صحراء ناميبيا: رحلة سينمائية بقيادة ياماناكا يوكو تفتح آفاقاً جديدة للسينما اليابانية

فن 23/12/2024

منذ أن قدمت أولى أعمالها السينمائية المستقلة في العشرين من عمرها، أثبتت المخرجة ياماناكا يوكو نفسها كواحدة من أبرز الأسماء في السينما اليابانية المعاصرة. أحدث أفلامها ”صحراء ناميبيا“ (2024)، والذي نال إشادة واسعة من النقاد، يأخذنا في رحلة مكثفة إلى أعماق حياة شابة يابانية تكافح من أجل إيجاد مكان لها في عالم مليء بالتحديات. يسلط الفيلم الضوء على قضايا اجتماعية وثقافية معاصرة، من خلال قصة كاواي يومي، البطلة التي تعيش صراعًا داخليًا مع قيود المجتمع وتوقعاته. في هذا المقال، سنتعرف أكثر على هذا الفيلم المثير وكيف قد يعكس الواقع المظلم الذي يواجه الشباب في اليابان اليوم.

English
日本語
简体字
繁體字
Français
Español
العربية
Русский

ظهور موهبة إخراجية واعدة

يعرف الكثير من عشاق السينما اليابانية الممثلة يومي كاواي بفضل أدوارها الرئيسية المميزة في السنوات الأخيرة. لكن الحال لا يبدو كذلك بالنسبة ليوكو ياماناكا، مخرجة فيلم ”صحراء ناميبيا“ لعام 2024، أحدث أفلام كاواي.

فيلم ”صحراء ناميبيا“ هو أول عمل روائي طويل للمخرجة ياماناكا يوكو. جاء هذا الفيلم بعد سبع سنوات من فيلمها القصير ”أميكو“ الذي أنتجته بشكل مستقل في عام 2017 وحظي بتقدير عالمي. بعد 6 أشهر فقط من تخرجها من المرحلة الثانوية، وفي سن التاسعة عشرة، بدأت ياماناكا كتابة سيناريو فيلمها الأول. ورغم كونها مخرجة مبتدئة، أمضت ياماناكا 6 أشهر متواصلة في تجميع فريق العمل، توزيع الأدوار، التصوير، والمونتاج. وفي سن العشرين، قدمت فيلمها ”أميكو“ إلى قسم المسابقات في مهرجان بيا السينمائي الياباني، وهو مهرجان يخصص للأفلام المستقلة ويعد منصة مهمة للمخرجين الجدد.

حقق فيلم ”أميكو“، الذي تم إنتاجه في ظل جدول زمني ضيق، نجاحًا كبيرًا وحصد جائزتين مرموقتين من مهرجان الأفلام اليابانية المستقلة (بي إف إف): جائزة الجمهور وجائزة هيكاري التلفزيونية. تُعد جائزة هيكاري خاصة جدًا، حيث تُمنح للفيلم الأكثر ابتكارًا في استخدام أحدث التقنيات وطرق التعبير الجديدة ”دون التقيد بالمفاهيم أو الأطر التقليدية“. ومع تزايد شهرة ”أميكو“ عالميًا، حظيت المخرجة ياماناكا بإشادة واسعة من النقاد والجماهير على حد سواء. كما أصبحت أصغر مخرجة يتم دعوتها للمشاركة في قسم المنتدى بمهرجان برلين السينمائي الدولي، أحد أبرز المهرجانات السينمائية على مستوى العالم. وعند مشاهدته الفيلم في نيويورك، أعرب الموسيقي الراحل ساكاموتو ريوئيتشي عن إعجابه الشديد، قائلاً إنه يتطلع لمتابعة أعمال ياماناكا المستقبلية.

غالبًا ما تتلاشى الأصالة والبريق الخاص لصناع الأفلام المستقلة عندما يصنعون أول أفلامهم بمساعدة فريق عمل وممثلين محترفين بهدف الوصول إلى جمهور تجاري واسع. ولكن في فيلم ”صحراء ناميبيا“، يبدو أن ياماناكا قد كسرت هذه القاعدة. فحتى مع التوسع في نطاق الفيلم، لا يزال يحتفظ بقوته وطابعه المميز. وقد شهد العرض العالمي الأول لفيلم ”صحراء ناميبيا“ في مهرجان كان السينمائي الدولي السابع والسبعين في وقت سابق من هذا العام فوزه بجائزة لجنة النقاد الدولية.

هي أيضاً المخرجة اليابانية السادسة فقط التي تنال شرف الفوز بجائزة النقاد السينمائية المرموقة، لتضاف إلى قائمة مخرجي السينما اليابانية المميزين الذين سبقوها وحصدوا هذه الجائزة، مثل كوروساوا كيوشي عن فيلمه ”نبض“ وهاماغوتشي ريوسوكى عن فيلمه ”قودي سيارتي“. واليوم، وبسن 27 عامًا فقط، أصبحت ياماناكا أصغر مخرجة تحصل على هذا التكريم المرموق. يمكننا القول بكل ثقة إن صناعة السينما اليابانية قد وجدت أخيرًا موهبة فنية شابة تستحق لقب ”الطفل المعجزة“ الذي يطلق على المبدعين الذين يتمتعون بروحٍ ثائرة وموهبة استثنائية.

رؤية جديدة لشخصية البطل

هناك تاريخ مشترك يجمع بين المخرجة والممثلة الرئيسية التي تجسد دور البطولة في فيلم ”صحراء ناميبيا“. فقبل سبع سنوات، تلقت ياماناكا رسالة من كاواي، التي كانت حينها طالبة في المرحلة الثانوية. في الرسالة، أخبرت كاواي ياماناكا أن فيلم ”أميكو“ قد ألهمها لتصبح ممثلة، وأنها تتمنى أن تشارك في أحد أفلام ياماناكا يومًا ما. لقد كان الأمر ملهمًا حقًا أن نرى كاواي تحقق شهرة واسعة على مر السنين وتفي بوعدها بظهورها على الشاشة في فيلم ”صحراء ناميبيا“.

