التخمير: وصفة طبية لبناء مناعة الجسم من الألف إلى الياء
لايف ستايل- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
يؤمن يوشيدا توشيميتشي بشدة بالقوة التي تتمتع بها الميكروبات. يشهد يوشيدا الذي حصل على خبرته في الزراعة من خلال التدريب، بالفوائد الصحية لما يسميه ’’كينتشان‘‘ أو الكائنات الحية الدقيقة النافعة ليس في المزارع فحسب ولكن أيضا في مراكز الرعاية النهارية والمدارس الابتدائية التي تبنت أساليبه. وقد تم تناول قصة عمله الرائد في مجال التعليم والتغذية في مراحل الطفولة المبكرة في فيلم وثائقي من جزأين للمخرج فين أووتا بعنوان إيتاداكيماس (غذاء الروح اليابانية) صدرا في عامي 2016 و 2020.
نشر فوائد ’’كين‘‘
بدأ يوشيدا حياته المهنية كمرشد زراعي تابع لإدارة محافظة ناغازاكي متخصص في تحسين التربة. وبينما كان لا يزال في الثلاثينات من عمره، استقال من وظيفته الحكومية ليكرس نفسه للزراعة العضوية المستدامة مع التركيز على استخدام سماد من مخلفات طعام معاد تدويرها. وانطلاقا من اقتناعه المتزايد بالفوائد البيئية والصحية لهذا النهج، شرع يوشيدا في مهمة لنشر فوائد ’’كين‘‘ أو الكائنات الحية الدقيقة، وخاصة بين مراكز الأطفال في مراحلهم المبكرة والمدارس في المنطقة. وحاليا هناك عشرات مراكز الرعاية النهارية، بما في ذلك نصف المنشآت في مدينة كورومي بمحافظة فوكوؤكا، التي تجري استشارات مع يوشيدا وتشرع في زراعة الخضروات العضوية الخاصة بها. وقد أقدمت الكثير من تلك المراكز على دمج تلك الخضروات أيضا في وجبات الغداء المدرسية التي تقدمها للطلاب إلى جانب الأطعمة المخمرة والأسماك المجففة، ما شكل إحياء للنظام الغذائي الياباني التقليدي.
شرعت مدرسة الحضانة مامي في ساسيبو بمحافظة ناغاساكي في تبني مثل هذا البرنامج في عام 2006. بدأ المركز في زراعة الخضروات العضوية الخاصة به باستخدام السماد المخمر المصنوع من نفايات الطعام المعاد تدويرها. تتضمن وجبات الغداء المدرسية الخضروات، جنبا إلى جنب مع الأطعمة اليابانية المخمرة التقليدية مثل الميسو والمخللات. ويشارك الأطفال بنشاط في مهام إعادة التدوير والزراعة والتخليل وحتى صنع الميسو. وبعد عامين من تدشين البرنامج انخفض متوسط عدد حالات الغياب بسبب المرض من 5.4 يوم إلى 0.6 يوم في السنة.
بالنسبة ليوشيدا فإن العامل المشترك يتمثل في الدور الحيوي الذي تقوم به الكائنات الحية الدقيقة النافعة، وهو درس تعلمه أثناء عمله على تحسين التربة. أقنعت سنوات من الخبرة يوشيدا بأن التربة المخصبة بالسماد المصنوع من مخلفات الطعام المتخمرة أنتجت خضروات قوية ومقاومة للأمراض. ولم يرَ أي سبب لعدم تطبيق نفس المبادئ الأساسية على البشر.
سحر السماد المخمر
قد يتبادر إلى ذهن المرء أن الضريبة التي لا مفر منها في الزراعة الخالية من استخدام المبيدات الحشرية هي التهام الديدان للمنتجات. ولكن يوشيدا يصر على أن الأمر ليس بهذه الصورة. ففي تجربته الخاصة تبين أن الخضروات المزروعة بالسماد المخمر مقاومة للغاية للتلف الذي تحدثه الحشرات. وجد يوشيدا أنه عندما يتم إطلاق ديدان تتغذى على الملفوف في أرض مزروعة بالملفوف، فإنها تنجذب نحو النباتات الذابلة والمريضة تاركة النباتات القوية والصحية دون إحداث أي ضرر. الصور التالي توضح الأمر.
