أزمة تواجه المطبخ الياباني !
ثقافة لايف ستايل المطبخ الياباني- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تم بتاريخِ ١٢ديسمبر/كانون الأول عام ٢٠١٣ ادراجَ المطبخ الياباني التقليدي (واشوكو) في لائحة اليونيسكو للتراث الثقافي العالمي. ومما يلفت النظر أن اليونيسكو لم تدرج صنفاً محدداً من المطبخ الياباني مثل الأطعمة المقدمة في المحلات الفاخرة أو الأطعمة الخفيفة (الكايسيكي) المقدمة في حفلات الشاي الياباني وإنما أدرجت بشكل رئيسي المطبخ الياباني التقليدي المنزلي. وهنا، توالت تغطية التلفزيونات والصحف الواحدة تُلوَ الأخرى إلى مكان عملي (غرفة التصميم العائلي × ٢٠٠) حيث تُقام فيها أبحاث واستطلاعات متعلقة بموائد الطعام في المنزل.
وسألني الجميع: ”ما هو وضع الطعام المنزلي في الآونة الاخيرة؟“، ولكن لم يكن القصد الحقيقي من السؤال مجرد التّعرف على واقع الطعام المنزلي. فقد عبر أحد الصحفيين عن قلقه قائلا: ”كشخص ياباني أشعر بالفرحة لتسجيل الطعام الياباني التقليدي على قائمة التراث الثقافي لليونسكو، ولكن أليس الواقع مختلف تماما؟“.
أما المراسل التلفزيوني الذي جاء لإجراء مقابلة، فعلق باستهزاء: ”تناولت الليلة الماضية الكاري والرز، وتضمنت وجبة فطوري الخبز والقهوة، وتناولت المعكرونة في فترة الغداء“. وهذا حال الكثيرين في اليابان اليوم.
وعلى عكس تسجيل (جبل فوجي) على لائحة مواقع التراث العالمي والفرحة التي عمت آنذاك حول هذا الخبر في شهر يوليو/تموز من العام الفائت، فقد بدا أن خبر تسجيل (المطبخ الياباني) أخذ يدفع كل مواطن ياباني بطريقة أو بأخرى لمراجعة طاولة الطعام الياباني المحضر في المنزل.
الابتعاد عن الواشوكو وزيادة وجبات (الطبق الواحد)
لقد مضى نحو ١٧ عاماً منذ بدأت أبحاثي التي تركز على الأسرة اليابانية. وبحلول نهاية العام الماضي، تَّمكنتُ من جمع تحليل سجلات يومية لنحوِ ٣٥٥ أسرة وملاحظات حول ٧٤١٣ مائدة طعام اضافةً الى ١٣٠١٢ صورة فوتوغرافية للأطعمة المحضرة في المنازل اليابانية. وعند النظر إلى هذه الاحصاءات، يمكنني التأكيد على أن الواشوكو آخذٌ في النقصان من موائد الطعام المنزلية وبشكل واضح.
فعلى سبيل المثال، أصبحت أطعمة الواشوكو التي تحتوي بشكل رئيسي على الخضراوات المقطعة وشرائح السمك الطازجة والتي تحضر سلقا بالماء أو بإضافة الخل وحساء الداشي شبه معدومة من قائمة الطعام المنزلي حيث تم استبدالها بالأطعمة المقلية على الطريقة الغربية، وحتى طبق التمبورا الياباني حيث أصبح من النادر جدا رؤيته على مائدة الطعام في المنزل. أما طبق التشاوان موشي الذي يحضر بتبخير مزيج البيض ولحم الدجاج والجمبري وغيرها من المكونات فقد اختفى كليا من حياة اليابانيين المنزلية.
وهكذا فَعند العودة إلى مذكراتي في السنوات العشر الماضية، أجد من الصعب للغاية العثور على شواهد للأطباق الجانبية المحضرة على الطريقة اليابانية والتي يتم تناولها مع الأرز وحساء الميسو. فقد امتزجت الأطعمة الغربية واليابانية معا حيث أصبح تناول السمك المشوي إلى جانب صلصة الكريمة أمراً مألوفاً جداً وكذلك الأطعمة المسلوقة المحضرة على الطريقة اليابانية فكثير ما يتم تناولها مع الخبز بدلا من الأرز، وحتى الأونيغري أو كرات الأرز فقد أصبحت تؤكل بدورها ايضاً مع مشروبات كالعصير أو الحليب. اضافة الى ازدياد وجبات الطبق الواحد في الآونة الأخيرة لتحل عوضا عن الأطباق المتنوعة من الخضراوات والحساء وغيرها.
