مكانة جبل فوجي في قلوب اليابانيين

ثقافة

استقبل موقع Nippon.com عام ٢٠١٢ بهذا المقال عن جبل فوجي الذي يعاد نشره هنا والمأخوذ أصلاً من مجلة صدى اليابان، حيث يُعتقد أن رؤية جبل فوجي في أول منام من العام الجديد هو من أكثر الأشياء تيمناً وبَركة. يستعرض تاكاشينا شوجي في هذه المقال جبل فوجي من النواحي الفنية والتاريخية والثقافية.

عبادة جبل فوجي

بُنيت أول ’’فوجيزوكا‘‘ من قبل أعضاء جماعة تعرف بــ’’فوجي كو‘‘، وهي جمعية مخصصة لتسلق جبل فوجي كطقوس دينية. وكان كل أعضاء ’’فوجي كو‘‘ يجمعون الأموال لرعاية رحلات حج سنوية يشارك بها ثلث إلى خمس الأعضاء، وهكذا وبمرور ثلاث إلى خمس سنوات يكون جميع الأعضاء قد أتموا صعود الجبل مرة على الأقل. وعلى اعتبار أن تلك الرحلات حملت طابعا دينيا، فقد كان المشاركون يقومون أولا بزيارة مزار سينغين على سفح الجبل والوضوء هناك. ومن ثم يتسلق المشاركون الجبل مرتدين جلابيب بيض تعبيرا عن الزهد الديني ولتقديم التعظيم في المزار الموجود على قمة الجبل. وبعد ذلك، تنزل مجموعة الحجاج من الجبل عن طريق مسار مختلف إلى واحدة من المدن الواقعة على سفح الجبل، حيث يستمتعون بالطعام والشراب والترفيه. كانت رحلات الحج بمثابة ما يمكن أن نطلق عليه اليوم رحلة سياحية منظمة فقد كانت تضم ٢٠ إلى ٣٠ حاجا ومرشدا خبيرا بطريق الحج مع إعداد مسار الرحلات والتي شملت أيضا أماكن الإقامة.

هوكوساي. ’’شوجين توزان‘‘ (مجموهة من متسلقين الجبل)، من ’’الستة والثلاثين منظرا لجبل فوجي‘‘.

اكتسبت جماعة ’’فوجي كو‘‘ شعبية كبيرة، كما أنها كانت تقوم أيضا بترتيل التعاويذ وتلاوة الصلوات من أجل الشفاء من المرض وبيع الرُقى لدرئ سوء الحظ. في الواقع، وعلى الرغم من حظر الجماعة المتكرر من قبل شوغوناتيه، التي كانت تخشى من انتشار الديانات الشعبية، استمرت ’’فوجي كو‘‘ في الانتشار حيث وصل تعدادها في احدى المراحل إلى نحو ٨٠٨  فئة منها  داخل مدينة إيدو وحدها، وذلك وفقا للسجلات المعاصرة. لم يكن جبل فوجي بالنسبة للمواطنين في إيدو مجرد أكثر المعالم ألفة بل كان أيضا واحدا من الأشياء الأكثر دراية في العبادات الدينية. لقد نظر اليابانيون منذ العصور القديمة إلى الجبال بتقديس خاص، سواء كعبادة لهم في حد ذاتها كآلهة ’’كامي‘‘ أو بوصفها أماكن للانخراط  في التقشف الديني في عقيدة طائفة ’’شوغيندو‘‘التي تقوم على الزهد في الجبال. كما يحظى جبل فوجي بشكل خاص بتبجيل بوصفه قمة مقدسة وذلك منذ زمن بعيد.وهناك مايدعو إلى الاعتقاد بأن موقع فترة جومون في فوجينوميا الذي يتمتع بإطلالة ممتازة على جبل فوجي، كان معبدا مارس فيه اليابانيون الأوائل عبادة الجبل. وفي قصيدة ’’تشوكو‘‘ في موضوع يتعلق بجبل فوجي في ’’مانيو شو‘‘ وهي قصيدة لتاكاهاشي نو موشيمارو والتي تشير إلى أن الجبل هو ’’الإله الحارس لياماتو، الأرض التي تشرق منها الشمس‘‘ وبعبارة أخرى، جبل الإله الذي يحمي كل اليابان. وبالإضافة إلى ذلك، توثق ’’نيهون ريويكي‘‘ (مجموعة حكايات دينية تعود إلى القرن التاسع) أن مؤسس شوغيندو’’إن نو غيوجا‘‘ كان يصعد جبل فوجي كل ليلة عندما تم نفيه إلى إيزو. مثل الأسطورة المذكورة آنفا عن الأمير شوتوكو الذي صعد جبل فوجي على ظهر حصان، تدل قصص من هذا النوع على السحر الخاص لجبل فوجي لدى الشعب الياباني. اما في ’’فوجيسان-كي‘‘ في القرن التاسع، فقد كتب مياكو نو يوشيكا أن جبل فوجي هو المكان الذي تتجمع فيه كائنات خارقة للاستجمام، كما شوهدت اثنتين من النساء الجميلات بجلابيب بيض ترقصان على قمة الجبل أثناء مهرجان في الشهر الحادي عشر من سنة ٨٧٥. في ذلك الوقت كان هناك اعتقاد بأن جبل فوجي هو مسكن لــ’’أساما‘‘ آلهة البراكين، وقد تم بناء مزارعند سفح الجبل لتعظيمها. على الرغم من أن بركان جبل فوجي لم يكن نشطاً خلال القرون الثلاث الماضية، إلا أنه ثار مرارا قبل ذلك الوقت، وعززت رؤية الجبل يقذف دخانا أسودا في السماء ’’غوجينكا‘‘ أو ’’النار الإلهية‘‘ من الانطباع بأن للجبل قوة هائلة. وتعتبر ’’تاكيتوري مونوغاتاري‘‘ أو ’’قصة قاطع القصب‘‘ أقدم عمل أدبي في اليابان يتطرق إلى هذا الجانب من جبل فوجي في خاتمته، حيث تحاول أيضا شرح أصل اسم فوجي. فبعد عودة البطلة كاغويا-هيميه إلى القمر، أمر الإمبراطور بحرق إكسير الخلود الذي تركته على قمة الجبل الأقرب إلى الجنة. ولهذا السبب، نقل إلينا أنه يمكن دائما رؤية الدخان الأسود يتصاعد من الجبل الذي اسمه مشتق من كلمة الخلود ’’فوشي‘‘. وبغض النظر فيما إذا كان هذا التفسير صحيحا أم لا، فهذه القصة تعكس بوضوح شعور الرهبة من الجبل المستوحاة بدون أدنى شك من أولئك الذين شاهدوا الجبل يقذف دخانا ونارا. وتقدم مذكرات سفرٍ كتبت في القرن الحادي عشر ’’ساراشينيا نيكّي‘‘ أو ’’عندما عبرت جسر الأحلام‘‘ وصفا مقتضبا ولكنه ملائم لهذه الرؤية التي لا يمكن نسيانها: ’’يبدو جانب الجبل بشكل نادر لهذا العالم ...... يرتفع الدخان من منطقة مسطحة صغيرة على القمة، وفي المساء يمكن للمرء أن يشاهد نيران مشتعلة‘‘.

