من رماد الحرب إلى صفحات المانغا: كيف أعادت اليابان تشكيل ثقافتها البصرية

المانغا والأنيمي... أيهما وُجد أولًا؟ وكيف يختلفان داخل وخارج اليابان؟

مانغا وأنيمي

لطالما كانت أعمال الأنيمي والمانغا من أبرز عناصر القوة الناعمة اليابانية، حيث اجتاحت ثقافتها الشعبية العالم وجذبت ملايين المعجبين. ومع ذلك، يختلف تلقي هذه الأعمال بين الجمهور الياباني والجمهور العالمي، إذ يفضل عشاق الأنيمي في الخارج مشاهدة المسلسلات المتحركة أولًا قبل التوجه إلى قراءة المانغا، في ترتيب معاكس تمامًا لما هو شائع في اليابان. فما السر وراء هذا الاختلاف؟ في هذه المقالة، نستكشف العوامل الثقافية والتسويقية التي تؤثر على طريقة استهلاك الأنيمي والمانغا عالميًا، وكيف ساهمت صناعة الترفيه في تشكيل هذا الاتجاه.

أشهر أعمال الأنيمي المستوحاة من مانغا

أصدرت وكالة الشؤون الثقافية اليابانية ومنظمات أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2024 قائمة بأسماء أعمال المانغا (القصص المصورة) والأنيمي (الرسوم المتحركة) المفضلة لدى الزوار الأجانب في اليابان. وجاء في الصدارة ”قاتل الشياطين: كيميتسو نو يايبا“ ثم ”هجوم العمالقة“ في المرتبة الثانية، وكانت جميع أعمال الأنيمي العشرة في التصنيف مستوحاة من مانغا حولت إلى أنيمي وتم تقديمها في الخارج.

أعمال المانغا والأنيمي المفضلة للزوار الأجانب

تكاد البلدان الأخرى تخلو من مجلات مانغا أسبوعية أو شهرية على الطريقة اليابانية، لذلك يتعرف الناس على الأنيمي الياباني أولا عن طريق التلفزيون أو قنوات الكابل أو البث عبر الإنترنت. وغالبا ما يتناولون مانغا مترجمة للقراءة بعد مشاهدة الأنيمي، وذلك لأن الأنيمي سهلة الوصول عبر عدد من الوسائط المتاحة.

بدأت قناة تلفزيون طوكيو في عام 2021 ببث أعمال أنيمي مثل ناروتو إلى المناطق الناطقة بالعربية. لقطة دعائية من ”ناروتو شيبّودين“ (© كيشيموتو ماساشي /سكوت/شويئيشا /تلفزيون طوكيو/بيرّوت).
بدأت قناة تلفزيون طوكيو في عام 2021 ببث أعمال أنيمي مثل ناروتو إلى المناطق الناطقة بالعربية. لقطة دعائية من ”ناروتو شيبّودين“ (© كيشيموتو ماساشي /سكوت/شويئيشا /تلفزيون طوكيو/بيرّوت).

قصص ثرية تلقى صدى بين مختلف البشر

درجت العادة على أن تستهدف الأعمال التلفزيونية والسينمائية من الرسوم المتحركة في الخارج، الأطفال والعائلات في المقام الأول. وعلى النقيض من ذلك، تستهدف الرسوم المتحركة اليابانية جمهورا أوسع، وغالبا ما تتناول موضوعات مثل جوهر الإنسانية والحياة والموت والحرب، والتي نادرا ما تتناولها الرسوم المتحركة غير اليابانية. فعلى سبيل المثال، تحكي أنيمي ناروتو قصة نينجا مكافح اسمه ناروتو يتعاون مع أصدقائه لاستعادة السلام إلى عالمهم. تتبع القصة تطور البطل الوحيد إلى نينجا مصمم على تحقيق أحلامه بينما تصور شخصيات متنوعة من الحلفاء والأعداء. والفضل في هذا العمق يرجع إلى حد كبير إلى نص المانغا الأصلية.

كان ”هجوم العمالقة“ حتى ديسمبر/كانون الأول من عام 2024 هو الأعلى تصنيفا وفق ”My Anime List“، الذي يعد أكبر موقع لقاعدة بيانات الأنيمي والمانغا في العالم. وبالمثل، اكتسب هذا العمل شعبية في الخارج من خلال اقتباسه كعمل أنيمي، ما لفت الانتباه لاحقا إلى المانغا الأصلية.

