دوافع شينزو آبي لتعديل الدستور والعقبات التي تقف في طريقه
سياسة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في 3 أغسطس/آب خلال مؤتمر صحفي في أعقاب قيامه بتعديل وزاري أنه ’’ليس لديه إطار زمني محدد‘‘ لتعديل الدستور. وقد جاء ذلك في مفارقة عما عبّر عنه في موقف سابق بشأن نفس الموضوع.
وكان آبي قد تحدث في مناسبات سابقة بعبارات راسخة للغاية عن محتوى وتوقيت عملية التعديل الدستوري التي يتمنى أن تمضي قدما. فعلى سبيل المثال، في تصريحات أدلى بها هذا العام في 3 مايو/أيار الذي يوافق اليوم التذكاري للدستور، كشف عن مقترح بتعديل المادة 9 من الدستور والتي بموجبها تنبذ اليابان الحرب وامتلاك قدرات لشن حروب، حيث سيحافظ آبي على البنود الحالية لهذه المادة الدستورية كما هي ولكن سيلحق بها إشارة صريحة إلى وجود قوات الدفاع ال ذاتي(*١). وقد حدد آنذاك عام 2020 كهدف لسريان مفعول التعديل الدستوري. وبعد ذلك في 9 يوليو/تموز، أعرب آبي خلال جولة كان يقوم بها إلى أوروبا عن عزمه في جعل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم والذي يرأسه آبي يقدم مسودة تعديلات دستورية مقترحة إلى برلمان البلاد قبل نهاية الدورة البرلمانية غير العادية خريف هذا العام.
ولكن في أعقاب تصريحات رئيس الوزراء في 3 أغسطس/آب، لم يعد من الواضح ما إذا كان الحزب الليبرالي الديمقراطي سيقدم في الواقع مسودته للبرلمان خريف هذا العام. إن التراجع الواضح لرئيس الوزراء عن موقفه السابق يعكس الهبوط الحاد في الدعم الذي تحظى به حكومته بسبب بروز أخطاء مزعومة ولا سيما فيما يتعلق بقضية المؤسسة التعليمية كاكي غاكوئن والتي تتضمن جامعة يرأسها صديق قديم لرئيس الوزراء منذ فترة طويلة وقد حصلت الجامعة على معاملة تفضيلية في مسعاها لإنشاء قسم طب بيطري، بالإضافة إلى ما يشتبه أنه تستر من قبل وزارة الدفاع على تقرير عن أنشطة وحدة حفظ السلام اليابانية في جنوب السودان. وأظهرت استطلاعات رأي أجرتها صحيفة ’’يوميؤري شيمبون‘‘ اليومية تراجع التأييد الشعبي لحكومة آبي من 61٪ في شهر مايو/أيار إلى 49٪ في يونيو/حزيران لتصل إلى 36٪ في يوليو/تموز، بينما قفز التأييد الشعبي للمعارضة من 28٪ في شهر مايو/أيار إلى 52٪ في يوليو/تموز.
وفي 2 يوليو/تموز عانى الحزب الليبرالي الديمقراطي من هزيمة تاريخية في انتخابات مجلس إدارة العاصمة طوكيو، والتي تعتبر مؤشرا رئيسيا على مسار السياسات القومية في المستقبل. وبالتالي فإن إجراء مداولات إضافية في هذه المرحلة حول التعديل الدستوري الذي يواجه معارضة شعبية قوية حاليا، سيكون كفيلا بمزيد من تدهور الدعم الشعبي المنخفض بالفعل لحكومة آبي.
دأب آبي على المضي قدما بنشاط نحو تعديل الدستور منذ بداية فترته الحالية كرئيس للوزراء في ديسمبر/كانون الأول من عام 2012. وفي هذه المقالة، سأجري مراجعة للأفكار التي تقدم بها آبي وحزبه في هذا الخصوص، وأفكر في آفاق التطورات المستقبلية.
(*١) ^ تتكون المادة 9 من الدستور الياباني حاليا من الفقرتين التاليتين:
’’إن الشعب الياباني، إذ يتطلع بإخلاص إلى سلام دولي يقوم على العدل والنظام، يتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للأمة والتهديد أو استعمال القوة كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية‘‘.