وخلال فترة دراسة مدتها أسبوع واحد لأي مطبخ ياباني، لوحظ أن الأطعمة الأكثر تفضيلاً كانت الكاري والمعكرونة والأرز المقلي (تشاهان) والنودل المقلية (ياكي سوبا) والرامن، وأن عدداً متزايداً من الناس يفضل تناول الخبز بدلا من الأرز في وجبة الإفطار.
لماذا ومنذ متى ابتعد اليابانيون عن المطبخ الياباني التقليدي؟
إدخال الثقافة الغربية ودور القطاعين العام والخاص
يقال في الكثير من الأحيان أن الثراء الاقتصادي والمواد الغذائية المتنوعة المستوردة من الخارج كانت السبب وراء تغير الأفضليات في الطعام لدى اليابانيين. ولكن التساؤل هو ما مدى صحة ذلك؟ -
في الواقع، هنالك خلفية تاريخية للإصلاحات البارزة التي قامت بها اليابان منذ منتصف الخمسينيات وحتى فترة الستينيات والتي هدفت لاستيعاب الثقافة الغربية داخل مائدة الطعام اليابانية. فقد لعب القطاعان العام والخاص دوراً كبيراً في تسليط الضوء على النظام الغذائي الغربي باتخاذ البدائل كالطحين (الخبز) إضافة إلى اللحوم والحليب والبيض وغيرها من الأطعمة المشبعة بالدهون الحيوانية والبروتين عوضاً عن الأرز والبطاطا والبقول والتي كانت ومازالت تُعتبر من المكونات الرئيسية في النظام الغذائي القديم.
ولعل احد جوانب تلك الفترة الزمنية يتمثل في (اتفاق فائض المنتجات الزراعية) (عام ١٩٥٥) الذي يستوجب قبول فائض المنتجات الزراعية من الولايات المتحدة، ولكن السياسات الزراعية الأمريكية كانت قد بدأت قبل تلك الفترة بالعمل على تغلغل بعض المنتجات الأمريكية في حياة اليابانيين وذلك نظراً لما تجلبه من منافع اقتصادية.
ومع ذلك، فقد اتبعت اليابان آنذاك النمط الغربي بيسر بُغيةَ اللحاق بمستوى المعيشة في كل من الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية وعملت ضمن إطار مشترك بين مجموعة متنوعة من الهيئات مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية ومديريات المحافظات والمدن وجمعية الغذاء اليابانية لإيجاد آلية مناسبة لاستيعاب ثقافة الطعام الغربية داخل المجتمع الياباني. وكان الاتجاه نحو تغيير البنية الجسدية الضعيفة لدى اليابانيين الذين خسروا الحرب وتحويلها إلى بنية قوية صحية.
كما تمثلت إحدى الأمثلة النموذجية في (حركة تحسين النظام الغذائي) تحت رعاية جمعية الحياة الغذائية اليابانية التابعة لوزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية. وحسب ما يذكر العديد من اليابانيين فقد جالت ما عرف بـ (سيارة المطبخ) جميع أنحاء البلاد (١٩٥٤-١٩٦٠) بتمويل من الولايات المتحدة للتعريف بالنظام الغذائي الغربي وتقديمه والذي يعتمد بالدرجة الاولى على تناول اللحوم والدهون وأكل الخبز، والإعلان الشهير (١٩٦٣) الذي تضمن أغنية ”البروتين غير كاف...“ والذي تمت إذاعته مراراً وتكراراً على شاشات التلفزة في ذلك الوقت.
أما في (الصفحات البيضاء المختصة بحياة المواطنين طبعة ١٩٦٢)، والذي ظهر في مسح دخل الأسرة نظام يعتمد على الحد من استهلاك الأرز وزيادة استهلاك اللحوم والألبان والبيض وأطلق عليه (النظام الغذائي المتطور) فقد كان موضع ترحيب واسع. واعتبرت تلك الاجراءات الشاملة في كل من القطاعين العام والخاص في ذلك الوقت نقطة تحول هامة فيما طرأ من تغير على موائد طعام اليابانيين اليومية.
