المانغا والأنيمي في اليابان اليوم
ما الذي يخبئه المستقبل لصناعة الأنيمي اليابانية؟
ثقافة مانغا وأنيمي- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
نهاية حقبة زمنية
بعد إصدار فيلم الأنيمي ”كازي تاتشينو (مهب الرياح)“ في عام ٢٠١٣ صدم مخرج أفلام الأنيمي الأسطوري وأحد مؤسسي استوديو جيبلي ميازاكي هاياو محبيه بسبب خبر اعتزاله إخراج أفلام الأنيمي الطويلة. وبعد سنة من ذلك أعلن استوديو جيبلي أنه سيلغي قسم الإنتاج بعد إصدار فيلم واحد أخير بعنوان ”أومويدي نو ماني (عندما كان مارني هناك)“ من إخراج يونيباياشي هيروماسا. ومنذ أن حطم فيلم ”مونونوكي هيمي (الأميرة مونونوكي)“ الأرقام القياسية في دور السينما اليابانية بتحقيق إيرادات قدرها ١٩.٣ مليار ين في شباك التذاكر عام ١٩٩٧، أصدر ميازاكي واستوديو جيبلي بثبات أفلام لاحقة حققت إيرادات كبيرة بلغت ١٠ مليار ين أو أكثر لكل منها. لقد احتل استوديو جيبلي مركزا عظيما بحيث أصبحت أفلامه مرجعاً لتحديد ربحية صناعة الأفلام برمتها. وبهذين الإعلانين يشارف عصر ذهبي على الأفول.
مر عقد من الزمن منذ أن أصبحت رسومات الكومبيوتر ثلاثية الأبعاد الخيار السائد لأفلام الأنيمي التجارية في أنحاء العالم بقيادة استوديوهات كبرى مثل ديزني وبيكسر. وعلى النقيض من ذلك فإن أفلام استوديو جيبلي والاستوديوهات الأخرى اليابانية ترتكز على صناعة أفلام الأنيمي التقليدية المرسومة باليد والتي تعود بشكل مباشر إلى فيلم ”هاكوجادين (أسطورة الثعبان الأبيض)“ وهو أول فيلم أنيمي من إصدار ”تويي أنيميشن“ عام ١٩٥٨. فقد استخدموا رسومات ثلاثية الأبعاد لتكميل رسومات ثنائية الأبعاد في نظام هجين. ولكن هل القرار بإلغاء قسم الإنتاج باستوديو جيبلي يؤشر على بداية النهاية لتراث اليابان المميز من أفلام الأنيمي؟
ما الذي يخبئه المستقبل لصناعة الأنيمي اليابانية؟ المخرجان هوسودا مامورو وشينكاي ماكوتو اللذان أنتجا أفلام حاذت على شهرة استثنائية خلال السنتين الماضيتين ربما يقدمان إجابة عن هذا السؤال. وفي هاتين المقالتين، نلقي نظرة على الصفات التي تجعل من أعمالهما مميزة.
منافسة جيبلي على شباك التذاكر
صدر آخر أفلام هوسودا مامورو الذي يحمل عنوان ”باكيمون نو كو (الصبي والوحش)“ صيف عام ٢٠١٥. وحقق ٥٨.٥ مليار ين في شباك التذاكر واجتذب متفرجين بلغ إجماليهم ٤.٥٩ مليون شخص. وقد كان هذا نجاحا هائلا تجاوز إيرادات أفلام جيبلي. كما تم اختيار مقتطفات من أعماله في قسم بعنوان ”عالم مامورو هوسودا“ بمهرجان طوكيو السينمائي الدولي الـ ٢٩ في أواخر أكتوبر/تشرين الأول لعام ٢٠١٦. وبدأ هوسودا بالاستحواذ على اهتمام عالمي باعتباره واحداً من المخرجين اليابانيين الرواد.
