الحلول التي تقدمها اليابان للعيش في بيئة نظيفة

شُيد ليبقى

ثقافة لايف ستايل

ى مقاطعة جونما يعيش المزارع (تاكي ـ اوتشي اكيهيكو) مع زوجته وأولاده ووالده فى منزل خشبى شيده اسلافه قبل حوالى ١٢٠ عاماً . ولعل الحفاظ على هذا المنزل القديم بالنسبة له هو وسيلة للإبقاء على تقاليد العائلة. بينما يقلل من اعبائه على البيئة.

المنزل الذي يحوي آثاراً من تاريخه

هلم بنا بالدخول إلى منزل (تاكي ـ اوتشي اكيهيكو) البالغ من العمر ٤٧ عاماً والواقع فى مقاطعة جونما وسيكون أول ما يلفت نظرك هو جذع شجرة منحن بشكل طبيعي يستخدم كدعامة لتقوية السقف، تلك القطعة الخشبية الكبيرة السوداء تعطي للزائرين انطباعاً فورياً عن تاريخ المكان والممتد لحوالي ١٢٠عاماً.

فحينما تم بناء المنزل في منتصف عصر (ميجى) ١٨٦٩ – ١٩١٢ كان يضم متجراً لبيع زيت بذور اللفت لإستخدامه فى الطبخ والمصابيح، وبعدما حل الكيروسين (المعروف ايضا بزيت الكاز) محل ذلك الزيت اصبح المنزل يُستخدم لزراعة دودة القز. ومع تراجع صناعة الحرير بعد الحرب العالمية الثانية، خضعت اعمال العائلة لتغيير آخر، وذلك بالتحول الى زراعة نبات الكونجاك (Konjac) والمستخدم في صناعة الطعام الهلامي (Konnyaku) والذي هو من اختصاص لمقاطعة جونما.

وعلى مدى تلك السنوات العديدة، قامت الأجيال المتتابعة لعائلة تاكي ـ اوتشي بالحفاظ على والعناية بهذا المنزل وذلك من خلال تنفيذ اعمال التجديد الجزئي حسب الحاجة وبطريقة تتلائم مع التغير في النشاط التجاري للعائلة. ولعل إعادة استخدام ما هو موجود أصلاً بدلاً من هدم كل شىء وإعادة بنائه من الصفر قد ساهم في بقاء افراد العائلة على اتصال بماضيهم كما مكن ايضاً من اتباع اسلوب حياة صديق للبيئة.

وفي عام ٢٠٠٥ قرر أكيهيكو أنه لابد للمنزل أن يخضع لعملية تجديد كبرى للمرة الأولى منذ ما يقرب من الثلاثين عاماً، وذلك من أجل تلبية احتياجات الأجيال الثلاثة التي تعيش تحت سقفه بما فيه والده المسن. في البداية فكرت زوجته ساتومي في ترك المنزل القديم سليماً على حالة وبناء منزل اخر جديد وحديث في مكان آخر على أرضهم، ولكن فيما بعد أصبحت مقتنعة بأن إعادة بناء المنزل القديم هو الخيار الأفضل والأنسب.

ويوضح لنا اكيهيكو الأسباب الكامنة وراء رغبته في الحفاظ على بيت العائلة المهيب قائلاً: ”المنازل التي شيدت خلال عصر اقتصاد الفقاعة الياباني في الثمانينات وبداية التسعينات تبدو هرمة للغاية بعد مضي عشرين عاماً فقط على بنائها. إن مواد البناء الحديثة والمستخدمة في السنوات الأخيرة لا تضاهي أبداً الملمس الناعم لأركان البيوت القديمة، وكذلك من المستحيل أن يكون لمنزل حديث التشييد القدرة على إعادة إحياء الذكريات الرائعة التي عشتها في هذا المنزل خلال عصر ميجي. وقبل كل شئ، إن احساسي بالإحترام والتقدير للأجيال السابقة التي عاشت هنا هو ما يمنعني من هدم المنزل لبناء منزل اخر جديد وكبير“. بينما تشرح لنا (ساتومي) كيف اقتنعت بأن تستمر بالعيش في المنزل التاريخي قائلة: ”اخبرنا المهندس المعماري الذي يعمل على تنفيذ أعمال اعادة البناء إنه الآن وبعد انقضاء اكثر من قرن من الزمان بأن الأخشاب المستخدمة في بناء هذا المنزل اصبحت اكثر صلابة وقوة، وقال إنه ما دمنا نعزز هذا المنزل لمقاومة الزلازل فإنه سيكون صالحاً للسكن“.

وقد استغرق الأمر ما يقارب الثلاثة اعوام من المشاورات المتكررة مع المهندس المعماري (ياماكي هيديفوسا) رئيس شركة (CALAB) قبل أن يقر الزوجان نموذج إعادة البناء الذي يتطابق مع الصورة المثالية الموجودة في ذهنهما عن المنزل والذي يمزج ما بين العناصر التقليدية والحديثة. ولعل من أكثر خصائص هذا المنزل التي يعتز بها الزوجان هي الدعامة الأفقية الخشبية الكبيرة والمثيرة للإعجاب. وكان النجارون في عصر ميجي يحسنون استغلال المنحنيات الطبيعية لمثل هذه الأخشاب لتشييد المنازل، على العكس تماماً من الكتل المستقيمة من الأخشاب المعالجة التي تستخدم في بناء البيوت المعاصرة. سيما وأن التصميم الخاص بإعادة بناء منزل (اكيهيكو وساتومي) يرتكز على إعادة استخدام تلك الدعامة الأفقية الرائعة بطريقة فعالة.

