
عندما يصبح الوداع جزءًا من الجمال في الثقافة اليابانية!
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
الثقافة والكلمات التي تحكي حكاياتها
تتغير كل الكلمات وكل اللغات بمرور الوقت. ومع ذلك، باستثناءات قليلة ربما، فمن المرجح أن تظل المشاعر التي تثيرها الكلمات ثابتة كما هي. حيث إن التغيرات في اللغة والتغيرات في المشاعر مختلفة تمام الاختلاف في طبيعتها ــ ولكن في كلتا الحالتين، تكون سرعة التغيير هادئة إلى حد ما مقارنة بالحياة البشرية العادية. وبالطبع، هذا خبر جيد بالنسبة لنا. ولو لم يكن الأمر كذلك ـ أي لو كانت الكلمات والمشاعر التي تعبر عنها تتغير بسرعة طوال الوقت ـ لكان لزاماً علينا أن نعود ونتعلم لغتنا الأم من جديد كل بضع سنوات.
وعندما نفكر في المشاعر الثابتة أو غير المُتغيرة التي تشكل أساس الثقافة اليابانية، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو حقبة هييآن (794-1185). حيث كانت فترة حاسمة في صياغة الثقافة اليابانية، وأدت إلى ولادة وعي يلخص في بعض النواحي وجهات النظر اليابانية للحياة حتى يومنا هذا
وقد تميزت حقبة هييآن بازدهار ثقافي ملحوظ لريادة النساء، كما ظهر بشكل واضح في الكلاسيكيات الأدبية مثل حكاية غينجي للشاعرة والمؤلفة ”موراساكي شيكيبو“ و”كتاب الوسادة“ للكاتبة ”سي شوناغون“. وعلى الرغم من أن الرجال في ذلك الوقت احتلوا مكانة متفوقة بلا منازع من حيث القوة الاجتماعية والسياسية، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالمساعي الثقافية، كانت النساء في البلاط وما حوله يتفوقن على الرجال.
ولا شك أن هؤلاء الرجال كانوا على دراية بالعالم الآسر الذي كانت تخلقهنه النساء في أعمالهن الأدبية. ولا بد أنهم أدركوا أن هذه الحكايات، إلى جانب اليوميات مثل مثل مذكرات موراساكي شيكيبو، و ”كاغيرو نيكي“ (ترجمها إدوارد سيدينستيكر تحت عنوان ”سنوات الخيط الرفيع“)، و ”إيزومي شيكيبو نيكي“ (ترجمها دوي كوتشي إلى ”بطلات بلاط هييآن“) وغيرها، المكتوبة إلى حد كبير بالكتابة الصوتية بحروف الكانا، كانت تحمل شيئاً كان مفقوداً تماماً في الكتابة الأكثر ”جدية“ التي كتبها الرجال باللغة الصينية الكلاسيكية. ولكن لم يكن بوسع أحد أن يتنبأ بأن هذه المجموعة الأدبية الناشئة كانت تنتج مفهوماً من شأنه أن يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الحس الجمالي الياباني لقرون قادمة.
وتتسم المذكرات والقصائد التي كتبتها النساء خلال حقبة هييآن بخيط مشترك يتمثل في شعور يصعب التعبير عنه بالكلمات، أصبح يُعرف باسم ”مونو نو أوارى“. وقد تُرجم هذا المصطلح على نحو مختلف إلى ”النزعة العاطفية أو الرثاء تجاه الأشياء“ أو ”التعاطف معها“. وهو مصطلح مألوف لأي شخص درس اليابان وثقافتها ــ على الرغم من أن اليابانيين أنفسهم قد يجدون صعوبة في شرح معناه بالضبط بعبارات بسيطة.
وفي واقع الأمر، إن حقيقة صعوبة تفسير النظرة العالمية التي تعبر عنها عبارة ”مونو نو أوارى“ تكشف على الأرجح عن جانب خفي مهم من الحساسية اليابانية في حد ذاتها. ومن الطبيعي أن يكون إدراك الأهمية الحقيقية لهذه المشاعر ليس بالأمر السهل بالنسبة للغرباء. ففي جوهره، يعبر المفهوم عن الوعي بعدم ديمومة الأشياء، وتقديرًا شجيًا لما هو عابر وزائل للأشياء الصغيرة في الحياة، وإدراك حقيقة مفادها أننا جميعاً في نهاية المطاف محكوم علينا بالزوال مثل أزهار الكرز المتساقطة.
التواجد الدائم لمفهوم الزوال في الثقافة اليابانية
إن مصطلح ”أوارى“ يمكن العثور عليه في نصوص تعود إلى الأساطير والتاريخ كما في الكتابات القديمة في الـ ”كوجيكي“ و”نيهون شوكي“، فضلاً عن مجموعة الشعر ”مانيوشو“، ولكن في ”حكاية غينجي“ وصل الإحساس إلى ذروته. بعبارة أخرى، استمر مفهوم ”أوارى“ في خط متواصل عبر التاريخ الثقافي الياباني، من أقدم النصوص إلى يومنا الحالي. ويمكن وصفه بأنه أحد القيم الأساسية التي تشكل النظرة العالمية والوعي اليابانيين - سواء آنذاك أو حاليًا.
لقد كان اليابانيون في تلك الأوقات أكثر تناغماً من اليوم مع العالم المتغير من حولهم ـ المرئي وغير المرئي، السحب والرياح، وتفتح الزهور وذبولها، ومسار الأنهار والبحار المتقلب ـ وكانوا يدركون أن هذه الأشياء متشابكة بشكل لا ينفصم مع تقلبات حياتهم الداخلية. وكما كانت قصص الحب الزائلة، والحياة، والموت التي عاشتها الشخصيات التي ظهرت في الروايات الرومانسية الكلاسيكية في ذلك الوقت، فقد رأوا فناء الحياة البشرية ينعكس في كل شيء من حولهم، وعاشوا مرارة إدراك الزوال الحتمي.
(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: مخطوطة لفصل ”واكا-موراساكي“ (موراساكي اليافع) من حكاية غينجي، تحتوي على تصحيحات يُعتقد أنها بخط يد ”فوجيوارا نو تيكا“. السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حي كاميغيو، كيوتو. © جيجي برس)