رحلة إلى عالم الحمامات العامة في اليابان
الحمامات العامة في طوكيو بين الماضي والحاضر
سياحة وسفر
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
الاستحمام على الطريقة التقليدية
ينبغي على محبي وعشاق الحمّامات العامة في طوكيو التوجه إلى بلدية أداتشى الشمالية حيث يتواجد أكثر من 30 حمّام ”سينتو“ قيد التشغيل. في هذه المنطقة التي تعد موطناً للعديد من الحمّامات العامة التقليدية، لا يزال العديد من السكان المحليين يستمتعون بالخروج من أجل استخدامها على الرغم من وجود حمّامات في جميع البيوت تقريبا الآن. كما زادت أداتشي من شعبيتها من خلال كونها الأولى بين بلديات وسط طوكيو الثلاث وعشرين التي تبادر بتقديم تسهيلات مثل التخفيضات الخاصة بالطلبة.
ويوصى بشكل خاص بزيارة حمّام تاكارايو العريق الذي شُيّد في عام 1927، فهو يقدم تجربة مثالية للحمّامات العامة، ويقطع بعض المعجبين مسافات طويلة لزيارته. حيث يتمتع بالمنحنيات المميزة التي استخدمها النجارون في ذلك العصر في تصميم الحمّامات العامة، مما يجعلها تبدو أشبه بالأضرحة أو المعابد، كما توجد على السطح مدخنة تٌستخدم لإخراج الدخان الناتج عن حرق الحطب بغرض تسخين المياه.
يقول المالك ماتسوموتو كوئيتشي ’’عندما حفر جدي بئراً لأول مرة وعمل على تشغيل حمّامنا، كانت المنطقة عبارة عن حقول فقط، وتم تدمير العديد من الحمّامات بفعل الغارات الجوية، ولكن حمّام تاكارايو كان محظوظاً بما فيه الكفاية ليظل سالماً دون تدمير. في كل مرة تبدأ فيها غارة جوية، كانوا يطفئون الأضواء الكهربائية، ويستحم العملاء على ضوء الشموع‘‘. يوضح لنا هذا إلى أي مدى كانت الحمّامات العامة تعد جزءاً من الحياة اليومية.
إن الزبائن اليوم هم بالمقام الأول من السكان المحليين كبار السن الذين يفضلون الحمّامات العامة على الاستحمام في المنزل. يقول ماتسوموتو ’’عندما يعيش شخص مسن بمفرده، تكون زيارة السينتو أكثر توفيراً بالنسبة له مع الأخذ في الاعتبار تكلفة المياه والغاز والتنظيف“. كما أن الاستحمام الجماعي يعد أكثر أماناً، نظراً لوجود أشخاص آخرين بإمكانهم الحيلولة دون وقوع حوادث مثل الغرق، أو الاتصال سريعاً بسيارة إسعاف إذا كان أحدهم يعاني من مشاكل في القلب. بالإضافة إلى ذلك، فإن السائحين الأجانب الذين يقيمون في دور الضيافة القريبة يأتون إلى الحمام أيضاً.
تعتبر الحديقة الكبيرة مكاناً لتقدير الجماليات اليابانية. قام بإنشائها جد ماتسوموتو، الذي كان على دراية بأصول فلاحة البساتين، وما زالت الحديقة تتم رعايتها. يوضح ماتسوموتو قائلاً ’’الحمامات العامة قديماً كانت بها حدائق، إلا أن الكثير منها قد تم تحويله إلى مغاسل تعمل بقطع النقود المعدنية“. ميزة أخرى كانت مشتركة بين حمّامات السينتو قديماً وهي منصة بانداي، التي يمكن للحاضرين من خلالها مراقبة مناطق الاستحمام الخاصة بالذكور والإناث. وهذا يعني أنه يمكنهم مراقبة المتعلقات الشخصية للعملاء والحيلولة دون وقوع أي خرق للقواعد المعمول بها. لكن مؤخراً ومع شعور العديد من الزبائن بعدم الارتياح لفكرة أن يراهم الحاضرون وهم عرايا، فإن منصات بانداي آخذة في الاختفاء شيئاً فشيئاً. قام حمام تاكارايو بتحويل منصته إلى مكتب استقبال عصري أثناء عملية التجديد في عام 1988.
تم صنع اللوحات الموجودة في الحمّام بالتعاون بين الرسام ماروياما كيوتو وكبير باحثي السينتو ماتشيدا شينوبو، وهي لوحات ذات وجهين يمكن قلبها لعرض الصور بواسطة ناكاجيما موريو.
خلف الكواليس في الحمّامات العامة
يبدأ اليوم وينتهي بالنظافة في الحمّامات العامة. حيث يقوم العاملون بالتنظيف لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات كل صباح بدءاً من الساعة التاسعة، ثم يقومون بإضافة الحطب للموقد وتسخين الماء لمدة ساعة ونصف تقريباً. يفتح الحمّام أبوابه في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر ويغلق في الحادية عشرة والنصف ليلاً. بعد ذلك، يقوم ثلاثة أو أربعة من العاملين بالتنظيف مرة أخرى. النوافذ المرتفعة المستخدمة لإخراج البخار يمكن فتحها من الخارج وتُترَك مفتوحة خلال أشهر الصيف.