بينما حمل آخر أعمال المخرج شينكاي ماكوتو عنوان ”كيمي نو نا وا. (اسمك.)“ وحقق نجاحا هائلا، وهو في طريقه الآن لتحطيم جميع الأرقام القياسية في شباك التذاكر. ومنذ بدء عرضه في ٢٦ أغسطس/آب من العام الماضي أصبح الفيلم الأكثر تحقيقا للإيرادات للأسبوع التاسع على التوالي، وقد تفوق بالفعل على فيلم ”غاكي نو أوي نو بونيو (بونيو)“ لميازاكي هاياو ليصبح بذلك خامس أكبر فيلم أنيمي يلقى نجاحا على الإطلاق بإيرادات بلغت ١٦.٤ مليار ين بحلول ٢٤ أكتوبر/ تشرين الأول. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك ٩ أفلام أنيمي فقط هي التي حققت حتى الآن إيرادات بلغت ١٠ مليار ين في شباك التذاكر في اليابان - بما فيها فيلم ”فروزين (ملكة الثلج)“ المصنوع أمريكيا برسومات ثلاثية الأبعاد وقد عرض في اليابان في عام ٢٠١٤ - يبدو أن فيلم شينكاي الأخير يسير بخطى جيدة نحو صناعة تاريخ له في عالم الأنيمي.
ومن المرجح أن يصبح لكلا المخرجين تأثير كبير على أسلوب تطور الأنيمي اليابانية في السنوات القادمة. وفي المقالتين التاليتين، أريد أن أسلط الضوء على المسارات التي سلكها هذان المخرجان في مشوارهما المهني حتى الآن والعوالم الخيالية التي صوراها في أعمالهما الفنية.
رُفض من استوديو جيبلي
ولد هوسودا مامورو عام ١٩٦٧. وقد كتب في كتابه المدرسي السنوي خلال المرحلة الابتدائية حول طموحه بأن ”يصبح مخرج أفلام أنيمي“ - مدفوعا فيما يبدو بشغفه بالأفلام منذ نعومة أظافره - عندما كان في ١٢ من العمر. وكان ذلك في عام ١٩٧٩ بُعيد إصدار أول أفلام ميازاكي هاياو بعنوان ”روبان سان سيي كاريوسوتورو نو شيرو (لوبين الثالث: قلعة كاجليسترو)“. وفي حوالي ذلك الوقت قرأ هوسودا الذي كان يافعا في مجلة تذكارية تباع في دور السينما حول الرسومات الأصلية التي تشكل أساس أفلام الرسوم المتحركة، وذلك لأول مرة. وبهذا الشكل تم غرس بذرة حلمه.
وبعد دراسة الرسم بالألوان الزيتية في جامعة كانازاوا للفنون، تقدم هوسودا للحصول على عمل في استوديو جيبلي. وعلى نحو معروف، فشل في استيفاء المعايير الموضوعة للعمل ولكنه تلقى رسالة شخصية كتبها ميازاكي بنفسه. ووفقا لما جاء في مقابلة أجراها هوسودا مع مجلة ”فريستايل“، كان جوهر الرسالة كما يلي: ”إننا قلقون من أن توظيفنا لك الآن سيضر في نهاية الأمر بموهبتك. ولذلك قررنا أن ندعك تطور جوهرك الخاص بك في مكان آخر في الوقت الحالي“. وبنظرة إلى الوراء، فقد كان هذا القرار رمزيا بصورة كبيرة.
