«كوبان»... نظام مذهل يحافظ على الأمن ويخدم الشعب في اليابان
مجتمع ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
جبهة أمامية لمراقبة وحماية الأمن بالتناوب
مكتب الشرطة ”كوبان“ في اليابان يمثل نموذجًا مثيرًا للاهتمام في كيفية تنظيم الأمن العام في المجتمعات. تُظهر هذه النقاط أو الأكشاك الصغيرة، المنتشرة في جميع أنحاء المدن والأحياء اليابانية، التزام اليابان بتوفير شعور بالأمان والإتاحة الفورية للمساعدة الأمنية لسكانها وزوارها.
كوبان ليس فقط مركزًا للرقابة والمراقبة ولكنه أيضًا يوفر خدمات مجتمعية متعددة. يمكن للمواطنين الذهاب إلى هناك للإبلاغ عن الجرائم والحوادث، طلب المساعدة أو المعلومات، وحتى للإرشاد حول الاتجاهات في المدينة. كما أن وجودها المكثف يساعد في الحفاظ على معدلات جريمة منخفضة، حيث يعرف الضباط المجتمع المحلي جيدًا ويمكنهم التعامل مع المشكلات الصغيرة قبل أن تتطور إلى مشاكل أكبر.
تصميم وتوزيع كوبان يعكس أيضًا فلسفة الشرطة اليابانية في كونها جزءًا من المجتمع الذي تخدمه. هذه الأكشاك تكون مفتوحة على مدار الساعة وغالبًا ما يكون الضباط المتواجدين فيها على دراية تامة بالمنطقة وسكانها، ما يساعد على بناء الثقة بين المواطنين وقوات الشرطة.
إضافة كلمة ”KOBAN“ بالحروف الإنكليزية على هذه الأكشاك هو اعتراف بالدور الهام الذي يلعبه الزوار والمقيمون الأجانب في اليابان، ويظهر جهدًا لجعل الخدمات الأمنية متاحة ومفهومة للجميع، بغض النظر عن معرفتهم باللغة اليابانية.
يمكن القول إن كوبان يعد مثالًا على كيفية تطبيق اليابان لمفهوم الأمن المجتمعي، حيث تتم الرقابة والحماية ليس فقط من خلال إنفاذ القانون الصارم ولكن أيضًا من خلال بناء علاقات قوية وإيجابية بين الشرطة والمجتمع.
ظهور مصطلح ”كوبان“ كمصطلح عالمي يعكس التأثير الثقافي الذي يمكن أن تحدثه الممارسات الفريدة من نوعها وكيف يمكن للتبادل المعرفي أن يعزز الفهم العالمي للأنظمة المحلية المتنوعة. ديفيد بايلي، من خلال كتابه ”قوات حفظ النظام: سلوك الشرطة في اليابان والولايات المتحدة“، لفت الانتباه إلى الخصوصيات التي تميز نظام الكوبان في اليابان عن مفهوم ”نقطة الشرطة“ أو ”police box“ كما يُفهم في الثقافات الغربية.
هذا الفرق يتجلى في الدور الأكثر شمولية الذي يلعبه الكوبان في اليابان، حيث لا يقتصر الأمر على كونه مجرد نقطة للرد على الحوادث الأمنية، بل يمتد ليشمل الوظائف الاجتماعية والمجتمعية، مثل تقديم المساعدة للضائعين، وتقديم المعلومات للسكان والزوار، وبناء علاقات قوية مع المجتمع المحلي. كما أن الكوبان تُظهر التزام الشرطة اليابانية بمفهوم ”الشرطة المجتمعية“، حيث تسعى لتكون قريبة من المواطنين وسهلة الوصول للجميع.