تعديل الدستور
يتطلب تعديل الدستور: (1) ’’بدء‘‘ عملية التعديل من قبل البرلمان، والذي يمنح موافقة بأغلبية الثلثين في كلا مجلسي البرلمان، و (2) مصادقة الشعب على التعديل وهو ما يتطلب الحصول على موافقة أغلبية المصوتين في استفتاء قومي. وسأوضح هنا تفاصيل العملية.
تكمن الخطوة الأولى في تقديم مسودة تعديل الدستور إلى مجلس النواب (الممثلين) المكون من 475 مقعدا بدعم 100 عضو من المجلس على الأقل أو إلى مجلس الشيوخ (المستشارين) المكون من 272 مقعدا بدعم من 50 عضوا على الأقل. ترسل المسودة إلى مجلس مناقشة الدستور في المجلس البرلماني الذي قدمت إليه. ومن ثم إذا تمت الموافقة عليها من قبل مجلس مناقشة الدستور، تطرح المسودة في جلسة برلمانية مكتملة النصاب للتصويت. وإذا وافق ثلثا إجمالي أعضاء المجلس البرلماني على المسودة، ترسل إلى المجلس البرلماني الآخر، حيث تتكرر الإجراءات ذاتها. وإذا تمت الموافقة بنفس الطريقة من قبل مجلس مناقشة الدستور في ذلك المجلس البرلماني ومن ثم وافق ثلثا إجمالي أعضاء ذلك المجلس، فإن البرلمان يكون بذلك قد الشروع في عملية التعديل. وتتمثل الخطوة النهائية في إجراء استفتاء قومي، وإذا وافق أغلبية المصوتين فإن التعديلات تصبح سارية المفعول.
بموجب قانون البرلمان يجب أن يتم اقتراح التعديلات الدستورية ’’بشكل منفصل لكل مسألة على حدة‘‘ (البند الثالث من المادة 68). وهذا يشكل عائقا عند إجراء مراجعة شاملة للدستور دفعة واحدة، وعلى ما يبدو يجب أن تبدأ التعديلات الدستورية من قبل البرلمان بشكل منفصل لكل بند أو مجموعة من البنود المرغوب تعديلها، وينبغي أن تتم المصادقة على كل تعديل من مثل هذه التعديلات من قبل الناخبين في استفتاء قومي.
تأييد الحزب الليبرالي الديمقراطي لدستور مستقل
في السنوات الأخيرة، كان الحزب الليبرالي الديمقراطي هو الذي يدعو إلى مناقشة إجراء تعديلات دستورية. وحقيقة الأمر أن الحزب يؤيد تبني دستور مستقل كإحدى أهدافه منذ تأسيسه في عام 1955. (يذكر أنه تم تبني الدستور الحالي في عام 1947، عندما كانت اليابان تحت احتلال قوى الحلفاء في أعقاب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ولهذا السبب لا يعتبره البعض دستورا يحمل طابعا استقلاليا). وفي عام 2000 جدد الحزب الليبرالي الديمقراطي التأكيد على هذا الأمر باعتباره أحد المبادئ الأساسية، وألزم نفسه بتبني ’’دستور للشعب يتماشى مع القرن الحادي والعشرين‘‘. في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2005 والذي وافق الذكرى الخمسين لتأسيسه، عرض الحزب مسودة نسخته المقترحة.
وفي شهر أبريل/نيسان من عام 2007 أي خلال تقلد آبي رئاسة الوزراء لأول مرة، مرر الائتلاف الحاكم قانونا يحدد الإجراءات اللازمة لإجراء استفتاء قومي بشأن التعديل الدستوري.
