دوري الكرة الطائرة الياباني: خطوات ثابتة نحو العالمية

رياضة

انطلقت بطولة دوري الكرة الطائرة في اليابان في خريف عام 2024، لتفتح فصلاً جديدًا من التنافس بين فرق الرجال والنساء في هذه الرياضة المحبوبة. ويسعى مديرو البطولة إلى تحقيق طموح كبير يتمثل في جعل الدوري الياباني الأفضل عالميًا بحلول عام 2030. ومع ذلك، فإن الطريق لتحقيق هذا الهدف مليء بالتحديات. فما هي الخطوات التي يجب أن تتخذها الرياضة اليابانية لتحقيق هذا الحلم الطموح؟ هذا ما سنستعرضه في هذه المقالة.

تغيير اسم دوري الكرة الطائرة الياباني إلى دوري SV

تأسست أول بطولة وطنية للكرة الطائرة في اليابان عام 1967. وقبل ذلك بثلاث سنوات، فاز فريق الكرة الطائرة الوطني للسيدات الياباني، الذي أطلق عليه اسم ˮالساحرات الشرقيات“، بالميدالية الذهبية في أولمبياد طوكيو. وارتفعت شعبية الكرة الطائرة بشكل مطرد، حيث أنشأت العديد من الشركات الكبرى في اليابان فرقًا انضمت بعد ذلك إلى الدوري الاحترافي.

فريق الكرة الطائرة النسائي الياباني، الملقب بـ ˮالساحرات الشرقيات“، خلال منافساته على الميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأوليمبية التي استضافتها طوكيو عام 1964 ضد الاتحاد السوفييتي. (© كيودو)
فريق الكرة الطائرة النسائي الياباني، الملقب بـ ˮالساحرات الشرقيات“، خلال منافساته على الميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأوليمبية التي استضافتها طوكيو عام 1964 ضد الاتحاد السوفييتي. (© كيودو)

وفي تسعينيات القرن العشرين، أدى ظهور الدوري الياباني لكرة القدم للمحترفين في اليابان، والذي كان يضم فرقًا في مناطق مختلفة من اليابان، إلى تغيير في الكرة الطائرة أيضًا. واستلهامًا من التطور الجديد لكرة القدم، تم حل الدوري الياباني للكرة الطائرة وإعادة تسميته بـ ˮV league“.

ولكن الدوري الجديد فشل في تحقيق الاحترافية التي يتمتع بها الدوري الياباني لكرة القدم. وبدلاً من ذلك، ظل الدوري يركز على الفرق التقليدية التي ترعاها الشركات، حتى أن المشجعين لم ينظروا إلى الدوري الجديد على أنه مبتكر للغاية.

ولقد تفاقمت المشكلة بسبب انفجار الفقاعة الاقتصادية في اليابان في تسعينيات القرن العشرين. ففي أعقاب الانهيار، قررت مجموعة من الشركات تعليق أو إيقاف فرقها الرياضية. واختفت فرق الكرة الطائرة واحداً تلو الآخر، بما في ذلك فرق الرجال الرائدة مثل ˮفوجي فيلم“ وˮنيبون كوكان كيه كيه“، فضلاً عن فرق النساء ˮهيتاتشي“ وˮيونتيكا“.

وفي ظل الظروف الاجتماعية المتغيرة، شهدت الكرة الطائرة الاحترافية تطورات جديدة، بما في ذلك إعادة إطلاق فريق الرجال السابق ˮنيبون ستيل ساكاي“ كفريق نادي يُدعى ˮساكاي بليزرز“. كما طُرحت فكرة إنشاء دوري احترافي في غضون عامين تحت مسمى ˮالدوري الممتاز“. ومع ذلك، لم يحظ الدوري بدعم لهذه الخطوة نحو الاحتراف، وظل مرتبطًا بنظام إدارة يركز على فرق الشركات.

الفلسفة التي تقوم عليها عملية التحول إلى ˮدوري S V“

تم إعادة تنظيم الدوري V، الذي كان قائمًا حتى موسم 2023، بحيث أصبح القسم الأول يُعرف الآن باسم دوري SV بينما يُطلق على القسم الثاني اسم دوري V. ويرمز الحرف ˮS“ في الاسم الجديد إلى ˮقوي، منتشر، ومجتمعي“، مما يعكس فلسفة القوة والقاعدة العريضة والارتباط بالمجتمع.

وفي المؤتمر الصحفي لافتتاح الدوري، علق رئيس مجلس الإدارة أوكاوا ماساكي بأن هذا الإنجاز ˮيمثل بداية جديدة حيث نهدف إلى أن نصبح الدوري الأول للكرة الطائرة في العالم“، وأعرب عن أمله في أن يُظهر الدوري المعاد تنظيمه ˮجاذبية الكرة الطائرة بشكل كامل“.

