تعرف على العمل الفني الذي يتربع في قلب الثقافة اليابانية
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تعد قراءة رواية ’’قصة غينجي‘‘ طريقة ممتازة لفهم الأدب الياباني وثقافة البلاد بشكل عام. من بين قرائها الأوفياء على مر القرون كان كاواباتا ياسوناري الفائز بجائزة نوبل للآداب لعام 1968 والذي كانت كتاباته زاخرة بحس من الجماليات اليابانية. كما أن ربيبه ميشيما يوكيؤ – الذي يعتبر مرشحا قويا للحصول على جائزة نوبل – استوحى بعض الأفكار من غينجي.
عمل ضخم على مدى 70 عاما
في حين أن أقدم الأعمال الأدبية اليابانية هو ’’كوجيكي (سجلات الأمور التاريخية)‘‘ والتي جمعت في عام 712، إلا أن ’’قصة غينجي‘‘ هي أكثر الأعمال اليابانية قراءة وكان لها تأثير كبير في تشكيل الثقافة اليابانية.
تُظهر مدونة في يوميات المؤلفة موراساكي شيكيبو أنها كانت بصدد كتابة ’’غينجي‘‘ في عام 1008. وكان ذلك وقتا مشابها لتكوين القصيدة الملحمية الأوروبية ’’نشيد رولاند‘‘ قبل حوالي 200 عام من ’’نشيد نيبلونغز‘‘، وقبل ما يقرب من 400 سنة من مجموعة القصص الشعرية ’’حكايات كانتربري‘‘ من تأليف جيفري تشوسر.
عملت موراساكي في البلاط الإمبراطوري. وكان والدها عالما وكاتبا مشهورا في مجال الشعر باللغة الصينية. وفي تلك الفترة من التاريخ الياباني، كان السياسيون يتمتعون بسلطة مؤثرة بينما يقدمون اسميا المشورة للإمبراطور. يُعد فوجيوارا نو ميتشيناغا رجل الدولة النموذجي في ظل ذلك النمط من الحكم، وقد خدمت موراساكي ابنته شوشي التي كانت زوجة الإمبراطور إيتشيجو. كانت أيضا الشاعرة إيزومي شيكيبو المشهورة بشعرها المتقد من نمط ’’واكا‘‘ والذي تسرد فيه تفاصيل العلاقات الغرامية الإباحية، إحدى جليسات الإمبراطورة شوشي.
صورة للمؤلفة موراساكي شيكيبو مرسومة من قبل فنان القرن السابع عشر توسا ميتسوؤكي (الصورة بإذن من إيشيياماديرا).
كان للإمبراطور إيتشيجو إمبراطورة أخرى – تزوجت سابقا من الإمبراطور تيئيشي – هي ابنة الأخ الأكبر لميتشيناغا. وفي بلاطها كان يوجد سيي شوناغون وهي أديبة أخرى كتبت عن حياتها عندما كانت من حاشية الإمبراطور تيئيشي في مقالات جُمعت في كتاب حمل عنوان ’’كتاب الوسادة‘‘. ويعد كل من ’’كتاب الوسادة‘‘ و’’غينجي‘‘ المكتوبين في بلاطين إمبراطوريين متنافسين، هرمين توأمين للنثر الياباني.
إن ’’حكاية غينجي‘‘ هو عمل ضخم يتكون من 54 فصلا. الجزء الأول هو الأطول ويروي قصة حياة الأرستقراطي هيكارو غينجي، بينما يركز الجزء الثاني على ابنه المفترض وحفيده. تغطي الرواية بالمجمل مسيرة نحو 70 عاما. يسعى غينجي في الجزء الأول للحصول على السعادة من خلال العلاقات الغرامية، بينما يصور الجزء الثاني الرجال والنساء فشلوا في الحصول على المتعة عن طريق الرومانسية. إنه عالم يفتقر إلى المنطق بحيث لا يبدو غريبا عن جو الرواية الحديثة.
الملذات والمتاعب
تتربع ’’حكاية غينجي‘‘ على ذروة هرم الأدب الياباني بسبب صياغتها الجزلة والتحولات الدراماتيكية والشخصيات المميزة والمشاهد التي لا تنسى والروح النقدية المتقدة والمواضيع المؤثرة.
