
«زازن»... رحلة في عالم الحكمة والتأمل على الطريقة اليابانية
مجتمع ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
حالة من التأمل والهدوء
زازن (Zazen) هي ممارسة أساسية في تقليد الزن البوذي، وتعد جوهر التأمل في هذا المسار الروحي. خلال جلسة زازن، يجلس الممارس بوضعية محددة، عادةً على وسادة تأمل صغيرة تُسمى ”زافو“، مع الحفاظ على استقامة الظهر واليدين في وضعية خاصة مثل كوشو أو هوكاي-جوين. يُوجه النظر إلى الأسفل بزاوية محددة دون تركيز على شيء معين، مما يساعد على تهدئة العقل وتصفية الذهن.
على عكس الفهم الشائع، فإن الهدف من زازن ليس إفراغ العقل من كل الأفكار، بل الجلوس بحضور ذهني كامل، مع ملاحظة الأفكار والمشاعر التي تظهر دون الانجراف معها أو الحكم عليها. يُعتبر هذا النوع من التأمل وسيلة لتعزيز الوعي الذاتي، وتطوير فهم عميق للواقع، مما يؤدي إلى تجربة مباشرة لطبيعة الوجود ذاته.
تلعب تقنيات التنفس العميق والمنتظم دورًا محوريًا في زازن، حيث تساعد على تهدئة العقل والجسم، وتعزز من القدرة على التركيز والبقاء في اللحظة الحالية. يُشجع الممارسون على الجلوس بثبات دون توتر، مع الحرص على العودة إلى التنفس كلما انجرفوا في تيار الأفكار.
لا تقتصر زازن على تحقيق الاسترخاء أو تقليل التوتر فحسب، بل تمتد إلى كونها ممارسة تهدف إلى الوصول إلى الإنارة وفهم الحقيقة العميقة عبر التأمل المستمر والانضباط الروحي. يُنظر إليها كطريق لتحقيق الصفاء الداخلي والتنوير، حيث يُنصح بالممارسة المنتظمة كجزء من التزام أعمق بمسار التحرر الروحي.
في اليابان الحديثة، تجاوز تأمل الزن حدوده الدينية ليصبح تدريبًا روحانيًا متاحًا للجميع، بغض النظر عن الخلفيات الدينية أو الفلسفية. هذا النهج يعكس رؤية شمولية للتأمل كوسيلة للتحسين الذاتي، وتعزيز الصفاء العقلي، والبحث عن السلام الداخلي.
تقدم العديد من المعابد اليابانية ومراكز التأمل جلسات زازن للزوار، مما يمنحهم فرصة لاختبار هذه الممارسة في بيئتها الأصلية، تحت إشراف متخصصين وكهنة ممارسين. تضمن هذه الجلسات تجربة أصيلة وموجهة، حيث يتعلم المشاركون الطرق الصحيحة للتأمل وتطبيقها بفعالية لتحقيق أقصى فائدة.
تتنوع تكاليف المشاركة في هذه الجلسات؛ فبينما تكون بعضها مجانية، تفرض أخرى رسومًا رمزية. في العديد من الحالات، يُترك للمشارك تحديد مساهمته المالية وفقًا لتقديره الشخصي للقيمة التي حصل عليها من التجربة. هذا النهج يعكس القيم اليابانية المتعلقة بالاحترام والإخلاص، مما يسمح لأكبر عدد ممكن من الأشخاص بالاستفادة من هذه الممارسة.
تشير الدراسات العلمية إلى أن ممارسة التأمل بانتظام، بما في ذلك زازن، تؤدي إلى تحسينات ملحوظة في الصحة النفسية والجسدية. فهي تساعد على تقليل التوتر، وخفض مستويات القلق، وتحسين التركيز، بل وتُظهر بعض الأبحاث أن لها تأثيرًا إيجابيًا على وظائف الدماغ، مما يسهم في تعزيز الرفاهية العامة.
جلسات زازن تمنح المشاركين فرصة نادرة للتوقف عن إيقاع الحياة السريع، والغوص في الصمت الداخلي، والتأمل العميق. من خلال هذه الممارسة، يمكن للأفراد اكتشاف المزيد من السلام الداخلي والوضوح الذهني، وتعزيز التوازن بين الجسد والروح، وربما حتى الاقتراب من حالة التنوير التي يسعى إليها الممارسون في تقليد الزن البوذي.
تمثال بوذا الكبير ”دايبوتسو“ في مدينة كاماكورا.
العقل والجسد
تقنية التأمل في وضعية زازن تعتمد بشكل كبير على الوعي والتركيز على النفس والتنفس، وهي تقدم نهجاً منهجياً للتأمل يساعد على تهدئة العقل وتقليل التشتت. الجلوس في وضعية التربيع على وسائد زافو (وسائد التأمل) يساعد على تحقيق استقرار الجسم ويعزز الوضعية الصحيحة التي تدعم التأمل الفعّال. الاستعداد لقبول وضعيات بديلة للجلوس يظهر تفهماً للحاجة إلى تكييف الممارسة مع القدرات الفردية والراحة، مما يجعل التأمل أكثر إتاحة وشمولية.
