تحديات أولمبياد طوكيو

تأثير اللجنة الأولمبية الدولية مع بدء العد التنازلي لانطلاق أولمبياد طوكيو

طوكيو 2020

أدت عودة انتشار الحالات المصابة بفيروس كورونا إلى حظر تام لحضور الجماهير لفاعليات الأولمبياد من قبل اللجنة الأولمبية المنظمة لدورة ألعاب طوكيو 2020. وبعيدًا عن هذه التطورات، فاللجنة الأولمبية الدولية، التي تجاهلت باستمرار المعارضة الشعبية لإقامة الأولمبياد تخطط الآن لاستخدام عقدها مع المدينة المضيفة لإجبار السلطات اليابانية على المضي قدمًا في الألعاب، شئنا أم أبينا.

نحن جاهزون

في الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران، عُقدت محادثات خماسية لتحديد الحد الأقصى لعدد الجماهير المشاركة في الفاعليات الأولمبية. وقد شارك في هذه المناقشات التي تمت عبر الإنترنت رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ، ورئيس اللجنة البارالمبية الدولية أندرو بارسونز، ورئيسة لجنة طوكيو المنظمة لأولمبياد 2020 هاشيموتو سيكو، ومِحافظة طوكيو كويكي يوريكو، ووزيرة الأولمبياد ماروكاوا تامايو. وفي ملاحظاته الافتتاحية، أخبر باخ الحضور بأنه ”يتطلع إلى“ معرفة أعداد الجماهير الذين سيُسمح لهم بالحضور، وبالتالي تولي دور المراقب بدلاً من القيام بدور استباقي في المسألة بنفسه. ثم قال باخ في إشارة إلى افتتاح دورة الألعاب، ”لا يسعني إلا أن أقول، ها قد بدأنا.... ونحن جاهزون“.

وتذهب جميع الإيرادات من حصيلة مبيعات التذاكر إلى لجنة طوكيو المنظمة لألمبياد 2020. ومن ناحية أخرى، تحصل اللجنة الأولمبية الدولية على معظم إيراداتها من حقوق البث. وبالنسبة للّجنة الأولمبية الدولية، فالمهم ليس حضور الجماهير من عدمه في المدرجات، ولكن أن تستمر فاعليات المباريات وتُبث إلى العالم بأسره. حيث تشكل حقوق البث حوالي 70٪ من عائدات اللجنة الأولمبية الدولية، وقد دفعت شبكة البث الأمريكية العملاقة (إن بي سي يونيفرسال) 12 مليار دولار مقابل حقوق جميع البطولات الأولمبية من ألعاب سوتشي الشتوية لعام 2014 وحتى دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2032. والرئيس التنفيذي لشركة (إن بي سي يونيفرسال)، جيف شل، الذي تخطط شبكته لبث 7,000 ساعة غير مسبوقة من التغطية لدورة طوكيو، متفائل، حيث ذكر أن طوكيو يمكن أن تكون أكثر دورة ربحية لشبكة البث على الإطلاق، وأنه ”بمجرد أن تبدأ مراسم حفل الافتتاح، سينسى الجميع [مخاوف مثل فيروس كورونا[ وسوف يستمتعوا بسبعة عشر يومًا من المنافسات“. ومن المحتمل أن يكون تفاؤل شبكة إن بي سي يوينفرسال ناتجًا عن التنبؤ بأن جائحة فيروس كورونا سترفع من نسب المشاهدات مع بقاء المزيد من المشاهدين في منازلهم.

ومن المتوقع أن يتابع حوالي 4 مليارات مشاهد فاعليات الألعاب على مستوى العالم. ويمنح هذا العدد الاستثنائي اللجنة الأولمبية الدولية السيطرة ليس فقط على حقوق البث ولكن أيضًا على حقوق الرعاية العالمية، والتي تغطيها جميعًا عقود بمبالغ ضخمة. وبالتالي، فإن إلغاء أو تأجيل الألعاب قد يجعل اللجنة الأولمبية الدولية مسؤولة عن دفع تعويضات. لهذا السبب يجب أن تستمر الألعاب بغض النظر عن أي شيء آخر، وهذا هو السبب وراء رد نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية جون كواتس عندما سُئل عما إذا كانت الألعاب ستنطلق في موعدها حتى في ظل إعلان حالة الطوارئ. حيث رد قائلًا: ”الإجابة هي نعم بالتأكيد“، في ملاحظة أثارت استيائه.

صلاحيات واسعة للجنة الأولمبية الدولية

كان التعليق المثير للدهشة من قبل عضو اللجنة الأولمبية الدولية منذ فترة طويلة ديك باوند في مقابلة مع المجلة الإخبارية (شوكان بونشو) أنه حتى لو دعا رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدى إلى إلغاء الألعاب، فسيكون ذلك مجرد ”رأي شخصي“، وستقام الفاعليات في موعدها المحدد. ولم يكن باوند يشير فحسب إلى أن السياسة والرياضة لا تجتمعان. بل عوضًا عن ذلك، كان يدلي ببيان صارم مفاده أنه حتى في خضم جائحة عالمية، فإن الحق في تقرير ما إذا كانت الألعاب ستنطلق أم لا يقع على عاتق اللجنة الأولمبية الدولية، والتي لن تتأثر بقرارات قائد الدولة المضيفة.