في عام ١٩٩١ انضم هوسودا إلى استوديو ”تويي أنيميشن“ وبدأ مشواره المهني كرسام وصانع رسوم متحركة. وفي عام ١٩٩٥ - عندما كان يبلغ من العمر ٢٨ عاما - تقدم بطلب للانتقال إلى قسم الإنتاج ونجح فيه، وبذلك حقق حلمه الذي لطالما راوده. ومنذ المراحل الأولى، استحوذ هوسودا على الانتباه بسبب حاسة البصر الفريدة التي أظهرها في إنتاج سلسلة رسوم متحركة للتلفزيون. وأول ظهور له كمخرج أفلام جاء مع ”ديجيمون أدفينتشر (أبطال الديجيتال)“، بفيلم طوله ٢٠ دقيقة عرض في معرض ”تويي أنيميشن“ ربيع عام ١٩٩٩. وهي المرة الأولى التي يواجه فيها هوسودا تحديا بعرض صور مكثفة ومفصلة بشكل كاف لإبقاء الانتباه مركزا على الشاشة الكبيرة. وفي عام ٢٠٠٠، استحوذ على اهتمام أوسع مع تتمة للفيلم ”ديجيمون أدفينتشر: أور ور جيم (أبطال الديجيتال: لعبة الحرب الخاصة بنا!)“ بطول ٤٠ دقيقة حيث كانت رسوماته العصرية وموضوعه مناسبا تماما لعصر الديجيتال والإنترنت.
وبعد ذلك مباشرة، تم تعيين هوسودا بشكل مؤقت في استوديو جيبلي حيث بدأ العمل على نسخة من فيلم ”هاورو نو أوغوكو شيرو (قلعة هاول المتحركة)“ ولكن تم إلغاء المشروع لعدة أسباب (وقد كان مختلفا تماما عن فيلم ميازاكي الذي صدر أخيرا في عام ٢٠٠٤). وفي عام ٢٠٠٣ بعد عودته إلى استوديو ”تويي أنيميشن“، عَيّن الفنان المعاصر موراكامي تاكاشي هوسودا كمخرج لفيلم ترويجي قصير لشركة الأزياء لوي فيتون. وكان موراكامي من بين أول من لاحظ موهبة هوسودا الخاصة، فقد كان معجبا به منذ أيام فيلم ”لعبة الحرب الخاصة بنا!“.
يصنع استوديو ”تويي أنيميشن“ أنيمي يستهدف الأطفال على الأغلب، وهي ”منتجات‘‘ تلبي رغبات العملاء والمستخدمين النهائيين، وينتج الاستوديو منها عددا كبيرا وكأنه - إلى حد قليل - مصنعا للأنيمي. وبشكل متناقض، فإن جوهر خط الإنتاج هذا يوازنه اعتقاد تنافسي قائم على أن أفلام الأنيمي التي تفتقر إلى الشخصية الفردية تميل لأن تكون أقل نجاحا من الناحية التجارية. والأعمال التي تحمل الصفة المميزة لمنتج واحد غالبا ما تظهر أنها تحقق أكبر النجاحات. وكان هذا الصراع هو أول ما جذب الاهتمام لمواهب هوسودا الفريدة.
أهمية الترفيه
بدأ هوسودا بممارسة قيادة فنية مبدعة باعتباره فنانا يشق طريقه بنفسه بعد أن ترك استوديو ”تويي أنيميشن“ وأصبح مستقلاً. ففي عام ٢٠٠٦ أصدر ”توكي أو كاكيرو شوجو (الفتاة التي قفزت عبر الزمن)“ وهو فيلم صنع في استوديو مادهاوس. ويستند الفيلم إلى رواية تعود إلى نهاية ستينيات القرن العشرين موجهة للقراء الشباب كتبها تسوتسوي ياسوتاكا، ولكنه أضاف عليها لفتة معاصرة. فقد شعر هوسودا أن طلاب المدارس الثانوية في الوقت الحالي يملكون القدرة على السفر عبر الزمن من خلال خطواتهم وأن الطريقة التي أشعرت شخصية الرواية الأصلية بالقلق لن تزعجهم. وخلال الفيلم تتصرف ماكوتو الشخصية الرئيسية فيه وتفكر بشكل إيجابي وبدون تردد، وتظهر شجاعة كبيرة. كما يصور الفيلم شغف وطاقة الشباب، ويقدم الشباب باعتبارهم تجسيدا للنقاء والأمانة.
