
لماذا يخشى اليابانيون شهر مايو؟ السر وراء ”متلازمة مايو“ الغامضة!
مجتمع التعليم الياباني صحة وطب اللغة اليابانية- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
متلازمة مايو الغامضة: لماذا يصبح الربيع كابوسًا في اليابان؟
تخيّل أنك تستقبل شهر مايو/ أيار بابتسامة عريضة: الزهور تتفتح، والشمس تدفئ الأجواء، وأيام العطلة الطويلة تمنحك استراحة من ضغوط الحياة. لكن في اليابان، هذا المشهد الربيعي الساحر يتحول فجأة إلى ظل ثقيل يخيم على النفوس. مع انتهاء ”الأسبوع الذهبي“ – تلك العطلة الممتدة من 29 أبريل/ نيسان إلى 5 مايو/ أيار – يجد الكثيرون أنفسهم محاصرين بمشاعر الإحباط والخمول، كأن الحياة فقدت بريقها بين ليلة وضحاها. هذه الظاهرة النفسية الغريبة تُعرف بـ”غوغاتسوبوي“، أو ”مرض مايو“، فما الذي يجعل هذا الشهر الجميل يتحول إلى لغز نفسي محير؟ وكيف يمكن لليابانيين مواجهة هذا الشبح الموسمي؟ انضم إلينا في هذه الرحلة لكشف الأسرار!
البداية: موجة التغيير التي تتحطم في مايو
في اليابان، يبدأ كل شيء في أبريل/ نيسان: العام الدراسي الجديد، السنة المالية، الوظائف الجديدة، وحتى التحديات اليومية في بيئات العمل القديمة. إنه موسم البدايات، حيث يرتدي الطلاب زيهم المدرسي الجديد بفخر، ويبدأ الموظفون حياتهم المهنية بحماس، وتتجدد التوقعات مع كل نسمة ربيعية. لكن عندما يصل مايو، تنهار هذه الطاقة المتفجرة كموجة تصطدم بالصخور. بعد أسابيع من التكيف مع زملاء جدد، جداول مكثفة، وبيئات غير مألوفة، يأتي ”الأسبوع الذهبي“ كملاذ مؤقت، لكن العودة بعده إلى الروتين تشبه السقوط في هاوية نفسية.
هنا تبدأ أعراض ”غوغاتسوبوي“ بالظهور: خمول يثقل الجسم، قلق يعصف بالعقل، واكتئاب يطفئ الروح. الأطفال يتذمرون من العودة إلى المدرسة، والموظفون يحدقون في شاشاتهم دون إنجاز. هذه الحالة، التي تُعرف في الإنكليزية بـ”May Blues“، ليست مجرد كسل عابر، بل ظاهرة موسمية تضرب شرائح واسعة من المجتمع، من طلاب الجامعات إلى العاملين في الشركات العملاقة.
ما وراء الستار: لماذا مايو بالذات؟
ما الذي يجعل مايو قاسياً إلى هذا الحد؟ الخبراء ليس لديهم إجابة قاطعة، لكن الأصابع تشير إلى التغيير المفاجئ وضغوط التكيف. في مجتمع يعشق النظام مثل اليابان، حيث يُتوقع من الجميع الامتثال للمعايير العالية، يمكن أن يكون الانتقال إلى بيئة جديدة – سواء مدرسة، جامعة، أو وظيفة – بمثابة زلزال نفسي. تخيل طالبًا جديدًا يواجه قواعد صارمة وزملاء غرباء، أو موظفًا يبدأ في شركة تطالب بإنتاجية فائقة من اليوم الأول. بعد شهر من المحاولات الشاقة، ينفد الوقود النفسي، ويصبح ”الأسبوع الذهبي“ استراحة مضللة تزيد الأمور تعقيدًا عند العودة.
تشير دراسات حديثة إلى أن هذه المتلازمة قد تكون مرتبطة أيضًا بتغيرات بيولوجية موسمية. وفقًا لتقرير نشرته جمعية الطب النفسي اليابانية عام 2023، فإن تقلبات الهرمونات مثل السيروتونين والكورتيزول – الناتجة عن التغيرات في ضوء النهار والروتين – قد تلعب دورًا في تفاقم الأعراض. لكن الجانب الاجتماعي لا يقل أهمية: الضغط لتحقيق النجاح في بيئة تنافسية، إلى جانب ثقافة ”الصبر والتحمل“ (غانبارو)، يجعل الاعتراف بالإرهاق أمرًا صعبًا.
