مكانة جبل فوجي في قلوب اليابانيين

ثقافة

استقبل موقع Nippon.com عام ٢٠١٢ بهذا المقال عن جبل فوجي الذي يعاد نشره هنا والمأخوذ أصلاً من مجلة صدى اليابان، حيث يُعتقد أن رؤية جبل فوجي في أول منام من العام الجديد هو من أكثر الأشياء تيمناً وبَركة. يستعرض تاكاشينا شوجي في هذه المقال جبل فوجي من النواحي الفنية والتاريخية والثقافية.

جبل فوجي في حقبة إيدو

خلال فترة حكم اليابان من عواصم مثل نارا وكيوتو، كان جبل فوجي معروفاً لدى معظم اليابانيين بسمعته فقط، وذلك لأن عددٌ قليلٌ نسبياً من الناس كانت تسافر إلى المنطقة الشرقية النائية حيث يوجد الجبل. ولكن بالنسبة لسكان إيدو فقد كان الجبل جزءا من المشهد اليومي. وفي يوم صحو من أيام طوكيو المعاصرة، يمكن للمرء في بعض الأحيان أن يشاهد ظلال قمة جبل فوجي من أعلى قمة ناطحة سحاب في المدينة. إلا أن منظر فوجي كان مألوفاً بشكل أكبر وكان أوضح رؤية لمواطني مدينة إيدو. وإذا ما بالغت مطبوعات أوكييو-إيه في بعض الأحيان في حجم جبل فوجي بالنسبة للمدينة فإن ذلك يعود إلى كونها الطريقة التي كان سكان إيدو يرون بها هذا الجبل بعقولهم. وقد بنى اللورد الإقطاعي أوتا دوكان قلعة إيدو في منتصف القرن الخامس عشر، وعندما كانت المدينة لاتزال هادئة. وبوصفه رجلٌ ذو ذوق رفيع، فقد كان أوتا دوكان يستمتع بالتحديق بقمة جبل فوجي المقدسة وهو جالس في غرفة معيشته، وهذا مشهد وصفه في قصيدة له تتعلق بهذا الموضوع: ’’بيتي يقع في بستان صنوبر بالقرب من شاطئ البحر/ وقمة جبل فوجي الشامخة ترتفع متجاوزة إفريز سطح المنزل‘‘. بالنسبة لدوكان، كان جبل فوجي جزءا من المشهد اليومي، وكان الحال كذلك بالنسبة لسكان إيدو حتى بعد أن غدت أكبر مدينة في اليابان. ومن بين ١٢٠ لوحة تباع بوصفها ’’المناظر المائة لإيدو‘‘ لهيروشيغيه (بما في ذلك الغلاف والمطبوعة المضافة من قبل فنان آخر بعد وفاة هيروشيغيه)، هناك ١٩ مطبوعة أُخرى تصور جبل فوجي بوضوح، من بينها أول مطبوعة من سلسلة ’’ نيهون باشي يوكيباري‘‘ أو ’’نيهون باشي، الصحو بعد الثلج‘‘. حيث يظهر هنا جبل فوجي ناصع البياض في خلفية مشهد جسر نيهون باشي المغطى بثلوج بيضاء ناصعة. وجاء موقع جسر نيهون باشي، الموجود في قلب شيتاماتشي (المدينة المنخفضة) في مدينة إيدو حيث كان يتركز فيها النشاط التجاري وبيوتات الطبقة الوسطى من السكان، ليسمح برؤية رائعة لجبل فوجي، وبالنسبة للناس في إيدو كانت ’’أول رؤية لجبل فوجي‘‘ من على جسر نيهون باشي في ثالث يوم من الشهر الأول من كل عام والذي يعتبر أيضاً من المناسبات المهمة.

هيروشيغيه. ’’نيهونباشي، الصحو بعد الثلج‘‘، من ’’المناظر المائة لإيدو‘‘.

