
من التنمر إلى الجرائم الإلكترونية... كيف تتعامل اليابان مع مخاطر الإنترنت على الأطفال؟
مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
من خلال مشاركتي في المناقشات التي تجري حاليًا في وكالة شؤون الأسرة اليابانية، أصبح من الواضح أن هناك اهتمامًا متزايدًا بمسألة حماية الأطفال من المخاطر المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، في ظل ما يشهده العالم من تطورات تقنية متسارعة. على الرغم من أن العديد من الخبراء اليابانيين يشككون في فعالية التدابير المتبعة في أستراليا، والتي تتضمن فرض حظر على الأطفال لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بموجب القانون، إلا أن هناك إجماعًا على ضرورة وجود شكل من أشكال الانضباط لحماية الأطفال من المخاطر المتزايدة التي قد يتعرضون لها في الفضاء الرقمي.
إن النقاشات الحالية تشير إلى أهمية التوصل إلى حلول متوازنة بين حرية الأطفال في التفاعل الرقمي وبين ضرورة حمايتهم من التأثيرات السلبية التي قد تترتب على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. تجارب بعض الدول، مثل أستراليا، تقدم نموذجًا للتفكير في كيفية التعامل مع هذه القضية، لكن من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار السياقات الثقافية والاجتماعية المختلفة. من المؤكد أن فرض قيود صارمة قد يكون له فوائد في حماية الأطفال من الأذى المباشر، إلا أن هذا قد يؤدي أيضًا إلى آثار غير مرغوب فيها، مثل العزلة الرقمية أو حتى تقييد قدرة الأطفال على اكتساب المهارات اللازمة للتفاعل في بيئات رقمية متطورة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. وقد بدأت المناقشات في وكالة شؤون الأسرة اليابانية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2024 حول ذلك. وأنا عضو مشارك في تلك النقاشات، ولكن ما سأذكره أدناه لا يتعدى كونه رأيي الشخصي فقط.
قضاء أكثر من 6 ساعات على الإنترنت يوميًّا
وفقًا لـ ”الدراسة الاستقصائية حول بيئة استخدام الإنترنت لدى المراهقين“ التي أجرتها وكالة شؤون الأسرة في عام 2023، فإن 98.7% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عامًا يستخدمون الإنترنت، و83.2% يستخدمون الهواتف الذكية. ويبلغ متوسط وقت الاستخدام اليومي أربع ساعات و57 دقيقة بشكل عام. وعند النظر إلى طلاب المدارس الثانوية فقط، فإن نسبة مستخدمي الإنترنت تبلغ 99.6%، بينما تبلغ نسبة مستخدمي الهواتف الذكية 98.1%، وهذا يعني أن جميعهم تقريبًا من مستخدمي الهواتف الذكية. ويبلغ الوقت الذي يقضيه الطلاب على الإنترنت ست ساعات و14 دقيقة، مما يعني أنهم يقضون ربع اليوم على الإنترنت.
وفي الواقع، أصبح الإنترنت جزءًا من حياتنا. وتشمل الجوانب الإيجابية لاستخدام الإنترنت الوصول إلى الخبرات والمعارف المتنوعة على الإنترنت، وتوسيع آفاق الأطفال من خلال التواصل مع أشخاص لم تتح لهم فرصة الالتقاء بهم في الحياة الواقعية، وتعميق اهتماماتهم واستخراج إمكاناتهم الكامنة.
من ناحية أخرى، تتربص بالأطفال مخاطر مختلفة من الأضرار. ففي السنوات الخمس عشرة الأخيرة على وجه الخصوص، أصبحت الجوانب السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي أكثر بروزًا، حيث تنتشر هذه المواقع بشكل كبير وتستخدم الخوارزميات لانتقاء المعلومات بشكل كبير. وعلى الرغم من أن الدول تعمل على الحد من المخاطر، إلا أن هناك حاجة متزايدة لسياسات جديدة لحماية الأطفال.
