التنوع البيولوجي في خطر.. انقراض العديد من المخلوقات يهدد حياتنا على كوكب الأرض وينذر بكارثة طبيعية
بيئة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
مخلوقات ساحرة
قبل عدة سنوات، قمت بزيارة أحد أحواض الأسماك (أكواريوم) في طوكيو، وحتى ذلك الوقت لم يخطر ببالي مطلقاً أن أمعن النظر في أسود البحر، لكني دُهشت لرؤية المخلوقات البحرية تنزلق دون عناء عبر الماء داخل خزان على شكل كعكة دونات. لقد كان الموقف برمته غريباً، فها أنا ذا أحدق في هؤلاء السباحين الرشيقين المحاطين بالمباني الشاهقة بعيداً عن موطنهم الأصلي في أعماق المحيط، مما أثار فضولي لمعرفة المزيد عن المخلوقات البحرية.
تنتمي أسود البحر إلى نفس مجموعة الثدييات ذات الزعانف وشبه المائية مثل الفقمات، وغالبًا ما يتم الخلط بينها وبين أقربائها الأقل ذكاءً. لكن على عكس الفقمات، فإن أسود البحر، التي يطلق عليها ”أشيكا“ باللغة اليابانية، قادرة على المشي على أربع ويمكن تعليمها مجموعة متنوعة من الحيل المسلية، مثل التصفيق بزعانفها الأمامية، مما يجعل هذه الحيوانات الذكية نجمة تجذب الجماهير لمشاهدة عروضها المائية داخل أحواض السمك والمتنزهات.
كانت هذه الأسماك موجودة بوفرة في المياه المحيطة باليابان، ولكنها اليوم تعيش بشكل رئيسي في المناطق الساحلية الشمالية النائية. أحد الأنواع الفرعية، نيهون أشيكا أو أسد البحر الياباني، كان يسكن نطاقًا واسعًا يمتد من شبه جزيرة كامشاتكا وجزر الكوريل إلى اليابان وشبه جزيرة كوريا. ومن المعروف أيضًا أن هذه الحيوانات البحرية كانت موجودة في جزر إيزو وشبه جزيرتي ميورا وبوسو المتاخمتين لخليج طوكيو، على مقربة من العاصمة الصاخبة، حتى منتصف عصر ميجي (1868-1912).
إلا أن عصر ميجي حمل أيضًا أخباراً سيئة لأسود البحر اليابانية، حيث بدأ صيدها على نطاق واسع نظراً لما تحظى به من شعبية بسبب جلودها ولحومها ودهونها، فضلاً عن تدهور بيئتها مما أدى إلى انخفاض أعدادها بشكل ملحوظ. فلم تُرى أسود البحر اليابانية منذ نصف قرن وتُعتبر الآن حيواناً منقرضًا.
لقد صُعقت لفكرة أن يتسبب الناس في اختفاء مثل هذا المخلوق المحلي المحبب. كيف كان أسد البحر؟ وكيف عاش؟ سعيًا للإجابة عن هذه الأسئلة، شرعت في تتبع آثار أسد البحر الياباني التي يمكن العثور عليها.
أثناء البحث على الإنترنت للحصول على معلومات، صادفت مقالًا صحفيًا يصف نموذجاً محنطاً ومحفوظاً ضمن أرشيف جامعة كيوشو. حين كان الحيوان لا يزال على قيد الحياة، كان واحدًا من العديد من أسود البحر اليابانية المحتفظ بها في أكواريوم فوكوكا الذي تم افتتاحه في أوائل القرن العشرين. ولما مات، تم حشو جثته للحفاظ عليها وظلّت لبعض الوقت في حوزة عائلة رئيس الأكواريوم آنذاك. لكن بمرور الوقت فُقد مكان وجودها وظل لغزًا حتى تم اكتشاف النموذج المحنط في الجامعة.
فُتنت بهذه الحكاية غير العادية ولم تكن لدي أي خيارات أخرى لمشاهدة أسد البحر الياباني في بيئته الطبيعية، فتوجهت إلى فوكوكا لرؤية النموذج بنفسي على أمل معرفة القليل عن قصة ذلك الحيوان.
قصة أسد البحر الياباني من الألف إلى الياء
ظل أسد البحر المحنط مختبئًا لعقود من الزمن في الأرشيف العلمي لجامعة كيوشو، ولم ير النور إلا عندما قررت الجامعة الانتقال من مرافقها القديمة في منطقة هاكوزاكي على الجانب الشرقي من خليج هاكاتا إلى الحرم الجامعي الجديد في إيتو إلى الغرب، مشروع ضخم بدأ في عام 2005 واستغرق استكماله 13 عامًا.
