جهاز غير قواعد اللعبة.. كيف جعل ووكمان سوني الموسيقى جزءًا من حياتنا اليومية؟

ثقافة

قبل أربعة عقود، أطلقت شركة سوني جهازاً صغيراً غيّر شكل العالم الموسيقي للأبد. كان هذا الجهاز، الذي يُدعى ”ووكمان“، أكثر من مجرد ابتكار تكنولوجي؛ بل كان بداية لثورة جعلت من الموسيقى رفيقاً دائماً في حياة الناس. لأول مرة في التاريخ، أصبح بإمكانك اصطحاب أغانيك المفضلة معك أينما ذهبت، ومع مرور الوقت، تطور هذا الجهاز ليصبح جزءاً لا يتجزأ من حياة الملايين حول العالم. هذه هي القصة التي بدأت بجهاز صغير غير مفهوم وأصبحت ظاهرة عالمية غيرت طريقة استماعنا للموسيقى إلى الأبد. في هذا المقال، نغوص في تأثير الووكمان الثوري على صناعة الموسيقى وكيف استمر في تشكيل ثقافة الاستماع لعقود طويلة.

الووكمان الأصلي معروض بالمقر الرئيسي لشركة سوني في طوكيو. أخذت الصورة في يونيو/ حزيران عام 2019.

مرت 40 عامًا على إطلاق أول جهاز ووكمان من قبل شركة سوني، والذي غيّر عالم الموسيقى بشكل جذري. عندما تم طرح ووكمان في الأسواق في 1 يوليو/تموز 1979، كان أول مشغل موسيقى محمول حقيقي، مما سمح للناس بأخذ الموسيقى معهم أينما ذهبوا. لم يكن الجهاز مجرد ابتكار تقني، بل كان أيضًا بداية ثورة ثقافية جعلت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.

بعد النجاح الأولي للووكمان، استمرت سوني في تطوير الجهاز، وطرح الجيل الثاني منه في 1981، والذي حقق نجاحًا عالميًا كبيرًا. هذا الجيل كان أكثر تطورًا من حيث التصميم والأداء، مما ساهم في تعزيز شعبية الجهاز وجعله رمزًا للثقافة الشعبية في الثمانينيات.

الووكمان لم يقتصر تأثيره على تشغيل أشرطة الكاسيت فحسب، بل مهد الطريق لتطورات لاحقة في عالم الموسيقى المحمولة. فقد فتح الباب أمام ظهور تقنيات جديدة مثل أسطوانات الـ CD، ثم تحميل الأغاني، وأخيرًا تشغيل الموسيقى على الهواتف الذكية. كل هذه التطورات كانت امتدادًا لفكرة الووكمان الأساسية: جعل الموسيقى في متناول اليد في أي وقت وأي مكان.

اليوم، وبعد أكثر من أربعة عقود، لا يزال إرث ووكمان حيًا. فقد وضع الأساس لتجربة الاستماع الشخصية التي نعيشها الآن، حيث يمكننا الوصول إلى ملايين الأغاني عبر خدمات البث الموسيقي مثل Spotify وApple Music. ومع ذلك، يبقى الووكمان رمزًا للابتكار والحرية، وهو تذكير بكيفية تحويل التكنولوجيا البسيطة إلى ثورة ثقافية.

صنع من أجل المرح؟

بيع الووكمان الأصلي بسعر 33 ألف ين.

ظهر الكاتالوج (دليل التشغيل) لأول ووكمان في شكل مجلة، تحوي شروح مفصّلة.

قصة إطلاق ووكمان من قبل شركة سوني هي قصة ملهمة عن الابتكار والجرأة، حيث بدأت برؤية غير تقليدية وتحولت إلى نجاح عالمي. عندما صدر الووكمان الأصلي في يوليو 1979، كان الإنتاج الأولي محدودًا بـ 30 ألف وحدة فقط، مما يعكس شكوك الشركة في نجاحه. في ذلك الوقت، كان الاعتقاد السائد أن محبي الموسيقى يفضلون الاستماع إلى ألحانهم عبر أجهزة الاستريو الكبيرة في منازلهم، ولم يكن مفهوم الموسيقى المحمولة واضحًا بعد.