رئيس مجلس الإدارة أوكاوا ماساكي محاطًا باللاعبين في المؤتمر الصحفي الذي عقد في 30 سبتمبر/ أيلول في حي ميناتو في طوكيو للاحتفال بافتتاح دوري SV الجديد. (© جيجي برس)
رئيس مجلس الإدارة أوكاوا ماساكي محاطًا باللاعبين في المؤتمر الصحفي الذي عقد في 30 سبتمبر/ أيلول في حي ميناتو في طوكيو للاحتفال بافتتاح دوري SV الجديد. (© جيجي برس)

ويتمتع أوكاوا بخبرة إدارية في كل من الدوري الياباني والدوري المحترف لكرة السلة الدرجة الثانية. وبناءً على هذه الخبرة، كيف يحدد هدفه المتمثل في أن يصبح الدوري ˮالأول على مستوى العالم“ للكرة الطائرة؟

وبحسب شرح ˮأوكاوا“، فإن الهدف هو أن نصبح الأفضل في العالم من حيث الحضور ومبيعات التجزئة من خلال تعزيز الإدارة والحوكمة. ومن الأهداف الإضافية أن يفوز فريق عضو ببطولة العالم للأندية وأن يكون أكبر عدد من لاعبي المنتخب الوطني يشاركون في الألعاب الأولمبية ودوري الأمم للكرة الطائرة.

دوريات الكرة الطائرة اليابانية

وقد حقق دوري SV بداية جيدة، بفضل الاهتمام القوي بالمنتخب الوطني الياباني خلال دورة الألعاب الأوليمبية في باريس. وتم بث المباراة الافتتاحية للرجال على الهواء مباشرة على شبكة تلفزيون فوجي الأرضية، كما يتم بث جميع مباريات الدوري للرجال والنساء على قناة جي سبورتس، وهي قناة بث عبر الأقمار الصناعية.

لكن البعض أشار إلى أن الفارق بين نظام الدوري الجديد وسابقه ليس واضحا. ففيما يتعلق بتنظيم الفرق، زاد عدد اللاعبين الأجانب، لكن هناك مخاوف من أن الوعي بإطلاق الدوري الجديد قد لا يكون واسع النطاق بين أفراد الجمهور العام الذين لم يصبحوا بعد من مشجعي الكرة الطائرة.

وعدد الفرق في الدوري التي لا تستخدم أسماء شركات آخذ في الازدياد، مثل فرق الرجال أوساكا بلوتيون (باناسونيك سابقًا) وهيروشيما ثاندرز (جابان توباكو سابقًا)، وكذلك فريق أوكاياما سيغالز (المملوك للبلدية) وفيكتورينا هيميجي (تم تمويله بشكل مستقل) في دوري السيدات. ولكن بشكل عام، تحتفظ الفرق بصبغة الرعاية من الشركات، مما يجعل من الصعب على الدوري عرض ابتكاراته أو جذب الجماهير التي تأمل في تشجيع فريق محلي.

تكامل الاتحاد الأوروبي ينعش الرابطة الأوروبية

وفي أوروبا، حققت رياضة الكرة الطائرة نجاحاً كبيراً في إيطاليا وأماكن أخرى، وأصبحت هذه الرياضة متعددة الجنسيات بشكل متزايد، حيث يلعب اللاعبون من بلدان مختلفة في نفس الفرق. على سبيل المثال، سبعة من أصل 14 لاعباً في نادي بيروجيا الإيطالي لكرة القدم هم من الأجانب، بما في ذلك النجم الياباني إيشيكاوا يوكي. ووفقاً لموقع النادي على الإنترنت، فإن قائمة الفريق تضم لاعبين محترفين من بولندا وأوكرانيا وكوبا والأرجنتين، بالإضافة إلى اليابان.

إيشيكاوا يوكي يبتسم ابتسامة عريضة خلال إحدى مباريات الدوري الإيطالي الممتاز بين فريقه بيروجيا وترينتينو والتي أُقيمت فعاليتها في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2024. (© آي بي إيه سبورت/ إيه بي إيه سي إيه/ كيودو).
إيشيكاوا يوكي يبتسم ابتسامة عريضة خلال إحدى مباريات الدوري الإيطالي الممتاز بين فريقه بيروجيا وترينتينو والتي أُقيمت فعاليتها في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2024. (© آي بي إيه سبورت/ إيه بي إيه سي إيه/ كيودو).

ولا يقتصر هذا الاتجاه على الكرة الطائرة. فمع تكامل الاتحاد الأوروبي، أصبح الرياضيون الأوروبيون قادرين على التحرك بحرية داخل السوق منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين. وهم الآن يعاملون بنفس الطريقة التي يعامل بها العمال العاديون. وفي حالة كرة القدم على وجه الخصوص، كانت سوق الانتقالات نشطة وارتفع مستوى اللعب في كل بلد. كما بدأت الأندية في تلقي رسوم كبيرة من حقوق البث من خلال انتشار قنوات التلفاز المدفوعة، كما ارتفعت رسوم انتقال اللاعبين بشكل كبير. الأمر الذي أدى بالتبعية إلى اجتذاب المزيد من اللاعبين من خارج الاتحاد الأوروبي نتيجة لتوسع نطاق الأعمال.

