الألعاب النارية: تراث عريق يضيء سماء اليابان

سياحة وسفر

لطالما أضاءت عروض الألعاب النارية سماء اليابان، محولة الليل إلى لوحات ساحرة تجمع بين الألوان الزاهية والتقاليد العريقة. ولكن في بلدة كاتاكاي الصغيرة بمحافظة نيغاتا، يأخذ مهرجان الألعاب النارية السنوي طابعًا خاصًا، حيث لا يُعد مجرد احتفال، بل إرثًا ثقافيًا ينبض بالحياة كل سبتمبر/أيلول. هنا، تتصاعد الألعاب النارية العملاقة، التي تُعتبر من الأكبر في العالم، لتُبدع مشاهد مذهلة تبهر الحضور وتروي قصصًا عن التاريخ والفخر المجتمعي. في هذه المقالة، ننطلق في رحلة لاستكشاف أسرار هذا المهرجان المذهل، الذي يُجسد التقاء التراث بالخيال الإبداعي.

مفرقعات ضخمة في بلدة صغيرة بمحافظة نييغاتا

تشتهر محافظة نييغاتا الواقعة على ساحل بحر اليابان بأنها قلب ”بلاد الثلج“ ومركز رئيسي لزراعة الأرز (وبالتالي إنتاج الساكي). كما تستضيف المحافظة خلال أشهر الصيف الكثير من مهرجانات الألعاب النارية الشهيرة. ويجذب أكبر مهرجاناتها على الإطلاق أكثر من 300 ألف متفرج يشترون تذاكر الدخول كل صيف إلى مدينة ناغاؤكا، الواقعة جنوب العاصمة الإقليمية. ويتم خلال هذا العرض المذهل إطلاق حوالي 20 ألف مفرقعة من الألعاب النارية، من بينها مفرقعات ”ستار ماين“ التي تنفجر في السماء على شكل نجوم ضخمة الحجم (حيث تطلق مجموعة من الألعاب النارية تباعا وبسرعة) ومفرقعات ”شوسان جاكو داما“ الضخمة التي تنفجر من قذائف يبلغ قطرها 90 سم. ويتجاوز الطلب على التذاكر العدد المحدد للبيع كل عام.

تقع كاتاكاي على مقربة من ناغاؤكا وهي منطقة في شمال مدينة أوجيا يقطنها حوالي 1400 أسرة أي ما يعادل 3800 شخص فقط. وعلى الرغم من صغر حجمها، تقيم كاتاكاي كل عام مهرجانا للألعاب النارية لا يقل شهرة عن المهرجانات في المدن الكبرى المنافسة. يُقام ”كاتاكاي ماتسوري“ في شهر سبتمبر/أيلول، وهو أحد المهرجانات الثلاثة الرئيسية للألعاب النارية في نيغاتا (لا تزال تعرف أحيانا باسمها الإقليمي القديم إيتشيغو)، تغطي هذه المهرجانات الثلاثة معظم المعالم الجغرافية المتنوعة لهذه المحافظة وهم مهرجان كاشيوازاكي على البحر وناغاؤكا على النهر وكاتاكاي في الجبال.

أقيم أحدث مهرجان كاتاكاي في 13 و14 سبتمبر/أيلول عام 2024. وخلال هذين اليومين، غصّت شوارع المجتمع الصغير بأكثر من 170 ألف شخص. على الرغم من أن العدد الإجمالي للألعاب النارية التي تم إطلاقها والذي بلغ حوالي 15 ألف ولا يمكن أن ينافس ناغاؤكا، إلا أن موقع كاتاكاي الجبلي يضفي جاذبية فريدة حيث يتردد دوي الألعاب النارية على سفوح التلال المحيطة. كما يتميز المهرجان برقم قياسي عالمي في موسوعة غينيس لأكبر مفرقعات نارية في العالم، محصورة داخل قذيفة يبلغ قطرها 120 سم وبوزن 420 كغ. تأسر هذه الألعاب النارية الضخمة قلوب من يشاهدونها وتجعل المهرجان من أبرز الفعاليات في التقويم بالنسبة للسكان المحليين والزوار على حد سواء.