منذ البداية، كانت ياماناكا تفكر في اختيار كاواي لهذا الدور وهي تحضر لهذا المشروع الجديد. ومع تبلور المشروع في النهاية، اكتشفوا أنهم شركاء مثاليون وكانا يعملان معًا لخلق صورة جديدة ومبتكرة لشخصية البطل في الفيلم.

تدور أحداث الفيلم حول فتاة تبلغ من العمر 21 عامًا تدعى كانا (الممثلة كاواي). يدعوها أحد الأصدقاء إلى مقهى للتحدث عن أمر جاد. لكن كانا كانت مشتتة، فهي تتفاعل مع تفاصيل لا علاقة لها بالموضوع وتنشغل بالأصوات من حولها. ولا تتعاطف كانا مع الحالة العاطفية لصديقتها على الإطلاق.

ومع ذلك، بعد أن أنهت صديقتها قصتها واستعدتا للمغادرة، قالت صديقة كانا إنها لا تريد أن تبقى وحدها. كانا ليست قاسية القلب لدرجة تركها في لحظة احتياجها وأخذتها إلى نادٍ ليلي. ومع ذلك، سرعان ما غادرت كانا النادي وتركت صديقتها بمفردها. لانها كانت على موعد لقاء رجل يدعى هاياشي بالقرب من هناك.

يبدو أن الرومانسية بين كانا وهاياشي (الممثل كانيكو دايئيتشي) في بدايتها. لقد أمضيا وقتًا ممتعًا معًا، ولكن عندما افترقا عادت كانا إلى منزلها وصديقها الذي تعيش معه هوندا (الممثل ساتو كانئيتشيرو). مع قدوم الصباح، تلاشى سحر الليلة السابقة. بدأت كانا بركوب دراجتها للتوجه إلى عملها وهي تستنشق سيجارة. حيث كانت تعمل في صالون تجميل متخصص بإزالة الشعر. تتفاعل مع الزبائن دون تعبير وفقًا لقواعد محددة. وهكذا ينتهي اليوم.

نبع متدفق في واحة صحراوية

حتى بعد العشرين دقيقة الأولى من الفيلم، يظل الجمهور مفتونًا بكل حركة تقوم بها كانا. وسرعان ما سيشهدون علاقاتها تتغير بسبب سلسلة من الأحداث العشوائية. يتخلل باقي الفيلم شعور بالتشويق حيث تقضم هذه الأحداث نفسية كانا من الداخل. فالوقت والمكان اللذان يجمعان العشاق يتعرضان باستمرار لهجوم من العالم من حولهم. الخروج والاختلاط بالناس يؤدي إلى قصف كانا بالكلمات والإيماءات والنظرات التي تجد صعوبة في فهم معناها. ومع ذلك، إذا نظرت بعمق كافٍ، يمكنك رؤية علامات الانحراف والفساد في كل مكان. من خلال تصوير حياة كانا الداخلية، يتم ربط الأحداث التي تبدو غير متصلة بمنطق خفي. تصور ياماناكا ببراعة التغيرات العاطفية طوال فيلم صحراء ناميبيا.

نادرًا ما يكون حوار الفيلم توضيحيًا مباشرًا. فكلمات وعبارات الحوار، شأنها شأن الكلمات والعبارات التي نستخدمها في حياتنا اليومية، تعمل كإشارة تدفع الشخص الآخر لاتخاذ إجراء ما، أو تكون ببساطة وسيلة لكانا لتمضية الوقت مع الآخرين. أما العواطف التي تترك غير مفسرة ومعلقة في الهواء، فإنها تنفجر في النهاية في وقت لاحق من الفيلم في شكل عنف.

التعبير العاطفي المعروض في فيلم ”صحراء ناميبيا“ يتميز بثراء وتنوع استثنائيين. العديد من الأفلام الأخرى تبدو عادية بالمقارنة. ففي النهاية، هناك مشاعر لا يمكن التعبير عنها بالبكاء أو الابتسام أو الصراخ. هذه هي المشاعر التي تدور باستمرار في قلوبنا. تجعلنا ياماناكا ندرك هذه المشاعر المعقدة وكيف تتقلب من خلال استخدامها الماهر للحوار العفوي، وتعبيرات الوجه، وتقنيات التصوير.

بينما تسمح القصة للمشاهدين بالغوص في أعماق نفسية كانا المعقدة، فإنها في الوقت نفسه تبعدهم عنها بطريقة فكاهية فريدة. يعكس هذا العمل خطوة منعشة بعيدًا عن قيود الأعراف والعادات الاجتماعية المقيدة للمجتمع الياباني، بل إنه يسخر منها بطريقة مسلية. بالنسبة للبعض، قد يكون هذا العمل هو أفضل فيلم عن سن المراهقة شاهدوه منذ فترة طويلة. هذا النوع من الأعمال، بجديته الغامضة، لديه القدرة على تحريك العالم. ظهور ياماناكا يوكو وكاواي يومي على الساحة، وهما شخصيتان موهوبتان تتمتعان بنظرة ثاقبة للمجتمع الحديث وموهبة فطرية على التعامل معه، أمر مشجع حقًا.

معلومات الفيلم

الموقع الرسمي: https://happinet-phantom.com/namibia-movie

الإعلان التسويقي

اليابان سينما فن