يعود أصل الووكمان إلى جهاز آخر من إنتاج سوني يُعرف باسم بريسمان، وهو جهاز تسجيل محمول كان يُسوَّق للمراسلين الصحفيين. وفقًا للموقع الرسمي لشركة سوني، فإن إيبوكا ماسارو، الرئيس الفخري للشركة، طلب نسخة معدلة من البريسمان ليتمكن من الاستماع إلى الموسيقى أثناء رحلات العمل على متن الطائرة. هذا الطلب كان الشرارة الأولى لفكرة الووكمان.

قاد كوروكي ياسوئو فريق التطوير، وأصبح لاحقًا معروفًا باسم ”السيد ووكمان“. في كتابه ”ووكمان-ريو كيكاكوجوتسو“ (التخطيط بأسلوب الووكمان)، أوضح كوروكي أن تطوير الووكمان لم يكن جزءًا من خطة استراتيجية واضحة. بل كان مشروعًا جانبيًا قام به مهندسون شباب بدافع الفضول والتجربة، ولم يكن مدرجًا في قائمة تطوير المنتجات الرسمية للشركة. هذا الغياب للتخطيط المسبق جعل قصة الووكمان أكثر إثارة للدهشة.

أكد المهندس أوسوني كوزو، وهو عضو آخر في فريق التطوير، أن الووكمان بدأ كفكرة مرحلية لجذب الانتباه، ثم تحول إلى مشروع جدي بعد أن لاقى اهتمامًا من المديرين. فترة التطوير كانت قصيرة بشكل استثنائي، حيث استغرقت أربعة أشهر فقط، وهو إنجاز مذهل نظرًا لمعايير ذلك العصر. حتى مع تعديل أجهزة البريسمان لتصبح ووكمان، فإن السرعة التي تم بها تطوير المنتج كانت استثنائية.

على الرغم من الشكوك الأولية، سرعان ما أصبح الووكمان ظاهرة عالمية. لم يكن مجرد جهاز لتشغيل الموسيقى، بل كان رمزًا للحرية الشخصية والابتكار. لقد غير الطريقة التي نتفاعل بها مع الموسيقى، وجعلها جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

هذه القصة تظهر كيف أن الأفكار العظيمة يمكن أن تنبثق من التجارب البسيطة، وكيف أن الابتكار الحقيقي غالبًا ما يأتي من خارج الخطط الاستراتيجية التقليدية. الووكمان لم يكن مجرد جهاز؛ كان بداية عصر جديد في عالم الموسيقى والتكنولوجيا.

البريسمان (على اليسار) والجيل الأول من الووكمان وتشابه كبير في الشكل بينهما.

عرض للصحفيين في حديقة ميجي، لتوضيح كيف يمكن استخدام الووكمان أثناء الحركة. وتم إعطاء الصحافيين أجهزة خاصة بهم مع شرائط كاسيت تضم الموسيقى والروايات لسماعها أثناء التجول.

وعلى الرغم من أن مبيعات الشهر الأول لم تشكل رقمًا ملفتًا للنظر، إلا أن شحنة الانتاج الأولى المكونة من 30 ألف قطعة بيعت في أقل من 3 أشهر. وهذه الشعبية الطاغية استمرت حتى العام التالي. وفي أبريل/ نيسان عام 1980، أوردت جريدة نيكي سانغيو شيمبون أن الانتاج الشهري البالغ 20 ألف قطعة لم يكن كافيًا لمواجهة الطلب الموجود. وبلغ إجمالي المبيعات للسبعة أشهر الأولى 140 ألف قطعة. ومقارنة بالأثر الاجتماعي لتلك الظاهرة الخاصة بالووكمان، لم يكن ذلك على أي حال سوى مجرد البداية.

ففي يناير/ كانون الثاني عام 1981، لفتت جريدة نيكي الإنتباه إلى سماع الطلاب لأجهزة تشغيل الموسيقى المحمولة قبل امتحانات القبول في الجامعات. واستدعت شعبية الووكمان بين الشباب ردود أفعال من الأكبر سنًا، بحسب وصف كوروكي في كتابه. ”وانتقد البالغون الووكمان كجهاز لإسكات العالم والانغماس في النرجسية، وبدأ في يثير الأسى حول زيادة إنعزال الأفراد“.