من الفصل الدراسي إلى المكتب: انتشار الظاهرة
بدأت قصة ”غوغاتسوبوي“ في أواخر الستينيات داخل أروقة جامعة طوكيو، إحدى أعرق الجامعات في اليابان. في تلك الفترة، كانت البلاد تعيش طفرة اقتصادية مذهلة، حيث تحولت من أنقاض الحرب العالمية الثانية إلى قوة صناعية عالمية. لكن هذا النجاح جاء بثمن: تنافس محموم على مقاعد الجامعات المرموقة التي كانت تُعتبر تذكرة ذهبية لوظائف مرموقة في شركات مثل تويوتا أو سوني. الطلاب كانوا يقضون سنوات في الدراسة المضنية لاجتياز امتحانات القبول، وعندما يصلون أخيرًا إلى هدفهم في أبريل، ينهار الكثيرون بحلول مايو تحت وطأة الإرهاق والفراغ الهدفي.
مع الوقت، انتقل ”مرض مايو“ من الحرم الجامعي إلى المجتمع بأكمله. اليوم، يشكو الموظفون الجدد من نفس الأعراض: بعد أسابيع من التدريب المكثف والتأقلم مع ثقافة العمل اليابانية الصارمة – التي قد تشمل ساعات إضافية طويلة (زانغيو) – يجدون أنفسهم عاجزين عن مواصلة الاندفاع الأولي. حتى الأطفال في المدارس الابتدائية ليسوا بمنأى عن ذلك، حيث تُظهر استطلاعات حديثة أن نسبة كبيرة منهم تعاني من ”رفض المدرسة“ (تكوكيوكوهي) بعد العطلة.
من مرحلة عابرة إلى أزمة حقيقية
في أغلب الأحيان، تكون ”غوغاتسوبوي“ حالة مؤقتة، لكنها قد تتحول إلى ما هو أخطر. تُعتبر هذه المتلازمة شكلاً من اضطرابات التكيف، وفي الحالات الشديدة، يمكن أن تفتح الباب لمشكلات نفسية طويلة الأمد. بعض الأفراد يتغيبون عن العمل أو المدرسة بشكل مزمن، بينما ينسحب آخرون تمامًا من المجتمع في ظاهرة تُعرف بـ”الهيكيكوموري“، حيث يعيش مئات الآلاف من الشباب اليابانيين في عزلة داخل غرفهم لسنوات. بل إن هناك صلة محتملة بـ”كاروشي“ – الموت بسبب الإفراط في العمل – حيث يُظهر الإرهاق المزمن في مايو علامات تحذيرية مبكرة.
تشير إحصاءات وزارة الصحة والعمل اليابانية لعام 2024 إلى أن حوالي 30% من الموظفين الجدد يبلغون عن أعراض اكتئاب خفيف إلى متوسط خلال مايو، بينما ترتفع نسبة الإجازات المرضية النفسية في هذا الشهر بنسبة 15% مقارنة ببقية العام. هذه الأرقام تُبرز أن ”مرض مايو“ ليس مجرد نزوة موسمية، بل تحدٍ اجتماعي يتطلب انتباهًا جديًا.
كيف تواجه اليابان هذا الشبح؟
لحسن الحظ، بدأ المجتمع الياباني يتعامل مع ”غوغاتسوبوي“ بجدية أكبر. المدارس توفر الآن مستشارين نفسيين لدعم الطلاب، بينما تقدم شركات مثل هيتاشي وباناسونيك برامج صحة عقلية تشمل جلسات استشارية وإجازات مرنة. على المستوى الفردي، ينصح الخبراء بإعادة ضبط الروتين تدريجيًا بعد العطلة: ممارسة الرياضة لتعزيز الإندورفين، والتواصل مع الأصدقاء لكسر العزلة، والنوم الكافي لاستعادة الطاقة. وفي الحالات الشديدة، يُشجع طلب المساعدة المهنية دون خجل – وهو تحول ثقافي كبير في بلد كان يعتبر الحديث عن الصحة النفسية من المحرمات.
مايو: تحدٍ أم فرصة؟
”متلازمة مايو“ ليست مجرد حالة نفسية عابرة، بل مرآة تعكس تعقيدات الحياة في اليابان الحديثة: التوازن بين التفاني والراحة، والطموح والسلام الداخلي. ربما حان الوقت لتحويل هذا الشهر من كابوس موسمي إلى فرصة للتأمل وإعادة الشحن. فهل يمكن لليابانيين – ولربما لنا جميعًا – أن نتعلم كيف نحتضن التغيير دون أن نكسره؟ الإجابة قد تكمن في مايو القادم!
(النص الأصلي باللغة الإنكليزية، صورة العنوان من بيكستا)