وفي العام الماضي، عندما تم اتخاذ قرار تأجيل الأولمبياد، تركز الاهتمام على عقود المدينة المضيفة للجنة الأولمبية الدولية مع حكومة مدينة طوكيو واللجنة الأولمبية اليابانية. ووسط تكهنات بإلغاء الأولمبياد، أقنع رئيس الوزراء شينزو آبى اللجنة الأولمبية الدولية بتأجيل الألعاب، وهو ما لم يكن خيارًا في العقد. وهذا العام، تركز الاهتمام مرة أخرى على عقود المدينة المضيفة، وهذه المرة فيما يتعلق بمبلغ التعويض الذي يجب دفعه في حالة إلغاء الألعاب مرة أخرى. حيث تنص المادة 66 من الاتفاق، المادة المعنية بـ ”إنهاء العقد“، على أن سلطة إلغاء الألعاب من اختصاص اللجنة الأولمبية الدولية، وتحتوي على البند التالي:

في حالة انسحاب اللجنة الأولمبية الدولية من الألعاب، أو إنهاء هذا العقد من قبل اللجنة الأولمبية الدولية لأي سبب من الأسباب، تتنازل المدينة، [اللجنة الأولمبية الوطنية] و [اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية] بموجب هذا عن أي حق ومطالبة بأي شكل من أشكال الضمانات، أو الأضرار أو أي تعويض أو تعويضات قانونية آخرى من أي نوع، ونتعهد بموجب هذا بضمان وإبراء ذمة اللجنة الأولمبية الدولية من أي مطالبات أو إجراءات أو أحكام خاصة من قبل طرف ثالث فيما يتعلق بهذا الانسحاب أو الإنهاء. ويقع على عاتق اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية (OCOG) مسؤولية إخطار جميع الأطراف الذين تتعاقد معهم بمحتوى هذا القسم.

وفي الواقع، توفر حكومة طوكيو بشكل أساسي المرافق والطرق والأماكن لاستضافة الحدث الأولمبي تحت مظلة اللجنة الأولمبية الدولية. والحكومة اليابانية هي التي قدمت عرض المدينة المضيفة، لذلك إذا قرر الجانب الياباني التنازل عن حقه في استضافة الألعاب، فمن المحتمل أن تطالب اللجنة الأولمبية الدولية بتعويضات كبيرة من الجانب الياباني. في حين لن تتكبد اللجنة الأولمبية الدولية نفسها أي أضرار. الأمر الذي يشير إليه البعض فيما يخص عقد المدينة المضيفة الذي يحدد هذه العلاقة بأنها ”اتفاقية غير متكافئة“.

الأولمبياد ونقطة التحول للتسويق التجاري

في عهد خوان أنطونيو سامارانك، الرئيس ما قبل السابق لبخ، نمت سلطات اللجنة الأولمبية الدولية. وسامارانك كان الرئيس السابع للجنة الأولمبية الدولية. وترأس اللجنة من عام 1980 حتى عام 2001، وسار بالمنظمة على مسار تسويقي والتزم بتحويل الألعاب الأولمبية إلى عمل تجاري.

وبدأ كل شيء عندما تم تقديم اللجنة الأولمبية الدولية لراعٍ واحد للأولمبياد برمتها في دورة ألعاب لوس أنجلوس عام 1984، مما أدى إلى ظهور بطولة تمولها مؤسسة خاصة لا تعتمد على أموال الضرائب. وبعد نجاح لوس أنجلوس، أطلق سامارانك برنامج رعاية عالمي معروف باسم برنامج (Olympic Partners (TOP)) (الرعاة الألمبيون)، والذي بدأ مع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1988 في مدينة كالغاري الكندية، تليها دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 1988 في سيول. حيث كان الرعاة الأولمبيين المحتملين يقومون بالتوجه إلى مقر اللجنة الأولمبية الدولية في لوزان بسويسرا للتعبير عن امتنانهم وكسب صداقة سامارانك، وانتهجت كذلك حينها العديد من الشركات اليابانية نفس النهج. ويمكن لزوار المتحف الأولمبي الذي تم تشييده في لوزان عام 1993 مشاهدة الكتل الحجرية، والتي تحمل كل منها اسم إحدى الشركات التي قدمت تبرعات لبناء المتحف، مرتبة ومشكلة ما يطلق عليه ”جدار الرعاة“. ويقال إن كل كتلة تكلفت مليون دولار. وهذه الشركات الراعية هي التي استخدمتها اللجنة الأولمبية الدولية لتحويل الأولمبياد إلى مؤسسة تجارية متضخمة كما هي اليوم. الأمر الذي حمل عدة حكومات ومراكز حضرية كبرى على تقديم عطاءات لاستضافة الألعاب، على أمل اكتساب النفوذ والمكانة.

