
”حُرّاس الحصاد“: نظرة عميقة على طقوس سوا تايشا المقدسة في قلب اليابان
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
المعتقدات القديمة في قلب اليابان
تدّعي عدة مناطق محلية أنها ”سُرّة اليابان“، لكن منطقة سوا في محافظة ناغانو تقع بالفعل في قلب البلاد، سواء من الناحية الجيولوجية أو التاريخية أو الثقافية، وحتى الدينية.
يقع حوض سوا عند تقاطع خطي صدع جيولوجيين رئيسيين—خط إيتويغاوا-شيزوؤكا التكتوني والخط التكتوني الوسطي—مما يجعله شاهدًا على القوى الهائلة التي شكلت تضاريسه. تحيط به سلسلة جبال ياتسوغاتاكى وجبال الألب اليابانية الجنوبية، ويتوسطه بحيرة سوا، مما يجعله منطقة غنية بالموارد الطبيعية. ازدهر الحوض منذ العصور القديمة، وقبل توحيد اليابان بوقت طويل، حيث كان مركزًا رئيسيًا لإنتاج السبج، وهو حجر بركاني كان يُستخدم في صناعة الأدوات الحجرية. كما تم اكتشاف العديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى ثقافة جومون منذ حوالي (10,000 - 300 قبل الميلاد)، مما يعكس عمق التراث في هذه المنطقة.
إطلالة بعيدة على جبل فوجي من حوض سوا (© 2025 شركة فيجوال فولكلور)
يحتضن محيط بحيرة سوا أربع مزارات رئيسية ضمن مجمع سوا تايشا المهيب، وهي: مزارات شيموشا (هاروميا وأكيميا) في الشمال، ومزارات كاميشا (هونميا ومايميا) في الجنوب. يُعد هذا المجمع من بين أقدم المزارات في اليابان، حيث يرد ذكره في كتاب ”كوجيكي“ (سجلات الأحداث القديمة) الذي يعود إلى القرن الثامن، وذلك في سياق أسطورة ”كونيوزوري“، التي تروي قصة ”نقل الأرض“ بعد صراع على السلطة بين الآلهة. ينتشر في أرجاء اليابان أكثر من 10,000 مزار فرعي تتبع هذا المزار الرئيسي. وقد اتخذ المجمع اسم ”سوا تايشا“ في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك بعد توحيد مزارات كاميشا العليا ومزارات شيموشا السفلى.
قاعة العبادة (هايهايدن) في معبد كاميشا العلوي في هونميا (© 2025 فيجوال فولكلور إنك)
يتميز مزار مايميا بوجود الهوندين، وهو الحرم الرئيسي، بينما تقتصر المزارات الثلاثة الأخرى في مجمع سوا تايشا على قاعات العبادة المعروفة باسم هايدن. أما عن الأجسام الإلهية ”شينتاي“ التي يتم تبجيلها، ففي مزار هونميا، يمثل جبل مورياسان الواقع جنوب غرب المزار الشينتاي. بينما يتجلى الشينتاي في مزار أكيميا في شجرة اليو اليابانية ”إيتشي“ المهيبة، وفي مزار هاروميا، تكون شجرة الأرز اليابانية العملاقة هي موضع التقديس. في معبد سوا تايشا، لا تزال أشكال العبادة القديمة للطبيعة، التي تعود جذورها إلى قرون أو آلاف السنين، نابضة بالحياة، مما يجذب إليه عشاق التاريخ والباحثين على حد سوا.
يُعرف معبد سوا تايشا تحديدًا بمهرجان ”أونباشيرا ماتسوري“ المذهل، الذي يُقام كل ست سنوات، بالتزامن مع عامي النمر والقرد، وكان آخرها في عام 2022. تبدأ فعاليات المهرجان بقطع 16 جذعًا ضخمًا من أشجار ألتنوب ”مومي“ اليابانية في الجبال المجاورة، ثم يتم نقلها بواسطة آلاف الرجال عبر المنحدرات والأنهار إلى المزارات الأربعة. هناك، تُنصب هذه الجذوع لتشكل الأعمدة الأربعة في كل مزار. ولعل أبرز ما يميز هذا المهرجان هو مشهد المصلين وهم يمتطون الجذوع وينزلقون بها على المنحدرات الشديدة في مناورات تشكل تحديًا حقيقًا.