ولكن كيف يعمل السماد المخمر على نمو خضروات قوية ومقاومة للحشرات؟
يوضح يوشيدا الأمر قائلا: ’’تعمل بكتيريا التخمير الموجودة في السماد العضوي على تحسين التربة عن طريق تحطيم المواد العضوية التي يحتويها‘‘. وبالتالي تمتلئ النباتات المزروعة في تلك التربة الغنية بالمواد المغذية بمركبات تسمى المواد الكيميائية النباتية التي تحمي النباتات من الأمراض والحشرات. وفي الوقت نفسه تخلق البكتيريا النافعة الموجودة في السماد بيئة في التربة تكون معادية للكائنات الدقيقة التي تتلف النباتات وتتسبب في حدوث أمراض. ولكن من ناحية أخرى يؤكد يوشيدا على أن ’’التربة يمكن أن تحتوي على بكتيريا التعفن والتي تسبب تدهورا في جودتها. ويمكن أن يخل الاستخدام المتكرر للكيماويات الزراعية بالتوازن الميكروبي في التربة ما يجعل النباتات عرضة للأمراض والآفات الحشرية‘‘.
حدس يوشيدا الذي ألهمه بأن نفس المبادئ العامة تنطبق أيضا على جسم الإنسان، تؤكده أبحاث منشورة.
فقد خلص العلماء في وقت سابق أن البكتيريا التي تزدهر عادة في الأمعاء البشرية – غالبا ما يشار إليها باسم فلورا الأمعاء – تخلق بيئة معادية للأحياء الدقيقة المرضية التي يمكن أن تشق طريقها إلى الجهاز الهضمي عن طريق الطعام أو الماء. كما توصلوا إلى أن فلورا الأمعاء تلعب دورا أساسيا في ’’تعليم‘‘ الجهاز المناعي ما الذي يتعين مهاجمته وما لا يجب مهاجمته. يتمركز ما يصل إلى 70% من جهاز المناعة في القناة الهضمية. والبكتيريا المتنوعة الموجودة هناك ضرورية لتقوية وتنظيم الاستجابة المناعية.
ركائز المناعة الثلاث
وبعبارة أخرى يكمن السر في اكتساب جهاز مناعة صحي في الحفاظ على بيئة ميكروبية متنوعة ومتوازنة في الأمعاء. يمكن أن تساعد ميكروبات العصيات اللبنية والميكروبات النافعة الأخرى الموجودة في الأطعمة المخمرة بطرق طبيعية في الحفاظ على بيئة صحية في الأمعاء، تماما مثل الدور الذي تؤديه في التربة. يقول يوشيدا: ’’تساعد الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في أطعمة مثل الميسو وصوص الصويا في تعزيز وتوازن فلورا الأمعاء لدى الإنسان‘‘. في حين أن الخضروات العضوية توفر المغذيات الدقيقة والألياف التي تنمو عليها تلك البكتيريا النافعة. بالإضافة إلى ذلك، من المعتقد أن المواد الكيميائية النباتية الموجودة في الخضروات – خاصة الخضروات العضوية الطازجة في موسمها – تقي من حدوث التهابات مرتبطة بالسرطان وأمراض مزمنة متنوعة.
ويشير يوشيدا إلى أن العنصر الثالث الأساسي من أجل صحة الأمعاء والجهاز المناعي يتمثل في المعادن، حيث يقول: ’’يمكنك الحصول على المعادن التي يحتاجها جسمك من أطعمة مثل الأعشاب البحرية وأسماك الأنشوفة والحبوب الكاملة والزيوت النباتية غير المكررة (مثل زيت الزيتون وبذور الكتان ونباتات بيريلا) والتوفو والملح الأسود‘‘.
وباختصار يعتقد يوشيدا أن الركائز الغذائية الثلاث اللازمة لقوة جهاز المناعة تكمن في الأطعمة المخمرة، والخضروات العضوية الغنية بالألياف والمنتجات البحرية وفول الصويا الغنية بالمعادن والمغذيات الدقيقة، وجميع تلك العناصر موجودة في النظام الغذائي الياباني التقليدي. وقد لاحظ يوشيدا تلك الفوائد من خبرته الشخصية.
دشنت مدرسة نيو الابتدائية في ميتويو بمحافظة كاغاوا عام 2012 برنامجا يهدف إلى تعزيز مقاومة الطلاب للعدوى الفيروسية بمساعدة نظام غذائي صحي تحت إشراف يوشيدا. بدأ مطبخ المدرسة باستخدام التوابل الطبيعية المصنوعة من مسحوق الأسماك المجففة (أسماك الأنشوفة والأسماك الطائرة) وعشب البحر ’’كونبو‘‘ وفطر شيتاكي المجفف، بالإضافة إلى الأطعمة المخمرة والكثير من الخضروات الموسمية المعدة لزيادة القيمة الغذائية إلى أقصى حد. تم تعليم الأطفال وأسرهم مبادئ التغذية والأكل الصحي، بما في ذلك مضغ كل لقمة من الطعام 30 مرة على الأقل.
