نهاية للانقسامات والصراعات، حتى وإن كان الناس ينتمون إلى نفس المجتمع، ويتشاركون نمط الحياة ذاته.

إن الثقافة والقومية مرتبطتان ببعضهما البعض بشكل غير مرئي. حيث يقول الكاتب والروائي الياباني شيبا ريوتارو (1923-1996) ”إن القومية هي في الأساس شيء عاطفي، وهي موجودة في كل عاطفة إنسانية، وإن كانت بدرجات متفاوتة“. إنها عاطفة الغضب الشديد الذي نشعر به عندما تتعرض قريتنا للإهانة من قبل قرية مجاورة، وحتى لو كان الأمر ليس معقدًا إلى ذلك الحد، إلا أنها مصدر الكثير من الطاقة التي تتولد عندما تعارض مجموعة من الناس مجموعة أخرى.

لقد كان يوليوس قيصر (100-44 ق.م)، الذي خاض معارك عديدة، وخلَّد اسمه في التاريخ كقائد عظيم، يعلم أن الناس يميلون إلى التمسك بأفكارهم الخاصة ورؤية العالم من منظور يناسبهم، فقال معبّرًا عن ذلك ”الناس لا يرون إلا ما يريدون رؤيته“.

ولكن حتى لو كان ذلك عن غير قصد، فإن الطريقة التي يرى بها الناس الأشياء قد تختلف من ثقافة إلى أخرى. فقد سألتُ ابنتي التي كانت منهمكة في الرسم باهتمام كبير وقلت لها ”ما هو اللون الذي تلونين به الشمس عند رسمها؟“. فأجابت بابتسامة، ودون أن تبدو وكأنها تأخذ سؤالي على محمل الجد قائلةً ”إنه الأحمر، بالطبع!“. لقد ارتبكت للحظة من هذه الإجابة غير المتوقعة، وتظاهرت بأنني مقتنع رغمًا عني بجوابها، وقلت لها ”آه، حقًا؟!“.

ففي الثقافات العربية مثل الثقافة المصرية، حيث نشأت أنا، غالبًا ما يتم تلوين الشمس عند رسمها باللون الأصفر أو الأصفر المائل إلى البرتقالي. وعلى الأقل، لا يتم تلوينها باللون الأحمر أبدًا. فهل هذا يعني أن الأمور المألوفة قد تبدو مختلفة حين تتغير اللغة أو يتغير المجتمع؟

لقد أصبحت ابنتي، التي وُلدت ونشأت في اليابان، مهتمة بشكل متزايد بعالم ”الألوان“، ثم تابعتْ توجيه الأسئلة لي قائلةً ”إذن، ما هو لون القمر؟“. وأجابت بثقة قائلةً ”إنه الأصفر. عادةً ما يتم تلوينه باللون الأصفر“. إن هذا أيضًا شيء مختلف تمامًا عن إحساسي بالألوان، نظرًا لنشأتي في مصر أو في العالم العربي. فاتجهتُ مسرعًا نحو النافذة وحاولت يائسًا إثبات صحة ”إحساسي بالألوان“ قائلًا لها ”لا، لا، عادةً ما يكون لونه أبيض.. اُنظري إلى السماء وشاهدي.. ألا تعتقدين أن القمر يبدو أبيض؟ “.

وهكذا، يبدو أن الألوان التي تتبادر إلى أذهاننا عندما نرى الشمس والقمر تختلف باختلاف البلد والمنطقة. فقد كان لون الشمس كما رسمها العرب مثل لون القمر كما رسمه اليابانيون! وعلى الرغم من أنهما نفس الشمس والقمر اللذان نراهما من الأرض، إلا أن إدراكهما يختلف باختلاف من ينظر إليهما. ووفقًا لقوانين علم اللغة، فإن هذا مثال ملموس يوضح أنه ”حتى لو كانت الأشياء لها نفس الطبيعة عبر الزمان والمكان، فقد تكون هناك اختلافات في الآليات والوظائف التي ندركها من خلالها“.

وعلى الرغم من أننا نعيش على نفس الكوكب، إلا أن الطريقة التي نرى ونسمع بها الأشياء تختلف من شخص لآخر. ونتيجة لذلك، فإن الاحتكاك بين الثقافات بسبب الاختلافات في اللغات والأفكار وغيرها من العناصر الثقافية الأخرى لا ينتهي. وفي بعض الأحيان، يمتد هذا الاحتكاك الشديد إلى أشياء أخرى غير اللغة.

وفي النهاية، وكما يقول قيصر ”الناس لا يرون إلا ما يريدون رؤيته“.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان من © بيكستا)

    كلمات مفتاحية

    اليابان العرب ثقافة

    المؤمن عبد اللهAlmoamen Abdallaعرض قائمة المقالات

    أستاذ الدراسات اليابانية والترجمة بجامعة طوكاي. مـصري المولد، وهو أحد المتخصصين العرب القلائل في علوم اللغة اليابانية وآدابها، حاصل على الدكتوراة في علوم اللغـة اليابانية وآدابها من جامعة غاكوشئين اليابانية، عمل باليابان لسـنوات طويلـة في مجال الترجمة والتعاون الـدولي عـلى مدى 17 عـام، حيـث يعمـل الآن بالحقـل الأكاديمي كأسـتاذ بجامعـة طــوكاي باليابان، إلى جانـب عمله في مجال التأليـف، والترجمة الإذاعية، الفورية، والأدبية. عمـل بهيئـة الإذاعـة والتلفزيـون اليابانيـة مـن خـلال تقديـم برنامـج تعليـم اللغـة العربيـة ولـه العديـد مـن المؤلفـات الخاصـة بعلـم اللغـة والمقارنـة بـين الثقافتـين العربيـة واليابانيـة.

    مقالات أخرى في هذا الموضوع