الفقر في اليابان: كيف أثرت التحولات الاقتصادية والاجتماعية على الطبقة المتوسطة؟
مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
نهاية عصر الوفرة
في الفترة من 2006 إلى 2008، وحتى قبل إعلان بنك ليمان براذرز إفلاسه وانهياره الذي كان بمثابة بداية الأزمة المالية العالمية، بدأت أولى علامات الفقر تظهر بوضوح في اليابان، التي كانت قد شهدت فترة نمو مرتفع بعد الحرب. أدت الأزمة المالية إلى ظهور ”قرى الخيام“ (مورا)، التي أسسها العمال المؤقتون العاطلون عن العمل والذين أصبحوا بلا مأوى خلال فترة عيد الميلاد ورأس السنة الجديدة، ليكسر بذلك الوهم السائد بأن اليابان دولة ينتمي فيها الجميع إلى الطبقة المتوسطة.
في وقت لاحق، في عامي 2020 و2021، ومع تفشي جائحة كورونا، ارتفع معدل الفقر مجددًا. وقد تحدث الطلاب المتعثرون، والنساء اللاتي يعانين من ”فقر الدورة الشهرية“ — وهو مصطلح طرحته منظمة الأمم المتحدة للطفولة ”اليونيسيف“ في تقريرها المنشور عام 2021، والذي يشير إلى صعوبة الحصول على منتجات النظافة الصحية المتعلقة بالدورة الشهرية مثل الفوط — عن معاناتهم من الفقر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومع مرور الوقت، أصبح من المعتاد أن يعمل الطلاب المتعثرون في عدة وظائف ويعتمدون على قروض الطلاب لتغطية نفقاتهم اليومية.
حتى بعد انتهاء الأزمة المالية العالمية، استمرت مشكلة الأمن الوظيفي للعمال غير الدائمين في التفاقم. في الوقت الحاضر، بدلاً من توظيف العمال بشكل دائم، تزايدت أعداد الموظفين الذين يعملون في ”وظائف مؤقتة“، دون أي ضمانات باستمرار عملهم أو بوجود وظيفة في اليوم التالي. أما البعض الآخر، مثل موظفي توصيل أوبر إيتس، فهم لا يتمتعون بالحماية بموجب قوانين العمل رغم أنهم يعملون كموظفين فعليين. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من الموظفين الذين يعملون في توزيع عينات المنتجات المجانية في المتاجر الكبرى يتم توظيفهم بعقود محددة المدة، ويتم تسريحهم بمجرد أن يواجه الاقتصاد أي صعوبة. هذه الظروف جعلت العديد من الأشخاص يعيشون في حالة من القلق الدائم بشأن استقرار وظائفهم.
وفي هذا السياق، تُدير جمعية موياي الخيرية في طوكيو مطبخًا لتقديم الحساء بالقرب من مكاتب حكومة العاصمة طوكيو في منطقة شينجوكو. منذ صيف عام 2024، ازدادت أعداد الناس الذين يصطفون للحصول على الطعام المجاني. ولم تقتصر هذه الطوابير على المشردين فقط، بل شملت العديد من الأشخاص في العشرينات والثلاثينات من العمر، بما في ذلك عدد كبير من النساء، وبعضهن لديهن أطفال. هذه الظاهرة تشير بوضوح إلى أن معدل الفقر قد ازداد بشكل كبير في اليابان، وتفاقم الأمر بسبب التضخم الاقتصادي الذي أثر على الجميع.
الفقر والسياسة
خلال الأزمة المالية العالمية، كانت هناك دعوات في اليابان لمعالجة الفقر كقضية اجتماعية. ولكن عندما سخر رئيس الوزراء السابق شينزو آبي من هذا النهج ووصفه بأنه ”إرث بائد“ لحكومة الحزب الديمقراطي الياباني في الفترة 2009-2012، تسبب ذلك في وصم كلمة ”الفقر“ نفسها. كما تم تصنيف الفقر على أنه مفهوم ”يساري متطرف“، وهو ما أسهم في إضعاف النقاش العام حول معالجة هذه القضية. وسط الدعوات المتزايدة لأصحاب الدخل المنخفض للاعتماد على أنفسهم، تعرضت حتى ”شبكة الأمان النهائية“ — مؤسسة الرعاية الاجتماعية — للهجوم، حيث قال بعض الذين كانوا يكافحون ماليًا إنهم يفضلون الموت على قبول مساعدة الرعاية الاجتماعية. أدى ذلك إلى قيام بعض الأحزاب السياسية بتجنب استخدام كلمة ”الفقر“ في خطاباتها، مما جعل الفقر موضوعًا محجوبًا بشكل متزايد.