ولإعطاء مثال واحد فقط على اللغة الشعرية للعمل، كان عنوان الفصل الأخير ’’ Yume no ukihashi(الجسر العائم للأحلام)‘‘ وقد أعيد استخدامه لاحقا بشكل متكرر في شعر واكا من العصور الوسطى ويوظف كعنوان في القصص الحديثة والمعاصرة. كما أثر عدد لا يحصى من عبارات الرواية في الأدب الياباني فيما بعد، حيث لعبت رواية غينجي دورا مشابها للكتاب المقدس وشكسبير في الأدب الغربي التقليدي.
القصة غنية بالتبدلات المثيرة. لبطل الرواية غينجي مظهر مبهر فهو مولود كابن للإمبراطور ولكن سرعان ما يجرد من صفته الإمبراطورية كوسيلة لحمايته من مؤامرات البلاط. يُظهر غينجي كاريزما شبه خارقة للطبيعة في سلسلة من العلاقات الغرامية التي يبدو أنها تغطي سلسلة كاملة من الرومانسية في عالم القصص، والتي تتراوح بين الانخراط في العديد من العلاقات الداعرة مع سيدات أرستقراطيات وحتى إمبراطورة إلى مواعدة تتحدى المحظورات الدينية وإقامة علاقة مع امرأة تكبره بعقود. وبينما كانت ثرواته تتذبذب بين التضاؤل والتعاظم مرارا مثل القمر كان غينجي يختبر كلا من الملذات والمتاعب.
يتحول غينجي إلى مسافر يترك وراءه روعة العاصمة بعد أن تسببت علاقة غرامية سيئة بفضيحة سياسية. ويُجبر على العيش في مساكن متقشفة لمدة عام في مقاطعة سوما ولمدة عام ونصف في أكاشي المجاورة. وشكلت هذه الواقعة الشهيرة مصدر إلهام لقصيدة واكا للشاعر فوجيوارا تيئيكا(*١)، والتي أثرت بدورها بشكل كبير على سين نو ريكو عندما كان يرسي مبادئ مراسم احتساء الشاي في القرن السادس عشر.
بعد عودة غينجي إلى النعمة وإلى العاصمة، امتلك قصرا يدعى ’’روكوجوئين‘‘ بني لإسكان زوجاته وأطفاله. ويتكون القصر من 4 أقسام مربعة، كل منها بطول 120 مترا، تمثل جمال الربيع والصيف والخريف والشتاء. ويمكنه الاستمتاع بجمال كل فصل بينما يزور أحبابه.
تتمثل إحدى قواعد قصائد الهايكو اليابانية الشهيرة في أنها يجب أن تتضمن ’’كيغو (كلمة موسم)‘‘ كما هي مأخوذة من قاموس خاص يعرف باسم ’’سايجيكي‘‘. إن قصر روكوجوئين الخاص بغينجي هو الخطوة الأولى تجاه تشكيل ’’سايجيكي‘‘ وهو ما يبرهن على أهمية الفصول في الجماليات اليابانية.
تأثير متواصل إلى اليوم
يواجه بطل الرواية مجموعة من الشخصيات في القصة، كلها لها خصائص مميزة. سوئتسوموهانا هي إحدى هذه الشخصيات: على الرغم من أنها ولدت كحفيدة إمبراطور إلا أنها تعيش حياة متوترة. اسمها في القصة مشتق من العُصفر الذي يشتهر بأزهاره الحمراء، وقد مُنحت هذا الاسم بسبب حمرة على أنفها، وهو تلاعب على الألفاظ فالكانجي ’’هانا‘‘ باللغة اليابانية يعني كلا من ’’زهرة‘‘ و’’أنف‘‘. تهيمن على غينجي عناصر تراجيدية بما في ذلك العلاقات الداعرة التي تسفر عن أطفال مضطربين، ولكن الأميرة ذات الأنف الأحمر هي علاقة حب كوميدي ترسم ابتسامات دافئة على وجوه القراء. وتظهر في الرواية العشرات من تلك الشخصيات الفريدة.
هناك عدد لا يحصى من المشاهد التي لا تنسى. عندما كان غينجي تماما في منتصف العمر بدأت زوجته الشابة الجديدة علاقة غرامية. وقامت بإخفاء رسالة من عشيقها تحت وسادة، لكن غينجي يكتشفها في لحظة كلاسيكية تتكرر بانتظام بشكل أو بآخر في الرواية على مر السنوات التالية.