تصنيف المخاطر من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
إن تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مفيد فيما يتعلق بالمخاطر المحتملة لاستخدام الأطفال للإنترنت. فقد أجرت المنظمة تنقيحات كبيرة على ”توصيات لحماية الشباب على الإنترنت“ التي قامت بنشرها في عام 2011. وهذا في حد ذاته يوضح التغيرات السريعة في بيئة الإنترنت، وتزايد تنوع وشدة المخاطر التي يتعرض لها الأطفال.
ويلخص الجدول أدناه تصنيفات المخاطر لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
المخاطر في البيئة الرقمية للأطفال
نوع الخطر | مظاهر الخطر |
---|---|
(1) مخاطر المحتوى | المحتوى البغيض أو الضار أو غير القانوني أو المضلل |
(2) مخاطر السلوك | السلوك البغيض أو الضار أو غير القانوني أو السلوك الإشكالي الذي ينشئه المستخدم |
(3) مخاطر الاتصال | الاتصال البغيض أو المؤذي أو غير القانوني أو غير ذلك من الاتصالات الإشكالية |
(4) مخاطر الاستهلاك | مخاطر التسويق، ومخاطر التنميط التجاري، ومخاطر العلاقات الاستثمارية، والمخاطر الأمنية |
المخاطر الشاملة: مخاطر الخصوصية، ومخاطر التكنولوجيا المتقدمة، والمخاطر المتعلقة بالصحة والرفاهية |
المصدر: إعداد المؤلف بالاستناد إلى تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ”الأطفال في البيئة الرقمية / تصنيف منقح للمخاطر (Children in the Digital Environment/ Revised Typology of Risks)“
(1) مخاطر المحتوى: هي مخاطر التعرض للمحتوى الضار كما هو موضح في الجدول أعلاه. ومن الأمثلة على ذلك التشهير والاحتيال عبر الإنترنت، والمحتوى العنيف أو الجنسي وما إلى ذلك.
(2) مخاطر السلوك: هي المخاطر التي يشكلها سلوك الطفل نفسه غير اللائق على الإنترنت. والتنمر الإلكتروني هو مثال نموذجي على ذلك. و”السلوك الإشكالي الذي ينشئه المستخدم“ هو سلوك مثل إرسال صور شخصية عارية إلى طرف ثالث.
(3) تتمثل مخاطر الاتصال عادةً في التعرض للاعتداء الجنسي من قبل غرباء بالغين يلتقون بهم عبر الإنترنت. ويمكن تصنيف مشكلة ”الأعمال غير القانونية بالوكالة“ التي أصبحت مشكلة في اليابان في السنوات الأخيرة ضمن هذه الفئة.
(4) تتعلق مخاطر الاستهلاك بالضرر الذي يلحق بالمستهلكين الذين يستغلون قدرة الأطفال غير الناضجة على اتخاذ القرار.
وتشير ”مخاطر التكنولوجيا المتقدمة“ من بين المخاطر الشاملة إلى مجموعة من المخاطر، على سبيل المثال، التحيز والتمييز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي وغير ذلك.
وفي حين أن المخاطر المذكورة أعلاه شائعة بين المستخدمين البالغين، فإن المخاطر المتعلقة بالصحة والرفاهية هي التي تثير القلق بشكل خاص من حيث تأثيرها على الأطفال والشباب. فهناك قلق من أن الاستخدام المفرط للإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن أن يضر بالصحة العقلية. وفي اليابان، تم بث أخبار تفيد بأنه كانت هناك حالات لأشخاص أصيبوا باضطرابات تناول الطعام لأنهم شعروا بأنه يجب عليهم فقدان الوزن عندما شاهدوا مقطع فيديو على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لعارضة أزياء تتحدث عن كيفية فقدانها للوزن عن طريق الصيام عندما كانت في المدرسة الثانوية.