التركيز على التنفس من خلال الأنف، مع الاستعانة بعضلات المعدة، يساعد على تعميق الاسترخاء وتحسين التركيز. هذه الطريقة في التنفس لا تساعد فقط على تهدئة العقل ولكن أيضاً تعزز الوعي الجسدي.
إحصاء الأنفاس يعتبر تقنية أولية تساعد على تركيز الانتباه وتقليل التشتت الذهني. بمرور الوقت، قد يجد الممارسون أنهم قادرون على ترك عملية الإحصاء والانتقال إلى مرحلة أعمق من التأمل حيث الانتباه يصبح أكثر توحيداً والتجربة أكثر عمقاً.
هذه الممارسة تعلم الصبر والتحكم في الذهن وتساعد الممارسين على تطوير قدرة أكبر على الاسترخاء والتركيز. كما أنها توفر فرصة لاستكشاف الذات وتعزيز الوعي الذاتي والسلام الداخلي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للتأمل زازن فوائد صحية عديدة، بما في ذلك تقليل التوتر وتحسين جودة النوم وزيادة القدرة على التعامل مع الضغوط النفسية.
ممارسة الزازن والتركيز على عملية التنفس تمثل القلب النابض لهذه التقنية العميقة والقوية للتأمل. التناغم بين الجسم والتنفس والروح هو أساس لتحقيق حالة من الوعي والإدراك الذاتي التي تتجاوز الحواجز العقلية والجسدية المعتادة. من خلال الجمع بين هذه العناصر الثلاثة في تناغم، يبدأ الممارسون في تجربة نوع من الصفاء والوضوح الذهني الذي يسمح برؤية الذات والعالم المحيط بطريقة أكثر صدقاً ووضوحاً.
التأمل في زازن لا يعني فقط الجلوس بصمت، بل هو عملية ديناميكية تشمل الجسم، الذهن، والروح. هذه العملية تساعد على تجاوز الأفكار والعواطف المعتادة، والوصول إلى حالة من الفهم والسلام الداخلي. الجسد في حالة جلوس صحيحة وثابتة، التنفس متوازن وعميق، والذهن متيقظ ولكن خالٍ من التشتت، يخلق مزيجاً يفتح الباب أمام الوعي الذاتي والإدراك العميق.
تقليدياً، استخدام عود البخور كمقياس زمني للجلسات يعكس الطبيعة العملية والروحانية لممارسة الزازن. البخور، برائحته وزمن احتراقه، يوفر وسيلة لقياس الوقت تتسم بالهدوء والتأمل، بعيداً عن التشتت الذي قد توفره الأدوات الزمنية الحديثة. هذه المدة، التي تتراوح عادة بين 30 إلى 40 دقيقة، تعتبر فترة كافية للغوص في عمق التأمل دون أن تكون مرهقة جسدياً أو ذهنياً للممارسين.
الغرض من ممارسة الزازن هو إعادة الاتصال بالذات الأعمق وتحقيق فهم أكبر لطبيعة وجودنا. من خلال هذه الممارسة، يمكن للأفراد أن يجدوا السلام الداخلي والصفاء، وأن يطوروا قدرة أكبر على التعامل مع تحديات الحياة بوعي وحكمة.
رامي الكرة الياباني وادا تسويوشي الذي يلعب في نوادي شيكاغو وهو يقوم بممارسة الزن في معبد إنرياكوجي بالقرب من كيوتو (جيجي برس)
المحافظة على حالة التركيز
استخدام الكيئيساكو في جلسات التأمل الزازن يمثل جانبًا فريدًا ومثيرًا للاهتمام من تقاليد التأمل الزن اليابانية. هذه العصا المسطحة الخشبية ليست أداة للعقاب، بل هي وسيلة للمساعدة والدعم. الضربة الخفيفة التي يتلقاها الممارسون تهدف إلى إعادة تنشيط الوعي والتركيز، وتساعد على إعادة توجيه الانتباه إلى اللحظة الحالية ومنع الذهن من الشرود أو الانزلاق إلى حالة من النعاس أو الراحة الزائدة.
هذه الممارسة تؤكد على الجانب التفاعلي والديناميكي لجلسات التأمل الزازن، حيث يتم تشجيع الممارسين على الحفاظ على حالة من اليقظة والوعي الذاتي. الكيئيساكو تستخدم بطريقة تحترم قدرة الممارس على التحمل ودون أن تسبب أذى، مما يعكس فهمًا عميقًا للتوازن بين العقل والجسد في ممارسة الزازن.
جلسات التأمل الزازن توفر للمشاركين فرصة للانفصال عن الضغوط والمشاغل اليومية والغوص في أعماق الذات. هذه الجلسات تساعد على تنمية القدرة على التعامل مع التحديات الحياتية بطريقة أكثر هدوءًا ووعيًا، وتقدم مساحة للسلام الداخلي والتوازن الروحي. لذلك، بالنسبة لأولئك الذين يسعون لإيجاد راحة من الاضطرابات اليومية والرغبة في استكشاف أعماق ذاتهم، قد تكون جلسة التأمل الزازن بمثابة البوابة لرحلة روحانية عميقة ومثمرة.
(صورة العنوان: زوجات زعماء دوليين زرن اليابان برفقة أزواجهن الذين حضروا قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا و المحيط الهادئ وهن يشاركن في جلسة الزن في معبد كينتشوجي بكاماكورا. © جيجي برس)