تتم عملية تسخين الماء في حمّامات تاكارايو باستخدام الحطب بشكل رئيسي. قديماً، كان الخشب يُنقل من غابات الأشجار بواسطة العوامات على امتداد نهر سوميدا المجاور، وفي الآونة الأخيرة أصبح يُنقل بالشاحنة على هيئة نشارة ورقائق خشبية ولحاء الأشجار من العديد من محلات النجارة وصنّاع الأقلام الرصاص وخشب الأبلكاش في مدينة أداتشي.
إلا أن هذه الأعمال لم تعد شائعة اليوم كما كانت بالأمس، وأصبحت الحمّامات العامة تحصل على الأخشاب اللازمة لها على هيئة أعمدة وألواح خشبية من شركات الهدم. ولكن في بعض الأحيان لا يكون الخشب متوفراً، لذلك يمكن أيضاً تشغيل موقد تاكارايو بواسطة الغاز؛ غير أن تكلفة القيام بهذا أعلى بكثير، الأمر الذي يمثل مصدر قلق حقيقي لماتسوموتو.
إن تشغيل حمّام عام هو أمر أصعب بكثير مما قد يتخيله المرء، ويستغرق طويلاً حتى تتسنى تلبية احتياجات الأعضاء النظاميين ومحبي السينتو، وعلى الرغم من كل ذلك فإن ماتسوموتو عازم على الحفاظ على بقاء واستمرار تاكارايو.
إحداث موجات جديدة في مجال الحمّامات العامة
على عكس جاذبية الأيام الماضية التي تمتعت بها الحمّامات العامة التقليدية، تقوم حالياً المؤسسات العصرية الأنيقة بإحداث موجات تغيير في عالم السينتو. محطتنا التالية في مدينة أداتشي أيضاً، وهي حمّام تايهايو، التصميم الرائد في مجال الحمّامات العامة الذي كان أول مشروعات المهندس المعماري إيماي كنتارو المتخصص في تجديد هذا النوع من الحمّامات.
بُني في عام 1965، خضع المبنى لتجديدات أولية عام 1985 بغرض تقويته بالهياكل الفولاذية وإضافة ردهة حديثة واسعة. ثم كرس إيماي وقته في عام 2000 للعمل على التصميم الداخلي للمبنى، جاعلاً منه تايهايو هذا العصر.
استخدام الإضاءة بمهارة على الجدران يخلق جواً من الخيال المليء بالرومانسية وخاصة في الليل. كان تايهايو سباقاً في تقديم ميزات بعينها مثل جعل الحمّامات تفيض بالماء لمدة خمس دقائق في كل ساعة للحفاظ على عذوبة الماء بالإضافة إلى تزويد العملاء بالشامبو وبلسم الشعر وغسول الجسم مجاناً. في السابق كانت الكهرباء تستخدم لتسخين الماء خلال ساعات المساء منخفضة التكلفة، لكنها استبدلت مؤخراً بالغاز.
وقال المالك يوشيدا كنسوكي أنه تقدم بثلاثة طلبات لإماي. أولها أن يدخل رواد الحمّام إلى الماء عبر النزول درجة نحو الأسفل، كما هو الحال في ’’أونسن“ وذلك بدلاً من رفع أقدامهم فوق حافة الحوض. والثاني هو أن يكون هناك ممر للتمارين مملوءاً بالماء في حمّام السّيدات، وقد كان هذا اقتراحاً من زوجته التي خضعت سابقاً لإعادة تأهيل في منطقة الفخذ. وكان الطلب الثالث هو أن يتم بناء طاولة يستطيع الناس تناول الطعام عليها. بخلاف ذلك، فقد قام إيماي باتخاذ جميع القرارات بنفسه متقدما نحو الأمام باتباع أسلوب التجربة والخطأ حتى وصل إلى التصميم النهائي الذي حظي بثناء كبير مع اكتماله، وكان مصدر إلهام للعديد من مصممي الحمّامات.
يوجد حاليا في حمّام "تايهايو" كاريوكي مجاني مساء كل خميس، ويشتهر الحمّام لكونه مكاناً محلياً للاسترخاء. كما تشير مواقف السيارات الواسعة إلى العدد الضخم من رواد الحمّام الذين يقصدونه من أماكن بعيدة. يفضل معظم العملاء الذهاب إلى أحد الحمّامات العامة القريبة نسبياً عن الذهاب إلى منتجع بعيد من منتجعات الينابيع الساخنة، وهو اتجاه يتمنى له يوشيدا أن يستمر. إن الحمّامات العامة التي تتمتع بمرافق حديثة ذات جودة عالية، لها دور كبير في الحفاظ على بريق هذه الصناعة ومواكبتها للعصر الحديث.
(المقالة الأصلية نشرت باللغة اليابانية في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2017. الترجمة من الإنكليزية. تم إعداد التقرير والنص بواسطة واغا ناؤفومي من المصنع Q. الصور مقدّمة من كاتو كومازو. مع الشكر لتعاون فورو واكوزو و أداتشي سينتو بونكا فوكيوكاي.)