الطريق إلى اليابان

ما لا تعرفه عن قطار الطلقة: رمز السرعة والتكنولوجيا اليابانية

تكنولوجيا

في عام 1964، شهد العالم انطلاقة غير مسبوقة في مجال النقل عندما بدأ تشغيل قطار الشينكانسن ’’الطلقة‘‘ الأول بين طوكيو وأوساكا. هذا الإنجاز الهندسي لم يكن مجرد ربط بين المدينتين فحسب، بل كان بداية لثورة في شبكات النقل بالسكك الحديدية في اليابان. منذ ذلك الحين، توسعت شبكة الشينكانسن بشكل ملحوظ لتشمل معظم مناطق اليابان، من كيوشو في الجنوب إلى هوكّايدو في الشمال. ومع مرور الزمن، أصبحت قطارات الشينكانسن تتميز بسرعات متزايدة، مما جعل التنقل بين المدن اليابانية أكثر سهولة وراحة، وحولها إلى رمز للتقدم التكنولوجي والدقة اليابانية.

من كيوشو إلى هوكّايدو

يعد قطار الشينكانسن أو ’’الطلقة‘‘ أحد رموز اليابان. كان المسار الأول لهذا القطار هو خط توكايدو شينكانسن الذي يمتد من طوكيو إلى أوساكا واكتمل قبل أولمبياد طوكيو عام 1964، وسمي الخط على اسم الطريق السريع الذي يربط بين شرق اليابان وغربها في فترة إيدو (1603-1868). كانت القطارات التي تسير على هذا الخط هي الأولى في العالم التي تصل سرعتها إلى 200 كيلومتر في الساعة وباتت رمزا لانتعاش اليابان بعد الحرب والمعجزة الاقتصادية اللاحقة. وفي عام 1972، ربط خط سانيو شينكانسن مدينة أوساكا بأوكاياما وتم تمديد هذا الخط في عام 1975 حتى هاكاتا بمحافظة فوكوؤكا في كيوشو.

النسخة الأولى الأصلية من سلسلة قطارات شينكانسن التي كانت تسير على خطي توكايدو وسانيو لقطارات الشينكانسن.
النسخة الأولى الأصلية من سلسلة قطارات شينكانسن التي كانت تسير على خطي توكايدو وسانيو لقطارات الشينكانسن.

بعد ذلك توسعت الشبكة شمالا وباتجاه الشمال الغربي من منطقة طوكيو مع افتتاح خطين من أومييا بمحافظة سايتاما في عام 1982. وصل خط توهوكو شينكانسن إلى موريؤكا بمحافظة إيواتي، في حين أن جوئتسو شينكانسن متصل بمدنية نييغاتا في المحافظة التي تحمل الاسم نفسه. ولكن واجهت شركة سكك حديد اليابان القومية التي طورت الشينكانسن، صعوبات مالية وخضعت للخصخصة والتقسيم إلى عدة شركات في عام 1987. وتولت إدارة شبكة خطوط الشينكانسن خليفتها المعروفة مجتمعة باسم مجموعة السكك الحديدية اليابانية ’’JR‘‘.

كان من المستحيل في ذلك الوقت تقريبا تمويل إنشاء طرق جديدة لقطارات الشينكانسن. وعوضا عن ذلك، ابتكرت شركة ’’JR‘‘ ما يدعى بـ’’الشينكانسن الصغير‘‘ حيث تمت تحديث الخطوط الموجودة بالفعل لتصبح بنفس عرض خطوط قطارات الشينكانسن. وبهذه الطريقة بدأ تشغيل خط ياماغاتا شينكانسن في عام 1992 وأكيتا شينكانسن في عام 1997. تبلغ السرعة القصوى على هذه الطرق 130 كيلومترا فقط في الساعة، لكنها مرتبطة مباشرة بتوهوكو شينكانسن.

وفي وقت لاحق شُيدت خطوط شينكانسن جديدة من قبل هيئة حكومية خاصة (أصبحت الآن وكالة إدارية مستقلة) وتم تأجيرها إلى شركة JR. وقد شُيد خط هوكوريكو شينكانسن الممتد من تاكاساكي بمحافظة غونما إلى ناغانو بهذه الطريقة أيضا، وافتتح في عام 1997 استعدادا لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في ناغانو في العام التالي. لقد كان هذا طريقا بمواصفات كاملة، وليس من طراز الشينكانسن الصغير، ما سمح بسرعة قصوى تبلغ 260 كيلومترا في الساعة.