يتم نصب الأعمدة في أركان ساحات المعبد الأربعة (© 2025 فيجوال فولكلور إنك)
الغزلان في قلب المعتقدات الدينية في سوا
يتميز معبد سوا تايشا بالعديد من الطقوس الدينية الفريدة. تم تصوير فيلم ”شِكا نو كوني“ (حراس الحصاد) حول تتبع هذه الطقوس على مدار عام كام.
كان كيتامورا ميناؤ، منتج الفيلم وصاحب الخبرة في إنتاج العديد من الأفلام التي تتناول موضوعات الفولكلور، هو المحرك الأساسي لهذا المشروع. ينحدر كيتامورا من محافظة ناغانو، وقد كرس خمسة عقود من حياته لدراسة تقاليد سوا بعمق. أما المخرجة هيرو ريكو، وهي من مواليد محافظة هيروشيما، فقد كانت معرفتها بتقاليد سوا محدودة، حيث اقتصرت على مشاهد متفرقة من مهرجان أونباشيرا.
تقول المخرجة هيرو: ”لطالما سمعت عن منطقة سوا، لكن صورة مهرجان أونباشيرا ماتسوري كانت طاغية في ذهني. لقد قمت بتغطية المهرجان مرتين من قبل، لكنني لم أستوعب طبيعة الطقوس الحقيقية، إذ كنت منغمسة تمامًا في أجواء المهرجان الحماسية. هذه المرة، تعمدت الابتعاد عن التركيز على المهرجان، لأن هدفي كان صنع فيلم يكشف عن جوهر تقاليد سوا العريقة“.
يُقام مهرجان ”سينزاساي“ لنقل الآلهة في المعبد السفلي (شيموشا)، حيث يتم نقل إله هاروميا إلى أكيميا على متن مركب (© 2025 فيجوال فولكلور إنك)
من بين أكثر من 200 طقس يُؤدى سنويًا في معبد سوا تايشا، سلط الفيلم الضوء على الطقوس الخاصة التي تحتفظ بعناصر قوية من المعتقدات القديمة.
أحد هذه الطقوس هو ”أونتوساي“، الذي يُقام في 15 أبريل في معبد كاميشا مايئميا، حيث يتم تقديم رؤوس 75 غزالًا كقربان. في الوقت الحاضر، يتم استخدام رؤوس غزلان محنطة، ولكن هناك سجلات من فترة إيدو (1603-1868) تُظهر تقديم رؤوس الغزلان التي تم اصطيادها في الصيد كقربان.
توضح المخرجة هيرو أن طقس ”أونتوساي“ هو بمثابة ”طقس صيد، وفي الوقت ذاته، هو احتفال مبكر بموسم الحصاد الوافر. يُقام في بداية فصل الربيع، إيذانًا بانطلاق دورة زراعة الأرز، بدءًا من زراعة الشتلات وصولًا إلى حصاد الخريف. تنقسم مراحل نمو الأرز إلى أربع مراحل رئيسية، يُقام في كل منها طقس خاص. ولكن في منطقة سوا، كانت هذه الطقوس دائمًا ما تُرافق بطقوس الصيد المعروفة باسم “ميكاري شينجي”. على الرغم من أن الصيد لم يعد جزءًا أساسيًا من الطقوس في الوقت الحاضر، إلا أن المؤمنين ما زالوا يعتقدون بضرورة تقديم نوع من القرابين لضمان نجاح الزراعة. أرى أن هذا الجانب تحديدًا هو ما يميز الطقوس التي تُقام في معبد سوا تايشا“.