صعوبة حظر حمل الهواتف المحمولة وتقييد وقت استخدامها
بالنظر إلى تدابير التعامل مع المخاطر المذكورة أعلاه في اليابان، فإن أحد القوانين المعنية بحماية الأطفال على الإنترنت هو ”قانون تحسين بيئة الإنترنت للشباب“ (معدل في عام 2018)، والذي تم سنه في عام 2008. وببساطة، يهدف هذا القانون إلى تعزيز استخدام تقييد المحتوى وتحسين محو الأمية الرقمية. وعلى وجه الخصوص، يفرض هذا القانون على مشغلي الهواتف المحمولة تخصيص إعدادات تقييد للمحتوى عندما يكون الشخص المشترك في الخدمة أو المستخدم للإنترنت دون سن الثامنة عشرة، ما لم يطلب أولياء الأمور عدم القيام بذلك.
ومع ذلك، لا توجد أحكام قانونية بشأن التطبيقات التي يجب تقييدها، ويُترك الأمر لخدمات التقييد التي تستخدمها كل شركة من شركات تشغيل الهواتف المحمولة. ومن الناحية العملية، فيما يتعلق بفئات المخاطر المذكورة أعلاه، ينطبق هذا على المواقع والتطبيقات المتعلقة بمخاطر المحتوى ومخاطر الاتصال. وبشكل أساسي، لا يُسمح بالتطبيقات التي تسمح للمستخدمين بالتواصل مع الآخرين، مثل مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد تم تطوير العديد من الأنشطة التعليمية والتوعوية في مجال محو الأمية الرقمية من قبل السلطات الوطنية والمحلية والشركات والمنظمات الخاصة. ويتم التركيز على تعزيز محو الأمية الرقمية أثناء استخدام الأطفال للإنترنت والهواتف الذكية.
وقد حاولت بعض السلطات المحلية سنَّ قوانين توصي بعدم استخدام الهواتف المحمولة، ولكن لم ينتشر ذلك. ففي عام 2009، سنَّت محافظة إيشيكاوا قانونًا يستهدف طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية ينص على أنه ”يجب على أولياء الأمور أن يسعوا لضمان عدم امتلاك الأطفال لأجهزة الهواتف المحمولة وغيرها“، باستثناء أغراض مثل الوقاية من الكوارث ومنع الجرائم. وكانت هذه المحاولة الأولى من نوعها في اليابان، وجذبت الكثير من الاهتمام، ولكن في عام 2022 تغيرت السياسة إلى تعزيز محو الأمية الرقمية من أجل الاستخدام الذكي للأجهزة اللوحية والهواتف الذكية.
وفي عام 2020، سنَّت محافظة كاغاوا ”قانون تدابير إدمان الإنترنت والألعاب“، الذي يوصي بالحد من مقدار الوقت الذي يقضيه الشخص في استخدام الألعاب والهواتف الذكية يوميًا، ولكنه قوبل بمعارضة قوية، بما في ذلك قيام السكان برفع دعاوى قضائية ضد هذا القانون زاعمين أنه ”ينتهك حرية استخدام الهواتف الذكية“. ولهذه الأسباب كان هناك تقييم سلبي في اليابان للقانون الذي صدر في أستراليا، والذي يحظر استخدام الأطفال لخدمات شبكات التواصل الاجتماعي.
التعامل مع الاعتداءات الجنسية
لقد كانت هناك أيضًا موجة من الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت. وتتعلق القضية الرئيسية بمخاطر الاتصال، والثانية بمخاطر السلوك. ويجري التصدي للجرائم الجنسية من خلال تقييد المحتوى، كما هو موضح أعلاه. وتوجد عقوبات جنائية مختلفة بموجب قانون تنظيم مواقع التعارف، والقانون الجنائي، وقانون منع المواد الإباحية الانتقامية، وقانون حظر استغلال الأطفال في المواد الإباحية. وعلى وجه الخصوص، رفعت تعديلات عام 2023 على قانون العقوبات سِن الموافقة على العلاقة الجنسية من 13 إلى 16 عامًا، وأقرت عقوبة جديدة للاستمالة (الاقتراب من طفل واستمالته لأغراض جنسية). وبالتوازي مع ذلك، تم إقرار قانون لمعاقبة التصوير خلسة.