في عام 2018، كان العمل على مشارف الانتهاء عندما وصلت أخبار إلى هانادا نوريكو، صاحبة مقهى قريب وحفيدة رئيس الأكواريوم، مفادها أنه تم اكتشاف نموذج محنط ”غريب ومغطى بالغبار“ صرخت هانادا في دهشة ”إنه أسد البحر“، وتعرفت على الفور على المخلوق الغامض باعتباره إرثًا عائليًا منسيًا منذ زمن طويل.
لقد بدأت قصة أسد البحر الياباني في عام 1910، وهو العام الذي ترك فيه كوبوتا توموتوشي، الجد الأكبر لهانادا، وظيفته كمفتش لمصايد الأسماك كي يتولى إدارة أكواريوم هاكوزاكي الذي تم افتتاحه حديثًا. ساعد كوبوتا في النهوض بالمنشأة وعمل كمدير ثانٍ لها حتى إغلاقها في عام 1935.
إرث عائلة رئيس الأكواريوم لا يقدر بثمن
افتتحت هانادا متجرها في عام 2009. وكانت جامعة كيوشو بالفعل بصدد الانتقال إلى حرمها الجامعي الجديد في إيتو، لكنها اختارت هاكوزاكي انطلاقًا من رغبتها في المشاركة في إحياء تراث المنطقة باعتبارها منتجعًا ساحليًا رائدًا ومركزًا للتعليم العالي. لذلك أطلقت على المتجر اسم مقهى هاكوزاكي سويزوكوكان تكريمًا للأكواريوم.
لكنها في الحقيقة لم تكن تعرف سوى القليل عن المنشأة التي كان جدها الأكبر يديرها في يوم من الأيام، فلجأت إلى الإنترنت بحثاً عن المزيد من المعلومات، لتكتشف أن الكثير مما كان معروفًا عن المتحف قد أصبح من الماضي. تقول: ”لقد وجدت تساؤلات في أحد مواقع الويب عما إذا كان الأكواريوم قد وُجد فعلاً في أي وقت مضى، ولقد أذهلني أنني قد أكون آخر شخص لديه أي معلومات عن المكان ورأيت من الأفضل أن أنشغل بتوثيقه من أجل الأجيال القادمة“. ومن خلال المقهى، التقت بأشخاص آخرين يعرفون معلومات عن الأكواريوم، فقامت على مر السنين بتجميع قصته وتوثيقها.
سمعت هانادا من أفراد عائلتها كيف أن أسدي البحر اليابانيين كانا من بين عوامل الجذب المميزة في الأكواريوم. وعندما ماتت الحيوانات، تم تحنيطها وعرضها من خلال إهداء واحد إلى مدرسة ابتدائية محلية والتبرع بالآخر إلى ما كان يُعرف آنذاك بجامعة كيوشو الإمبراطورية. عندما علمت أن المدرسة الابتدائية كان من المقرر أن تخضع للإصلاحات، اتصلت بالإدارة لتكتشف أن النموذج المحنط قد تم التخلص منه منذ فترة طويلة، مما أثار خيبة أملها.
لقد علّقت آمالها على بقاء أسد البحر الثاني. وتصرح قائلة: ”كنت واثقة من أن الجامعة لن تتخلص من شيء قيّم كهذا“. واصلت هانادا بحثها في الأكواريوم، وأخذت تتقصّى أخباره بصبر لمعرفة مكان وجود النموذج المحنط، وعندما ظهر أخيرًا، كانت هانادا جاهزة.
أثناء توجهها إلى الجامعة، وجدت هانادا أسد البحر المحنط يكسوه الغبار، لكنه بخلاف ذلك كان في حالة جيدة. فتطوعت على الفور للإشراف على تنظيفه، وروت أن الفراء كان محفوظًا جيدًا وكان ملمسه لطيفًا، لذا يمكن القول بأن الحيوان كان يحظى برعاية جيدة عندما كان على قيد الحياة. كما ذكرت أن الفضول كان يتملّكها منذ أن علمت بالعثور عليه، وإن كونها جزءًا من اكتشافه غمرها بإحساس دافئ بالارتياح والإنجاز كونها قد أدّت واجبها العائلي.
وعلى الرغم من يقين هانادا، ظلت هناك تساؤلات حول ما إذا كان الأكواريوم قد احتفظ بالفعل بمجموعة من أسود البحر. لكن الدليل جاء في صورة مقالة من إحدى الصحف الإقليمية، اسمها فوكوكا نيتشينئيتشي شينبون، تناولت تفاصيل الافتتاح الكبير للأكواريوم. وتصف المقالة أسدين بحريين، أحدهما يزن 48 كيلوجرامًا من شبه الجزيرة الكورية، والآخر يزن حوالي 100 كيلوجرام تم اصطياده مؤخرًا في كارافوتو (جزيرة سخالين الآن). كان الأول معتادًا على الناس وقادرًا على القيام ببعض الحيل البسيطة، بينما كان الأخير ”لا يزال متوحشًا“ ويميل إلى عض الغطاء المعدني لسياجه والنباح على كل من يقترب منه.