خرج الحزب الليبرالي الديمقراطي من السلطة في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2009، وخلال تواجده في معسكر المعارضة، قام الحزب بإعداد مسودة جديدة لتعديلاته المقترحة نُشرت في أبريل/نيسان 2012، في الذكرى الستين لسريان مفعول معاهدة سان فرانسيسكو للسلام والتي أنهت احتلال قوى الحلفاء لليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأعادت للبلاد استقلالها. وتضمنت مسودة الحزب الليبرالي الديمقراطي بندا ينص على أن جميع الناس في البلاد ’’يجب أن يُحترموا كشعب‘‘ – وذلك في تعديل طفيف عن البند الحالي والذي ينص على أنهم ’’يجب أن يحترموا كأفراد‘‘ (المادة 13) – وشملت أيضا بندا صريحا ينص على أنه يجب أن تمتلك البلاد قوة دفاعية عسكرية قومية.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2012، حقق الحزب الليبرالي الديمقراطي نصرا في الانتخابات العامة لمجلس النواب وتولى من جديد السلطة ليصبح آبي رئيسا للوزراء لولاية ثانية. إن آبي داعم قوي للتعديل الدستوري، وقد أشار في وقت مبكر من ولايته الثانية إلى رغبته في تخفيف متطلبات البدء في التعديلات في البرلمان كما تنص عليها حاليا المادة 96 من الدستور(*٢). ولكنه واجه ممانعة ليس من المعارضة فحسب بل ومن حزب كوميه شريك الحزب الليبرالي الديمقراطي في الائتلاف الحاكم، وفي السنوات الأخيرة التي تلت ذلك لم يعد آبي يشير كثيرا إلى هذه الفكرة.
أثناء الحملات الانتخابية الخاصة بالانتخابات العامة التي جرت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2014 والتي دعا إليها آبي، تعهد الحزب الليبرالي الديمقراطي بأنه سيقدم مجموعة مقترحات بشأن التعديل الدستوري إلى البرلمان. ودعا كل من آبي والحزب الليبرالي الديمقراطي لاحقا إلى إضافة عبارة بشأن التعامل مع الحالات الطارئة مثل الكوارث الكبرى.
ولكن في غضون ذلك لم يتم إحراز أي تقدم في مناقشات مجلسي المناقشة الخاصين بالدستور التابعين لمجلسي البرلمان والتي انطلقت في شهر مارس/آذار 2013. وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2014، عُقدت جلسة مناقشات مفتوحة في مجلس النواب عبّر فيها العديد من الأحزاب عن وجهات نظرهم بشأن القضايا التي يجب مراعاتها فيما يتعلق بتعديل الدستور وبشأن الأسلوب الذي يجب أن تتقدم من خلاله عملية التعديل. وفي شهر مايو/أيار من عام 2015 جرى نقاش بشأن القضايا ذات الأولويات الكبيرة. وفي شهر يونيو/حزيران من نفس العام، أعرب خبراء دستوريون تمت دعوتهم للتحدث أمام مجلس النواب عن وجهة نظر تتمثل في أن تشريع الأمن القومي المقترح من قبل الحكومة والذي كان قيد التداول في ذلك الوقت، غير دستوري. وفي هذه المرحلة تحول الاهتمام إلى قضية الدفاع الذاتي الجماعي، وقد شكلت النقطة المحورية في النقاش الذي جرى بشأن التشريع الأمني المقترح من قبل الحكومة.
استؤنفت مداولات مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016، وبدءا من يناير/كانون الثاني من العام الجاري تمت مناقشة عدد من المواضيع، من بينها حقوق التصويت والتعامل مع الطوارئ والعلاقة بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية وأمور تتعلق بالإمبراطور. وقد أولى مجلس الشيوخ اهتماما كبيرا لشكل النظام البرلماني المكون من مجلسين.
وفي هذا السياق دعا رئيس الوزراء آبي إلى تعديل المادة 9 لتتضمن إشارة صريحة إلى وجود قوات الدفاع الذاتي. وحتى الآن تنظر الحكومة إلى قوات الدفاع الذاتي على أنها ليست ’’قوات عسكرية‘‘، الأمر الذي تنبذه اليابان بموجب الفقرة الثانية من المادة 9. ومن المحتمل أن رئيس الوزراء يعتقد أن إضافة مثل هذه الإشارة الصريحة لن تمثل مشكلة كبيرة في ظل هذا التفسير السائد منذ فترة طويلة.
(*٢) ^ تتكون المادة 96 من الدستور الياباني الحالي من الفقرتين التاليتين:
’’يجب أن تبدأ التعديلات على هذا الدستور من البرلمان، من خلال تصويت بمصادقة الثلثين أو أكثر من جميع أعضاء كل مجلس ثم تطرح للشعب للمصادقة عليها، وهو ما يستلزم تصويتا إيجابيا بأغلبية الأصوات المدلى بها في استفتاء خاص أو انتخابات مثل تلك التي يحددها البرلمان‘‘.