يختلف مهرجان كاتاكاي عن معظم عروض الألعاب النارية الكبرى الأخرى، والتي تُقام لأغراض الترفيه والسياحة فقط. يظل مهرجان كاتاكاي متجذرا بشكل فريد في الحياة اليومية للمجتمع المحلي. يتبرع السكان المحليون بشكل فردي وجماعي بالمال لرعاية الألعاب النارية كقرابين للمعبد المحلي والآلهة الموجودة فيه. يعد المهرجان أحد الأمثلة النادرة المتبقية على ”هونو إينكا (الألعاب النارية المقدمة كقربان للآلهة)“، ويعود تاريخه إلى احتفالات فترة إيدو التي كانت تهدف إلى استرضاء وترفيه الآلهة.

مفرقعة نارية بقطر 120 سم والتي أطلقت في 14 سبتمبر/أيلول وهي أكبر مفرقعة في احتفالات هذا العام (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).
مفرقعة نارية بقطر 120 سم والتي أطلقت في 14 سبتمبر/أيلول وهي أكبر مفرقعة في احتفالات هذا العام (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).

الاحتفال بمواليد جدد وأعمار مديدة

يقوم أفراد من المجتمع المحلي برعاية الألعاب النارية لأسباب متعددة منها احتفالية مثل الولادة أو الزواج أو الذكرى السنوية وللصلاة من أجل صحة جيدة أو ازدهار أعمال عائلية أو تخليدا لذكرى أحد الأقارب المتوفين. تتشابه المشاعر والأفكار التي يحملها الناس إلى المهرجان مع تلك التي نراها في تقليد ”هاتسو مودي (عندما يزور الناس في جميع أنحاء اليابان معبدا لأول مرة في العام الجديد)“.

تظهر كل هذه الصلوات والأمنيات والرسائل في منشور خاص يسمى بانزوكي الألعاب النارية. يحاكي هذا البرنامج المطبوع منشورات بانزوكي السومو التقليدية، التي تدرج أسماء ورتب المصارعين وجدول المباريات. في مهرجان كاتاكاي، يقدم منشور بانزوكي تفاصيل حول الألعاب النارية التي سيتم إطلاقها خلال العرض، بما في ذلك توقيتها والجهة الراعية والغرض أو النية وراء كل مفرقعة نارية.

تقدم منشورات بانزوكي كافة التفاصيل حول البرنامج الكامل للألعاب النارية ويتم مشاركتها مع جميع الزوار (© شينوهارا تاداشي).
تقدم منشورات بانزوكي كافة التفاصيل حول البرنامج الكامل للألعاب النارية ويتم مشاركتها مع جميع الزوار (© شينوهارا تاداشي).

تباع منشورات بانزوكي أيضا على شكل صحيفة للزوار يمكنهم الاحتفاظ بها (© شينوهارا تاداشي).
تباع منشورات بانزوكي أيضا على شكل صحيفة للزوار يمكنهم الاحتفاظ بها (© شينوهارا تاداشي).

”تهانينا الحارة لابنتنا البكر إينا.
نشكرك على مجيئك إلى العالم بيسر!“

ناغاهارا كاي يبلغ من العمر 26 عاما ولد ونشأ في كاتاكاي، قام هذا العام برعاية إطلاق مفرقعتين كبيرتين بقطر 30 سم (شاكوداما) للاحتفال بميلاد طفلته الأولى. وكان والدا كاي قد قاما برعاية ألعاب نارية عند ولادته، وكان على دراية دائما أنه يريد مواصلة القيام بهذا التقليد عندما ينجب أطفالا. ويقول كاي ”رعاية الألعاب النارية ليست رخيصة، ولكن الأمر كان بالتأكيد يستحق ذلك. أنا سعيد للغاية“.

وفي الوقت نفسه، احتفل سكان آخرون بحدث مهم معاكس وهو عيد ميلاد جدة في سن متقدمة.

”عيد ميلاد سعيد في سن التاسعة والتسعين لإيتشيكاوا إيميكو.
عيد ميلاد سعيد أيتها الجدة!
نأمل أن تستمتعي بهذه الهدية من المفرقعات النارية المحببة لك منا جميعا!“

قام إيتشيكاوا هيديؤ البالغ من العمر 79 عاما وثلاثة من أشقائه بجمع الأموال لإطلاق مفرقعة نارية من نوع ”ستار ماين“ احتفالا بعيد ميلاد والدتهم التاسع والتسعين هذا العام، بمشاركة أحفادها العشرة. تعيش والدتهم الآن في دار رعاية مدعومة، وكانت في أيام شبابها تجلس في مقاعد الصف الأول لمشاهدة الألعاب النارية كل عام.

