رحلة في العادات اليابانية: دليل الإتيكيت المتكامل
انحناء الشعب الياباني.. تحية وسلام وتواضع
سياحة وسفر
لايف ستايل- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
قف للمعلم ووفّه التبجيل
من بين العادات التي يقوم بها الطلاب في المدارس اليابانية الانحناء احتراماً للمعلم في بداية الدرس ونهايته. إذ ينهض الطلاب من مقاعدهم بحيث يواجهون المعلم، وعندما يصيح طالب معين من بينهم قائلاً Rei! يقومون جميعاً بخفض رؤوسهم.
يمكن أن تعني كلمة ”Rei“ ”الانحناء“، كما قد تستخدم للإشارة إلى معنى أكثر شمولاً وهو ”آداب السلوك“، وهذا المفهوم يعكس الأهمية الكبيرة لهذا الفعل الفردي في نشر الأخلاق الحميدة في المجتمع الياباني. وبالعودة إلى أصول فكرة الانحناء، ينبغي الإشارة إلى أنه كان يؤدى كتحية للأشخاص الأعلى مقاماً، ويعبر الإخضاع الرمزي للرأس عن عدم وجود أي نية عدائية تجاه من يتم الانحناء له. ويقال إن عادة الانحناء جاءت من الصين إلى اليابان منذ أكثر من ألف عام، ثم أصبحت جزءًا رسميًا من آداب الساموراي في العصور الوسطى كوسيلة لإظهار الاحترام.
كلما زادت درجة الانحناء كان هذا دليلاً على عمق الاحترام، وهناك أسماء مختلفة لأنواع الانحناء شائعة الاستخدام. في حالة الوقوف، يتطلب أبسط أنواع الانحناء ويسمىeshaku إمالة الجسم بمقدار 15 درجة تقريباً. أما انحناءةkeirei القياسية التي تُستخدم عند أداء التحيات العادية فتكون بمقدار 45 درجة، في حين أن انحناءة saikeirei التي تُستخدم في عروض التبجيل البوذية أو الشنتوية فتتطلب أن ينحني الشخص بزاوية قائمة تقريبًا.
- خذ شهيقاً وقم بإمالة الجزء العلوي من الجسم إلى الأمام.
- قم بالزفير بزاوية مناسبة.
- بعد الانتهاء من عملية التنفس، قم بالشهيق مرة أخرى مع رفع الجزء العلوي من الجسم.
قم بإرخاء الكتفين أثناء الانحناء، بحيث تظل اليدان مفتوحتين بشكل طبيعي وتنزلقان للأسفل من الفخذين إلى الركبتين. أما بالنسبة للانحناءات البسيطة، فيجب أن تكون الأنفاس أقصر. وحتى لو لم يتم اتباع هذه التعليمات بدقة، فإن مجرد وضعها في الاعتبار يساعدك على اتخاذ الوضع الصحيح.
إن آداب السلوك التقليدية عقلانية جداً، حيث تعتمد جميع الأفعال على حركات الجسم الطبيعية. التنفس هو مفتاح الانحناء، كما يخبرنا مصطلح reisansoku الذي يعني حرفيًا ”الانحناء، هو ثلاثة أنفاس“. عندما ينحني الناس، يجب عليهم الشهيق والزفير ثم الشهيق مرة أخرى. وبما أن طول الأنفاس لا يختلف كثيراً من شخص إلى آخر، فمن الأسهل تنسيق توقيت الانحناء. كما يؤدي الشهيق إلى زيادة الضغط على البطن، مما يسمح لهم بالحفاظ على وضعية جيدة دون وعي منهم بذلك. بعد رفع الرأس، ينبغي للمرء أن ينظر إلى نظيره ويخرج الزفير مع التعبير عن الاحترام. وهذا ما يسمى أو ”الروح المتبقية“، حيث يظل المرء في حالة تأهب بعد الانتهاء من أداء الحركة، وهو جزء من تقاليد الفنون القتالية التي تؤكد على انسجام العقل والجسد والتكنيك.
لكن الحقيقة هي أن كثيراً من اليابانيين ليس لديهم فهم قوي لهذه التقاليد. وبدلاً من الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، أصبحت النصائح السطحية مثل ”اخفض رأسك وعد بصمت إلى ثلاثة“ هي الأكثر شيوعاً.