حزب كوميه يصبح أكثر حذرا
ولكن ما هي وجهات نظر الأحزاب الأخرى غير الحزب الليبرالي الديمقراطي بشأن التعديل الدستوري؟
يؤيد حزب كوميه – الحزب الثاني في الائتلاف الحاكم – ما يقول إنها ’’كاكين (إضافة إلى الدستور)‘‘. وهذا يعني الحفاظ على المحتوى الراهن للدستور الحالي ولكن مع إرفاق بنود إضافية وفق ما تقتضي الضرورة. ولكن حزب كوميه بدأ بأخذ موقف أكثر حذرا فيما يتعلق بالتعديلات المقترحة من قبل رئيس الوزراء. في حين أن الحزب الديمقراطي أكبر القوى المعارضة يوافق على فكرة وجوب دراسة التعديلات الدستورية، ولكنه يتخذ موقفا سلبيا تجاه الجدول الزمني المقترح من قبل آبي. وهذا يعكس حقيقة أن أعضاء الحزب يتخذون مواقف متباينة من تعديل الدستور.
بينما يدعم حزب ’’نيهون إيشين نو كاي‘‘ بنشاط التعديل الدستوري، وفي شهر مارس/آذار 2016 نشرت منظمة ’’أوساكا إيشين نو كاي‘‘ – النواة التي تشكل منها الحزب – مسودة تعديلاتها المقترحة وتتضمن البند الخاص بمجانية التعليم وتأسيس محكمة دستورية. كما أشار الحزب إلى تقييمه الإيجابي لمقترحات رئيس الوزراء آبي.
في حين أن الحزب الشيوعي الياباني والحزب الاشتراكي الديمقراطي يعارضان التعديل الدستوري، وهذا دأبهما على الدوام.
ولكن كيف ينوي رئيس الوزراء التقدم في المداولات المتعلقة بهذه القضية من الآن فصاعدا؟ أحد الاعتبارات الرئيسية هو تشكيلة البرلمان المكونة من مجلسين. يملك حاليا الحزب الليبرالي الديمقراطي والقوى الأخرى المؤيدة للتعديل الدستوري أكثر من أغلبية الثلثين في كلا مجلسي البرلمان، وهو الحد الأدنى المطلوب لموافقة البرلمان على التعديلات الدستورية. ولكن يمكن التعويل على استمرار هذا التوازن المستحسن حتى الانتخابات العامة القادمة فحسب والتي يجب ألا تتأخر عن شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2018.
فرص الحصول على موافقة البرلمان على التعديلات الدستورية في ذلك الوقت مرتفعة. فعندما قال رئيس الوزراء في يوليو/تموز إنه سيسعى إلى جعل الحزب الليبرالي الديمقراطي يقدم مقترح تعديلاته إلى البرلمان خريف هذا العام، من المحتمل أنه كان يفكر بجدول زمني كالتالي: (1) عرض مسودة الحزب الليبرالي الديمقراطي في جلسة برلمانية غير عادية خريف هذا العام، (2) اكتمال دراسة التعديلات من قبل مجلسي المناقشة الخاصين بالدستور التابعين لمجلسي البرلمان وموافقة البرلمان على التعديلات إما خلال جلسة برلمانية العادية في النصف الأول من عام 2018 أو خلال جلسة برلمانية غير عادية في خريف ذلك العام، (3) إجراء استفتاء قومي على التعديلات بشكل متزامن مع انتخابات عامة لمجلس النواب.
ولكن هناك 3 صعوبات قد تعترض سبيل تقدم المداولات المتعلقة بالتعديل الدستوري.
مدى سرعة مجلسي المناقشة الخاصين بالدستور
تتمثل العقبة الأولى في الشك بقدرة آبي على جعل الحزب الليبرالي الديمقراطي ومجلسي المناقشة التابعين لمجلسي البرلمان يجرون مناقشاتهم في الوقت المحدد.
تمكن آبي حتى الآن من جعل مجلس الوزراء – أو بعبارة أخرى، الفرع التنفيذي للحكومة – يعد مقترحات تشريعية لتنفيذ أولوياته السياسية. وعندما يضم مجلس الوزراء المقترحات السياسية إلى مسودات مشاريع قوانين لتقديمها للبرلمان، فإن رئيس الوزراء بوصفه رئيسا للحكومة يمكنه إعطاء توجيهات لوزراء حكومته وللموظفين الحكوميين الذين يقومون بصورة فعلية بإعداد الوثائق. ويقوم الحزب الليبرالي الديمقراطي بفحص التشريع المقترح قبل تقديمه إلى البرلمان، ولكنه لا يقوم بعملية التقييم هذه إلا بعد انتهاء مجلس الوزراء من صياغة المسودة.
