الإسلام في اليابان

رمضان في اليابان قبل الحرب العالمية الثانية: كيف عاشه المسلمون الأوائل؟

ثقافة

سمير عبد الحميد إبراهيم نوح [نبذة عن الكاتب]

في اليابان، يشكل شهر رمضان فرصة للمسلمين لتعزيز هويتهم والتواصل مع المجتمع من حولهم، حيث تتشابه عاداتهم خلال هذا الشهر مع تقاليد المسلمين حول العالم. وتحرص المساجد اليابانية على فتح أبوابها أمام الجميع، مسلمين وغير مسلمين، لتعريفهم بروحانية الشهر الكريم وتعاليم الإسلام. في هذا المقال، نستكشف تاريخ رمضان في اليابان وكيف أصبح جزءًا من حياة الجالية المسلمة هناك.

رمضان بين الماضي والحاضر

يرتبط شهر رمضان بفريضة الصوم، التي تُعد أحد أركان الإسلام، مما يجعل الحديث عنه في اليابان مرتبطًا بتاريخ دخول الإسلام إلى البلاد، وهو تاريخ لا يتجاوز، وفق التقديرات، ثمانية عقود شهدت مراحل من المد والجزر.

وقد اختلفت مظاهر الاهتمام برمضان في يابان ما قبل الحرب العالمية الثانية عما هي عليه اليوم. فبفضل وسائل الإعلام، أصبح الشعب الياباني أكثر اطلاعًا على هذا الشهر، حيث تبث القنوات التلفزيونية أحيانًا مشاهد من احتفالات رؤية هلال رمضان وعيد الفطر، وتنقل تقارير عن مظاهر احتفالات المسلمين في اليابان على المستويين الشعبي والرسمي.

وتحظى المناسبات الرمضانية باهتمام الجهات الدبلوماسية، إذ تقيم سفارات الدول الإسلامية حفلات إفطار رمضانية، يحرص المسؤولون اليابانيون على حضورها، في تعبير عن التقارب الثقافي والاهتمام المتزايد بشهر رمضان. ونتيجة لهذا التفاعل، أصبحت كلمة ”رمضان“ في أذهان اليابانيين مرتبطة بمصطلح ”دانجيكي“ (Danjiki)، والذي يعني الصوم في الثقافة اليابانية.

هل عرفت اليابان شهر رمضان في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية؟

يمكن الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب والنفي في آنٍ واحد، إذ يرتبط الأمر بجذور العلاقات اليابانية الإسلامية، والتي يحاول البعض إرجاعها إلى عام 1877، عندما تُرجمت بعض كتب الفكر الديني الغربي إلى اليابانية، ومن بينها كتاب ”حياة محمد رسول الإسلام“. لكن الاتصال الفعلي بين اليابان والعالم الإسلامي بدأ في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وكانت أبرز محطاته قصة الفرقاطة أرطغرل، التي أرسلتها الدولة العثمانية إلى اليابان.

وصلت الفرقاطة أرطغرل إلى ميناء يوكوهاما في 7 يونيو/حزيران 1890، أي بعد نحو أسبوعين من انتهاء شهر رمضان. لكن رحلتها انتهت بمأساة، إذ تعرضت لحادث أدى إلى تحطمها وغرق معظم من كانوا على متنها. وقد أثارت هذه المأساة تعاطفًا واسعًا في أوساط الشعب الياباني تجاه الدولة العثمانية والإسلام، وهو ما انعكس بوضوح في الصحافة اليابانية. قادت صحيفة ”جيجي شينبو“ حملة لجمع التبرعات لمساعدة أسر الضحايا، وسافر كل من شوتارو نودا وتوراجيرو يامادا إلى تركيا لنقل المساعدات، ويُقال إنهما كانا أول يابانيين يعتنقان الإسلام.