وبسبب النقاء الذي تتمتع به الشخصية الرئيسية بينما تسافر عبر الزمان والمكان وتقاتل لحماية الناس الذين تحبهم، امتلك الفيلم الكثير من الخواص المشتركة التي ساعدت فيلم ”اسمك“ على أن يحقق مثل هذا النجاح الباهر. وقد لعبت أيضا القواعد الأساسية التي وضعها هوسودا خلال الفترة التي قضاها في استوديو ”تويي أنيميشن“ دورا مهما. وعلى اعتبار أنه بدأ حياته المهنية كرسام، كان هوسودا دائما مهتما بأدق تفاصيل الرسوم المتحركة مثل التصميم والرسومات، بشكل مشابه لصفات ميازاكي هاياو، وهو مبدع آخر كانت أفلامه دائما مقادة بأساسيات الرسوم المتحركة باعتبارها فنا. وقد شارك هوسودا في الكثير من الأعمال الفنية المميزة في أيامه الأولى كصانع رسوم متحركة. ولا يزال يظهر في أعماله تأثير الدروس المستقاة من صانعي الأنيمي البارزين من جيل ميازاكي الذين أتوا خلال الفترة الذهبية لأفلام الأنيمي لاستوديو ”تويي أنيميشن“ في سيتينات القرن العشرين.
وهناك عنصر هام آخر ساهم في نجاح هوسودا وهو الثقافة التي استقاها خلال فترة تدربه في استوديو ”تويي أنيميشن“. ويعتبر الاستوديو نفسه بشكل أساسي بأنه منخرط في أعمال إنتاج الترفيه الجماعي حيث يقوم بتحويل أعمال الساموراي الدرامية وأفلام الياكوزا السينمائية المخصصة للكبار وقصص الأبطال الخارقين والسحرة إلى أعمال للأطفال. ومنذ فيلم ”الفتاة التي قفزت عبر الزمن“ أصدر هوسودا أفلاماً جديدة على فترات تمتد لثلاث سنوات وهي: فيلم ”حروب الصيف“ لعام ٢٠٠٩ وفيلم ”الطفلان الذئبان آمي ويوكي“ عام ٢٠١٢، وفيلم ”الصبي والوحش“ عام ٢٠١٥. وقد انتشر في جميع هذه الأفلام نفس الشعور القوي بأهمية الروابط الأسرية والصداقات، وتتميز هذه الأفلام الثلاثة بوجود شخصية فيها تتغلب على سلسلة من الصعوبات في الطريق نحو التبرئة النهائية. وبعبارة أخرى، فجميع هذه الأفلام تتبع النهج الكلاسيكي للترفيه الجماعي، حيث تقدم للمشاهدين خلاصا من قلقهم اليومي وتصور بدون إحراج نضج البطل الرئيسي بشكل أكبر. ولا تزال أعمال هوسودا تستند بثبات إلى تقاليد النهج الذي يتبعه استوديو ”تويي أنيميشن“ في الترفيه.
بدأ هوسودا مشواره المهني في ”تويي أنيميشن“ وهو استوديو لإنتاج الرسوم المتحركة اليابانية تجاريا، ومن ثم تركه ليشق طريقه الخاص به. وقد انتقل من الرسم إلى الإنتاج قبل أن يصبح مخرجا بجهده الشخصي وفي النهاية وصل إلى موقع يمكّنه من ممارسة قيادة فنية شاملة. ومن خلال القيام بذلك، يكون هوسودا قد اتبع نفس المسار المهني الذي سلكه ميازاكي هاياو. وبهذا المعنى، يحافظ هوسودا على جزء مهم من تقاليد صناعة الأفلام اليابانية حتى عندما يواصل شق طريق جديد لنفسه.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في ١ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٦. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مشهد من فيلم ”الصبي والوحش“ الذي أخرجه هوسودا مامورو. الحقوق لفيلم بارتنرز ”الصبي والوحش“ ٢٠١٥.)