قصة نجاح ووكمان لم تكن مجرد قصة مبيعات، بل كانت أيضًا ظاهرة ثقافية واجتماعية أثرت على المجتمع بطرق مختلفة. في البداية، وعلى الرغم من أن مبيعات الشهر الأول لم تكن مذهلة، إلا أن الشحنة الأولى المكونة من 30 ألف وحدة بيعت بالكامل في أقل من ثلاثة أشهر. هذا النجاح المبكر كان مؤشرًا على الشعبية الطاغية التي ستستمر في النمو.

بحلول أبريل/نيسان 1980، أشارت جريدة نيكي سانغيو شيمبون إلى أن الإنتاج الشهري البالغ 20 ألف وحدة لم يكن كافيًا لتلبية الطلب المتزايد. وفي غضون سبعة أشهر فقط من إطلاقه، بلغت مبيعات الووكمان 140 ألف وحدة، وهو رقم كبير بالنسبة لجهاز كان يعتبر في البداية مجرد تجربة غير مضمونة النجاح.

لكن تأثير الووكمان لم يقتصر على الأرقام فقط. فقد أصبح ظاهرة اجتماعية، خاصة بين الشباب. في يناير/كانون الثاني 1981، لاحظت جريدة نيكي أن الطلاب كانوا يستمعون إلى أجهزة الووكمان قبل امتحانات القبول الجامعية، مما يعكس كيف أصبح الجهاز جزءًا من الحياة اليومية للشباب.

مع انتشار الووكمان، بدأت تظهر ردود فعل من الأجيال الأكبر سنًا. كما وصف كوروكي ياسوئو في كتابه، انتقد بعض البالغين الووكمان باعتباره جهازًا يعزز العزلة والانغماس في الذات. رأى البعض أن الاستماع إلى الموسيقى عبر سماعات الأذن يُبعد الأفراد عن التفاعل مع العالم الخارجي، مما أثار مخاوف حول زيادة العزلة الاجتماعية.

هذه الانتقادات كانت جزءًا من الجدل الأوسع حول تأثير التكنولوجيا على المجتمع. الووكمان، بوصفه أول جهاز موسيقى محمول، كان رمزًا لهذا التحول. فمن ناحية، أعطى الناس حرية الاستماع إلى الموسيقى في أي وقت وأي مكان، لكنه من ناحية أخرى، أثار تساؤلات حول كيفية تأثير التكنولوجيا على التفاعل البشري.

على الرغم من هذه الانتقادات، استمر الووكمان في النمو كظاهرة ثقافية. لقد غيّر الطريقة التي نتفاعل بها مع الموسيقى، وجعلها تجربة شخصية أكثر من أي وقت مضى. اليوم، يمكننا أن نرى تأثير الووكمان في كل مكان، من الهواتف الذكية إلى خدمات البث الموسيقي، حيث أصبحت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

باختصار، الووكمان لم يكن مجرد جهاز؛ كان بداية عصر جديد في كيفية استهلاكنا للموسيقى وتفاعلنا معها، مما أثر على الثقافة والمجتمع بطرق عميقة ومستمرة.

مكانة أيقونية خارج اليابان

طراز WM-2 الصادر في عام 1981.

طرح الجيل الثاني من الووكمان، WM-2، في فبراير/ شباط 1981، ليكون بمثابة نقلة نوعية في مجال التكنولوجيا المحمولة. بعد 19 شهرًا فقط من إصدار الجيل الأول، كان الإصدار الجديد يحمل تحسينات جوهرية ساهمت في تعزيز جاذبيته في السوق. كان سعره 32 ألف ين ياباني، ما يعكس سعي سوني المستمر لتوسيع قاعدة مستخدميها.

بخلاف الجيل الأول، لم يعتمد WM-2 على إعادة تصميم منتج موجود، بل كان مبنيًا على فكرة جديدة تمامًا تهدف إلى تقليص الحجم مع الحفاظ على الجودة. كان الهدف تقليص الحجم إلى الحد الأدنى ليصبح الجهاز صغيرًا مثل علبة الشرائط، وقام المصممون بتقليص الأزرار الجانبية ونقلها إلى الجهة الأمامية لتحسين الاستخدام، مما جعل الجهاز أكثر عملية وأناقة.

