الأمان والراحة: كيف أحدث قطار الطلقة ثورة في أسلوب حياة اليابانيين؟
تكنولوجيا- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
سجل خالٍ من الوفيات
منذ انطلاق أول رحلة لقطار توكايدو شينكانسن في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1964، استطاعت شبكة السكك الحديدية اليابانية ”شينكانسن“ الحفاظ على سجل مثالي فيما يتعلق بالسلامة، إذ لم تسجل أي حادثة انحراف عن المسار أو اصطدام أدى إلى وفاة أحد الركاب. يعود هذا السجل المتميز إلى أنظمة الأمان المتقدمة التي تم تطويرها خصيصًا لقطارات الشينكانسن، المعروفة عالميًا بـ”قطارات الطلقة“ لسرعتها الفائقة.
ويعتبر نظام التحكم الآلي في القطارات (ATC) أحد أهم هذه الأنظمة. يقوم هذا النظام بتقليل سرعة القطار تلقائيًا عند اقترابه من قطار آخر على نفس المسار أو من محطة قادمة، مما يقلل من الحاجة لتدخل السائق بشكل كبير، إذ يقوم فقط بتعديلات طفيفة لإيقاف القطار في المحطة المحددة بدقة. وبهذا فإن احتمالية وقوع تصادم بين قطاري شينكانسن شبه معدومة من الناحية النظرية، ولم تسجل الشبكة حادثة من هذا النوع.
يلعب نظام التحكم الآلي أيضًا دورًا رئيسيًا في ضمان تشغيل القطارات بسلاسة واستمرارية على مدار الساعة، مما يسمح للقطارات بالحفاظ على دقتها في الجدول الزمني حتى في الظروف الجوية الصعبة. يمكن للقطارات بذلك أن تسير بسرعات تفوق 200 كيلومتر في الساعة بأمان، بغض النظر عن العوامل الجوية المحيطة.
أحد أسباب السلامة الفائقة أيضًا هو النظام المعزول الذي تعتمد عليه قطارات الشينكانسن، إذ لا يوجد تقاطع بين مسار القطار والطرق، مما يحد بشكل كامل من حوادث التصادم عند التقاطعات. وتعمل أنظمة الأمان المتقدمة كذلك على إيقاف القطار فورًا في حال حدوث طارئ، مثل سقوط سيارة من جسر فوق المسار.
في العديد من الدول المتقدمة، تُلزم شبكات السكك الحديدية باتباع إجراءات صارمة لضمان سلامة القطارات ومنع التصادم، وتفرض معايير دقيقة على عربات القطارات عالية السرعة مثل الشينكانسن. ومع ذلك، لا توجد معايير خاصة تتعلق بسلامة الاصطدام لعربات الشينكانسن اليابانية، ويعود السبب إلى تصميم شبكة الشينكانسن القائم على أنظمة أمان شاملة. تعتمد هذه الأنظمة على نظام التحكم الآلي والفصل الكامل للمسارات، مما أسهم بشكل جذري في القضاء على خطر الاصطدامات، ليجعل شبكة الشينكانسن نموذجًا عالميًا في أمان السكك الحديدية
واجهت السكك الحديدية الوطنية اليابانية عجزًا كبيرًا في الميزانية خلال بناء خط القطار فائق السرعة توكايدو، وكانت هناك اقتراحات حول تأجيل اعتماد نظام حديث للتحكم المركزي في القطارات (سي تي سي) لصالح توزيع عبء مراقبة القطارات وتوجيهها على كل محطة على حدة. تقول الرواية، مع ذلك، أن مدير السكك الحديدية الوطنية اليابانية آنذاك، سوغو شينجي، أمر بتعديل الميزانية لتشمل نظام التحكم المركزي، وذلك بسبب التاريخ الطويل لليابان في مواجهة الكوارث الطبيعية التي تتسبب في توقف القطارات بشكل متكرر.
يوفر قطار الشينكانسن وسيلة فعالة للنقل الجماعي للمسافات الطويلة في وقت قياسي، مستفيدًا من تركيز مهام المراقبة وتوجيه القطارات في نظام مركزي. لو كانت عمليات مراقبة القطارات وتحديد مساراتها تعتمد على كل محطة على حدى، كما كان الحال مع القطارات التقليدية قبل عصر الشينكانسن، لكان ذلك سيشكل عبئًا كبيرًا على المحطات ويؤثر سلبًا على السلامة والموثوقية. من هنا، كان اعتماد نظام التحكم المركزي لحركة القطارات منذ بداية تشغيل خط توكايدو شينكانسن خيارًا رائدًا، حيث جعل توجيه القطارات وتبديل مساراتها أكثر كفاءة وأمانًا، وهو نظام أصبح يُستخدم اليوم في العديد من السكك الحديدية التقليدية.