كانت إحدى النتائج الملموسة للبرنامج زيادة عامة في درجات حرارة الجسم الأساسية. فقد وجد مسح أجرته المدرسة عام 2012 أن 30% من الأطفال حرارة جسمهم 35 درجة مئوية (95 فهرنهايت) أو أدنى. وبحلول عام 2013 كانت الحرارة عند أقل من 5% من الأطفال أدنى من 35 درجة مئوية. وبعد عامين من البرنامج ارتفعت نسبة الأطفال الذين درجة حرارتهم الأساسية تبلغ 36.5 درجة مئوية (97.7 فهرنهايت) أو أعلى، من أقل من 30% إلى أكثر من 80%. الأهم من ذلك، انخفض عدد حالات الغياب من 764 في 2012 إلى 172 في 2013 و 66 فقط في 2014.
يقول يوشيدا: ’’يمكنك أن تلاحظ الفرق في أقل من 4 أسابيع‘‘. وقد لاحظ الآباء تغييرات إيجابية في بنية الشعر والأظافر وقوام البراز. يشهد المعلمون والآباء على حد سواء على الفوائد السلوكية والجسدية لتلك الأطعمة، حيث يبدي الأطفال سلوكا يتسم بمستوى أقل من التشتت في الانتباه وسرعة الغضب وفرط النشاط والمشاكسة. تتوافق هذه الملاحظات مع مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن تركيبة ميكروبات الأمعاء يمكن أن تؤثر على الصحة العاطفية والجسدية.
الخطوات الضرورية من أجل جهاز مناعي أقوى
وكما هو الحال مع تقنيات الزراعة التي يتقنها يوشيدا، ترتكز مبادئه التوجيهية الغذائية على الحكمة الشعبية اليابانية المكتسبة على مدى قرون من الزمن، ولكنها مدعومة بالعلوم الحديثة. وخلال ندوة أقيمت على شبكة الإنترنت في شهر مارس/آذار عام 2020 بعنوان ’’الأبوة التي تصنع المعجزات‘‘، قدم يوشيدا النصائح التالية لتقوية وتنظيم جهاز المناعة انطلاقا من القناة الهضمية.
- شرب سلطانية من حساء الميسو تحتوي على الكثير من الخضار مع أو بدون التوفو كل يوم. إضافة بعض أسماك الأنشوفة المجففة والأعشاب البحرية كمصدر للمعادن.
- التحقق من ملصقات المنتجات بعناية، واختيار صوص الصويا المخمر طبيعيا والميسو المصنوع بدون كحول أو مواد حافظة أو ملونات غذائية اصطناعية أو إضافات كيميائية أخرى.
- التعود على مضغ كل لقمة 30 مرة.
- تناول الطعام حتى الشعور بالشبع بنسبة 80% فقط أو كما يقول المثل الياباني ’’هارا هاتشيبو‘‘، وترك المعدة فارغة لفترات أطول. من المعتقد أن الصيام أيضا يعزز جهاز المناعة.
- إبقاء البطن دافئة، وتجنب تناول الأطعمة والفواكه الباردة كثيرا في المساء.
التساؤل إن كان تركيز يوشيدا ينصب إما على الأكل الصحي أو الزراعة المستدامة لا يصيب الهدف، فبالنسبة له هما وجهان لعملة واحدة. ’’أنا أعمل من أجل زراعة مستدامة تثمر تربة وخضروات وأشخاصا أكثر صحة‘‘.
ينظر يوشيدا أيضا إلى إعادة تدوير مخلفات الطعام والزراعة العضوية كطريقة تمكن البشر من إعادة بناء صلتهم الروحية مع الطبيعة كما يوضح في كتابه ’’مقدمة مسهبة لزراعة خضروات صحية‘‘ حيث ذكر فيه أن ’’خوض تجربة المشاركة في الدورة العضوية للطبيعة تولد شعورا بالراحة في كون الأرض تحافظ علينا. فهي تعزز الامتنان تجاه الأرض والطعام الذي نأكله، ويمكن أن تغذي الوعي بأن كل شيء له دور في هذا العالم‘‘.
في الوقت الذي تبدو فيه وكأن الإنسانية والطبيعة تخوضان صراعا مستمرا، بدأ صدى رسالة يوشيدا يتردد بالفعل.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان: يوشيدا توشيميتشي في مزرعة كينتشان، وهي من الفيلم الوثائقي إيتاداكيماس (غذاء الروح اليابانية)، بإذن من استوديو إيهاتافو)