ورغم ذلك، لا توجد إشارات واضحة إلى أنهما مارسا شعائر الإسلام مثل الصوم أو الحج. في المقابل، يُعد ميتسوتارو ياماوكا أول مسلم ياباني يؤدي فريضة الحج، كما أنه تبنّى الإسلام في حياته اليومية، وهو ما وثّقه في مذكرات رحلته للحج، التي نُشرت عام 1912.

شهر رمضان قبل الحرب العالمية الثانية

عائلة هندية مسلمة في كيوتو (الصورة من سمير نوح)

كان اهتمام اليابان بالإسلام والعالم الإسلامي في بداياته ذا طابع سياسي بالدرجة الأولى، رغم ارتباطه باهتمامٍ بالثقافة الإسلامية والدين الإسلامي. وفي هذا السياق، أسس بعض الدارسين اليابانيين، بالتعاون مع شخصيات من الأشراف والنبلاء، جمعية أُطلق عليها ”الجمعية اليابانية للبحث في حقائق الأديان“، والتي قررت تنظيم مؤتمر لمناقشة المعتقدات الدينية في أبريل/نيسان 1906.

من بين العلماء المسلمين الذين حضروا المؤتمر كان الشيخ أحمد علي الجرجاوي، الذي وثّق رحلته إلى اليابان في كتابه ”الرحلة اليابانية“. بدأ الجرجاوي سفره يوم الجمعة 30 يونيو/حزيران 1906، الموافق 7 جمادى الأولى 1324 هـ، وزار مدنًا يابانية مثل كيوتو وأوساكا، حيث التقى برجل هندي مسلم مقيم هناك يعمل في التجارة. مكث الجرجاوي في اليابان 32 يومًا، وغادرها قبل حلول شهر رمضان، لذا لم يكتب عنه شيئًا. لكنه أشار إلى أنه شرح لليابانيين فريضة الصوم، وذكر أن نحو 12,000 شخص قد اعتنقوا الإسلام على يديه، وفقًا لما سجّله في كتابه.

في الفترة ذاتها، قدم عدد قليل من المسلمين إلى اليابان، مثل الطبيب الحاج محمد حسين الهندي، الذي نشر كتابًا بالأردية عن رحلته بعنوان ”يابان عام 1907“. ويبدو من كتاباته أنه حاول الاندماج في المجتمع الياباني لكنه لم ينجح، رغم إعجابه الكبير باليابان، حتى أنه كتب:

”اليابان شدتني إليها شدًا، وبدأت أراسل إحدى اليابانيات، ولا عجب أن أكون ذات يوم في بيت ياباني أقضي شيخوختي مع رفيقة حياة يابانية...“

إلا أنه لم يأتِ إلى اليابان خلال شهر رمضان، فلم يذكر شيئًا عنه في كتابه.

وفي 27 يناير/كانون الثاني 1909، وصل إلى اليابان العالم والداعية عبد الرشيد إبراهيم على متن السفينة اليابانية هوزان مارو. وكتب حينها:

”إنني مسافر إلى ممالك المجوس، واحتمال مصادفة مسلم واحد بعيد المنال، وأنا لا أعرف لغة البلاد التي أقصدها“.

لكنه لم يُشِر في كتاباته إلى شهر رمضان. وفي العام نفسه، جاء أيضًا مولوي محمد بركة الله بهوبالي إلى طوكيو، حيث تعاون مع عبد الرشيد إبراهيم والضابط المصري المتقاعد أحمد فضلي في نشر الإسلام بين اليابانيين، لكن رمضان لم يكن حاضرًا في كتاباتهم.

السبب الأساسي وراء ذلك كان عدم وجود جالية مسلمة في اليابان آنذاك، فلم تكن هناك احتفالات أو طقوس رمضانية يمكن توثيقها. حتى المجموعة القليلة من اليابانيين المهتمين بالإسلام كانت تتأثر أكثر بالجانب التاريخي للإسلام، وليس بجوانبه العقائدية والتشريعية.