يقول إيتشيكاوا ”في البداية كان من المخطط أن يقوم الأشقاء الأربعة برعاية عرض ألعاب نارية صغير. ولكننا فكرنا أنه ربما لم يتبق الكثير من السنوات. لذلك قررنا إشراك الأحفاد أيضا. تمكنا معا من رعاية عرض كبير يتضمن مفرقعات من نوع ”ستار ماين“ الكبيرة والاحتفال بهذه المناسبة بصخب“.

إيتشيكاوا هيديؤ يعرض صورة لوالدته إيميكو مع عائلتها بأكملها (© شينوهارا تاداشي).
إيتشيكاوا هيديؤ يعرض صورة لوالدته إيميكو مع عائلتها بأكملها (© شينوهارا تاداشي).

تبلغ تكلفة رعاية ألعاب نارية من نوع ”شاكوداما“ حوالي 72 ألف ين. وللحصول على معاملة خاصة تتيح لك اختيار توقيت إطلاق الألعاب النارية الخاصة بك، يجب أن تكون مستعدا لدفع 143 ألف ين على الأقل، وهو ما يعادل تكلفة اثنتين من مفرقعات ”شاكوداما“. وتبلغ تكلفة سلسلة الألعاب النارية من نوع ”ستاربورست“ أكثر من 200 ألف ين. شارك حوالي 300 فرد وشركة ومنظمة (بما في ذلك بعض الجهات من خارج المنطقة) في رعاية الألعاب النارية خلال مهرجان هذا العام.

مجموعات طلابية وروابط تدوم مدى الحياة

أثناء قراءتي للرسائل المليئة بالامتنان وآمال المستقبل الموجودة في منشورات بانزوكي، أدركت أنه من النادر وجود مهرجانات ترتبط بعمق بحياة المجتمع المحلي مثل هذا المهرجان. لا شك أنه أسعد مهرجان للألعاب النارية في العالم.

قبل إطلاق كل مفرقعة نارية، يتم الإعلان عن اسم الراعي ورسالته وهي لحظة فخر يتبعها على الفور تقريبا دوي المفرقعات. يتردد صدى الصوت عبر التلال بينما تتلألأ الألعاب النارية في أنماط مبهرة من الألوان قبل أن تتناثر وتتلاشى في سماء الليل. بالنسبة للرعاة، فإنها تجربة مفعمة بالمشاعر تثير كل الحواس في آنٍ واحد. هذه اللحظات فريدة لمهرجان كاتاكاي، وتشكل ذكريات عزيزة تبقى خالدة في القلوب مدى الحياة.

يزور المصلون معبد أساهارا خلال المهرجان (© شينوهارا تاداشي).
يزور المصلون معبد أساهارا خلال المهرجان (© شينوهارا تاداشي).

يتم تجهيز مقاعد المهرجان في حقل مفتوح بالقرب من موقع الإطلاق (© شينوهارا تاداشي).
يتم تجهيز مقاعد المهرجان في حقل مفتوح بالقرب من موقع الإطلاق (© شينوهارا تاداشي).

تسود في كاتاكاي روح قوية من التضامن بين الأطفال في نفس العام الدراسي. يتم تشكيل جمعيات من مجموعات تضم طلابا من نفس السنة الدراسية تعرف باسم ”دوكيوكاي“ عندما يغادر الطلاب المدرسة الإعدادية. بعد عدة سنوات عند تخرجهم من المدرسة الثانوية، يبدأ الشباب في المساهمة في صندوق ادخار الألعاب النارية الخاص بجمعيتهم، والذي ينمو من خلال المساهمات السنوية من أعضائه. تطلق كل جمعية دوكيوكاي أول ألعاب نارية لها في العام الذي يبلغ فيه أعضاؤها 20 عاما كرمز لانتقالهم إلى مرحلة البلوغ. وتطلق الألعاب النارية لاحقا للاحتفال بمحطات رئيسية في حياتهم مثل سنوات ياكودوشي (33 عاما للنساء و42 عاما للرجال) التي درجت العادة على الاعتقاد أنها تحمل خطرا متزايدا للإصابة بالأمراض أو المصائب، بالإضافة إلى أعياد الميلاد المميزة مثل بلوغ سن الخمسين أو الستين.

