تسودا أوميكو... رمز التفاني في تعزيز تعليم النساء في اليابان
تاريخ اليابان- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تسودا تمضي فترة طفولتها في الدراسة بالولايات المتحدة
وُلدت تسودا أوميكو في إيدو (طوكيو حاليا) عام 1864، وهي ابنة المزارع تسودا سين وزوجته هاتسوكو. سافرت في عام 1871 إلى الولايات المتحدة مع بعثة إيواكورا لتصبح إحدى أوائل الطالبات اليابانيات في الخارج. ونظرا لأنها كانت تبلغ من العمر 6 سنوات فقط، فقد كان والدها بلا شك يلعب دورا رئيسيا في اتخاذ القرارات. كان سين يعرف منذ زمن طويل مدير مكتب الاستيطان في هوكّايدو كورودا كييوتاكا الذي كان يؤمن بأهمية تعليم المرأة وكان قد قدم التماسا للحكومة للسماح للإناث بالدراسة في الخارج. وكورودا هو من قدم توصية لابنة سين وهاتسوكو باعتبارها طالبة مرشحة. وكان سين نفسه قد درس في الولايات المتحدة في نهاية فترة إيدو (1603-1868) وكان يعتقد أن اليابان يجب أن تحتذي بأمريكا للحاق بركب الغرب. يبدو أنه غرس بابنته تلك النظرة.
استقرت تسودا في العاصمة واشنطن مع سكرتير المفوضية اليابانية تشارلز لانمان وزوجته أديلين، والتحقت بالمدرسة هناك. وبذلت جهودا مضنية حتى أتقنت اللغة الإنجليزية والمواد الأساسية الأخرى. وخلال وجودها في الولايات المتحدة اعتنقت تسودا المسيحية وتم تعميدها. وعلى الرغم من أنها كانت تطمح للالتحاق بالجامعة، إلا أنها اختارت العودة إلى اليابان بعد 10 سنوات قضتها في الخارج بسبب ضغوط مالية.
وأثناء وجودها في العاصمة واشنطن حظيت تسودا بلقاء مهم مع موري أرينوري الذي أصبح أول وزير للتعليم في اليابان. لا ريب أنها تأثرت بإيمانه بحاجة اليابان إلى توسيع نطاق التعليم من أجل التحديث، وتلقت دعما منه بشكل مباشر وغير مباشر عندما أصبحت معلمة بعد عودتها إلى اليابان.
مسارات مختلفة
على الرغم من إتقان تسودا للغة الإنكليزية إلا أنها عانت عند عودتها إلى اليابان في العثور على عمل يتناسب مع قدراتها. وأفضل ما حصلت عليه كان تعيينها مدرسة لغة إنجليزية بدوام جزئي في مدرسة للإناث، ثم توظيفها كمدرسة خاصة لبنات إيتو هيروبومي الذي التقت معه بلا ريب في بعثة إيواكورا وأصبح فيما بعد أول رئيس وزراء اليابان.
الجدير بالذكر أن تسودا كان لها بعض الانخراط في عالم السياسة من خلال إيتو. في تلك الآونة، كان من الشائع أن يستخدم السياسيون خدمات فتيات الغيشا، وقد شعرت بالفزع لرؤية الرجال وهم يعاملون النساء كدمى. على إثر ذلك فقدت ثقتها في الرجال، وربما كان هذا أحد أسباب بقائها عزباء طوال حياتها.
خلصت تسودا إلى الاعتقاد بأن عدم قدرتها على الالتحاق بالجامعة منعها من التقدم في مسيرتها المهنية إلى مهنة محترفة. زميلتاها في البعثة الطالبتان أوياما (سابقا ياماكاوا) سوتيماتسو وأوريو (سابقا ناغاي) شيغيكو كلتاهما أجريتا دراسات جامعية في الولايات المتحدة، ولا شك في أن تسودا كانت تتمنى لو أنها تمكنت من ذلك أيضا. غدت الطالبات الثلاث صديقات مقربات تساعدن بعضهن البعض بعد عودتهن، وإن كان هناك القليل من التنافس فيما بينهن.
ومن المثير للاهتمام أن النساء الثلاث اتخذن مسارات مختلفة جدا في مراحل متقدمة من حياتهن. فقد تزوجت سوتيماتسو من قائد الجيش أوياما إيواؤ وأصبحت ربة منزل، بينما تزوجت شيغيكو من قائد البحرية أوريو سوتوكيتشي واستمرت في العمل بينما كانت تربي أطفالهما. ومن بين النسوة الثلاث، بقيت تسودا لوحدها عزباء وأمضت حياتها كامرأة عاملة. لا يزال من الممكن رؤية أنماط حياتهن تنعكس في حياة النساء المتعلمات في اليابان المعاصرة.
دراسات في علم الأحياء
بعد خيبة أملها مما رأته في اليابان، عادت تسودا إلى الولايات المتحدة بمفردها لتحقيق حلمها في التعليم الجامعي. سمحت لها كلية النبلاء (الآن غاكوشوئن) التي كانت تعمل لصالحها في ذلك الوقت بتحويل دخلها نحو دراستها في الخارج، وحصلت أيضا على منحة دراسية جزئية من كلية براين ماور في فيلادلفيا. وكما كان الحال في اليابان آنذاك، كان التعليم العالي في الولايات المتحدة للنساء والرجال مفصولا، وكانت كلية براين ماور إحدى ما يسمى بمجموعة الأخوات السبع لكليات النخبة النسائية. عاشت تسودا في سكن الجامعة، وتلقت تعليما صارما وتخرجت بتقدير عالٍ جدا.