حتى أن مجلة ”الأخوة الإسلامية“، التي نُشرت عام 1910 بتعاون بين بركة الله وأحمد فضلي، لم تتطرق إلى شهر رمضان. كما أن الصحفي الياباني المسلم حسن هاتانو، الذي أصدر مجلة ”إسلام“ باللغتين اليابانية والإنكليزية عام 1912، ثم مجلة ”الأخوة الإسلامية“ بالإنجليزية عام 1918، لم يتناول موضوع رمضان أو فريضة الصوم في منشوراته.

رمضان والجاليات المسلمة في يابان ما قبل الحرب العالمية الثانية

الاحتفال بشهر رمضان الكريم يتطلب وجود جالية مسلمة، حيث يتعاون أفرادها على تنظيم الشعائر الدينية والاحتفال بالشهر الفضيل. ولهذا، كان غياب ذكر رمضان في الفترة المبكرة من التعريف بالإسلام في اليابان أمرًا متوقعًا، نظرًا لعدم وجود مجتمع مسلم مستقر آنذاك.

لكن مع بدء وصول مسلمين من مناطق مثل الهند وتتارستان، بدأت تتشكل ما يمكن اعتباره جاليات مسلمة في اليابان. وقد لعبت الجالية الهندية المسلمة دورًا أساسيًا في مدينة كوبيه، حيث نجحت في بناء مسجد كوبيه عام 1935، ليكون أول مسجد في اليابان.

أما الجالية التتارية، فقد تشكلت من مهاجرين قادمين من روسيا والصين وكوريا. وسمحت الحكومة اليابانية لمجموعة من 600 شخص بالهجرة إلى اليابان عام 1920، مما أدى إلى تأسيس نواة المجتمع التتاري المسلم. وفي أكتوبر 1928، انعقد ”مؤتمر مندوبي المسلمين في اليابان“ تحت إشراف عبد الحي قربان علي. وكان ذلك بعد خطوات تمهيدية مهمة، مثل افتتاح أول مدرسة إسلامية في طوكيو عام 1927، ثم مدارس أخرى في كوبيه وناغويا.

كما تأسس ”المركز الإسلامي التتاري“ عام 1931، ليشمل مدرسة ومطبعة، مما ساهم في تعزيز الهوية الإسلامية للمجتمع المسلم الناشئ. وبحلول عام 1938، افتُتح مسجد طوكيو، ليكون ثاني مسجد في اليابان. وتشير بعض المصادر إلى أن عدد المهاجرين التتار الذين وصلوا إلى اليابان وكوريا عام 1932 تجاوز 3,000 مهاجر، مما عزز من التواجد الإسلامي في البلاد.

ورغم وجود جالية مسلمة كبيرة، فإنها كانت تفتقر إلى الموارد المادية اللازمة لإقامة احتفالات دينية كبيرة. ولهذا، كان الاحتفال بعيد الفطر بعد انتهاء رمضان يتم بشكل متواضع، وفقًا للإمكانات المتاحة. وتظهر الصور الوثائقية التي تحتفظ بها مراكز البحوث، مثل مكتب البحوث للمجتمعات الآسيوية في كلية العلوم الإنسانية بجامعة واسيدا، كيف كانت هذه الاحتفالات البسيطة تعكس ظروف الجالية المسلمة آنذاك.

شهر رمضان وتأسيس المساجد في يابان ما قبل الحرب

مع تزايد أعداد أفراد الجالية المسلمة في اليابان، برزت الحاجة إلى تأسيس المساجد كمراكز تجمع للمسلمين، تؤدي دورًا دينيًا واجتماعيًا في آنٍ واحد. وهكذا، وضع حجر الأساس لمسجد كوبيه في نوفمبر 1934، وشهد المسجد إقامة أول صلاة في 2 أغسطس 1935، تلاها احتفال ضخم بمناسبة الافتتاح. وقد حظي هذا الحدث باهتمام الصحافة اليابانية، حيث خصصت صحيفة أوساكا ماينتشي عددها الصادر في 11 أكتوبر 1935 لتغطية أوضاع المسجد، كما نُشرت العديد من الصور التي توثق الحدث في الصحف اليابانية.