إدخال مصطلح ”كوبان“ إلى اللغة الإنكليزية واستخدامه عالميًا كمصطلح متخصص يُظهر كيف يمكن للمفاهيم الثقافية أن تعبر الحدود وتصبح جزءًا من اللغة العالمية. هذا يعكس أيضًا الاهتمام الدولي بالتعلم من النماذج الناجحة في الحكم والإدارة المحلية، والرغبة في تبادل الأفكار والممارسات الجيدة التي يمكن أن تسهم في تحسين الحياة المجتمعية والأمن العام في مختلف أنحاء العالم.
كوبان في خدمة أهل المدينة والسياح
الدور الذي تقوم به مراكز الكوبان في اليابان يمثل نموذجًا متميزًا للشرطة المجتمعية، حيث يتجاوز عملها الوظائف التقليدية للشرطة ليشمل جوانب اجتماعية وإنسانية مهمة. الوجود الدائم والمرئي لرجال الشرطة في هذه الكشكات الصغيرة يوفر شعورًا بالأمان للمواطنين، ويعزز الثقة بين المجتمع وقوات الشرطة. هذا النهج يساهم في تقليل الجريمة ليس فقط من خلال الردع بل أيضًا عبر بناء علاقات قوية تمكن الشرطة من العمل بكفاءة أكبر.
التفاعل المباشر مع المجتمع يسمح لرجال الشرطة بأن يكونوا أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين ومساعدتهم في مواقف متعددة، من الإرشادات الجغرافية وحتى التعامل مع الحالات الاجتماعية مثل كبار السن الذين قد يضلون طريقهم. هذه المهام تظهر التزام الشرطة بخدمة المجتمع وحمايته.
كذلك، تعكس هذه النهج إدراكًا عميقًا للتحديات الاجتماعية الحديثة، مثل زيادة حالات الزهايمر، وتوضح كيف يمكن للشرطة أن تلعب دورًا في التعامل مع هذه التحديات بطرق تتجاوز مجرد الرد على الجرائم. الكوبان، بهذا المعنى، يمثل نقطة تواصل مهمة بين الدولة والمجتمع، ويسهم في خلق بيئة أكثر أمانًا وتعاونًا.
مكاتب الكوبان في اليابان تمثل أكثر من مجرد نقاط شرطة؛ إنها تعكس فلسفة شاملة حول كيفية إدارة الأمن والنظام في المجتمع. من خلال تواجدهم المستمر والفعال في المناطق الحضرية، يسهم رجال الشرطة العاملون في الكوبان في خلق بيئة آمنة ومطمئنة للسكان. الدوريات المنتظمة سيراً على الأقدام أو بوسائل النقل المختلفة تمكنهم من الاستجابة بسرعة للمشكلات الأمنية وتقديم الدعم المجتمعي في العديد من المواقف.
مهامهم لا تقتصر على الرد على الحوادث والجرائم فحسب، بل تمتد لتشمل التفاعل الإيجابي مع المجتمع من خلال الاستماع إلى استفسارات ومطالب السكان، والتعامل مع الأمور المتعلقة بالممتلكات الضائعة وغيرها من الخدمات. هذا النهج يعزز الثقة بين الشرطة والمجتمع، ما يسهل على الشرطة أداء وظائفها ويعمل على تحسين الأمان العام.
كما أن الكوبان يقدم مثالاً على كيفية يمكن للشرطة أن تكون جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، وليست فقط قوة للتدخل في حالات الطوارئ. من خلال التواجد الدائم والقرب من المواطنين، تسهم مكاتب الكوبان في تعزيز شعور بالمجتمع الآمن والمتكافل، حيث يعمل الجميع معًا من أجل الحفاظ على النظام والأمان.
التعاون بين الشرطة والشعب
تعكس ممارسة تسمية رجل الشرطة بـ”أوماواري سان“، والتي تُترجم حرفيًا إلى ”السيد الذي يتجول“، النهج الودي والمجتمعي الذي تتبعه الشرطة في اليابان. يشير هذا المصطلح إلى الدور الأساسي لرجال الشرطة في التواجد والتجول في المناطق التي يخدمون فيها، مما يعزز الشعور بالأمان والقرب بين الشرطة والمجتمع.