كما أن (يوشى شيجى) والد (اكيهيكو) هو الآخر مسرور للغاية بالنتيجة التي انتهت اليها اعمال اعادة البناء، خاصة لأنها ساعدت على ابراز اثنتين من الإضافات التي قدمها جيله ألا وهما الأبواب الخشبية المنزلقة (اوبيدو – Obido) والأعمدة المركزية الثلاثة المصنوعة من الزيلكوفا (كى باكى – Yeyyak) الخشبي. ومن العناصر الأخرى التي تم تطويعها بالمنزل لإعادة استخدامها هي الأبواب الشبكية (كوشيدو – koshido) المزينة بالزركشات والنقوشات التي قام بها (اكيهيكو) وهو صبي صغير وكذلك الأثاث الخشبي (تاتجو- Tategu).

 

غرفة المعيشة تضم الدعامة الأفقية الخشبية السميكة ذات الإنحناء الطبيعي وهو المكان الذي تستمتع فيه عائلة تاكي ـ أوتشي بالإسترخاء سوياً حول المائدة المصنعة خصيصاً (هوريجوتاتسو) وهي مائدة منخفضة موضوعة فوق فجوة في الأرض تمكن الناس من أن يمدوا ارجلهم.

إعادة تشكيل منزل لأجيال قادمة 

لقد اشتملت عملية اعادة البناء الخاصة بمنزل تاكي ـ اوتشي على ما هو اكثر من مجرد الحفاظ على العناصر التقليدية وتحقيق الإستفادة القصوى من الموارد، ففي الطابق الثاني على سبيل المثال يمكن بسهولة ازالة جدران التقسيم التي في غرفة الأطفال لكي تتناسب مع احتياجاتهم عندما يكبرون في السن. وربما تكون هذه احدى الوسائل التي يأخذ فيها التصميم بعين الإعتبار اسلوب الحياة الخاص بالعائلة على المدى البعيد.

فعندما ترى ساتومى الضوء ينبعث عبر الزجاج المكسو بالثلج بالباب الشبكي تقول إن ذلك يذكرها بما يجعل البيوت القديمة بهذه الروعة وتستطرد موضحة: ”حتى في البيوت القديمة يمكن العيش بطريقة نظيفة ومريحة. نحن نعتني جيداً بالإمكانيات المتوفرة بالمنزل حتى يتسنى لنا استخدامها لفترة طويلة. وقد ظل هذا الأسلوب متبعاً في التعامل مع المنزل عبر الأجيال السابقة، واتمنى ان يكون أبنائي قادرين على الإستمرار في العيش في هذا المنزل“.

وهكذا فإن الإعتناء بالأشياء الثمينة المنتمية للماضي واستغلالها في المستقبل البعيد يبقينا على اتصال دائم مع من سبقونا، كما يمكن أن يكون الوسيلة المثلى للحفاظ على الموارد الطبيعية من اجل الأجيال القادمة.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، تصوير: اوتاكي كاكاو)

 

البوم صور لمنزل تاكى اوتشى، نهج تقليدى لحياة خضراء

انقر على الأرقام الموضحة على مخطط الأرضية للحصول على نظرة فاحصة حول كيفية استخدام العناصر التقليدية فى كل غرفة.

١  سقف القرميد والزجاج على الجانب الجنوبى من المنزل يضئ دواخله ويجعله دافئاً بدرجة كافية لكى تجف الملابس.

٢  تم بناء امتداد لدمج دعامات المدخل خارج الشرفة (انجاوا – engawa) مع المنزل من الداخل.
التصميم يحافظ على الشرفة اليابانية التقليدية حيث يتسنى للزوار الجلوس للدردشة دون الحاجة للدخول الى المنزل.

٣ يمكن تسخين كامل المنزل الصديق للبيئة بإستخدام موقد تغذية الكربات الناتجة عن تجفيف وضغط الخشب من الغابات.
هذا الأمر يتطلب مساحة وجهداً اقل من عملية حرق الحطب ولا ينتج عنه اى أدخنة مما يلغى الحاجة الى مدخنة.

٤  يوضح لنا (ياماكى هيدفيوزا) المهندس المعمارى المسئول عن اعادة البناء قائلاً: (المنحنيات الطبيعية للخشب ليست موحدة ولذلك فإنها تتحدى تحليل الآلة ، فنادراً ما نجد اى نجار فى هذه الأيام يكون مدرباً على تجميع منزل من الخشب الطبيعى ناهيك عن الخشب المعالج).

٥ قطعة من الزجاج الزخرفى من وقت مبكر من عصر شوا (١٩٢٦ – ١٩٨٩) توجد فى اسفل الدرج تضئ الدواخل.

٦  استخدام عدد اقل من العوارض كان سيجعل المساحة الداخلية تبدو أكثر اتساعاً، ولكن تم الإبقاء على الكثير منها في مكانه لتقوية مقاومة الزلازل.

٧  أعمدة التدعيم التى كانت تستخدم لأسرة دودة القز هي الأن موضوعة على جانبها ويعاد استخدامها كرف في الطابق الثاني.

٨  (ياماتو) و(نا أوكى) ابناء (اكيهيكو) يلعبون العاب الفيديو في غرفة الأطفال تحت الدعامة الأفقية الخشبية ذات المائة وعشرين عاماً.

البيئة