كما توجد بعض صور جبل فوجي من ’’المناظر المائة لإيدو‘‘ في مطبوعة ’’سوروغو-تشو‘‘. ومن خلال استخدام منظور من النمط الغربي لرسم العمق، ثَمّكن هيروشيغيه من رسم الخطوط الأفقية للشارع وواجهات المتاجر بحيث تتلاقى باتجاه نقطة التلاشي في الوسط ورسم جبل فوجي العظيم مرتفعا مباشرة فوق تلك النقطة وكأنه مظلة كبيرة تخيم على الشارع. ولم يكن هذا المنظر محض صدفة، فقد كان العديد من شوارع مدينة إيدو يقود إلى نقطة تتجه نحو جبل فوجي مباشرة، من بينها هذا الشارع والذي سمي فيما بعد مقاطعة سوروغا (محافظة شيزوكا حاليا)، حيث يوجد فيها جبل فوجي. كما أُطلقت على العديد من شوارع وأحياء إيدو أسماء تشير إلى جبل فوجي، وأسماء أخرى مأخوذة من الأُلفة التي كان مواطنو مدينة إيدو ينظرون بها إلى الجبل. وقد بقي عدد غير قليل من هذه الأسماء مثل سوروغا-داي وفوجيمي-تشو مستخدما حتى اليوم. وفي الحقيقة، لعب جبل فوجي دورا مهما في مخطط  إيدو ’’الجديدة‘‘ التي نشأت بعد تأسيس توكوغاوا شوغناتيه في عام ١٦٠٣.

هيروشيغيه. سوروغا-تشو، من ’’المناظر المائة لإيدو‘‘.

منذ بناء العواصم القديمة لليابان ’’هيئيجوكيو‘‘ (نارا) و’’هيئانكيو‘‘ (كيوتو)، كانت المدن اليابانية مختلفة عن نظيراتها من العواصم الصينية النموذجية والغربية في كونها غير مُسَّورة وبالتالي كانت تفتقر إلى الحدود الخارجية الواضحة. كما انها لم تكن تحتوي على معالم أثرية عظيمة وأقواس نصر وأعمدة وأشياء أخرى هي بمثابة المعالم والرموز في الغرب. فقد لعبت الجبال في منطقة هيغاشيياما في كيوتو على سبيل المثال دور المعالم في المدن اليابانية وليس الهياكل الاصطناعية. اما في حال مدينة إيدو، فقد كان هناك اثنين من هذه المعالم: جبل تسوكوبا في الشمال وجبل فوجي في الغرب. وقد تم تنظيم بناء مدينة إيدو وفقا لمبادئ فينغ شوي للتنجيم، والتي تدعو إلى بناء طريق سريع يوصل إلى الغرب، وقد كان توكايدو الذي يبدأ من جسر نيهون باشي ذلك الطريق السريع و جبل فوجي اعظم المعالم السياحية الذي يُرى من مدينة إيدو. لقد كانت هذه هي المودة والتبجيل التي شعر بها أهالي إيدو حيال جبل فوجي، كما أنّهم ذهبوا أبعد من ذلك ببناء العديد من النماذج التقليدية المصغرة المسماة ب ’’فوجيزوكا‘‘ داخل المدينة. ومع انتشار عبادة جبل فوجي في حقبة إيدو، أصبح من الشائع جدا تسلق الجبل بوسيلة أو بأخرى. وقد تم منح ’’فوجيزوكا‘‘ لأولئك الناس الذين لم يتمكنوا من تسلق جبل فوجي الحقيقي. وبالرغم من أن ’’فوجيزوكا‘‘ صغيرة مقارنة بالحجم الحقيقي للجبل، فقد تم رسمها في مطبوعة ’’ميغورو شين-فوجي‘‘ أو ’’نموذج جديد مصغر لجبل فوجي في ميغورو‘‘ في ’’المائة منظر لإيدو‘‘ لهيروشيغيه بطول ١٥ مترا تقريبا وتكتمل مع بوابة ’’شينتو توري‘‘ في الأسفل ومع طريق يقود إلى مزار مصغر، فضلا عن مسار يستطيع الزوار من خلاله التسلق إلى القمة. وكانت ميغورو تحتوي على أقدم مصغرة لجبل فوجي، وأيضا تم رسمها في ’’المائة منظر لإيدو‘‘، ووفقا للسجلات، فقد جذبت كل من ’’فوجيزوكا‘‘ الجديدة والقديمة الكثير من الزوار. وإجمالا كان هناك سبع مصغرات لجبل فوجي في إيدو، ولايزال بعضها قائماً حتى اليوم. وهكذا فمن الواضح أن جبل فوجي كان جزءا لايتجزأ من حياة المدينة.


ميغورو، من ’’المائة منظر لإيدو‘‘.


هيروشيغيه. ’’ميغورو موتو-فوجي‘‘ ( المصغرة الأصلية لجبل فوجي في ميغورو)، من ’’المائة منظر لإيدو‘‘.

الصفحة التالية: عبادة جبل فوجي

كلمات مفتاحية

ثقافة جبل فوجي كاتسوشيكا هوكوساي الفن أوكييو-إيه

مقالات أخرى في هذا الموضوع