في كثير من الأحيان أقرأ قصصا كتبت بعد ذلك وألاحظ مشاهد مصممة على غرار الأحداث التي أتذكرها من فصول معينة من غينجي. وبكلمة أخرى، فهذا العمل أضحى موسوعة للأدب الياباني. حتى موراكامي هاروكي يستند في كتابه الأفضل مبيعا على الصعيد الدولي ’’كافكا على الشاطئ‘‘ على رواية غينجي الشهيرة.
تعكف شخصيات الرواية على تشريح الحضارة والمجتمع في الكثير من المناقشات. في مشهد مبكر مشهور، تلتئم مجموعة من الأصدقاء الذكور في ليلة ممطرة في محاولة لتعريف المرأة المثالية. وفي وقت لاحق خلال فترة سعيدة في قصر روكوجوئين، يتحدث غينجي مع الآخرين حول الغرض من القصص.
إن إدراج الخطاب النقدي في عمل مكتوب في أوائل القرن الحادي عشر يظهر أن الثقافة اليابانية قد بلغت ذروة كبيرة في تلك الفترة. إن نموذج ’’مييابي (الرقي)‘‘ الثقافي الذي كان سائدا في ذلك الوقت، وجد تعبيرا في حوارات القصر بين الأرستقراطيين الذكور وأديبات البلاط، بالإضافة إلى رصد اجتماعي حاد لتشكيل روح بحثية ناقدة. في سياق قراءة غينجي، من الطبيعي أن يفكر المرء في معنى أن يكون على قيد الحياة وأن يكون إنسانا.
غينجي في الفن
الموضوع الرئيسي في غينجي يتمثل في كيفية تحول متعة الحياة إلى الحزن في مرحلة ما، حيث أن مفارقات النهايات تقود الشخصيات إلى اليأس بسبب إخفاقهم في حب الآخرين كما ينبغي. قد يعترض البعض على أن هذا موضوع يرد في قصص من كل العصور والأماكن في العالم. هذا صحيح، ولكن القراء يتأثرون كيف أنه حتى غينجي – المنعم عليه بمظهر حسن لا مثيل له وكل أنواع المواهب الفنية – لا يمكن أن يحصل على سعادة عشيقاته وينتهي به المطاف في المعاناة. هذا الشعور الرائع والصادق، حيث يستمر بعد الانتهاء من الكتاب، هو أعظم مفاتن العمل.
مع مرور أكثر من ألف عام من وجود قراء متحمسين للعمل، كان لغينجي تأثير على الفنون الأخرى، وخاصة الفنون التشكيلية. تصور العديد من اللوحات الجميلة التي على شكل لفائف ولوحات قابلة للطي وقائع من القصة. يمكن للمشاهدين الذين قرأوا الرواية أن يحاولوا تذكر زمان حدوث تلك الوقائع من خلال أنشطة البلاط والشخصيات والمواسم والمناظر الطبيعية المعروضة، حيث يعودون إلى عالم العمل القيم الذي يعود إلى القرن الحادي عشر لتجربة الأحزان الجذابة لحياة شخصيات الرواية. بالنسبة لأولئك الذين لم يقرأوا غينجي بعد، قد تولد تلك الأعمال الفنية الاهتمام والرغبة لديهم للغوص في تفاصيلها.
إن رواية غينجي مثل موسوعة للثقافة اليابانية بأكملها أو متجر متعدد الأقسام زاخر بالبضائع، وهي لا تزال تنتظر قراء جددا سيجدون توظيفات غنية خالدة يمكن استخدامها في حياتهم المعاصرة.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 27 يونيو/حزيران عام 2019. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: جزء من لوحة قابلة للطي يظهر غينجي في منفاه في سوما. الصورة بإذن من متحف التاريخ في جامعة غاكوشوئين)
(*١) ^ القصيدة: Miwataseba / hana mo momiji mo / nakarikeri / ura no tomaya no aki no yūgure وترجمتها ’’انظر إلى الخارج/ الشاطئ/ لا توجد أزهار أو أوراق الخريف/ كوخ القش/ مساء الخريف. الأدب الياباني التقليدي: مختارات. المحرر شيراني هاروؤ، 2012.