ولكن تعديل الدستور سيشمل عملية مختلفة، حيث ستتم صياغة مسودة التعديلات المقترحة من قبل قيادات العليا للحزب الليبرالي الديمقراطي لتحفيز تعديلات الدستور، ويعطي آبي توجيهات بصفته رئيسا للحزب. ومن المفترض أن يشارك البرلمانيون من الحزب الليبرالي الديمقراطي في المداولات الجارية بواسطة تلك القيادات، لذلك ففي نهاية المطاف من المرجح أن تكون عملية اتخاذ القرار مشابها للعملية التي يقوم من خلاله الحزب الليبرالي الديمقراطي بتدقيق التشريع الذي صاغ مجلس الوزراء مسودته.
يتمتع آبي بصفته رئيسا للوزراء بسلطة قوية ضمن الحكومة منها سلطة إقالة الوزراء واتخاذ قرارات بشأن كبار الموظفين الحكوميين. وتخوله تلك السلطات التحكم بمسار صناعة السياسات في مجلس الوزراء. ولكن في حالة التعديلات الدستورية، يتصرف آبي كرئيس للحزب الليبرالي الديمقراطي معتمدا على دعم مشرعين آخرين من حزبه يكونون مقربين منه ومن موظفي الحزب، ولا توجد ضمانة بأن يتمكن من ممارسة نفس ذلك النوع من الزعامة القوية التي يستطيع ممارستها على الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين.
كما أن قدرة آبي على إيجاد إمدادات كافية من الموارد البشرية للقيام بالعمل الضروري داخل الحزب هو مثار تساؤل. عندما يرسل مجلس الوزراء مسودة تشريع إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي لدراسته قبل تقديمه إلى البرلمان، يقوم الموظفون الحكوميون عادة بجعل العملية سلسلة عبر إجراء أعمال تحضيرية، وشرح مضمون المسودة إلى أعضاء رئيسيين في الحزب والحصول على موافقتهم. ولكن من غير الواضح ما إذا سيكون ممكنا إجراء مثل هذا النوع من العمل التحضيري فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية التي يرغب آبي في جعل حزبه يقدمها إلى البرلمان.
وكذلك داخل البرلمان فإن سلطة تقرير الجدول الزمني لمناقشة التعديلات في مجلسي المناقشة الخاصين بالدستور التابعين لمجلسي البرلمان هي في أيدي رئيسي ومديري مجلسي البرلمان. وإذا تحرك رئيسا ومديرو مجلسي البرلمان من الائتلاف الحاكم بحذر آخذين بعين الاعتبار رغبات المعارضة، فربما لن يكون ممكنا الحفاظ على ذلك الجدول الزمني الذي يريده آبي.
ومن الممكن بالطبع أن يكون آبي ينظر إلى الأمر على أن مناصب رئيسي ومديري مجلسي البرلمان التي يستحوذ عليها أعضاء في الحزب الليبرالي الديمقراطي لديهم عقلية مشابهة، وأن بإمكانه ممارسة نفوذ عليهم بصفته رئيسا للحزب. ولكنه ليس لديه السلطة على تقرير السرعة الفعلية للمناقشات في مجلسي البرلمان.
معارضة شعبية لجدول آبي الزمني
تتمثل العقبة الثانية التي قد تعترض سبيل التقدم في تعديل الدستور في الرأي الشعبي. وكما تمت الإشارة آنفا، هبط الدعم الشعبي لحكومة آبي بالفعل بسبب قضية مؤسسة كاكي غاكوئن وقضية تستر وزارة الدفاع على بعض الحقائق والمستندات.
ففي استطلاع رأي أجرته صحيفة أساهي شيمبون في أوائل شهر يوليو/تموز، أعرب فقط 35٪ عن تأييدهم لفكرة آبي في جعل الحزب الليبرالي الديمقراطي يقدم مقترحا إلى البرلمان خريف هذا العام بينما أبدى 49٪ وجهة نظر سلبية. كما أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة ’’يوميؤري شيمبون‘‘ والتي يُعتقد أن نسبة مرتفعة من قرائها هم من مؤيدي الحزب الليبرالي الديمقراطي، نتائج مشابهة: 37٪ مؤيدون و 48٪ معارضون.