فكرة أن يكون لرجل الشرطة في المناطق الأقل كثافة سكانية سكن حكومي ملحق بمكتب الشرطة هي استراتيجية فعالة لضمان الاستجابة السريعة لأي حوادث أو مشاكل قد تحدث، بالإضافة إلى تعزيز الوجود الدائم للشرطة في المجتمع. كما أنها تسمح لرجل الشرطة وعائلته بأن يكونوا جزءًا من المجتمع الذي يخدمونه، مما يعزز العلاقات والثقة المتبادلة.
ومع ذلك، تُظهر المشكلة المتعلقة بالمكاتب الخالية التحديات التي تواجهها الشرطة في ضمان تواجد مستمر في جميع المكاتب. في طوكيو، تعتبر الوحدات التقنية التي تقدم بيانات طرفية مزودة بشاشات إلكترونية تعمل باللمس حلاً مبتكرًا لهذه المشكلة، حيث تمكّن المواطنين من الحصول على استعلامات جغرافية أو التواصل مع الشرطة وتقديم بلاغات حتى في غياب الأفراد. هذا النهج يدل على التكيف مع التحديات الحديثة والسعي نحو استخدام التكنولوجيا لتعزيز الأمن والسلامة العامة.
أدوار مختلفة للكوبان
يتمثل الدور الرئيسي للكوبان في حماية سلامة المنطقة المحلية من خلال قيام ضباط الشرطة بدوريات، والاستجابة للحوادث والأحداث، والبحث عن المجرمين. وعلاوة على ذلك، فإن الشيء المدهش في الكوبان هو أن أفرادها يساعدون الناس في العديد من المواقف الأخرى أيضًا. على سبيل المثال، يعتني ضباط الشرطة في الكوبان بالأطفال الذين ضلوا الطريق، ويوجهون الأشخاص الذين لا يستطيعون إيجاد طريقهم، ويحتفظون بالممتلكات المفقودة حتى يستردها أصحابها، ويستمعون إلى مخاوف السكان المحليين. يتمثل دور الكوبان في أن يتعايش ضباط الشرطة مع الناس في حياتهم اليومية بشكل منتظم - ليس فقط عند وقوع حادث - وتقديم الدعم الكامل حتى يتمكن الناس في المنطقة المحلية من العيش كل يوم بأمن وأمان. ليست مبالغة أن نقول إن الناس في اليابان يمكنهم الاستمتاع بالحياة اليومية في سكينة لأن الكوبان موجود بالقرب منهم.
الطوارئ وطلب النجدة
النظام المتبع في اليابان لتسهيل الاتصال بالشرطة في حالات الطوارئ والاستشارات يعكس تنظيماً مميزاً وفعالية في التعامل مع الحالات المختلفة. رقم الطوارئ ”110“ الذي يمكن الاتصال به مجاناً من أي هاتف، سواء كان أرضياً أو محمولاً، يُعد خط الدفاع الأول للأفراد في حالة الحاجة الفورية للشرطة. هذا النظام يضمن سرعة الاستجابة والتدخل في الحالات الطارئة.
أما بالنسبة للحالات التي لا تستدعي استجابة طارئة، فإن رقم ”9110“ المخصص لاستشارات الشرطة يوفر منصة للمواطنين لطرح مشكلاتهم أو الحصول على المساعدة في قضايا تخص سلامة المجتمع وغيرها من الاستفسارات. هذا النهج يساعد في تخفيف الضغط عن خطوط الطوارئ ويضمن توجيه الموارد بكفاءة أكبر.
الكوبان المتحرك، مثل الميكروباصات أو الميني فانات، يوفر وجوداً مرناً وديناميكياً للشرطة في المناطق التي لا تتوفر فيها مكاتب شرطة دائمة. هذه السيارات تتيح للشرطة التواجد والاستجابة في مناطق أوسع، معززة بذلك الشعور بالأمان في المجتمع.