الجدير بالذكر أنه بينما تخصصت تسودا في التعليم واللغة الإنكليزية، إلا أنها سارت أيضا خطى والدها في دراسة علم الأحياء. حتى أنها شاركت في كتابة أوراق علمية مع المشرف عليها الدكتور توماس إتش مورغان وهو أكاديمي بارز حصل على جائزة نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء عام 1933. ولو أن تسودا استمرت في دراستها إلى مستوى الدراسات العليا، فلربما كانت لها حياة مختلفة تماما. ولكنها عوضا عن ذلك، اختارت العودة إلى اليابان.
جامعة للنساء
عادت تسودا إلى اليابان في عام 1892 وعمرها 28 عاما. استأنفت تعليمها للغة الإنكليزية في كلية النبلاء، وتحذوها رغبة متزايدة في تأسيس مدرسة تسير وفق مُثلها العليا. كانت مؤسسة التعليم العالي الوحيدة للنساء في اليابان في تلك الآونة هي الكلية العادية للنساء في طوكيو (الآن جامعة أوتشانوميزو)، وهي إحدى الجامعات القومية. كانت تسودا تأمل في تأسيس جامعة خاصة بالنساء، لكنها واجهت الكثير من العقبات لتحقيق ذلك.
تمثلت العقبة الأكبر أمامها في تأمين التمويل، حيث أعاقتها قدرتها المتدنية على الكسب لكونها امرأة. في تلك الأثناء تقريبا، أسس ناروسي جينزو جامعة النساء اليابانية بفضل التمويل الذي حصل عليه بمساعدة عمالقة سياسيين وصناعيين مثل إيتو هيروبومي وأوكوما شيغينبو وشيبوساوا إييتشي. ولكن لم يكن من السهل على تسودا جذب الدعم المالي. كان أفضل ما يمكنها فعله هو جمع تبرعات صغيرة من الولايات المتحدة من خلال علاقاتها بالكنيسة.
التحدي الثاني الذي واجهته هو قلة الطلب على تعليم النساء والصعوبات في جذب طالبات محتملات. تمكنت تسودا في النهاية من جذب 10 من خريجات المدارس التبشيرية التي تديرها الكنيسة لمدرستها عندما افتتحتها.
تجلت العقبة الثالثة أمام تحقيق حلمها في صعوبة إيجاد معلمات مؤهلات بسبب الافتقار إلى المؤسسات التعليمية الخاصة بالنساء. لجأت تسودا لعلاقاتها مرة أخرى لترتيب توظيف معلمات أمريكيات من بينهن أليس بيكون وآنا هارتشورن.
بعد التغلب على تلك العقبات وصعوبات أخرى، افتتحت تسودا أخيرا ’’جوشي إيغاكو جوكو‘‘ في عام 1900 في منزل تم تجديده في كوجيماتشي بطوكيو. خضعت المدرسة لإعادة تصميم بشكل متكرر قبل الانتقال إلى موقع سيئيشو جوغاكّو بعد 3 سنوات، وذلك بفضل سخاء متبرعين أمريكيين. وفي الموقع الجديد أخذت المؤسسة التعليمية أخيرا مظهر مدرسة حقيقية.
كان التركيز الرئيسي للمدرسة على دراسات اللغة الإنكليزية، وتفوقت الطالبات فيها بسبب التدريب الشغوف الذي قدمته تسودا وأعضاء هيئة التدريس الأخريات. وفي عام 1903، أعادت وزارة التعليم تنظيم المدارس ما بعد الثانوية لتصبح كليات مهنية، وتمت الموافقة على جوشي إيغاكو جوكو كواحدة منها. اكتسبت الكلية سمعة طيبة بسبب أساليب تدريسها حتى أن الخريجات كنّ معفيات من الامتحان الحكومي لشهادة تدريس اللغة الإنكليزية.
إرث تسودا
مرضت تسودا في سن 53 ما أجبرها على التقاعد من منصبها الذي استمرت فيه لمدة 20 عاما كمديرة للكلية بعد ذلك بعامين. وبعد تقاعدها واصلت محاربة المرض لسنوات طويلة. وبعد رحيلها في عام 1929 عن عمر ناهز 64 عاما، تم تغيير اسم الكلية إلى ’’تسودا إيغاكو جوكو‘‘ تكريما لها.
لا تزال جامعة تسودا (كما تُعرف الآن) قوة بارزة في تعليم المرأة في اليابان. وعلى الرغم من أن الجامعة كانت تدرس سابقا الاقتصاد المنزلي –كما كان شائعا في مدارس البنات– إلا أنها تخلصت من ذلك منذ ذلك الحين. وفي يومنا الحالي، تعتبر الجامعة مؤسسة فريدة متخصصة في التدريس والبحث في مجال دراسات التعليم والفنون الحرة وخاصة اللغة الإنكليزية.
ظلت تسودا أوميكو عزباء في مجتمع كانت نسبة المتزوجين فيه تتجاوز 90% من السكان. تُظهر سيرتها الذاتية أنها كانت منجذبة للرجال. كما أن المقربين منها كانوا يحثونها على الزواج وقُدمت لعدد من الشركاء المحتملين، لكنها اختارت أن تظل عزباء. ربما كانت تعتقد أن طريقة الحياة التي اختارتها –غير المثقلة بأعباء مسؤولية رعاية الأسرة– هي الأنسب لتحقيق حلمها في إنشاء مؤسسة تعليم عالٍ للنساء تُدرّس اللغة الإنكليزية.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: صورة تسودا أوميكو. بإذن من جامعة تسودا)