ظهر ”هجوم العمالقة“ على السجادة الحمراء في حفل افتتاح مهرجان طوكيو السينمائي الدولي بنسخته السابعة والعشرين في 23 أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 (© جيجي برس/AFP).
ظهر ”هجوم العمالقة“ على السجادة الحمراء في حفل افتتاح مهرجان طوكيو السينمائي الدولي بنسخته السابعة والعشرين في 23 أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 (© جيجي برس/AFP).

الأنيمي تعزز شعبية المانغا

تدور أحداث ”هجوم العمالقة“ في عالم يواجه فيه البشر خطر الانقراض بسبب تعرضهم للافتراس من قبل عمالقة ضخمين، ويكافحون من أجل البقاء داخل جدران شاهقة شُيدت لمنع العمالقة من الدخول. وعلاوة على الفكرة الجذابة في أن البشر أصبحوا فريسة لأعداء عمالقة، لاقت موضوعات مثل الفصل والكراهية على أساس العرق صدى لدى الجماهير الغربية.

وارتفعت مبيعات المجلد الأول من المانغا المنشور عام 2012 في الولايات المتحدة، في أعقاب عرض الأنيمي عبر الإنترنت في أبريل/نيسان عام 2013. ومنذ ذلك الحين، تُرجمت المانغا إلى أكثر من 180 دولة ومنطقة، وبيع منها ما مجموعه 120 مليون نسخة حول العالم بحلول نهاية عام 2023، بما في ذلك المبيعات داخل اليابان.

مجلدات مانغا يابانية معروضة في إحدى المكتبات الأمريكية. (© بيكستا)
مجلدات مانغا يابانية معروضة في إحدى المكتبات الأمريكية. (© بيكستا)

من الشائع في اليابان أن يتم إنتاج أنيمي مستوحى من مانغا بعد نجاحها. ولكن في الخارج ينجذب عشاق المانغا أولا إلى الأنيمي الياباني الذي يمنح تجديدا وعمقا لا نجدهما عادة في الرسوم المتحركة المحلية. وبعد ذلك يكتشفون المانغا اليابانية. ولذلك فالجاذبية لا تكمن في ”المانغا اليابانية“ بحد ذاتها، بل في الأنيمي المستوحى من المانغا المطبوعة.

وبالمثل، بدأت شعبية مانغا ”سلام دانك“ في الصين من الأنيمي المستوحى منها. يعتبر السائحون الصينيون الذين يزورون تقاطع السكة الحديدية الشهير بالقرب من مدرسة كاماكورا الثانوية على سكة حديد إينوشيما الكهربائية أنه موقع للحج، وذلك بسبب ظهوره البارز في شارة مسلسل الأنيمي. وبالمثل، فإن ”أوشي نو كو“ تحظى بقاعدة جماهيرية كبيرة في كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، والفضل في ذلك يعود إلى الأنيمي المستوحى منها. ووصلت الأغنية الافتتاحية Idol، إلى المرتبة الأولى في تصنيف ”بيلبورد العالمي باستثناء الولايات المتحدة“ في يونيو/حزيران عام 2023، ما عزز من نجاح الأنيمي.

البداية مع الفتى أسترو (كوكي)

كان أول أنيمي تلفزيوني ياباني يُعرض في الولايات المتحدة هو ”الفتى أسترو (المعروف في اليابان باسم تيتسووان أتومو)“. بدأ البث في سبتمبر/أيلول عام 1963 على قناة NBC. أنتج العمل من قبل استوديو الرسوم المتحركة ”موشي بروداكشن“ الذي أسسه تيزوكا أوسامو مؤلف مانغا الفتى أسترو، وكان أول مسلسل أنيمي تلفزيوني طويل يُنتج محليا في اليابان.

كتب مانغا مثل ”الفتى أسترو“ و ”فتى الفضاء سوران“ منشورة للأطفال في اليابان في أواخر الستينات. (© جيجي برس)
كتب مانغا مثل ”الفتى أسترو“ و ”فتى الفضاء سوران“ منشورة للأطفال في اليابان في أواخر الستينات. (© جيجي برس)

وحتى في هذه الحالة، فإن الوعي في الخارج اتبع نمط ”الأنيمي أولا، ثم المانغا“.