عثرت هانادا على أدلة أخرى على شكل بطاقات بريدية تذكارية من الأكواريوم يحتوي العديد منها على صور لأسد البحر تبدو متطابقة تقريبًا مع النموذج المحنط.
أثر بعد عين
يتم الآن الاحتفاظ بأسد البحر الياباني المحنط في متحف جامعة كيوشو، وهو مرفق تعليمي وبحثي يقع في مبنى العلوم القديم بالكلية. يخضع المتحف للتجديد وهو حاليًا مفتوح بشكل جزئي فقط. ومع ذلك، يتم عرض أسد البحر مرة واحدة تقريبًا كل عام، مما يتيح لعامة الناس فرصة مشاهدته.
يقول ماروياما مونيتوشي، الأستاذ المشارك في البرامج البحثية والتعليمية بالمتحف، إنه على الرغم من أن أصول النموذج المحنط لا تزال غير واضحة، إلا أنه ليس هناك شك في تصنيفه، ”إنه أسد بحر ياباني“.
لا يوجد حاليًا سوى 10 نماذج معروفة من أسود البحر اليابانية في اليابان، مما يجعل النموذج المحنط الموجود في الجامعة مصدرًا قيّمًا بشكل خاص للبحث في هذا النوع. يقول ماروياما إنه بدعم من المتطوعين وغيرهم، تأمل الكلية في إجراء دراسة شاملة للنموذج، بما في ذلك تحليل الحمض النووي وصور الأشعة السينية.
وأصبحت قصة أسد البحر المحنط مصدر فخر لسكان المنطقة. حتى أن هانادا كلفت عازف البيانو كاواي تاكوجي، الذي يعزف في مقهى هاكوزاكي سويزوكوكان، بكتابة أغنية لتمجيد هذا الاكتشاف والإشادة بالمتحف، الذي تأمل هانادا وآخرون أن يسهم في الحفاظ على الإرث التعليمي لجامعة كيوشو في المنطقة عندما تتم إعادة افتتاحه بعد عدة سنوات.
بعد عودتي من فوكوكا، واصلت البحث عن معلومات حول أكواريوم هاكوزاكي وتبين أنه كان يحتفظ بعدد من أسود البحر اليابانية على مدار 25 عامًا من تشغيله. كما ذكرت صحيفة فوكوكا نيتشينئيتشي شيمبون في 31 مارس/آذار، أي بعد أسبوع واحد فقط من افتتاح الأكواريوم، أن أسد البحر الذي ينتمي إلى كارافوتو قد رُزق بمولود. وعثرت أيضًا على عمل يرجع تاريخه إلى عام 1953 لكورودا ناغاميتشي، أحد مؤسسي المنظمة الأكاديمية ”جمعية الثدييات في اليابان“، يحكي فيه عن أسد بحر من تاكيشيما موجود في الأكواريوم. لذلك فقد يتطلب الأمر إجراء تحليل الحمض النووي لمعرفة أي من هؤلاء الأربعة تحديداً هو الموجود حالياً في متحف الجامعة.
منذ أن بدأت بحثي، أتيحت لي الفرصة لتصوير العديد من نماذج أسد البحر الياباني المحنطة. لكن من بين هؤلاء، فإن الذي في جامعة كيوشو هو الأحب إلى قلبي. وما يحزنني هو أنني وجدت صعوبة في التقاط سماته الجمالية باستخدام عدستي.
خسارة علمية فادحة
إن ما آلت إليه سلالة أسد البحر الياباني لأمر محزن، لكن ما يجعله أكثر حزنًا هو حقيقة اختفاء هذا النوع قبل أن يتمكن العلم من دراسته بشكل كامل. لا شك أن اكتشاف النموذج جامعة كيوشو يعد بارقة أمل لأنه سيتيح فرصة لمعرفة المزيد عن الحيوانات المنقرضة. آمل أن يسهم أسد البحر الخاص بعائلة هانادا في تعزيز المعرفة الأكاديمية حول هذا النوع ونشر ثقافة الحفاظ على التنوع البيولوجي المتقلص في العالم.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: النموذج المحنط لأسد البحر الياباني المكتشف في جامعة كيوشو. الصورة إهداء من هاياشي ميتشيكو)