لاقى WM-2 نجاحًا كبيرًا، خصوصًا في الأسواق الخارجية. فقد أصبح هذا الطراز رمزًا للموضة بين الشباب في العديد من الدول، ليبقى في ذاكرة الكثيرين كأيقونة من تلك الحقبة. وكان لهذا النجاح دور كبير في تعزيز مكانة سوني كشركة مبتكرة في هذا المجال، مما دفع الشركة لتوسيع الإنتاج بشكل ملحوظ. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1981، نشرت صحيفة ”نيكي“ تقريرًا يفيد ببيع مليون وحدة من هذا الطراز خلال تسعة أشهر فقط، في حين أن الجيل الأول لم يتجاوز مبيعات 1.5 مليون وحدة في السنتين التاليتين لإطلاقه.

تزامنًا مع هذا النجاح، دخل منافسون مثل أيوا، ماتسوشيتا إليكتريك (باناسونيك اليوم) وتوشيبا في السوق بموديلات مشابهة، لكن الووكمان ظل متفوقًا بلا منازع. كما ورد في تقرير صحيفة ”نيكي“ في نوفمبر/ تشرين الثاني 1981: ”لقد أجبروا على الاعتراف بميزة السبق والقوة الغامضة لعلامة سوني بين الشباب“.

وحتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 1982، كانت مبيعات الووكمان قد وصلت إلى 5.5 مليون وحدة، تم تصدير 60% منها إلى الأسواق العالمية، مما يعكس الطلب الكبير على هذا المنتج الذي اجتذب إعجابًا واسعًا في مختلف أنحاء العالم.

ورغم التقارير التي بدأت تشير إلى تشبع السوق في نهاية عام 1983، استمرت سوني في الحفاظ على ريادتها بفضل إطلاق أجهزة مثل ديسكمان في 1984 كمشغل للاسطوانات المدمجة ”CD“، والميني ديسك ووكمان في 1992، مما جعلها تحتفظ بسيطرتها على سوق الأجهزة المحمولة لتشغيل الموسيقى لسنوات قادمة.

WM-20، الذي طرح بالأسواق في عام 1983، كان بحجم علبة شرائط الكاسيت.

الديسكمان الأصلي، الذي صدر في عام 1984.

ميني ديسك ووكمان الذي حقق نجاحًا كبيرًا في الأسواق في عام 1992.

إعادة إحياء لشرائط الكاسيت؟

في السنوات القليلة الأخيرة، كان هناك إتجاه نحو عودة الإعجاب بشرائط الكاسيت، مثل ما حدث مع الاسطوانات القديمة. ولازال يوجد في طوكيو عدد من الشركات المتخصصة في مجال شرائط الكاسيت، وبينما تباع أجهزة WM-2 التي لازالت تعمل مقابل 40- 20 ألف ين ياباني، على تطبيقات الأسواق الإلكترونية مثل ميركاري وياهوو أوكشينز. وقد يتطلب الأمر مجهود جاد من البائعين لتوضيح أن الأجهزة قد تم تجميعها باستخدام أجزاء من منتجات مختلفة.

قوائم منتج WM-2 على موقع ياهوو أوكشينز.

وأصدر عدد من المصنعين مشغلات وتسجيل جديدة مزودة بمخارج USB وخاصية بلوتوث، لتنافس في ركن حيوي من السوق. ولازالت مشغلات الاسطوانات القديمة تحظى بشعبية وليس من النادر أن يقوم كبار الفنانين بإصدار نسخ من أخر مقطوعاتهم الموسيقية في نسخة اسطوانات قديمة.

فهل من الممكن أن تستمر شرائط الكاسيت والووكمان في الحياة لتلبية مثل هذا النوع من الثقافة؟ سوني على الأقل، ليس لديها خطط لإعادة انتاج قطع غيار لجهازه الأسطوري. وعلى الرغم من تزايد ضئيل في الاهتمام به مؤخرًا، لازالت شرائط الكاسيت متراجعة خلف الكثير من الوسائط الموسيقية من حيث النصيب السوقي.

وبينما أحدث الووكمان كاسيت ثورة في نمط الحياة قبل 40 عامًا، إلا أنه لم يحن الوقت بعد للحكم على إمكانية عودته للحياة أو إحالته لكتب التاريخ كذكرى من الماضي.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 5 يوليو/ تموز عام 2019. الترجمة من الإنكليزية. صور العنوان: طرز قديمة متنوعة من الووكمان المعروضة بفعالية الاحتفال بمرور 40 عام على إطلاق الووكمان في غينزا سوني بارك في طوكيو في 1 يوليو/ تموز عام 2019).

    كلمات مفتاحية

    سوني الاقتصاد الصناعة

    مقالات أخرى في هذا الموضوع