تدور أحداث ”الفتى أسترو“ في مستقبل يتعايش فيه البشر والروبوتات. ويحكي قصة ”أتوم“، وهو روبوت صبي يفكر ويشعر ويتصرف مثل البشر. وبعد ظهوره لأول مرة على تلفزيون فوجي في يناير/كانون الثاني عام 1963، حقق تقييمات عالية، ما أثار طفرة في الرسوم المتحركة التلفزيونية المحلية. نُقل العمل إلى الولايات المتحدة من قبل فوجيتا كييوشي، رئيس شركة الإعلانات Video Promotion. وفي مقابلة مع Wedge Online نُشرت في 20 أكتوبر/تشرين الأول عام 2009 تحت عنوان ”الرجل الذي روّج للفتى أسترو في أمريكا“، سرد فوجيتا تلك التجربة بالتفصيل.

تصور فوجيتا أن ”عمل أنيمي لا يحمل هوية وطنية محددة يمكن قبوله في الخارج“. ورغم التشكك الذي أبداه المعنيون، أبدت الشبكات الأمريكية الثلاث الكبرى (ABC وCBS وNBC) اهتمامها. وكانت الاستجابة إيجابية بشكل ساحق في العروض المحلية.

حفل أقيم عام 2003 بمناسبة عودة أنيمي الفتى أسترو إلى الولايات المتحدة بعد 40 عاما، بالتزامن مع أول إصدار رسمي للمانغا في البلاد (© جيجي برس)
حفل أقيم عام 2003 بمناسبة عودة أنيمي الفتى أسترو إلى الولايات المتحدة بعد 40 عاما، بالتزامن مع أول إصدار رسمي للمانغا في البلاد (© جيجي برس)

يعزى هذا النجاح جزئيا إلى انتشار التلفزيون في الولايات المتحدة وشح المحتويات المناسبة. وفي مارس/آذار عام 1963، سافر تيزوكا أوسامو بنفسه إلى نيويورك لإتمام إبرام عقد مع NBC. وتم تصدير الأنيمي لاحقا عبر NBC إلى دول مثل إنجلترا وفرنسا وألمانيا الغربية وأستراليا وتايوان وتايلند والفلبين، وكل ذلك قبل ترجمة نسخة المانغا من تيتسووان أتومو.

وكان هذا بمثابة بداية التصدير الواسع لأعمال الأنيمي اليابانية. وشهد عام 1966 إنتاجا مشتركا بين الولايات المتحدة واليابان لأنيمي بعنوان ”الفتى البحري (غانباري! الطفل البحري في اليابان)“. وفي عام 1967، تم عرض Mach GoGoGo في الولايات المتحدة باسم ”أبطال السباق“، وحقق شعبية أكبر هناك مقارنة باليابان. وفي عام 1975، بدأ عرض الجزء الثالث من سلسلة مازنغر بعنوان ”مغامرات الفضاء: يوفو-غراندايزر“، في فرنسا باسم Goldorak في عام 1978، وحقق نجاحا كبيرا. كما تم عرضه في الشرق الأوسط بعنوان ”مغامرات الفضاء: غراندايزر“.

دمى روبوتية مستوحاة من أعمال أنيمي عُرضت في مزاد في باريس عام 2013، من بينها روبوتات من ”مغامرات الفضاء: يوفو-غراندايزر“ المعروف في فرنسا باسم Goldorak. (© رويترز/ شارلز بلاتيو)
دمى روبوتية مستوحاة من أعمال أنيمي عُرضت في مزاد في باريس عام 2013، من بينها روبوتات من ”مغامرات الفضاء: يوفو-غراندايزر“ المعروف في فرنسا باسم Goldorak. (© رويترز/ شارلز بلاتيو)

بحلول منتصف ثمانينات القرن الماضي، كانت هناك مجموعة واسعة من أعمال الأنيمي اليابانية – بما في ذلك أعمال خيال علمي متعلقة بالروبوتات وفانتازيا ورياضة وقصص متعلقة بالطهو – تحظى بقبول عالمي. ولكن المشاهدين الدوليين الأوائل لم يكونوا يدركون غالبا أن هذه الأعمال من صنع اليابان. انخرط الكثير من الآباء في الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، لذلك تم تقليل الإشارة إلى الأصول اليابانية للمحتوى الذي يشاهده أطفالهم آنذاك.