وإذا مضى الحزب الليبرالي الديمقراطي قدما في المداولات التي تهدف إلى تعديل الدستور، فإن التأييد الشعبي لحكومة آبي قد يتراجع أكثر. ومثل هذا التراجع قد يكون له تأثير على مشرعي الحزب، مما يؤدي إلى توقف المناقشات المتعلقة بالتعديل داخل الحزب.
تعديل الدستور مقابل البقاء في السلطة
أما العقبة الثالثة في طريق التعديلات الدستورية فهي التأثير المحتمل لقدرة آبي على حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات عامة. فإذا تم حل مجلس النواب في الفترة التي تحظى فيها حكومة آبي بنسبة التأييد الحالية المنخفضة، فمن الصعب تخيل قدرة الائتلاف الحاكم على الحفاظ على أغلبية الثلثين في المجلس. ولذلك إذا واصل رئيس الوزراء سعيه للحصول على موافقة البرلمان على التعديلات الدستورية – والتي يجب أن تتم الموافقة عليها بأغلبية الثلثين في كلا مجلسي البرلمان – فإنه لن يكون قادرا على الدعوة إلى انتخابات عامة. لا يوجد شيء يمكن أن يمنع آبي من الناحية القانونية من الدعوة إلى انتخابات بعد ضمان موافقة البرلمان على التعديلات الدستورية، ولكن من أجل الحفاظ على شرعية الخطوة التي اتخذها البرلمان، سيكون من غير المفضل عقد انتخابات عامة قبل إجراء استفتاء على التعديلات.
وبعبارة أخرى، إذا حاول آبي تعديل الدستور سيكون من الصعب بالنسبة له الدعوة إلى انتخابات عامة في المستقبل القريب. وإذا امتنع من أجل هذا السبب عن عقد انتخابات في الوقت الراهن، فقد ينتهي به الأمر بالدعوة إلى انتخابات عامة في وقت غير مستحسن، الأمر الذي يهدد قدرة الائتلاف الحاكم في البقاء في السلطة. وإذا استمر مستوى التأييد الشعبي لحكومته بالانخفاض، فإن آبي سيُجبر على الاختيار بين الاحتفاظ بالسلطة أوتعديل الدستور. وإذا اختار الأخير، فإنه يخاطر بتكبد خسائر على كلتا الجبهتين.
وكما هو مشار إليه أعلاه، تراجع التأييد الشعبي لحكومة آبي بصورة حادة. وقد تعافى بشكل طفيف بعد أن أجرى آبي تعديلا وزاريا في وقت مبكر من شهر أغسطس/آب، ولكن نسبة الداعمين لحكومة آبي هي 42٪ ولا تزال بعيدة عن نسبة 48٪ المعارضة له.
وستعتمد قدرة رئيس الوزراء على المضي قدما في تعديل الدستور طبقا للسيناريو الخاص به على قدرته على استرجاع التأييد الشعبي لحكومته. وقد حدد آبي تطبيق ’’ثورة في تنمية الموارد البشرية‘‘ كإحدى أولوياته الرئيسية التي يرغب في السعي لتحقيقها بعد التعديل الوزاري الذي أجراه. وسيكون لقدرة الحكومة على تحقيق نتائج تلبي طموح الشعب تأثير كبير على المسار المستقبلي للتحركات الرامية إلى تعديل الدستور.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2017. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء آبي يبعث برسالة مصورة لمنتدى عقده مؤيدو تعديل الدستور في طوكيو بتاريخ 3 مايو/أيار 2017 الذي يوافق اليوم التذكاري للدستور. جيجي برس)
’’ولتحقيق الهدف الوارد في الفقرة السابقة، لن يتم الإبقاء على القوات البرية والبحرية والجوية، فضلا عن إمكانات الحرب الأخرى. ولن يتم الاعتراف بحق الدولة في إعلان حالة الحرب‘‘.
’’يعلن الإمبراطور فورا باسم الشعب عن التعديلات عند المصادقة عليها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور‘‘.