وصول الكائنات السماوية لاصطحاب كاغويا-هيميه في عودتها إلى القمر، من لوحة مرسومة قابلة للطي تصور تاكيتوري مونوغاتاري. (مكتبة جامعة ريكّيو).

استخدمت هذه النيران كرسم فني في تصميم رائع لــ’’جينباوري‘‘ من الصوف، أو كمعطف (سترة طويلة تلبس فوق الدرع) يُقال إنها كانت مفضلة لــ’’تويوتومي هيديئيوشي‘‘. حيث تغطي فيها صورة جبل فوجي الجزء الخلفي من الثوب. وتدور ’’النار الإلهية‘‘ فوق الجبل في حين يؤكد رسم دائرة كبيرة ’’قطرات الماء‘‘ على الجزء السفلي. إنها تركيب بارع وتصميم واضح وفعّال للقماش. كما استخدم رسم فوجي بشكل متكرر في زخرفة المعدات العسكرية بما فيها الخوذ والدرع والسروج والسيوف والسكاكين. ولعل أحد الأسباب التي تجعل المحاربين مولعين بهذا الرسم في اعتقادهم يكمن في أن فوجي مرتبط بالخلود.

معطف عليه تصميم جبل فوجي باللون الأصفر والخلفية منسوجة بصوف أسود. (متحف قلعة أوساكا).

كان جبل فوجي في الحقيقة محط تركيز العديد من العقائد الدينية. فخلال فترة العصور الوسطى عندما كانت الديانتان البوذية والشينتو متقاربتين بشكل يكاد يكون متلاصقاً تماماً، بُني معبد بوذي على قمة جبل فوجي حيث ظهرت هنالك فرقة تبشر أن الأرض النقية للبوذا أميدا تقع على قمة جبل فوجي. ولا تزال العديد من رموز جبل فوجي الدينية موجودة من تلك الفترة، يظهر أحدها ثالوث أميدا (أميدا محاط بالبوديساتف ’’كانّون‘‘ و’’سيئيشي‘‘) على القمة، ويحمل آخر كلمات الــ’’نينبوتسو‘‘ وهي ’’نامو أميدا بوتسو‘‘. ولكن في بداية حقبة إيدو ارتبط جبل فوجي في المقام الأول بالإلهة كونوهانا ساكويا هيميه التي تظهر في ’’كوجيكي‘‘ وهي التي بقيت إلهة الجبل الرئيسية حتى وقتنا الحالي.  كما يبقى جبل فوجي في عالم الاعتقاد الشعبي رمزا للحظ الجيد. وحتى وقتنا الحالي، يؤمن العديد من اليابانيين بأن الحلم الأول من كل عام نذير وبشيرعن السنة المقبلة، وأكثر أولى الأحلام حظا تلك التي تكون حول جبل فوجي. وتكتنف العقائد الدينية المتعلقة بجبل فوجي جوانباً من الشينتو والبوذية والطاوية (شوغيندو) والدين الشعبي. ويبقى جبل فوجي من خلال تلك المواقف المتشابكة مرتبطا بشكل وثيق بقلوب الشعب الياباني.

الصفحة التالية: جبل فوجي والسياحة

كلمات مفتاحية

ثقافة جبل فوجي كاتسوشيكا هوكوساي الفن أوكييو-إيه

مقالات أخرى في هذا الموضوع