وبعد ذلك شُيدت سلسلة من الخطوط والتمديدات الجديدة كاملة المواصفات. توسع خط توهوكو شينكانسن شمالا إلى هاتشينوهي وآوموري بمحافظة آوموري في عامي 2003 و 2010، على التوالي. وفي عام 2004 افتتح خط كيوشو شينكانسن الجديد الذي يربط كوماموتو مع كاغوشيما قبل أن يبدأ خط بين هاكاتا وكوماموتو عملياته في عام 2011. وفي عام 2015، امتد خط هوكوريكو شينكانسن إلى كانازاوا في محافظة إيشيكاوا، بينما ظهر هوكايدو شينكانسن لأول مرة في العام التالي بخط يمتد من آوموري إلى هاكوداتي. وهذا يعني أن شبكة الشينكانسن امتدت الآن من كيوشو إلى هوكّايدو.

أحدث جزء من شبكة الشينكانسن هو نيشي كيوشو شينكانسن الذي افتتح بين تاكيؤ في محافظة ساغا وناغاساكي في سبتمبر/أيلول عام 2022. ومن المقرر أن يربط خط هوكوريكو شينكانسن بمحافظة كانازاوا مع تسوروغا بمحافظة فوكوي في عام 2024، وبموجب الخطط الحالية، فإن خط هوكّايدو شينكانسن سيربط هاكوداتي مع سابّورو عام 2031.

سرعات متزايدة

عندما بدأ تشغيل خط توكايدو شينكانسن في عام 1964 كانت سرعته القصوى 210 كيلومترات في الساعة، وكانت خدمة ’’هيكاري‘‘ التي تربط طوكيو مع أوساكا تقطع المسافة في غضون 3 ساعات و 10 دقائق. وبحلول عام 1986، أدت زيادة السرعة إلى 220 كيلومترا في الساعة إلى تقليص زمن الرحلة إلى 3 ساعات. وسرعان ما تم تجاوز ذلك في عام 1992 بسرعة 270 كيلومترا في الساعة في خدمة نوزومي الجديدة، لينخفض زمن الرحلة إلى ساعتين و 30 دقيقة. وفي عام 2015، ارتفعت السرعة القصوى إلى 285 كيلومترا في الساعة واختصر الوقت الإجمالي لتلك الرحلة إلى ساعتين و 22 دقيقة فقط.

في حين أن خط توهوكو شينكانسن قد أطلق في عام 1982 بسرعة قصوى تبلغ 210 كيلومترات في الساعة. وارتفعت تلك السرعة إلى 240 كيلومترا في الساعة في عام 1985، ومن ثم إلى 275 في عام 1992، وإلى 300 كيلومتر في الساعة في عام 2011. ومنذ عام 2013، بلغت سرعته القصوى 320 كيلومترا في الساعة، وهي الأسرع بين أي خدمة شينكانسن أخرى.

طبيب السكة الحديدية

بالإضافة إلى سرعة قطار الشينكانسن فهو يشتهر بكثرة رحلاته. يشغل خط توكايدو شينكانسن أكثر من 340 خدمة في المتوسط يوميا، مع تسيير قطار كل ثلاث دقائق خلال ساعات الذروة. كما تحتوي شبكات قطار الشينكانسن توهوكو وجوئتسو وهوكوريكو وهوكّايدو على أكثر من 320 خدمة يوميا.

ونظرا لهذه الحركة المكتظة، توجد قطارات خاصة لضمان سلامة السكك والمعدات. تُعرف قطارات الاختبار التي تعمل على خطي الشينكانسن توكايدو وسانيو باسم ’’Doctor Yellow‘‘ بسبب لونها الأصفر الزاهي. ولكونها تعمل ’’كطبيب‘‘ يشخص أي مشكلات في شبكة السكك الحديدية، فإن أحد تلك القطارات التجريبية ينطلق بين طوكيو وهاكاتا مرة كل 10 أيام بسرعة قصوى تبلغ 270 كيلومترا في الساعة، حيث يفحص الأسلاك والإشارات والسكك وغيرها من المعدات. وبسبب ندرة تلك القطارات، يتردد بين الناس أن من يراها يحظى بحسن الطالع.