خلال مرحلة بناء خط توكايدو، كانت السكك الحديدية الوطنية اليابانية تواجه عجزًا ماليًا كبيرًا، مما أدى إلى اقتراح تأجيل إدخال نظام حديث للتحكم المركزي في القطارات (CTC) والاكتفاء بتوزيع مهام المراقبة على كل محطة بشكل منفصل. لكن مدير السكك الحديدية الوطنية اليابانية في ذلك الوقت، سوغو شينجي، أصر على تعديل الميزانية لتشمل نظام التحكم المركزي، إدراكًا منه لأهمية هذا النظام في مواجهة الكوارث الطبيعية المتكررة التي تؤدي إلى توقف القطارات.
التغيرات في السفر والحياة اليومية
مع كل ما يتمتع به من إجراءات السلامة والراحة، أصبح قطار الشينكانسن جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في اليابان، تمامًا مثل قطارات المترو المنتشرة في المدن. وعلى عكس الطائرات، لا يحتاج الموظفون إلى عرض إرشادات السلامة قبل الرحلة، ولا يُطلب من الركاب ارتداء أحزمة الأمان. ومن غير المحتمل أن يقوم أي شخص بشراء تأمين سفر قبل ركوب قطار الشينكانسن.
رغم أن السفر بقطار الشينكانسن قد يستغرق وقتًا أطول نسبيًا من السفر بالطائرة، إلا أن الراحة العالية التي يوفرها قد أسهمت بشكل كبير في تأثيره الهائل على التنقل الداخلي بين المدن اليابانية.
شهدت حركة التنقل بين منطقة العاصمة وكانساي (أوساكا) تغيرًا ملحوظًا. قبل تدشين خط قطارات الشينكانسن، كانت مدة الرحلة بالقطار من طوكيو إلى أوساكا تستغرق ست ساعات ونصف على الأقل. لكن افتتاح خط الشينكانسن قلل هذه المدة إلى أربع ساعات، ثم انخفضت إلى ثلاث ساعات وعشر دقائق اعتبارًا من عام 1965.
يبدو أن الشينكانسن قد أظهر رغبة كبيرة لدى الناس للسفر بين المدن الكبرى. قبل إدخال الشينكانسن، كانت هناك سبع رحلات ذهابًا وإيابًا بين المدينتين، مما يعني أن عدد القطارات السريعة التي تسير يوميًا بين طوكيو وأوساكا كان 14 قطارًا. ومع ذلك، بعد تدشين الشينكانسن، قفز العدد إلى 30 رحلة ذهابًا وإيابًا، أي 60 قطارًا يوميًا. وقد ظهر الشينكانسن في خضم الطفرة الاقتصادية التي شهدتها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، مما ساهم في الزيادة الهائلة في الطلب على الرحلات بين هذين المركزين الحضريين. ولكن يمكننا أيضًا أن نفترض أن تقليص الوقت اللازم لهذه الرحلة الطويلة قد أزال عائقًا كبيرًا أمام الجميع، مما شجع المزيد من الناس على الاستفادة من هذه الخدمة.
لقد غيرت قطارات الشينكانسن الثقافة الشائعة في اليابان بشكل ملحوظ. فقد أسهمت في تحول فن الأوواراي، الكوميديا التقليدية في منطقة كانساي حول أوساكا، من فن محلي بحت إلى ظاهرة وطنية واسعة الانتشار. وقد صرح أحد الكوميديين البارزين بأن شعبيته كانت تقتصر إلى حد كبير على منطقة كانساي قبل بدء تشغيل هذه القطارات فائقة السرعة.
تقدم قطارات الشينكانسن راحة كبيرة، مما يسمح للفنانين المقيمين في كانساي بالعمل بسهولة أكبر في محطات التلفزيون الرئيسية في طوكيو، التي تبث برامجها على مستوى البلاد. ويذكر نفس الكوميدي أنه كان يقوم أحيانًا برحلتين ذهابًا وإيابًا بين شين أوساكا ومحطة طوكيو في يوم واحد. هذا النوع من السفر بين المطارات، الذي يتطلب عادةً إجراءات صعود الطائرة والفحوصات الأمنية، يعد مستحيلًا تقريبًا. ومن المؤكد أن قطارات الشينكانسن قد غيرت بشكل جذري شكل الكوميديا في اليابان.
وفي موسم 1965، بعد بدء تشغيل قطار الشينكانسن، لوحظ انخفاض كبير في عدد المباريات المزدوجة التي كانت تقام أيام الأحد، حيث أصبح بإمكان الفرق اللعب يوم الجمعة بدلاً من ذلك. استمر هذا الانخفاض حتى اختفت المباريات المزدوجة تمامًا بحلول منتصف السبعينيات.