كما يُظهر تواصل رجال الشرطة وأفراد الكوبان مع السياح وتقديم الدعم والمساعدة لهم، النهج الودي والمتعاون الذي تتبعه الشرطة اليابانية. هذا الأسلوب يساهم في تعزيز صورة اليابان كوجهة سياحية آمنة ومرحبة بزوارها من جميع أنحاء العالم.
نظام يجذب أنظار العالم
نظام مكاتب الشرطة الياباني، أو الكوبان، يُعد نموذجًا فعّالًا في تعزيز الأمن والنظام العام من خلال العمل المجتمعي والوقاية من الجريمة. هذا النموذج ليس فقط يركز على الاستجابة للجرائم بعد وقوعها، بل يعمل بنشاط على منع حدوثها من خلال التواصل الفعّال والتعاون بين الشرطة والمجتمع المحلي. تقديرًا لفعاليته، تم تبني هذا النظام وتطبيقه في عدة دول حول العالم بدعم من اليابان.
كانت سنغافورة من أوائل الدول التي اعتمدت نظام الكوبان الياباني في الثمانينات، مما يعكس النجاح الذي يمكن أن يحققه هذا النموذج في بيئات مختلفة. سنغافورة، التي تُعرف بمستويات الأمان العالية التي تتمتع بها، قد تمكنت من تكييف النموذج الياباني مع خصائصها الثقافية والاجتماعية المحلية، مما يدل على مرونة نظام الكوبان وقدرته على التكيف مع ظروف متنوعة.
البرازيل، التي واجهت تحديات أمنية كبيرة، خاصة في مدنها الكبرى، لجأت إلى نموذج الكوبان كجزء من جهودها لتحسين الأمان ومكافحة الجريمة. بدعم من وكالة اليابان للتعاون الدولي (جايكا)، قامت البرازيل بتطبيق نظام الكوبان وتكثيف التدريبات لقوات الشرطة، مما أسهم في تحسين الوضع الأمني. هذا التحول الإيجابي يؤكد على أهمية التعاون الدولي وتبادل الخبرات في مواجهة التحديات العالمية المشتركة.
من خلال النجاح الذي حققه نظام الكوبان في اليابان وتجارب دول مثل سنغافورة والبرازيل، أصبح هذا النموذج مثالًا يحتذى به في مجال تعزيز الأمان العام. الدور الذي تلعبه اليابان من خلال جايكا في نشر هذا النظام يعكس التزامها بتعزيز التعاون الدولي والمساهمة في تحسين الأمن العالمي.
توسيع نظام الكوبان خارج اليابان إلى دول مثل الولايات المتحدة وهاواي وكوريا الجنوبية وتايوان وإندونيسيا والصين يعكس القيمة والفعالية التي يمكن أن يقدمها هذا النموذج في تعزيز الأمن والسلامة في مجتمعات مختلفة حول العالم. من خلال توفير نقطة اتصال مباشرة مع الشرطة وتوفير الدعم والإرشاد للمواطنين، يمكن لمكاتب الكوبان أن تلعب دورًا مهمًا في بناء الثقة بين الشرطة والمجتمعات التي تخدمها.
يُعد مشهد كبار السن والأطفال وهم يتفاعلون مع رجال الشرطة في مكاتب الكوبان مشهدًا يعكس الثقافة المجتمعية والعلاقة القوية بين الشرطة والمواطنين. إن الحفاظ على هذه العلاقة القوية يعزز من فعالية أداء الشرطة ويساهم في تحقيق الأمن والسلامة العامة.
بفضل التوجه العالمي نحو تبني نظام الكوبان، فإنه يُظهر كيف يمكن للتجارب الناجحة في مجال تعزيز الأمن والسلامة في بلد معين أن تُطبق بنجاح في سياقات وثقافات مختلفة، مما يعزز التعاون الدولي والتبادل الثقافي في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان: مبنى لمكتب شرطة ”كوبان“ بسقف مدبب باللون الفضي..مقاطعة سوكيياباشي، سيارة الشرطة في حديقة أوينو: midorisyu)