مكانة جبل فوجي في قلوب اليابانيين

ثقافة

استقبل موقع Nippon.com عام ٢٠١٢ بهذا المقال عن جبل فوجي الذي يعاد نشره هنا والمأخوذ أصلاً من مجلة صدى اليابان، حيث يُعتقد أن رؤية جبل فوجي في أول منام من العام الجديد هو من أكثر الأشياء تيمناً وبَركة. يستعرض تاكاشينا شوجي في هذه المقال جبل فوجي من النواحي الفنية والتاريخية والثقافية.

جبل فوجي والسياحة

في حين أن تسلق جبل فوجي بهدف الحج من قبل جماعة ’’فوجي كو‘‘ كان ظاهريا ذو طبيعة دينية، إلا أنهم أيضا كانوا يتسلقون الجبل كنوع من السياحة والرياضة حيث شكّل ذلك فرصة لسكان مدينة إيدو لرؤية مناظر لم يعتادوا عليها من قبل ولزيارة مدن جديدة وتجربة عادات جديدة ومناسبات، وببساطة الابتعاد عن كل ما يتعلق بمدينة إيدو. الأمر ذاته ينطبق على الحج إلى إيسيه وجبل كوتوهيرا في جزيرة شيكوكو والمشهورين بمعبديهما. هذا ويقدر المؤرخون، اعتمادا على وثائق معاصرة من بينها تقارير مرسلة إلى شوغوناتيه من قبل قاضي يامادا في إيسيه في بداية القرن الثامن عشر، ولعل أنّه كان هنالك كما يبدو عدد يتراوح ما بين ٥٠٠٠٠ و٦٠٠٠٠ شخص ممن كانوا يزورون معبد إيسيه خلال السنة العادية. أما في السنوات التي شهدت مراسم خاصة فقد كان تتجمع في إيسيه أعداد مضاعفة بعدة مرات من الأشخاص الوافدين من مختلف أنحاء اليابان حيث كانت تصطف على جانبي الشوارع المحيطة بالمعبد امام محلات بيع التذاكر ونزل السكن ومراكز المعلومات وأيضا على طول الطريق المؤدية إلى هناك من المدن المجاورة. وبالإضافة لزيارة المعبد والتي هي الهدف الرئيسي للذهاب إلى إيسيه بالتأكيد، وكان الحجاج يستمتعون أيضا برؤية المناظر على طول الطريق. فقد كان الذهاب  إلى إيسيه شيئا يقوم به أناس من مختلف الأطياف بسهولة وأمان حسب ما أظهرته التقارير في ذلك الوقت وبأنه كان ايضاً بين الحجاج نساء وأطفال. حيث كان السفر بشكل عام شائعا للغاية خلال حقبة إيدو. وبالطبع لم يكن الأمر غريبا عن اليابانيين كما تشير مذكرات شهيرة مثل ’’توسا نيكّي‘‘ (٩٣٥: مذكرة توسا) لـ’’كي نو تسورايوكي‘‘ و’’إيزايوي نيكّي‘‘ (١٢٨٠: مجلة قمر الليلة السادسة عشر) في شهادة لــ’’أبوتسو ني‘‘. ولكن شهدت حقبة إيدو إقبالا غير مسبوق على السفر وذلك لعدة أسباب. فنظام ’’سانكين كوتاي‘‘ الذي وضعه شوغوناتيه  كان يلزم الإقطاعيين والأسر المسؤولين عنها السفر ذهابا واياباً بين مقاطعاتهم ومدينة إيدو، وهذا بالإضافة للنمو السريع للتجارة الأمر الذي يتطلب نقل البضائع. ففي تلك الأثناء ومع استمرار السلام الذي فرضه توكوغاما شوغوناتيه، تولد لدى الناس فضول للسفر بهدف الاستجمام. واستجابة لتلك العوامل، تم بالتالي فتح طرقات وانتشرت النُزل واماكن المبيت والاستراحة على طول الطرق، بينما ضمنَ تطور نظام البريد شبكة اتصالات مميزة تغطي أرجاء البلاد. وهكذا تضافرت كل تلك العوامل لزيادة عدد الناس الذين يسافرون في أنحاء البلاد. وكان ’’توكايدو‘‘ الطريق الواصل بين مدينة إيدو التي شهدت نموا سريعا في الشرق ومدينتي كيوتو وأوساكا في الغرب من أكثر تلك الطرقات ازدحاما. ومن جانب آخر يشير الإقبال الكبير على شراء رواية ’’متشرد جيبّينشا إكّو‘‘ أو ’’على الطريق‘‘ و’’توكايدوتشو هيزاكوريغيه‘‘ (١٨٠٢ـ٩: عرقوب ماري) والشعبية الكبيرة لسلسلة ’’المحطات الثلاثة والخمسين لتوكايدو‘‘لهيروشيغيه والتي نشر منها ثلاث نسخ منفصلة، إلى جاذبية السفر على طريق ’’توكايدو‘‘ وتأثير الطريق السريع على المخيلة الجماعية لليابانيين.