وفي سنواتها الأولى، سيطر أعضاء من الطبقة الأرستقراطية على اللجنة الأولمبية الدولية، بما في ذلك مؤسسها بيير دي كوبرتان، لكن رئاسة سامارانك كانت بمثابة تغيير لمنظمة يسيطر عليها الجشعين. وربما أشارت مقالة حديثة في الواشنطن بوست إلى توماس باخ بأنه ”السفاح الأرستقراطي“، لكن باخ في الحقيقة ليس أرستقراطيًا، بل محامٍ ألماني.

مستقبل الألعاب الأولمبية على المحك

عند النظر في علاقة اللجنة الأولمبية الدولية بالمدن المضيفة، يتبادر إلى الذهن ما حدث مع مدينة أوسلو، التي سحبت عطاءها لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022 مباشرة بعد إعلان المدينة عام 2014 عن تقديم عرضها، حيث نشرت وسائل الإعلام الغربية تقارير عن مطالب ترفيهية للّجنة الأولمبية الدولية. فوفقًا لتقارير في مجلة نيوزويك ومنشورات أخرى، طالبت اللجنة الأولمبية الدولية أوسلو بترتيب حفل استقبال بحضور ملك النرويج قبل انطلاق الألعاب، بالإضافة إلى برنامج مخصص للألعاب بعد كل فعالية رياضية، على نفقة العائلة المالكة أو اللجنة المنظمة، وممرات منفصلة لسيارات أعضاء اللجنة، وحفل استقبال ترحيبي في المطار لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية، ومجموعة متنوعة من المشروبات الكحولية يتم توفيرها في مراسم الافتتاح والختام، والنبيذ والبيرة في ردهات الملاعب خلال المسابقات... والقائمة تطول. مطالب اللجنة الأولمبية الدولية هذه جعلت أوسلو متشككة وتسببت في نهاية المطاف في سحبها عرضها لاستضافة الألعاب، الأمر الذي كان سيجعلها تتكبد تكاليف باهظة. في حين أن تفاصيل الترتيبات الترفيهية في طوكيو لم يتم الكشف عنها. نحن نعلم فقط أن إقامة أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية ستكون في فنادق خمس نجوم في حييّ أكاساكا وروبونغي. ويتساءل المرء كيف يمكن للجنة الأولمبية الدولية أن تعتقد بأن مستقبل الألعاب آمن بينما تطالب بمزايا مثل هذه لا يمكن استساغُها من قبل الجماهير.

وفي الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران، أي قبل شهر واحد من انطلاق الألعاب، نشرت قناة (سي بي سي) الكندية مقال بعنوان ”مستعدون أم لا، ستقام أولمبياد طوكيو في غضون شهر واحد“. ويذكر المقال نقلًا عن الصحفي والمترجم المقيم في اليابان مايكل بلاستو الذي قال بأن الألعاب ستُلحق أضرارًا طويلة المدى بالحركة الأولمبية التي تسعى إلى تعزيز الروح الأولمبية: ”سيكون الأمر حفلة بدون احتفالات، ومن المؤكد أن الكارثة المالية والدعائية ستقلل بشكل أكبر من الحافز المتراجع بالفعل لدى البلدان في جميع أنحاء العالم للمشاركة في الأولمبياد مرة أخرى

وذكرت رئيسة لجنة طوكيو 2020 المنظمة للألعاب هاشيموتو سيكو بنفسها في مؤتمر صحفي قائلة: ”التحدي يكمن في كبح الأجواء الاحتفالية قدر الإمكان. فلن يكون حدثًا احتفاليًا“. ولتقليل خطر انتشار فيروس كورونا، فهناك حاجة لتقييد حركة الأشخاص. ولن تكون الأجواء بالتأكيد أجواء احتفالية وصاخبة.

ولقد انتهت المرحلة السابقة من الإجراءات الاحترازية التي تم تنفيذها في طوكيو لمنع انتشار فيروس كورونا في الحادي عشر من يوليو/ تموز، ومع ذلك، أعلنت الحكومة حالة طوارئ أخرى، بداية من الثاني عشر من يوليو/ تموز إلى الثاني والعشرين من أغسطس/ آب، وتشمل كل فترة الألعاب الأولمبية. وفي نفس اليوم، قررت لجنة طوكيو 2020 المنظمة للألعاب حظر الحضور الجماهيري من معظم الملاعب الأولمبية، بما في ذلك جميع المواقع في طوكيو. الأمر الذي سيدعو المرء إلى التساؤل عن نوع الرسالة التي ترسلها الألعاب الخالية من الاحتفالات والمتباعدة اجتماعيًا إلى العالم. وفي ظل جائحة يشوب مصيرها الغموض، تفقد الألعاب الأولمبية هدفها وشغفها وهي تواجه أزمة غير مسبوقة.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: رئيسة لجنة طوكيو المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية 2020 هاشيموتو سيكو ونائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية جون كواتس يستعرضان معًا مركز أريأكي للألعاب البدنية. جيجي برس)

    كلمات مفتاحية

    طوكيو الألعاب الأولمبية الحكومة اليابانية

    مقالات أخرى في هذا الموضوع