جمعت جمعية ”أوكاكاي (جمعية أزهار الكرز)“ المكونة من شباب بلغوا العشرين من العمر، أكثر من 5 ملايين ين من مساهمات الأعضاء هذا العام، بالإضافة إلى تبرعات من العائلة والأصدقاء. وأطلقوا باحتفالهم ببلوغ سن الرشد مفرقعة نارية مذهلة من نوع ”ستار ماين“، والتي تشكل أبرز فعاليات الاحتفال.

تضيء مفرقعة ”ستار ماين“ السماء احتفالا بوصول الشباب إلى سن الرشد (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).
تضيء مفرقعة ”ستار ماين“ السماء احتفالا بوصول الشباب إلى سن الرشد (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).

بالإضافة إلى مفرقعات ”ستار ماين“ التي يرعاها الشباب بأنفسهم، تم إطلاق مفرقعة خاصة بقطر 120 سم احتفالا ببلوغ أحدث مجموعة سن الرشد في البلدة، يرعاها بفخر ”سكان كاتاكاي بأكملهم“. وأصبحت هذه العادة تقليدا سنويا. وشهد احتفال هذا العام استخدام أنماط مذهلة حيث انفجرت الألعاب النارية الضخمة على ارتفاع 800 متر فوق الأرض تقريبا، لتتناثر شرارتها إلى 800 متر في سماء الليل المظلمة.

ومن بين العادات المحببة الأخرى في كاتاكاي المفرقعات النارية الخاصة التي تنظمها جمعيات دوكيوكاي للأشخاص الذين يحتفلون بعيد ميلادهم الستين، وهي علامة على اكتمال دورة كاملة من الأبراج وفقا لتقويم الأبراج الصينية في شرق آسيا. فقد احتفلت هذا العام ”سازانامي كاي (جمعية الموجة)“ بأعياد ميلاد أعضائها المميزة من خلال رعاية مفرقعة ”ستار ماين“ ضخمة بتكلفة تزيد عن 10 ملايين ين. وكانت هذه أكبر مفرقعة نارية في تاريخ المهرجان، حيث استمرت الانفجارات والاهتزازات لأكثر من 5 دقائق.

وبالنسبة لسكان كاتاكاي، فإن المهرجان ليس مجرد حدث للمشاهدة بل هو شيء للمشاركة فيه. بل إن هناك حكايات عن عشاق المهرجان المتحمسين الذين يأخذون إجازات من وظائفهم في بلدات أخرى للعودة والمساعدة في التحضيرات للمهرجان. يحرص الجميع على القيام بدورهم. وما أن ينتهي مهرجان أحد الأعوام، حتى يبدأ التخطيط للمهرجان التالي.

”لا تتزوج عروسا من كاتاكاي“

إن الإنفاق بسخاء على لحظات عابرة من المتعة والتعبير عن الذات من خلال عروض غير مبالية من الألعاب النارية يتماشى بشكل وثيق مع جماليات فترة إيدو التي تُعرف باسم ”إيكي“ والتي غالبا ما تُترجم بعبارات ”الأناقة الهادئة“ أو ”الأناقة البسيطة“. تعد كاتاكاي واحدة من الأماكن القليلة في اليابان حيث لاتزال هذه الثقافة قائمة حتى يومنا هذا. إن حب البلدة لمهرجانها واستعداد الناس لإنفاق أي شيء من أجل إطلاق ألعاب نارية مذهلة معروف على نطاق واسع في المنطقة. وكانت البلدات المجاورة على مدار عدة قرون تنظر إلى تفاني كاتاكاي المفرط اتجاه الألعاب النارية بمزيج من الدهشة والاستنكار. حتى إن هناك قولا مأثورا قديما يقول ”لا تتزوج عروسا من كاتاكاي، ولا تدع ابنتك تتزوج من عائلة من هناك أيضا“.

