تعديل الدستور الياباني

دوافع شينزو آبي لتعديل الدستور والعقبات التي تقف في طريقه

سياسة

يسعى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى تعديل الدستور الياباني بحلول عام 2020. ولكن التأييد الشعبي لحكومته يتراجع بصورة حادة، وإذا أصر على المضي قدما في عملية التعديل طبقا للجدول الزمني الذي يريده، فإن قد يخاطر بفشله في تحقيق كل من تعديل الدستور والبقاء في السلطة.

تعديل الدستور

يتطلب تعديل الدستور: (1) ’’بدء‘‘ عملية التعديل من قبل البرلمان، والذي يمنح موافقة بأغلبية الثلثين في كلا مجلسي البرلمان، و (2) مصادقة الشعب على التعديل وهو ما يتطلب الحصول على موافقة أغلبية المصوتين في استفتاء قومي. وسأوضح هنا تفاصيل العملية.

تكمن الخطوة الأولى في تقديم مسودة تعديل الدستور إلى مجلس النواب (الممثلين) المكون من 475 مقعدا بدعم 100 عضو من المجلس على الأقل أو إلى مجلس الشيوخ (المستشارين) المكون من 272 مقعدا بدعم من 50 عضوا على الأقل. ترسل المسودة إلى مجلس مناقشة الدستور في المجلس البرلماني الذي قدمت إليه. ومن ثم إذا تمت الموافقة عليها من قبل مجلس مناقشة الدستور، تطرح المسودة في جلسة برلمانية مكتملة النصاب للتصويت. وإذا وافق ثلثا إجمالي أعضاء المجلس البرلماني على المسودة، ترسل إلى المجلس البرلماني الآخر، حيث تتكرر الإجراءات ذاتها. وإذا تمت الموافقة بنفس الطريقة من قبل مجلس مناقشة الدستور في ذلك المجلس البرلماني ومن ثم وافق ثلثا إجمالي أعضاء ذلك المجلس، فإن البرلمان يكون بذلك قد الشروع في عملية التعديل. وتتمثل الخطوة النهائية في إجراء استفتاء قومي، وإذا وافق أغلبية المصوتين فإن التعديلات تصبح سارية المفعول.

بموجب قانون البرلمان يجب أن يتم اقتراح التعديلات الدستورية ’’بشكل منفصل لكل مسألة على حدة‘‘ (البند الثالث من المادة 68). وهذا يشكل عائقا عند إجراء مراجعة شاملة للدستور دفعة واحدة، وعلى ما يبدو يجب أن تبدأ التعديلات الدستورية من قبل البرلمان بشكل منفصل لكل بند أو مجموعة من البنود المرغوب تعديلها، وينبغي أن تتم المصادقة على كل تعديل من مثل هذه التعديلات من قبل الناخبين في استفتاء قومي.

تأييد الحزب الليبرالي الديمقراطي لدستور مستقل

في السنوات الأخيرة، كان الحزب الليبرالي الديمقراطي هو الذي يدعو إلى مناقشة إجراء تعديلات دستورية. وحقيقة الأمر أن الحزب يؤيد تبني دستور مستقل كإحدى أهدافه منذ تأسيسه في عام 1955. (يذكر أنه تم تبني الدستور الحالي في عام 1947، عندما كانت اليابان تحت احتلال قوى الحلفاء في أعقاب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ولهذا السبب لا يعتبره البعض دستورا يحمل طابعا استقلاليا). وفي عام 2000 جدد الحزب الليبرالي الديمقراطي التأكيد على هذا الأمر باعتباره أحد المبادئ الأساسية، وألزم نفسه بتبني ’’دستور للشعب يتماشى مع القرن الحادي والعشرين‘‘. في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2005 والذي وافق الذكرى الخمسين لتأسيسه، عرض الحزب مسودة نسخته المقترحة.

وفي شهر أبريل/نيسان من عام 2007 أي خلال تقلد آبي رئاسة الوزراء لأول مرة، مرر الائتلاف الحاكم قانونا يحدد الإجراءات اللازمة لإجراء استفتاء قومي بشأن التعديل الدستوري.

خرج الحزب الليبرالي الديمقراطي من السلطة في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2009، وخلال تواجده في معسكر المعارضة، قام الحزب بإعداد مسودة جديدة لتعديلاته المقترحة نُشرت في أبريل/نيسان 2012، في الذكرى الستين لسريان مفعول معاهدة سان فرانسيسكو للسلام والتي أنهت احتلال قوى الحلفاء لليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأعادت للبلاد استقلالها. وتضمنت مسودة الحزب الليبرالي الديمقراطي بندا ينص على أن جميع الناس في البلاد ’’يجب أن يُحترموا كشعب‘‘ – وذلك في تعديل طفيف عن البند الحالي والذي ينص على أنهم ’’يجب أن يحترموا كأفراد‘‘ (المادة 13) – وشملت أيضا بندا صريحا ينص على أنه يجب أن تمتلك البلاد قوة دفاعية عسكرية قومية.

وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2012، حقق الحزب الليبرالي الديمقراطي نصرا في الانتخابات العامة لمجلس النواب وتولى من جديد السلطة ليصبح آبي رئيسا للوزراء لولاية ثانية. إن آبي داعم قوي للتعديل الدستوري، وقد أشار في وقت مبكر من ولايته الثانية إلى رغبته في تخفيف متطلبات البدء في التعديلات في البرلمان كما تنص عليها حاليا المادة 96 من الدستور(*٢). ولكنه واجه ممانعة ليس من المعارضة فحسب بل ومن حزب كوميه شريك الحزب الليبرالي الديمقراطي في الائتلاف الحاكم، وفي السنوات الأخيرة التي تلت ذلك لم يعد آبي يشير كثيرا إلى هذه الفكرة.

أثناء الحملات الانتخابية الخاصة بالانتخابات العامة التي جرت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2014 والتي دعا إليها آبي، تعهد الحزب الليبرالي الديمقراطي بأنه سيقدم مجموعة مقترحات بشأن التعديل الدستوري إلى البرلمان. ودعا كل من آبي والحزب الليبرالي الديمقراطي لاحقا إلى إضافة عبارة بشأن التعامل مع الحالات الطارئة مثل الكوارث الكبرى.

ولكن في غضون ذلك لم يتم إحراز أي تقدم في مناقشات مجلسي المناقشة الخاصين بالدستور التابعين لمجلسي البرلمان والتي انطلقت في شهر مارس/آذار 2013. وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014، عُقدت جلسة مناقشات مفتوحة في مجلس النواب عبّر فيها العديد من الأحزاب عن وجهات نظرهم بشأن القضايا التي يجب مراعاتها فيما يتعلق بتعديل الدستور وبشأن الأسلوب الذي يجب أن تتقدم من خلاله عملية التعديل. وفي شهر مايو/أيار من عام 2015 جرى نقاش بشأن القضايا ذات الأولويات الكبيرة. وفي شهر يونيو/حزيران من نفس العام، أعرب خبراء دستوريون تمت دعوتهم للتحدث أمام مجلس النواب عن وجهة نظر تتمثل في أن تشريع الأمن القومي المقترح من قبل الحكومة والذي كان قيد التداول في ذلك الوقت، غير دستوري. وفي هذه المرحلة تحول الاهتمام إلى قضية الدفاع الذاتي الجماعي، وقد شكلت النقطة المحورية في النقاش الذي جرى بشأن التشريع الأمني المقترح من قبل الحكومة.

استؤنفت مداولات مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016، وبدءا من يناير/كانون الثاني من العام الجاري تمت مناقشة عدد من المواضيع، من بينها حقوق التصويت والتعامل مع الطوارئ والعلاقة بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية وأمور تتعلق بالإمبراطور. وقد أولى مجلس الشيوخ اهتماما كبيرا لشكل النظام البرلماني المكون من مجلسين.

وفي هذا السياق دعا رئيس الوزراء آبي إلى تعديل المادة 9 لتتضمن إشارة صريحة إلى وجود قوات الدفاع الذاتي. وحتى الآن تنظر الحكومة إلى قوات الدفاع الذاتي على أنها ليست ’’قوات عسكرية‘‘، الأمر الذي تنبذه اليابان بموجب الفقرة الثانية من المادة 9. ومن المحتمل أن رئيس الوزراء يعتقد أن إضافة مثل هذه الإشارة الصريحة لن تمثل مشكلة كبيرة في ظل هذا التفسير السائد منذ فترة طويلة.

(*٢) ^ تتكون المادة 96 من الدستور الياباني الحالي من الفقرتين التاليتين:
’’يجب أن تبدأ التعديلات على هذا الدستور من البرلمان، من خلال تصويت بمصادقة الثلثين أو أكثر من جميع أعضاء كل مجلس ثم تطرح للشعب للمصادقة عليها، وهو ما يستلزم تصويتا إيجابيا بأغلبية الأصوات المدلى بها في استفتاء خاص أو انتخابات مثل تلك التي يحددها البرلمان‘‘.

الصفحة التالية: حزب كوميه يصبح أكثر حذرا

كلمات مفتاحية

الدستور

مقالات أخرى في هذا الموضوع