وعلاوة على ذلك، يتمتع عالم الرياضة الأوروبي بتاريخ طويل من التطور المتجذر في المجتمع المحلي. حيث يحظى كل ناد بدعم المشجعين المحليين المتفانين، الذين يشجعون اللاعبين من بلدان أخرى كممثلين لمدينتهم. كما تعمل العائدات من مبيعات التذاكر في الملاعب والصالات كأساس لمزيد من تطوير الأعمال.

تعزيز الأنشطة الموجهة للمجتمع أمر ضروري

وتحتاج اليابان أيضاً إلى وجود أساس في المجتمع حتى يتسنى لها توسيع نطاق الأعمال. وفي حالة كرة القدم، بُذِلَت جهود لترويج هذه الرياضة في المناطق المحلية منذ إنشاء الدوريات الشبابية. كما ركزت كرة السلة على توسيع قاعدتها من خلال الترويج لـ ˮكرة السلة المصغرة“ للأطفال في المدارس الابتدائية. وقد غذت مثل هذه الجهود نجاح الدوري الياباني لكرة القدم ودوري كرة السلة

ومع ذلك، لا تزال العديد من الرياضات الأخرى تركز على أنشطة الأندية المدرسية أو الرياضات التي ترعاها الشركات، وقد واجهت صعوبات في اختراق المجتمعات المحلية. ويبدو أن الكرة الطائرة هي واحدة من هذه الحالات.

وبحسب دراسة ˮبيانات الحياة الرياضية للأطفال والشباب“ التي أجرتها مؤسسة ساساكاوا الرياضية في عام 2023، فإن ما يقدر بنحو 1,81 مليون مراهق يلعبون الكرة الطائرة مرة واحدة على الأقل في السنة، بانخفاض عن 2,79 مليون في دراسة عام 2001. بعبارة أخرى، في غضون 20 عامًا فقط، انكمش العدد بنحو مليون.

ونظراً لانخفاض معدلات المواليد في اليابان، فقد انخفض عدد الأشخاص المتنافسين في العديد من الرياضات. وإذا تقلص الأساس الذي تقوم عليه رياضة معينة بسرعة، فسوف ينخفض عدد المتفرجين بشكل طبيعي بدوره، مما يعوق عملية التطوير برمتها.

تشكيل فرق تحت 15 سنة أمرًا إلزاميا

وفي العام الماضي، بدأت وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا مبادرة للتحول من أنشطة الأندية في المدارس الإعدادية العامة إلى الأندية المجتمعية. وكان العبء المُلقى على عاتق المعلمين المكلفين بتدريب الأندية المدرسية هو المشكلة الأكبر التي كان لابد من التغلب عليها. ولكن هذا الإصلاح كان صعباً لأن قِلة من القادة والمنظمات في المجتمع قادرة على تولي هذا الدور التدريبي الذي جعل من الضروري أن يعمل المعلمون حتى في عطلات نهاية الأسبوع.

وإن حل مثل هذه القضايا لابد وأن يكون أيضاً من النقاط التي يجب أن تركز عليها رابطة دوري الكرة الطائرة. ومن بين المبادرات التي تم طرحها بالفعل ضرورة قيام أي نادٍ يسعى للحصول على ترخيص للانضمام إلى الرابطة الجديدة بتشكيل فريق من اللاعبين الشباب تحت سن 15 عاماً. ومن الناحية المثالية، سوف تتمكن الرابطة من توسيع أنشطتها التدريبية والترويجية بشكل أكبر والتركيز على تحسين البيئة التنافسية.

وحتى الآن، اجتذب عالم الكرة الطائرة الياباني الانتباه باستخدام نجاح الفريق الوطني كمحفز. لكن الألعاب الأوليمبية تُقام مرة واحدة كل أربع سنوات فقط، مما يضع حدًا لمدى قدرة هذا الحدث وحده على المساهمة في الرياضة. وإن شعبية الكرة الطائرة لا يمكن أن تستمر فقط على أساس عدد قليل من اللاعبين الذين يصنفون على أنهم مشاهير.

وإن تطوير الدوري يتطلب وجود لاعبين من الطراز العالمي، وممارسة الألعاب التنافسية، وتحقيق النجاح التجاري. ولكن من أجل إشعال هذه الظروف واستدامتها، فمن الضروري رعاية أكبر عدد ممكن من لاعبي الكرة الطائرة الشباب وزيادة عدد مشجعي الكرة الطائرة الذين سيتابعون هذه الرياضة على المدى الطويل. ولا توجد طرق مختصرة لتصبح الأفضل في العالم. والسبيل الوحيد للدوري هو أن يواصل تركيزه على الهدف والمضي قدمًا بخطوات ثابتة.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة الموضوع: نيشيدا يوجي، لاعب أوساكا بلوتيون، على اليسار، يسدد الكرة بقوة أمام مدافعي سانتوري في المجموعة الثانية من المباراة الافتتاحية لدوري SV التي أُقيمت في صالة طوكيو متروبوليتان للألعاب الرياضية في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024. © جيجي برس)

رياضة الشباب الياباني الثقافة اليابانية