فما الذي يفسر الاعتقاد بأن الألعاب النارية يمكن أن تبعث الراحة على أرواح الموتى وتمنع الأمراض؟ يُقال إن السبب يعود إلى عام 1733 في منتصف فترة إيدو، عندما أقيم مهرجان سويجين على نهر سوميدا الذي يعد شريان حياة في إيدو (طوكيو الآن). ففي أعقاب مجاعة كبيرة ووباء، نظم توكوغاوا يوشيموني الشوغون آنذاك، عرضا رائعا للألعاب النارية لجلب السلام إلى أرواح الموتى. ومن المعتقد أن هذا الحدث ألهم تقليد الألعاب النارية كجزء من الممارسات الدينية والاحتفالية على مدار العام.

في كاتاكاي نفسها، يشير تقويم محلي يحتفظ به أحد مسؤولي القرية (شويا) إلى أنه في عام 1802 ”تم إطلاق ألعاب نارية متنوعة، ولم تخفق أي منها في الانفجار“. وباتت الألعاب النارية فيما يبدو جزءا لا يتجزأ من ثقافة البلدة بحلول هذه المرحلة على أبعد تقدير.

لا يزال هناك منشور بانزوكي يعود إلى عام 1867، وهو مشابه لمنشورات بانزوكي الحالية، حيث يسرد نوع وحجم كل مفرقعة نارية، إلى جانب اسم الجهة الراعية للحدث.

ترتبط أصول صناعة الألعاب النارية في كاتاكاي بمكانتها التاريخية كبلدة تديرها مباشرة ”باكوفو“ أو حكومة شوغونية. كانت البلدة موطنا لمجموعة من الحرفيين المهرة، بما في ذلك الحدادين والصباغين والنجارين، بالإضافة إلى متخصصين في الأسلحة النارية والبارود. وبدأ هؤلاء الحرفيون في إنتاج الألعاب النارية، وصقلوا مهاراتهم مع مرور الوقت حيث تنافسوا لابتكار أكثر العروض روعة وجمالا.

وتحافظ اليوم على هذه التقاليد العريقة شركات مثل شركة كاتاكاي للألعاب النارية التي تواصل إنتاج الألعاب النارية المبهرة التي تضيء سماء كاتاكاي في نهاية كل صيف.

عامل في شركة كاتاكاي للألعاب النارية يصنع مفرقعات على شكل ”نجوم“ تتلألأ بعد تفجير مفرقعة نارية ضخمة (© شينوهارا تاداشي).
عامل في شركة كاتاكاي للألعاب النارية يصنع مفرقعات على شكل ”نجوم“ تتلألأ بعد تفجير مفرقعة نارية ضخمة (© شينوهارا تاداشي).

يتم وضع عدة طبقات من الورق على الجانب الخارجي لكل مفرقعة نارية لجعلها أكثر قوة عند إطلاقها (© شينوهارا تاداشي).
يتم وضع عدة طبقات من الورق على الجانب الخارجي لكل مفرقعة نارية لجعلها أكثر قوة عند إطلاقها (© شينوهارا تاداشي).

أنابيب إطلاق ضخمة تستخدم لإطلاق مفرقعات كبيرة يبلغ قطرها 90 و120 سم (© شينوهارا تاداشي).
أنابيب إطلاق ضخمة تستخدم لإطلاق مفرقعات كبيرة يبلغ قطرها 90 و120 سم (© شينوهارا تاداشي).

طقوس للعبور

تعد الاحتفالات التقليدية عنصرا أساسيا آخر في مهرجان كاتاكاي. ومن أهمها مواكب تاما-أوكوري وتسوتسو-هيكي.

في مراسم تاما أوكوري، تقدم الألعاب النارية رسميا إلى معبد أساهارا. (تعني كلمة تاما ”جوهرة“ أو ”كرة“، هي الكلمة المستخدمة لوصف قذائف الألعاب النارية المستديرة الشبيهة بالبصل في شكلها الأصلي غير المنفجر). تعود جذور التقليد إلى أوائل عصر ميجي (1868-1912)، عندما كان الشباب يزورون كل منزل، ويجمعون الألعاب النارية في صناديق لتقديمها إلى المعبد. وعلى الرغم من أن الألعاب النارية الفعلية لم تعد تُجلب إلى المعبد، إلا أن الشباب من الأقسام الستة في البلدة ما زالوا يجرون عربات المهرجان في الشوارع قبل التجمع في المعبد. ولا يقتصر الأمر على الشباب، إذ إن رؤية الناس من جميع الأعمار وهم يملؤون الشوارع بالطاقة والإثارة يشكل علامة على يوم افتتاح المهرجان.