ولم يكن مسجد طوكيو استثناءً، إذ شهد هو الآخر احتفالًا كبيرًا بمناسبة افتتاحه في 1938، واختير لهذا الحدث يوم ذكرى مولد النبي ﷺ، مما أضفى عليه طابعًا روحانيًا مميزًا.

وقد لعب مسجد كوبيه ومسجد طوكيو دورًا محوريًا في إحياء شهر رمضان الكريم في اليابان، حيث وفّرا للمسلمين مكانًا للقاء والاجتماع وإقامة الشعائر الدينية. فمع وجود هذه المساجد، أصبح بالإمكان إحياء ليالي رمضان، وأداء صلاة التراويح، والاحتفال بـ عيد الفطر المبارك، وهو ما كان مفقودًا في الفترات المبكرة من وجود المسلمين في اليابان.

واليوم، ومع انتشار المساجد في مختلف أنحاء اليابان، أصبح إحياء ليالي رمضان تقليدًا راسخًا، حيث تحرص إدارات المساجد على تنظيم موائد إفطار جماعي، وعقد لقاءات دينية، فضلًا عن إقامة صلاة التراويح، مما يعزز الهوية الإسلامية للجالية المسلمة في اليابان، ويعكس روح التضامن والتآخي بين المسلمين في هذا البلد.

غلاف كتاب ”الحج إلى مكة“ لسوزوكي تاكيشي (الصورة من سمير نوح)

نماذج من الكتابة عن شهر رمضان في يابان ما قبل الحرب

اعتنق عدد من اليابانيين الإسلام وحرصوا على التعريف به وكتابة مقالات تسلط الضوء على تعاليمه، إلا أن الحديث عن شهر رمضان والصوم لم يكن بالقدر المتوقع أو الكافي في تلك الفترة. من أبرز هؤلاء الكتاب سوزوكي تاكيشي، الذي أدى فريضة الحج ثلاث مرات، حيث نشر مقالًا في 1 نوفمبر 1938 في مجلة كايكيوكين (Kaikyoken) حول الحج. في مقاله، استخدم سوزوكي كلمة ”رمزان“ بدلًا من ”رمضان“، وهو ما قد يكون ناتجًا عن تأثره بالنطق الفارسي أو الهندي، كما جاء عنوان مقالته ”رمزان نو دانجيكي“ (Ramazan no Danjiki)، والتي تعني ”صوم رمضان“.

وفي مقدمة كتابه الشهير ”الحج إلى مكة“، الذي صدر ترجمته العربية تحت عنوان ”ياباني في مكة“، أشار سوزوكي إلى الصوم ورمضان في فقرة قصيرة، حيث كانت تلك المرة الأولى التي يتطرق فيها إلى هذا الموضوع بشكل عام.

أما أوكوبو كوجي (Okubo Koji)، فقد كتب مقالًا في يونيو/ حزيران 1942 في مجلة ”دراسات المحيط الهادئ الاقتصادية“ (Nanyo Kezai Kenkyo) بعنوان ”كايكيو نو دانجيكي“ (Kaikyo no Danjiki)، الذي يعني ”الصوم في الإسلام“. كان هذا المقال من أوائل المقالات التي تناولت موضوع الصوم في الإسلام بشكل أكثر عمقًا، ولكن من المحتمل أنه كانت هناك مقالات أخرى لم أطلع عليها في تلك الفترة.

على الرغم من جهود هؤلاء المفكرين، تبقى الإشارة إلى شهر رمضان والصوم في كتاباتهم محدودة مقارنةً بأهمية الموضوع في الديانة الإسلامية، حيث كانت التوجهات العامة في تلك الفترة تركز أكثر على التعريف بالجانب العقائدي والفكري للإسلام، تاركةً شهر رمضان وتفاصيله التعبدية مسائل هامشية في السرد العام.