في سوا، قُدِّمت الغزلان كقرابين للآلهة منذ العصور القديمة، كما تم استهلاكها كمصدر للغذاء، وهو أمر نادر جدًا. يتجلى تفرّد هذه الممارسة في وثيقة ”كاجيكيمين“، التي كانت بمثابة إعفاء رسمي من الحظر المفروض على أكل لحم الغزال، وصدرَت حصريًا عن معبد سوا تايشا، مما جعلها الوحيدة من نوعها في اليابان. من كان بحوزته هذه الوثيقة يمكنه تناول لحم الغزال دون القلق من مخالفة الحظر المفروض آنذاك على استهلاك لحوم الحيوانات.
توضح المخرجة هيرو: ”في العصور القديمة، كان الناس يصطادون الغزلان، وعند تناول لحومها، كانوا يشعرون بأنهم قد شاركوا في دورة حياة هذا الحيوان. هذا الشعور تطور تدريجيًا إلى مزيج من الخوف والتبجيل، مما أثار لديهم التساؤل حول ماهية الحياة. لقد لامست هذا الإحساس بعمق خلال تصويري لطقوس سوا تايشا على مدار عام كامل. أؤمن بأن الغزلان تجسد دورة الحياة، حيث يرتبط كل شيء ببعضه البعض في نظام متناغم“.
وثيقة كاجيكيمين مرفقة مع عيدان تناول لحم الغزال (© 2025 فيجوال فولكلور إنك)
اختارت هيرو نهجًا جديدًا لتسليط الضوء على تقاليد سوا، من خلال التركيز على الغزلان. وقد تأثر هذا النهج بشكل كبير بتجربتها في العيش في نيبال خلال سنوات شبابها.
تقول هيرو: ”في نيبال، كانت التضحيات تقدم غالبًا خلال الطقوس الدينية أو السحر في المهرجانات. لم يكن من المقبول المثول أمام الآلهة دون تقديم شيء، وكانت الحياة أثمن ما يمكن التضحية به. وكما هو الحال في منطقة سوا، كانت هذه التقاليد مرتبطة بطقوس الزراعة وتشكل جزءًا من الحياة اليومية. وعندما عدت إلى اليابان وزرت سوا، استغربت من اعتبار هذه الممارسات أمرًا غير مألوف. لا بد أنها كانت شائعة في جميع أنحاء البلاد، لكن ما أثار فضولي هو لماذا استمرت في سوا بينما اندثرت في أماكن أخرى“.
إعادة إحياء طقس خفي
في طقس ”أونتوساي“، كان يتم فرش جلد غزال فوق منصة يجلس عليها صبي صغير. كان هذا الصبي، المعروف باسم ”أوهوري“، يُعتبر إلهًا حيًا، حيث تم تبجيله منذ العصور القديمة باعتباره التجسيد المادي للإله سوا ميوجين.
الأوهوري كما ظهر في الفيلم (© 2025 فيجوال فولكلور إنك)
يضم معبد كاميشا مائيميا الضريح الرئيسي ”هوندين“، لكنه يعد هيكلًا حديثًا نسبيًا، حيث يعود تاريخه إلى حقبة شوا (1926-1989). ويُقال إن هذا الموقع كان يستخدم كمكان للتطهير، حيث يستدعي الأوهوري الروح المقدسة لتحلّ في جسده. تُعرف هذه الروح باسم ”ميشاغوجي“، وهي محور العبادة في تقاليد سوا. ورغم تعدد النظريات حول ماهية ميشاغوجي الحقيقية، إلا أنها لا تزال لغزًا غامضًا.
توضح المخرجة هيرو: ”يرى سكان منطقة سوا أن “ميشاغوجي” هي قوة فاعلة، تؤدي دورًا ما في تنشيط دورة الحياة. أنا لست باحثة، ولا يهدف فيلمي إلى تقديم تفسير محدد لطبيعة “ميشاغوجي”. ما أصبو إليه حقًا هو استكشاف السر وراء الأهمية القصوى للغزلان في طقوس سوا تايشا، وفهم الرمزية التي تحملها في هذا السياق“.