قطار ’’Doctor Yellow‘‘ أثناء إحدى مهامه (حقوق الصورة لبيكستا).قطار ’’Doctor Yellow‘‘ أثناء إحدى مهامه (حقوق الصورة لبيكستا).

أداء مسرحي في قطارات الشينكانسن

إلى جانب سرعة وسلامة قطارات الشينكانسن، يهدف المشغلون أيضا إلى تقديم مستوى عالٍ من الخدمة. يتمثل أحد الأمثلة في تنظيف عربات القطار في المحطات.

عندما تصل إحدى خدمات الشينكانسن التابعة لشركة سكك حديد شرق اليابان إلى طوكيو، يكون أمامها حوالي 12 دقيقة. حيث يستغرق نزول الركاب دقيقتين وركوب المسافرين التاليين 3 دقائق، وهذا يعني أنه لم يتبق سوى 7 دقائق للتنظيف ولكن جودة العمل استثنائية خلال هذه الفترة القصيرة. يتكون فريق التنظيف الواحد من 22 فردا يصطفون على الرصيف قبل وصول القطار ويحيون الركاب بانحناءة كبيرة. عادة يتولى اثنان من الفريق في كل عربة قطار مسؤولية جمع القمامة من حوالي 100 مقعد وقلب المقاعد يدويا ثم مسح جميع الطاولات وإطارات النوافذ وتغيير أغطية المقاعد حسب الضرورة. وبمجرد انتهاء التنظيف، يصطف الفريق على المنصة وينحني مرة أخرى. وقد يحظى هذا ’’الأداء المسرحي في قطارات الشينكانسن‘‘ بموجة من التصفيق من الركاب.

طاقم فريق التنظيف وهم ينحنون للركاب بعد وصول قطار شينكانسن إلى محطة طوكيو (حقوق الصورة لبيكستا).
طاقم فريق التنظيف وهم ينحنون للركاب بعد وصول قطار شينكانسن إلى محطة طوكيو (حقوق الصورة لبيكستا).

الجيل التالي

يستمر تطوير قطارات الشينكانسن في يومنا الحالي. فقد بدأت شركة سكك حديد وسط اليابان بناء قطار شينكانسن خطي في عام 2015 والذي سيستخدم تقنية الرفع المغناطيسي ’’maglev‘‘ لبلوغ سرعات تصل إلى 500 كيلومتر في الساعة، وربط محطة شيناغاوا في طوكيو مع ناغويا في أقل من 40 دقيقة. ولكن المخاوف بشأن كيفية تأثير حفر الأنفاق من أجل مسارات القطار على الموارد المائية في محافظة شيزوؤكا تسببت في حدوث تأخيرات، ما يعني أنه من غير المرجح أن تبدأ العمليات في عام 2027 كما كان مخططا في الأصل.

وفي الوقت نفسه، تقوم شركة سكك حديد شرق اليابان بتطوير قطار Alfa X من الجيل التالي بهدف زيادة السرعات على خطَي الشينكانسن توهوكو وهوكّايدو. وهي تستهدف التشغيل التجاري بسرعة 360 كيلومترا في الساعة والتي ستكون الأسرع في العالم لقطار غير مغناطيسي ’’maglev‘‘، وتهدف إلى إدخال القطار الجديد بحلول الوقت الذي يتم فيه مد خط هوكّايدو شينكانسن إلى سابّورو في عام 2031. تقوم الشركة أيضا باختبار شينكانسن مؤتمت على خط جوئتسو، حيث تعتزم الشركة وضعه موضع التشغيل العملي في وقت ما في المستقبل.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: قطار شينكانسن في محطة ناغاساكي أثناء اختبار خط نيشي كيوشو شينكانسن في 10 مايو/أيار عام 2022. حقوق الصورة لجيجي برس)

تكنولوجيا القطارات شينكانسن