مشاعر اليابانيين المسلمين في شهر رمضان

يُعَدّ تاناكا إيبيه، أو نور محمد تاناكا إيبيه، بحق رائد الدراسات الإسلامية في اليابان، حيث نشر مؤلفات عديدة باللغة اليابانية، كما تُرجِم بعضها إلى اللغة العربية. من خلال كتاباته، قدم تاناكا إيبيه وصفًا عميقًا لشهر رمضان من واقع خبرته الشخصية ومعايشته للمسلمين في مناطق مختلفة.

كتب تاناكا إيبيه واصفًا شهر رمضان والصيام قائلًا:

”صوم رمضان فرض على كل مسلم ومسلمة، يبدأ الصوم في الشهر التاسع من السنة الهجرية، حين يرى المسلمون هلال شهر رمضان يستعدون للصيام من الفجر حتى غروب الشمس، ويمسك المسلم عن الطعام والشراب، ولا يعاشر زوجته وهو صائم، ولا يشعر بشهوة إلى طعام أو شراب... وفي شهر رمضان يصلي المسلمون صلاة التراويح بعد صلاة العشاء“.

كما أبرز الروحانية العميقة التي تميز هذا الشهر المبارك، حيث قال:

”شهر رمضان شهر مبارك، فيه أنزل القرآن، وخلال هذا الشهر يحرص الناس، حتى من لا يهتمون بتعاليم الإسلام، على الالتزام بالصوم، ولأنه شهر مبارك تكثر فيه العبادات، وأثناء صلاة التراويح يحرصون على تلاوة القرآن بأكمله، ويشعر الناس بأنهم تطهروا من ذنوبهم عن طريق الإكثار من العبادة، وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، ففيها ليلة القدر، ويتضرع الناس إلى الله أن يغفر لهم وأن يصلح من حالهم، وهكذا يشعر المسلمون بعد شهر رمضان بالسرور والسعادة، وينسون جميع متاعب الصوم ومعاناته، ولا يمكن لغير المسلم أن يشعر بمثل هذا...“

روى تاناكا إيبيه تجربة شخصية عميقة التأثير عاشها أثناء قضائه شهر رمضان بين المسلمين الصينيين:

”كان ضوء القمر في ليلة ربيعية دافئة ممتعًا وشاعريًا، لقد أثارني كثيرًا هذا المنظر، وبخاصة حين كنت أسمع الأدعية بالعربية، في ليلة النصف من شعبان، كم تأثرت بهذا، لا أستطيع أن أعبر عن أحاسيسي تلك مهما كتبت!“

هذا الوصف يعكس التأثير الروحي العميق الذي تركه الاحتفال برمضان في نفسه، حيث امتزج جمال الطبيعة بسحر الأجواء الرمضانية والأدعية التي كانت تُرتل في تلك الليالي المباركة.

في مقاله ”الحج وحياة المسلمين“، ربط تاناكا إيبيه بين الصيام والحج، موضحًا قدسية هذا الشهر في حياة المسلمين:

”يرتبط الشهر التاسع من السنة الهجرية (أي شهر رمضان) بشكل أو بآخر بالحج، فهذا الشهر له قدسيته عند المسلمين، ففيه تؤدى فريضة الصوم، فالمسلمون يصومون من اليوم الأول لهذا الشهر حتى يوم الثلاثين منه، وخلال نهار هذا الشهر المبارك لا يأكل الصائم، ولا يشرب، ولو حتى قطرة ماء، ولا يمكن لأحد أن يتصور هذا الأمر إلا من خاض التجربة بنفسه“.

كما أشار إلى الصعوبات التي قد تواجه البعض أثناء الصيام، لكنه شدد على أن الصائم لا يبقى جالسًا أو نائمًا، بل يواصل حياته الطبيعية وأعماله اليومية رغم الجهد الذي يتطلبه الصيام:

”الصوم يتم مع قيام المرء بأداء واجبات الحياة الأخرى والأعمال اليومية العادية، فلا يصوم الإنسان ليبقى جالسًا أو نائمًا في بيته، فعلى الإنسان الصائم أن يؤدي عمله، وأن يؤدي الصلوات المفروضة عليه، والإكثار منها في هذا الشهر الكريم، ومن هنا يكون أداء هذا الفرض بالنسبة للعجائز والضعفاء من الصعوبة بمكان“.