تحفظ السجلات تفاصيل الطقوس المقدسة التي كانت تُقام على مدار العام، إلا أن بعض هذه الاحتفالات قد اندثر ولم يعد يُمارس. من بين هذه الطقوس المندثرة، يبرز طقس ”ميمورو شينجي“، الذي كان يُقام لمدة ثلاثة أشهر، تبدأ في الثاني والعشرين من ديسمبر وفقًا للتقويم القمري الشمسي. كان ”الأوهوري“، وهو الشخصية المحورية في هذا الطقس، يرافقه فتيان صغار يُعتبرون رسلًا للكامي (الإله)، حيث كانوا يعتزلون في كهف يُعرف باسم ”ميمورو“ لأداء الطقوس.
إعادة تمثيل لأداء قُدم في الميمورو (© 2025 فيجوال فولكلور إنك)
تمت إعادة تجسيد فقرات الترفيه التي كانت تُقدم خلال هذا الطقس في الفيلم، وذلك استنادًا إلى أبحاث مياجيما ريوسوكى، الباحث المتخصص في تاريخ فنون الأداء في العصور الوسطى. وقد قام مياجيما بدراسة الوثائق القليلة المتبقية حول هذا الموضوع، بهدف تقديم تفسير جديد لهذه العروض.
”يجري الباحث مياجيما دراسات في المنطقة الممتدة من سوا، نزولًا مع نهر تينريو، مرورًا بالجبال وصولًا إلى شيزوكا. لا تزال هناك آثار لهذه الثقافة باقية في المناطق النائية، وعلى الرغم من احتمال عدم وجود أي منها في سوا نفسها، إلا أن الفنون التي انتقلت من سوا لا تزال حية في مناطق أخرى ضمن الإقليم. لذلك، طلبت منه إعادة خلق عرض فني، مستندًا إلى ما يمكنه جمعه من معلومات متناثرة“.
خلال طقس الميمورو شينجي، كان أهل القرية يتجمعون في الكهف لتناول لحم الغزلان وشرب الساكى، ويقدمون أغاني ورقصات فكاهية للتسلية عن الأرواح المقدسة. وكان رسل الآلهة، الذين يرتدون ملابس حمراء مميزة، يشاركون أيضًا في هذه الفعاليات.
يشارك رسل الآلهة في تناول الطعام خلال الطقس (© 2025 فيجوال فولكلور إنك)
تقول هيرو: ”جسدت فقرات الترفيه الدورة السنوية لزراعة الأرز. كان رسل الآلهة يحملون الحياة الجديدة في أجسادهم، ويُولِدونها في طقس من التجديد. كان الرسل يغادرون الكهف مع انتهاء الشتاء، ليعودوا إلى سطح الأرض كروح الأرز. وكان طقس الأونتوساي في أوائل الربيع احتفالًا مسبقًا ينبئ بالمحصول الوفير الذي سيأتي في الخريف“.
يُصور الفيلم ببراعة طقوس سوا تايشا، كاشفًا عن التناغم الفريد بين ممارسات الصيد والزراعة التي تميز تقاليد سوا. ويقدم لنا نظرة أصيلة على المعتقدات التي ما زالت حية تُمارس حتى يومنا هذا.
”لا يقتصر سكان سوا على الصلاة والتضرع للقوة الخفية للطبيعة ودورة الحياة. فالشعور العميق بالترابط مع الطبيعة كان دائمًا جزءًا من الهوية اليابانية. ولكن، لظروف جغرافية وغيرها، تمكنت منطقة سوا من الحفاظ على هذا الإرث الروحي بشكل أكثر قوة. أرجو أن يتذكر مشاهدو الفيلم أننا كنا في يوم من الأيام جزءًا من مجتمع واحد“.
الإعلان التشويقي للفيلم (باللغة اليابانية)
(المقالة الاصلية كتبت باللغة اليابانية بقلم ماتسوموتو تاكويا من فريق عمل نيبون.كوم، والترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: حفل أونتوساي في كاميشا في سوا تايشا، في فيلم شيكا نو كوني [حراس الحصاد]. © 2025 فيجوال فولكلور إنك)