هيروشيغيه. ’’هارا‘‘ من ’’المحطات الثلاثة والخمسين لتوكايدو‘‘.

كانت رؤية جبل فوجي من أماكن مختلفة على طول طريق ’’توكايدو‘‘ إحدى متع السفر في ذلك الطريق. وقد طُبع عدد كبير من الخرائط والمطبوعات الإرشادية في حقبة إيدو والتي توضح كل الجوانب البارزة الرائعة لجبل فوجي وطرق الرحلات. كما مُجّد جمال الجبل باستمرار في مذكرات السفر ومحاضرات السفر التي تبقت لنا منذ ذلك الوقت، وكانت مشاهدات المسافرين عن جبل فوجي موضوعا شائعا للرسامين والشعراء على حد سواء. فقد كتب شاعر الهايكو والرحالة الشهير باشو في ’’نوزاراشي كيكو‘‘ (١٦٨٥: أرشيف هيكل مكشوف للطقس) القصيدة التالية بعد أن عبر من مدينة هاكونيه في جو ماطر حيث كان جبل فوجي مختفيا بين الغيوم:

ضباب ورذاذ

كان اليوم مثيراً للاهتمام

ولكن ليس لرؤية جبل فوجي

يمكن للمرء القول بأنّ جبل فوجي محفور بعمق في قلب الشاعر بحيث يمكن أن يظهر له حتى عندما يحتجب عن الرؤية. وفي القرن الثامن عشر كتب شاعر ورسام مدينة كيوتو ’’بوسان‘‘ متذكرا رحلة قام بها إلى مدينة إيدو القصيدة التالية مستحضراً صوراً حية تماماً مثل أي لوحة:

جبل فوجي وحيد

تُرك دون غطاءٍ

بالأوراق الجديدة

وجنباً إلى جنب مع وصف المسافرين العاديين لمشاهدتهم لجبل فوجي، فقد لعبت الأعمال الفنية والأدبية أيضاً دوراً مهماً في انتشار صورة جبل فوجي وفي ترسيخها في الوعي الجماعي لليابانيين. كما يدلل على الموقع المتميز الذي ناله جبل فوجي كأحد معالم الإعجاب العالمي عادةً وذلك من خلال إطلاق ألقاب على جبال محلية تحمل اسم فوجي متبوعاً باسم المنطقة وذلك مع بداية حقبة إيدو. ومن تلك الأمثلة كان جبل إيواكي في محافظة آوموري الذي كان يطلق عليه اسم تسوغارو فوجي وجبل كايمونداكيه في محافظة كاغوشيما ثم اصبح يطلق عليه اسم ساتسوما فوجي. وفي العصر الحديث، ازداد إطلاق أسماء فوجي على الجبال انتشاراً ليصل العدد الكلي إلى نحو ٣٥٠ اسماً في مختلف أرجاء البلاد. هذا ويبقى مدى تشابه تلك الجبال الفعلي مع جبل فوجي الأصلي موضع جدل ونقاش، إلا أنه يكفي التنويه الى انّ أسمائها فقط وعلى النحو المبيّن آنفاً تشير ببلاغة إلى المكانة الفريدة التي احتلها جبل فوجي في قلوب اليابانيين.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية، نشرت لأول مرة في جابان إيكو/ صدى اليابان، مجلد ٣٠، رقم ١، مارس/آذار ٢٠٠٣)

كلمات مفتاحية

ثقافة جبل فوجي كاتسوشيكا هوكوساي الفن أوكييو-إيه

مقالات أخرى في هذا الموضوع