من المؤسف أن ما كان يُفترض أن يكون قضية اجتماعية عالمية قد شوهته التحيزات السياسية، مما ساهم في التقليل من أهمية الحديث عن الفقر كظاهرة تؤثر على قطاع واسع من المجتمع. على الرغم من أن الحكومة وأحزاب المعارضة تدركان أن العديد من الأشخاص يعيشون في فقر أو يتعففون عن طلب المساعدة في مواجهة ارتفاع الأسعار، إلا أن الفترة التي سبقت الانتخابات الأخيرة شهدت غيابًا تامًا لأية مقترحات واضحة حول كيفية معالجة هذه المشكلة. لم يُعرض أي مرشح حلاً محدداً، أو حتى حددوا ما الذي ينبغي تغييره أو كيفية تحقيق ذلك.
نحن بحاجة إلى سياسيين أكثر قدرة على التعبير بوضوح عن الحلول التي يجب اتخاذها لمكافحة الفقر. إذا كانت الأحزاب السياسية، سواء من اليمين أو اليسار، تعهدت علنًا بالحد من التفاوت في الدخل ووضعت رؤية للتغيير السياسي، فإن الأمور قد تتحسن بشكل كبير.
الدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي
في الآونة الأخيرة، شهدت اليابان زيادة في الحالات التي تعرض فيها المسنون للاعتداء من قبل أفراد تم استقطابهم عبر ”إعلانات الوظائف“ على الإنترنت. يدفع الفقر والحاجة إلى كسب المال السريع بعض الأفراد إلى الانخراط في هذه الإعلانات، التي تعد بأرباح سهلة، ولكنها في الغالب تتطلب أعمالًا مشبوهة أو غير قانونية. يؤدي هذا إلى تورطهم في أنشطة إجرامية، مما يعكس حجم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الفئات الضعيفة في المجتمع.
وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان يُفترض أن تكون منصة للتواصل وتبادل الأفكار، أصبحت مكانًا يجتمع فيه المستخدمون ضمن مجموعات معزولة عن بعضها البعض، مما يعمق الانقسام الاجتماعي. هذا الانعزال قد يكون نتيجة لنقص التفاعل الحقيقي في الحياة اليومية، حيث يتعين على الأفراد، في عالم تنافسي بشكل متزايد، النضال من أجل البقاء. باتت قيم مثل ”الجماعية“ و”التضامن“ تُعتبر قديمة، وأصبح المجتمع الياباني في طريقه ليصبح مجتمعًا منقسمًا على غرار العديد من المجتمعات الغربية.
في الساحة السياسية، تظهر ظواهر مقلقة مثل صعود سياسيين ينجحون في الانتخابات رغم افتقارهم إلى الكفاءة الواضحة أو ارتكابهم أخطاء فادحة. كما أن وجود منظمات تنشر الإيديولوجيات العنصرية يعكس مدى تغير المجتمع، حيث بدأت القيم المشتركة بالتراجع لصالح النزعات الفردية والمصالح الشخصية.
لإحداث تغيير حقيقي، يجب أن تكون استعادة المجال العام وتحفيز النقاش المجتمعي جزءًا من الحل. الفلسفة المدنية، التي تقوم على تحسين المجتمع ككل بدلًا من التركيز فقط على المسؤولية الفردية، يجب أن تُعاد إلى الواجهة. لا تزال قضايا مثل الضرائب وإعادة التوزيع الاجتماعي تُعتبر ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية، لكن هناك حاجة ماسة إلى إنشاء منصات تعليمية وشبابية تُعزز فهم هذه القيم وأهميتها. من خلال تعزيز الوعي الجماعي والعمل المشترك، يمكن للمجتمع أن يبدأ في معالجة هذه التحديات المعقدة.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية استنادًا إلى مقابلة أجراها موتشيدا جوجي من فريق عمل Nippon.com. الترجمة من الإنكليزية. صورة الشعار: وفقًا لميزوشيما هيرواكي، فإن الفقر في اليابان يأخذ منحنى تصاعدياً منذ الأزمة المالية العالمية. © هاناي توموكو)