وكما يتبين مما سبق، فقد تم اتخاذ تدابير تقليدية في اليابان فيما يتعلق بحماية الأطفال على الإنترنت، مع التركيز الشديد على مسألة مخاطر الاتصال.
ومن ناحية أخرى، لا تتم معالجة بعض المخاطر بشكل كافٍ. ومن الأمثلة على ذلك معالجة المخاطر المتعلقة بالصحة والرفاهية. وبالطبع، فقد تمت إثارة قضية الاستخدام الطويل للهواتف الذكية وأجهزة الألعاب من حيث فقدان البصر والتداخل مع التعلم، ويتم التعامل مع الاعتماد على الهواتف الذكية والإنترنت من قبل المؤسسات الطبية كأعراض تتطلب العلاج. ولكن لا توجد سياسة شاملة.
ومخاطر الخصوصية هي أيضًا أحد محاور النقاش حول تعديلات قانون حماية البيانات الشخصية، ولكن لا توجد حاليًا أحكام قانونية خاصة لحماية خصوصية الأطفال.
الالتزامات القانونية لمشغلي شبكات التواصل الاجتماعي
إن حقيقة أن هناك مخاطر لا يتم التصدي لها تمثل تحديًا، ولكن المشكلة الأكثر جوهرية هي أن مشغلي شبكات التواصل الاجتماعي غير ملزمين قانونًا باتخاذ تدابير لمنع الأطفال من الاطلاع على المعلومات المحفوفة بالمخاطر. وعلى الرغم من أنه كان هناك تركيز على مخاطر المحتوى والاتصال، إلا أن التدابير الأساسية هي تقييد المحتوى على أساس كل موقع أو كل تطبيق على حدة. وإذا قام المستخدمون أو أولياء الأمور بإزالة تقييد المحتوى أو تخصيص تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي وتثبيتها، فإن الأطفال معرضون للمخاطر لأنه لا يوجد التزام باتخاذ تدابير داخل تلك التطبيقات.
وفي السنوات الأخيرة، شددت بلدان أخرى اللوائح التي تتطلب الإشراف المناسب على المحتوى، مثل مراقبة وإدارة المنشورات المثيرة للمشاكل على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط لحماية الأطفال، ولكن أيضًا لمواجهة الافتراء والتضليل. ومع ذلك، في حين كان هناك نقاش حول تعزيز اللوائح في الولايات المتحدة، إلا أن التشريعات الفعلية تأخرت، ومع قدوم إدارة ترامب، فإن احتمال تشديد اللوائح التنظيمية أقل.
وفي اليابان، تم سنُّ ”قانون التعامل مع منصات نشر المعلومات“ في عام 2024 لتعزيز التدابير ضد التشهير والمعلومات الأخرى التي تنتهك الحقوق. ولكن من غير الواضح مدى فعالية ذلك، حيث إنه يدعو فقط إلى استجابات أسرع، مثل حذف المنشورات، وشفافية الوضع التشغيلي، ويترك بعض الجوانب ليتم التعامل معها طوعًا من قبل مشغلي شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي المستقبل يجب إعادة النظر في الإطار القانوني لمشغلي شبكات التواصل الاجتماعي، ولكنه ليس بالأمر السهل. فهناك تحديات خاصة بالقوانين التي تهدف إلى حماية الأطفال. على سبيل المثال، من شأن التأديب البسيط، مثل حذف المنشورات المثيرة للمشاكل، أن يقيد وصول البالغين إلى المعلومات. وهناك عدد من المسائل المتعلقة بالتنظيم، بما في ذلك كيفية إنشاء وسائل موثوقة للتحقق من العمر.
وعلاوة على ذلك، فإن مدى قدرة الدولة على المضي قدمًا في النقاش يعتمد على مدى الاهتمام والدعم المتزايدين للرأي العام. وآمل أن يكون هذا المقال من المقالات التي تستقطب اهتمام القراء.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان الرئيسي: بيكستا)