النشر على نطاق كامل منذ الثمانينات

بدأت الترجمة على نطاق كامل لمجلدات المانغا في ثمانينات القرن العشرين في البداية في آسيا، ثم انتشرت إلى أوروبا في تسعينات القرن العشرين. ولكن الناشرين اليابانيين كانوا مترددين في التوسع في الخارج بسبب الطلب المحلي المستقر وارتفاع التكاليف والتحديات اللوجستية المرتبطة بذلك. فعلى سبيل المثال، كانت مانغا الفتى أسترو المنشورة في عام 1987 نسخة غير مرخصة وحققت مبيعات ضعيفة. ولم يتم إصدار نسخة مرخصة في الولايات المتحدة إلا في عام 2003 بواسطة دارك هورس كوميكس.

نسخة دارك هورس المكونة من 14 مجلدا من سلسلة الفتى أسترو المنشورة في الولايات المتحدة.(بإذن من ناكانو هارويوكي)
نسخة دارك هورس المكونة من 14 مجلدا من سلسلة الفتى أسترو المنشورة في الولايات المتحدة.(بإذن من ناكانو هارويوكي)

كانت نقطة التحول بالنسبة للمانغا اليابانية في الولايات المتحدة مع إصدار Tokyopop للنسخة الإنجليزية من بحارة القمر في عام 1998. توقفت الشركة التي يقع مقرها في الساحل الغربي، عن تعديل المانغا لتُقرأ من اليسار إلى اليمين، وأبقت بدلا من ذلك على التنسيق الياباني الأصلي. صدرت النسخة الإنجليزية بسعر معقول في وقت كان المعجبون يطالبون فيه بإعادة عرض الأنيمي، وسرعان ما اكتسبت شعبية. كما قامت Tokyopop بتوسيع نشر المانغا اليابانية إلى فرنسا وألمانيا، ولا سيما أعمال من نوع مانغا ”شوجو“.

وعلى الرغم من ظهور الفتى أسترو لأول مرة في الولايات المتحدة كعمل أنيمي في ستينات القرن العشرين، إلا أنه استغرق الأمر أكثر من 30 عاما حتى تحظى المانغا اليابانية المترجمة لنفس العمل باهتمام كبير. يُعزى هذا التأخير إلى عدة عوامل من بينها غياب ثقافة مجلات المانغا على الطراز الياباني في الخارج وتعقيد القراءة من اليمين إلى اليسار، والبساطة النسبية للأنيمي كإحدى الوسائط. في الأساس، يمكن إرجاع تأخر شعبية المانغا في الخارج إلى الميل نحو نشر مجلدات المانغا بعد إصدار أعمال الأنيمي المستوحاة منها.

فهل يمكن أن يتغير هذا النمط؟ بدأت دور نشر مثل شويئيشا في إصدار نسخ إنجليزية من المانغا عن طريق تطبيقات الهواتف الذكية، وتكون في كثير من الأحيان متزامنة مع الإصدارات اليابانية. وهناك أيضا مبادرات جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي لترجمة المانغا من أجل التوزيع المتزامن عبر الإنترنت.

وفي حين أن أعمال الأنيمي حاليا لا تزال قاطرة تعريف الخارج بالمحتوى الياباني، فإن إصدار المانغا بشكل متزامن قد يسمح في نهاية المطاف للقراء في الخارج باكتشاف الأعمال الأصلية قبل إصدار الأنيمي المستوحى منها. وقد يمهد هذا الطريق لدورة جديدة حيث يؤدي التوزيع إلى إصدار مجلات المانغا، وفي النهاية إلى إصدار أعمال أنيمي مستوحاة منها في الأسواق الدولية.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: معرض اليابان في باريس. أقيمت الفعالية التي استقطبت أعدادا كبيرا من الزوار في يوليو/تموز عام 2024 وعرضت أعمال مانغا وأزياء كوسبلاي وأنيمي وألعاب الفيديو. © ستيفان موشم ىوش/هانز لوكا)

    كلمات مفتاحية

    اليابان مانغا أنيمي

    مقالات أخرى في هذا الموضوع