الستينيات وازدهار المواد الغذائية الفورية والوجبات السريعة
وانني لأعتقد أنه لا يمكن تجاهل ازدهار سوق المواد الغذائية المصنعة في ذلك الوقت بوصفه عاملاً هاماً في تسارع هذه الحركة. كما يطلق على عام ١٩٦٠ (العام الأول من المواد الغذائية الفورية والوجبات السريعة) التي ظهرت واحدة تلو الأخرى بدءا من نودلز الرامن الفوري مرورا بالقهوة الجاهزة والكاري. ومن هذا المنطلق أخذ سوق المواد الغذائية المصنعة في التوسع بشكل كبير، حيث تم التركيز على اثارة اهتمام ربة المنزل اليابانية الملمة بالطبخ الياباني فقط، وتم إنتاج سلع جديدة كصلصة اللحم المعلبة لتحضير السباجيتي/ المعكرونة الرفيعة وصلصة الكاري لتحضيرها مع الأرز ومكعبات الحساء بنكهات الكريمة ولحم البقر وأنواعاً مختلفة من الصلصة تضاف إلى سلطات الخضار النيئة بالإضافة إلى مرق توابل التوفو. وقد أدى توفر هذه المواد في السوق إلى ما عُرِفَ باختراق ثقافة الأطعمة الغربية (والصينية أيضا) المنزل الياباني. هذا وقد انخفض استهلاك الأسرة اليابانية وبشكل ملحوظ لأسماك البينيت المجففة والتوابل اليابانية مثل صلصة الصويا والميسو التي كانت تعتبر من التفضيلات الاساسية الأولية لليابانيين عموما (بموجب احصاء مسح دخل الأسرة)
أما بالنسبة للأشخاص الذين ولدوا بعد عام ١٩٦٠، وذلك عندما تم ادخال المذاق الغربي في المطبخ الياباني المنزلي، فقد تخطى هؤلاء الاشخاص الآن سن الخمسين وهم يشكلون حوالي ٦٠٪ من عدد سكان اليابان. ومقارنة مع الجيل السابق، فَهَمٌ أقل دراية بالطعام الياباني التقليدي وفي نفس الوقت ليسوا موجهين نحو الطعام الغربي فقط. لقد ضعفت مهارات الطبخ الياباني لديهم وإذا سئلوا عن مهارات الطبخ الخاصة بهم فيتحدثون بفخر عن وصفاتهم الإيطالية والفرنسية وغيرها من الوصفات الأجنبية. وبالرغم من أن توارث التقاليد من الآباء والأمهات أخذ بالتناقص، فقد يبدو من الصعب طبخ الطعام الياباني التقليدي (الواشوكو) مقارنة مع المطبخ على النمط الغربي الذي انتشر وانتصر بشكلٍ واسع وذلك من خلال وصفاته البسيطة منذ البداية.
السؤال الذي أثاره نبأ التسجيل على قائمة اليونسكو
لقد تحول – الواشوكو- من صورته التقليدية التي تمثلت بعبارات مثل (محلي الصنع) و(الطعام من تحت يد أمي) إلى صورة جديدة يمكن تلخيصه بعبارة خاصة بربة المنزل المعاصرة وهي (أُحضّر الواشوكو فقط في وقت الفراغ للمتعة). ولعل طعام الواشوكو المحضر في المنزل بدأ بالتلاشي من مائدة اليابانيين اليومية في وقت أصبح فيه الطعام الغربي سهل التحضير موضع اهتمام، مع العلم أن الإشارة إلى كلمة (الواشوكو) مازالت تحمل معها الصورة التقليدية المتمثلة بأصالة هذا الطعام وأهميته في المنزل الياباني ولعل هذا من المفارقات وأمر مثير للدهشة والاستغراب وعلى ضوء تضاؤل ظهور (الواشوكو) على مائدة الطعام المنزلية، فلربما يدفع خبر تسجيل الطعام الياباني التقليدي في قائمة التراث الثقافي العالمي بالمواطن الياباني للقيام بمراجعة مائدة الطعام المحضرة في المنزل والتساؤل عن ماهية الطعام المنزلي الياباني فيما مضى بشكل أو بآخر.
(المقالة الأصلية باليابانية، الترجمة من الإنكليزية، في ٢٤ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٤)