لا شك أن الاستخدام المتزايد للسفر الجوي ساهم في إحداث بعض التغييرات في جدول مباريات البيسبول للمحترفين، لكن العديد من اللاعبين كانوا يشعرون بالاستياء من أعباء المباريات المزدوجة، ومن المؤكد أنهم رحبوا بالراحة التي توفرها لهم قطارات الشينكانسن. بهذه الطريقة، لم تقتصر تأثيرات الشينكانسن على وسائل النقل فحسب، بل شملت أيضًا الفنون والترفيه، مما أحدث تغييرًا عميقًا في الحياة اليومية والثقافة اليابانية.
معرض إكسبو العالمي يشجع على النمو
أود أن أناقش أيضًا كيف ساهم قطار الشينكانسن في نجاح حدث وطني هام. ففي الفترة من 15 مارس/ آذار إلى 13 سبتمبر/ أيلول 1970، استضافت أوساكا المعرض العالمي الياباني. ويعود نجاح هذا الحدث الضخم، الذي اجتذب أكثر من 64 مليون زائر، بطبيعة الحال في المقام الأول إلى محتوى المعرض والإمكانات السياحية الكامنة لمنطقة كانساي، ولكن قدرات النقل الجماعي لقطار الشينكانسن كانت أيضًا مساهمًا مهمًا.
ولم يقتصر استخدام هذا النظام على الزوار القادمين من مختلف أنحاء اليابان، وخاصة من طوكيو، بل أصبح في حد ذاته عامل جذب للسياح الذين تعرفوا على نظام القطارات الجديد من خلال الدعاية العالمية للمعرض.
ساهم قطار الشينكانسن بشكل كبير في نجاح المعرض العالمي الياباني الذي أُقيم في أوساكا من 15 مارس/ آذار إلى 13 سبتمبر/ أيلول 1970. هذا الحدث الضخم، الذي اجتذب أكثر من 64 مليون زائر، يعود نجاحه بالدرجة الأولى إلى محتوى المعرض وإمكانات السياحة الفريدة التي تقدمها منطقة كانساي. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل دور قطار الشينكانسن في تعزيز قدرة النقل الجماعي، مما ساهم بشكل كبير في تيسير الوصول إلى المعرض.
أصبح الشينكانسن وسيلة النقل الرئيسية للزوار القادمين من مختلف أنحاء اليابان، وخاصة من طوكيو، حيث تم اختصار الوقت اللازم للسفر بشكل كبير. كما أتاح النظام الحديث إمكانية نقل أعداد كبيرة من الزوار بسلاسة وكفاءة، مما ساهم في تخفيف الازدحام وتسهيل الحركة.
بالإضافة إلى ذلك، كان الشينكانسن في حد ذاته عامل جذب للسياح، حيث تعرفوا على هذا النظام المتطور خلال فترة المعرض. الدعاية العالمية للمعرض قدمت فرصة لتعريف الزوار بنظام القطارات السريع والمريح، مما أضاف بعدًا جديدًا لتجربتهم السياحية.
بفضل هذه العوامل، أصبح الشينكانسن جزءًا لا يتجزأ من تجربة المعرض، حيث ساهم في ربط مناطق مختلفة من اليابان، وتعزيز الحركة السياحية، مما يعكس تأثيره العميق على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في اليابان.
بلغ عدد ركاب قطارات الشينكانسن المتوجهين إلى المعرض العالمي في أوساكا ذروته في أغسطس/ آب 1970 إلى نحو 370 ألف شخص يوميًا. يُعتبر هذا العدد كبيرًا بشكل مذهل، خصوصًا عند مقارنته بمتوسط عدد الركاب اليومي على خط توكايدو شينكانسن قبل جائحة كورونا والذي كان حوالي 470 ألفًا. وقد أطلق الناس في تلك الفترة على قطارات الشينكانسن لقب ”جناح إكسبو المتنقل“، مما يعكس مدى أهميتها ودورها في الحدث.
وقد تشارك زوار المعرض تجارب سفرهم الممتعة على متن الشينكانسن، وبدأوا يتبادلون قصصهم حول المعرض نفسه، مما خلق أجواء من الحماس والتفاعل بين الركاب. سرعان ما أصبح الحديث عن المعرض ومغامرات السفر على متن قطارات الشينكانسن أمرًا شائعًا بين المسافرين.
لقد أحدثت هذه الثورة في وسائل النقل تغييرات جذرية في نمط الحياة في اليابان. فقد سهل الشينكانسن التنقل بين المدن الكبرى، مما شجع على تعزيز الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق المختلفة. كما ساهمت هذه القطارات في تحسين جودة الحياة من خلال تقليل الوقت المستغرق في السفر، مما أتاح للناس المزيد من الفرص للتفاعل، العمل، والتمتع بالثقافة والفنون.
بفضل الشينكانسن، أصبح السفر بين المدن جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، مما يعكس تأثيره العميق على المجتمع الياباني وطرقه الجديدة في التواصل والحياة.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: (إن 700إس) شينكانسن يمر عبر جبل فوجي على خط شينكانسن توكايدو. الصورة مقدمة من جي أر سينترال)