وتزداد الأجواء حيوية بفضل أغاني كيياري-أوتا التي يرددها المشاركون أثناء جر المركبات، مصحوبة بموسيقى احنفالية تُعزف على الناي وطبول التايكو.

وهناك مراسم مهمة أخرى هي احتفال تسوتسو-هيكي، حيث تُحمل أنابيب الإطلاق (تسوتسو) الخاصة بالمفرقعات الألعاب النارية الضخمة في أرجاء البلدة. وتعد هذه الطقوس بمثابة صلاة من أجل إطلاق الألعاب النارية بأمان ونجاح في المهرجان.

مشاركون في الموكب يعزفون الموسيقى أثناء سيرهم في أرجاء البلدة (© شينوهارا تاداشي). .
مشاركون في الموكب يعزفون الموسيقى أثناء سيرهم في أرجاء البلدة (© شينوهارا تاداشي).

شباب يشاركون في احتفال تسوتسو هيكي (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).
شباب يشاركون في احتفال تسوتسو هيكي (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).

مشاهدة الألعاب النارية من معبد أساهارا (© شينوهارا تاداشي).
مشاهدة الألعاب النارية من معبد أساهارا (© شينوهارا تاداشي).

تعد طقوس سييجين تاما أوكوري جزءا مهما من مراسم تاما أوكوري، حيث يسير الشباب الذين بلغوا سن الرشد خلال العام عبر المناطق الستة. وهي طقوس عبور مهمة تمثل اعتراف المجتمع بهم كأعضاء كاملي البلوغ لأول مرة. وعند الحدود بين كل منطقة، يسد رئيسها طريقهم. ولا يمكنهم المرور إلى المنطقة التالية بدون إذنه. إن رؤساء المناطق هم ”سينباي“ أي أرفع رتبة منهم حيث مروا بنفس التجارب وطقوس العبور في سنوات سابقة.

المعايير اللازمة لمنح إذن المرور بسيطة: هل يبذل الشباب ما يكفي من الجهد لإحياء المهرجان؟ يسكب ”سيتّاي ياكو (مسؤول الترفيه)“ في دوكيوكاي مشروب الساكي لرئيس المنطقة. وعندما يقبل المشروب يُمنح الإذن بالمرور. لكن هذا قد يستغرق بعض الوقت.

”من فضلك! اسمح لنا بالمرور!“.

”عليكم أن تقوموا بذلك بشكل صحيح! اصنعوا المزيد من الضوضاء! أروني قدرا أكبر من الطاقة منكم!“.

يمكن أن تستمر هذه التجاذبات لنحو ساعة، وحتى بعد منح الإذن بالمرور، لا يزال يتعين على الشباب الانخراط في نفس الروتين مع رئيس المنطقة عند نقطة الحدود التالية. عادة ما يكون الوقت حوالي الثامنة مساء بحلول الوقت الذي يصلون فيه أخيرا إلى معبد أساهارا.

شباب يبلغون 20 عاما في طقوس سييجين تاما أوكوري (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).
شباب يبلغون 20 عاما في طقوس سييجين تاما أوكوري (بإذن من إدارة بلدية أوجيا).

بعد المرور عبر طقوس سييجين تاما أوكوري، ينضم العديد من الشباب إلى جمعية واكا-رينغو (جمعية الشباب) التي تلعب دورا محوريا في تنظيم مهرجان كاتاكاي. وكان ناغاهارا كاي الذي رعى هذا العام مفرقعة نارية احتفالا بولادة أولى بناته، قد شغل منصب رئيس جمعية واكا-رينغو حتى العام الماضي.