غالبًا ما ينحني الموظفون في الفنادق والمطاعم الراقية باحترام ويضعون كفاً على كف أمام بطونهم، وقد يتصور البعض أن هذا أيضاً يدخل ضمن نطاق التقاليد القديمة المتوارثة التي تعبر عن الأدب، ولكن وفقًا لإحدى النظريات، فهذا مجرد ممارسة حديثة نسبيًا مستمدة من أسلوب التحية السائد في المتجر الرائد إلى اليوم ميتسوكوشي ذي الأقسام المتعددة.
هدف واحد لمختلف أساليب التحية حول العالم
نظرًا لأن الانحناء لا يستخدم فقط لإظهار الاحترام، ولكن أيضًا عند الاعتذار أو التعبير عن الامتنان، فقد يؤدي ذلك إلى سوء فهم خارج اليابان. وفي حين يحرص الساسة أو ممثلو الشركات على أداء انحناءات عميقة في المؤتمرات الصحفية للتعبير عن ندمهم في أعقاب فضيحة ما تمسهم، فإن هذا الانحناء في الألعاب الرياضية مثل البيسبول أو كرة القدم يعد تعبيراً عن الاحترام والامتنان للجمهور وللمنافسين.
في بعض الأحيان، يتم تفسير ذلك بشكل خاطئ في وسائل الإعلام الخارجية أو وسائل التواصل الاجتماعي على أنه اعتذار عن الهزيمة، لكن الانحناء في هذه الحالة يكون للتعبير عن الشكر على الدعم. وفي بطولة كأس العالم للرجبي 2019 التي أقيمت في اليابان، حذت عدة فرق حذو البلد المضيف وقامت بالانحناء أمام المتفرجين، بغض النظر عن نتائج مبارياتهم.
وفي الوقت نفسه، لا تزال التحية الدولية المتمثلة في المصافحة غير راسخة بشكل صحيح في أذهان الشعب الياباني. ولا يعرف الكثيرون أنه من المعتاد مصافحة اليد بدلاً من مجرد الإمساك بها، وهذا على الرغم من أن جذور عادة المصافحة باليد في الألعاب القتالية، حتى يظهر كل طرف أنه لا يحمل سلاحًا مخفيًا، تتشابه مع الخلفية التاريخية لعادة الانحناء في اليابان. وهناك أيضًا من ينحني أثناء المصافحة، لكن هذا يعطي انطباعًا بالرغبة في تجنب الاتصال بالعين.
سواء كان الأمر يتعلق بالانحناء أو المصافحة، فإن معرفة السبب الكامن وراء أساليب التحية المختلفة للشعوب هو السبيل الوحيد الذي سيمكننا من مراعاة مشاعر الآخرين. إن وجود الأخلاق في أي مكان في العالم ما هو إلا لتشجيع العلاقات السوية والمتناغمة بين الناس. لا شك أن تفضيل عدم الاتصال عن طريق اللمس في ثقافة التواصل الياباني، والذي يتجسد في الانحناء، يلفت الأنظار، ولكن الأمر في لبّه يرجع إلى تقدير اليابانيين لمدى أهمية المساحة الشخصية للفرد وحرصهم على عدم اقتحامها. إن تقدير المسافة النفسية هو شكل آخر من أشكال احترام الآخرين.
الإتيكيت هو شكل من أشكال الإخلاص، ودائمًا ما يكون هناك معنى وراءه. إن استيعاب الخلفية الثقافية يجعل من السهل فهم الأساليب التي يتبعها الآخرون لإبداء اهتمامهم حتى وإن بدا لنا للوهلة الأولى أنها رسمية بشكل مفرط.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، إشراف شيبازاكي ناوتو، أستاذ مشارك في جامعة غيفو، ومتخصص في تعليم الآداب من منظور نفسي، يعمل على توجيه معلمي آداب السلوك، وهو مدرس في مدرسة أوغاساوارا ريو لتعليم فن الإتيكيت. الصورة التوضيحية بواسطة ساتو تاداشي. صورة العنوان: لاعبو الرغبي اليابانيون ينحنون للجماهير بعد إقصاء الفريق من بطولة كأس العالم للرغبي 2023 في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. © رويترز)