من خلال كتاباته، ساهم تاناكا إيبيه في تقديم فهم عميق عن شهر رمضان للمجتمع الياباني، موضحًا أبعاده الروحية والاجتماعية. لم يكن مجرد باحث نظري، بل عاش التجربة الرمضانية بين المسلمين، مما جعل وصفه دقيقًا وحافلًا بالمشاعر التي تعكس تأثير هذا الشهر الكريم على المسلمين حول العالم.

تُعَدّ مؤلفاته اليوم مرجعًا هامًا في الدراسات الإسلامية باليابان، حيث لعب دورًا بارزًا في التعريف بشهر رمضان والصيام، رغم أن الحديث عن هذه الجوانب لم يكن شائعًا في الكتابات المبكرة حول الإسلام في اليابان.

كلمـة أخيرة

أقامت جامعة دوشيشا حفل الإفطار الجماعي في11 رمضان يوافق 9 يوليو/تموز 2014. (الصورة من سمير نوح)

وهكذا لاحظنا أنه شتان ما بين رمضان في يابان ما قبل الحرب العالمية ورمضان في اليابان في الوقت الحاضر، فرق كبير بين المشهد الحالي الذي يضم الاحتفال بشهر رمضان في اليابان اليوم وبين رمضان يابان ما قبل الحرب الذي لم يكن حتى يذكر على لسان المسلمين القادمين أو المقيمين في اليابان، فاليوم يتابع الكثيرون الاحتفال برؤية هلال شهر رمضان التي تبث مشاهدها في التلفزيون اليابان ثم الاحتفالات التي تشهدها أماكن متفرقة في عموم اليابان من حفلات الإفطار الرمضانية والليالي الرمضانية التي تقام فيها صلاة التراويح أو تعقد فيها الحلقات العلمية. وأخيراً الاحتفال برؤية هلال شوال واحتفال المسلمين بعيد الفطر في المساجد الكثيرة التي انتشرت في مدن اليابان وهي احتفالات يشهدها المسلمون وغير المسلمين ممن يهتمون بثقافة بلدان الشرق الأوسط أو بثقافة الإسلام وحضارته، فشهر رمضان صار رمزًا لوجود ملموس للإسلام على أرض اليابان.

قامت جامعة دوشيشا حفل الإفطار الجماعي في 11رمضان يوافق 9 يوليو/تموز 2014. وذلك ليس فقط للطلاب والأساتذة المسلمين في كيوتو، بل لتعريف الثقافة الإسلامية لليابانيين. (الصورة من سمير نوح)

    كلمات مفتاحية

    اليابان الإسلام رمضان

    سمير عبد الحميد إبراهيم نوحSamir Abdel Hamid I. NOUHعرض قائمة المقالات

    أستاذ ونائب مدير مركز دراسات الأديان التوحيدية بجامعة دوشيشا بمدينة كيوتو. ولد بمحافظة الشرقية بمصر. عمل بجامعة القاهرة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. عضو ومستشار في عدد من الهيئات العلمية، من مؤلفاته ”الإسلام والأديان في اليابان“، و”جسور التواصل الحضاري بين العالم الإسلامي واليابان“، و”فهم الإسلام في اليابان بين الماضي والحاضر“. ترجم العديد من الكتب عن الأردية والفارسية واليابانية، ومن ترجماته عن اليابانية (بالاشتراك): خيط العنكبوت وقصص أخرى من الأدب الياباني و ”ياباني في مكة“، و"تاناكا ايبيه رائد الدراسات الإسلامية ورحلاته إلى الجزيرة

    مقالات أخرى في هذا الموضوع