”أنت مسؤول عن ضمان سير المهرجان بأكمله بسلاسة، لذا فأنت في حالة توتر شديد طوال الوقت ولا يمكنك الاسترخاء أو الاستمتاع بالألعاب النارية. كان العام الماضي صعبا بشكل خاص. فقد كانت زوجتي على وشك الولادة في أي لحظة، وكنت مشغولا للغاية لدرجة أنني لم أكن أعرف ما إذا كنت آتي أم أذهب. ولدت ابنتنا بعد يومين من المهرجان. هذا العام تمكنت من الاسترخاء والاستمتاع بالألعاب النارية بشكل مناسب لأول مرة منذ فترة طويلة“.

صورة أصيلة عن ”اليابان القديمة“

يشارك أطفال المدارس الابتدائية والإعدادية في كاتاكاي في مواكب تاما أوكوري حول المناطق التي يعيشون فيها ويذهبون إلى المدرسة. وبمجرد انتهاء عطلة أوبون في منتصف الصيف، من الشائع أن يقضي الأطفال معظم أوقات فراغهم في التدرب على موسيقى المهرجان. إن البدء بمثل هذه التجارب من مرحلة الطفولة، يدل على أن المهرجان والتحضيرات له أصبحت جزءا لا يتجزأ مدى الحياة من الحياة اليومية للكثير من الناس في المجتمع.

شباب يقومون بأدوارهم في طقوس تاما أوكوري (© شينوهارا تاداشي).
شباب يقومون بأدوارهم في طقوس تاما أوكوري (© شينوهارا تاداشي).

تصطف أكثر من 200 عربة وكشك في الشوارع خلال يومي المهرجان، ما يحول المدينة الهادئة عادة إلى كتلة من الطاقة والحيوية. يقول يوشيوارا ماسايوكي البالغ من العمر 74 عاما مبتسما ”مع اقتراب موعد المهرجان، يشعر الجميع بالحماس. حيث أنك بالكاد يمكنك الجلوس ساكنا، فهناك الكثير من الترقب في الجو. إنه الوقت الوحيد الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر“.

أكشاك المهرجان تصطف على جانبي الشوارع النابضة بالحياة (© شينوهارا تاداشي).
أكشاك المهرجان تصطف على جانبي الشوارع النابضة بالحياة (© شينوهارا تاداشي).

تلاشى الشعور بالمجتمع المحلي في الكثير من المناطق في جميع أنحاء البلاد، نتيجة للتحضر العمراني المتزايد وشيخوخة السكان وانخفاض معدلات المواليد. لقد استمرت تقاليد مهرجان كاتاكاي لفترة طويلة لأن المهرجان وفعالياته متجذرة بعمق في حياة السكان المحليين. في حين فقدت التقاليد المميزة وطقوس العبور في الكثير من المناطق الأخرى، إلا أن تقليدا فريدا في كاتاكاي مثل سييجين تاما أوكوري قد تم نقله دون تغيير أو تعديل إلى العصر الحديث.

وبالطبع يتناقص عدد الشباب حتى في كاتاكاي. بلغ عدد الخريجين في المدارس الإعدادية المحلية نحو 200 طفل في كل فصل دراسي خلال فترة طفرة المواليد بعد الحرب العالمية الثانية، بينما بلغ عددهم في أحدث إحصائية 26 طفلا فقط. ومع تقلص عدد الأشخاص في كل فئة عمرية، يصبح العبء على كل شخص أكبر للمساهمة في تمويل صناديق الألعاب النارية، كما أن الأعداد الأقل تؤثر أيضا على قدرة المجتمع في الحفاظ على تاما-أوكوري والتقاليد الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، يختار بعض الأشخاص عدم الانضمام إلى ”دوكيوكاي“ الخاص بفئتهم العمرية. وفي عصر يتزايد فيه النزعة الفردية، ليس من المستغرب أن ينفر بعض الناس من جوانب ”المجتمع القروي“ في الممارسات الثقافية التقليدية.

من المستحيل التنبؤ بما يحمله المستقبل لكاتاكاي أو كيف سيتطور المجتمع. ولكن إذا كان هناك شيء مثل النسخة الأصلية والغير متبدلة من الشخصية والثقافة اليابانية التقليدية، فإن هذه البلدة الصغيرة في تلال نيغاتا تعد واحدة من الأماكن القليلة في البلاد التي لا تزال تحافظ على أصالتها.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مقدمة من إدارة بلدية أوجيا).

الألعاب النارية المجتمع الياباني تراث