مانغا ”بيروسيرك“: ملحمة الخيال المظلم الممتعة لمبدعها الفنان ميؤرا كينتارو
مانغا وأنيمي- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
أسر ميؤرا كينتارو القراء في اليابان وخارجها لأكثر من ثلاثة عقود بالفن والقصة الإبداعية لسلسلتة مانغا بيروسيرك. وتدور أحداث المانغا في عالم يسكنه المرتزقة والكائنات الخارقة، وقد قاد العمل فن الخيال المظلم أو (الفانتازيا المظلمة) إلى الواجهة في اليابان ووضع ميؤرا كقوة رائدة في هذا النوع. الأمر الذي جعل وفاة ميؤرا غير المتوقعة في أبريل/ نيسان الماضي عن عمر يناهز 54 عامًا بمثابة ضربة كبيرة للمعجبين ولصناعة المانغا ككل، وما يزيد الأمر سوءًا هو أن السلسلة لا تزال غير مكتملة.
ولقد أتيحت لي الفرصة للتفكير مليًا في مواهب ميؤرا وتأثيرها على الثقافات الشعبية أثناء زيارة معرض ”Berserk: 32 Years of Miura Kentarō,“ ” بيروسيرك: 32 عامًا من إبداعات ميؤرا كينتارو“ وهو معرض استذكاري لسلسلة المانغا أقيم مؤخرًا في طوكيو. وبالنظر إلى الرسوم التوضيحية المعروضة بشكل تفصيلي، والتي لا تمثل سوى جزءًا بسيطًا من اللائحة الضخمة للرسومات على مدار حياته الفنية، أدهشني أسلوب ميؤرا الابتكاري، وقدرته على استكشاف أعماق الحالة البشرية، وخياله اللامحدود الذي نسج معًا الخيوط المعقدة للمانغا على مدى فترات طويلة.
نموذج البطل السوداوي
وتتمحور مانغا بيروسيرك حول شخصية (غوتس)، المحارب الفارع ذو الندوب من جراء المعارك التي خاضها والمعروف باسم محارب الظلام الذي يستخدم نصلًا عظيما للغاية يسمى (دراغون سلاير) أو (التنّين القاتل). وفي شخصية غوتس ابتعد ميؤرا عن النموذج التقليدي لبطل المانغا، حيث الشخصية النقية النبيلة، وقدم لقراء القصص المصورة ما يصفه اليوم البعض بـ ”البطل المُظلم“، فبطل الرواية نعم هو يحارب الشر، ولكن دوافعه وأساليبه ليست دائمًا نبيلة.
حيث يجبر القدر غوتس على قضاء كل حياته في محاربة قوى الشر من حوله، حيث سلبه القتال اللامتناهي عينه ويده وتركه ملعونًا بعلامة على رقبته تجذب المخلوقات الشريرة. فهو بشخصيتة الوحشية والمحطمة عاطفيًا مدفوع لقهر القوى الشريرة التي تعذب عالمه، ولا يتوانى عن استخدام أساليب منحرفة أخلاقياً لتحقيق هذه الغاية. وفي المجلد الثالث من السلسلة المصورة، على سبيل المثال، عند مواجهة الـ (كونت)، أحد الأشرار الذين يظهرون في القصة، لم يتردد أبدًا في استخدام ابنة غريمه الشابة البريئة كدرع لهزيمة عدوه.
وقبل مانغا بيروسيرك ، كان أقرب ما يعادل بطل الظلام في المانغا اليابانية هو (فودو أكيرا)، الشخصية الرئيسية للمؤلف (غو ناغاي) في المانغا السوداوية (ديفل مان) أو (الرجل الشيطان). إلا أنه يمكن القول إن تأثير (ناغاي) في توسيع قالب بطل المانغا الكلاسيكي ليشمل عناصر أكثر قتامة أقل من تأثير عمل (ميؤرا). وعلى الرغم من أن الأسماء الأكثر مبيعًا مؤخرًا مثل كيميتسو نو يايبا (قاتل الشياطين) لمؤلفتها (غوتوغى كويوهارو) تتبع تقليد ”مكافأة الخير ومعاقبة الشر“، إلا أن هناك شخصيات سابقة لاقت نجاحًا كبيرًا، أمثال شخصية (إرين ييغر) من مانغا ”هجوم العمالقة“ لمؤلفها (هاجيمي إيساياما)، وشخصية (إيتادوري يووي) في مانغا ”جوجوتسو كايسن“ لمؤلفها (أكوتامي غيغى)، وكلها قد أظهرت استعدادًا لتجاوز الخطوط الأخلاقية التي على الرغم من أنها ليست سوداوية بالفعل، إلا أنها على أقل تقدير تدين بالفضل لـ ميؤرا.
القصص الخيالية وجاذبية خاصة
كانت مانغا بيروسيرك مؤثرة بنفس القدر في تعزيز جاذبية النوع الخيالي البطولي، والذي يعد اليوم عنصرًا أساسيًا في صناعة الترفيه اليابانية. وأعمال سابقة مثل روايات ”غين ساغا“ لـ (كوريموتو كاؤرو)، و ”سجلات حرب لودوس“ لـ (ميزونو ريو)، وإبداعات المانغا مثل ”دراجون بيغماريو“ لـ (وادا شيجي) و ”باستادر!!“ لـ (هاغيوارا كازوشي) كلها كان يتابعها أعداد لا بأس بها من المتحمسين لهذه النوعية من الأعمال. ويمكن القول أن القصص الخيالية ظلت نوعًا ثانويًا نسبيًا في اليابان قبل ظهور مانغا بيروسيرك.
وعلى الرغم من عدم وجود منافس لشعبية المانغا في المطبوعات أو على شاشات السينما، إلا أن قطاع ألعاب الفيديو كان أمرًا مختلفًا. فبدءًا من النصف الأخير من الثمانينيات، استحوذت أسماء ألعاب خيالية مثل ”ذا ليجند أوف زيلدا“، ”دراغون كويست“ و ”فاينل فانتسي“ على عقول الناس في اليابان وأماكن أخرى ونمت لتصبح حس ثقافي. وربما يكون ميؤرا من أوائل من أدركوا أجواء تلك الحقبة، حيث احتلت مانغا بيروسيرك مكانتها بجانب ألعاب الفيديو الخيالية في جعل أسلوب السيف والسحر قوة دافعة لعروض الترفيه اليابانية في التسعينيات.
خيال بنكهة يابانية
حازت مانغا بيروسيرك على متابعات دولية دائمة، حيث تُرجمت السلسلة إلى عدد من اللغات. وعلى الرغم من نجاح المانغا خارج اليابان، أعرب ميؤرا عن عدم يقينه بشأن كيفية استقبال أعماله في الدول الغربية، حيث أن نوعية الخيال هناك لها تقاليدها المتأصلة.
ويذكر لنا الكتاب المنشور مؤخرًا (The Artwork of Berserk) (العمل الفني بيروسيرك) على لسان ميؤرا قائلًا: ”منذ البداية، لم يكن لدي أي وسيلة لمعرفة كيف سيكون رد فعل القراء الأجانب على عمل خيالي لمؤلف ياباني. هل استمتعوا به، بنفس الكيفية التي يستمتع به شخص ياباني يقرأ قصة ساموراي كتبها أحد المؤلفين الأجانب؟ أم أنهم تجاوزوا الاختلافات واستمتعوا بها كقصة خيالية بحتة؟ إلى الآن لا يمكنني معرفة الجواب.“
وتعكس تعليقات ميؤرا انعدام ثقته حيال افتقار اليابان إلى تقاليد قصصية خيالية مؤثرة كان من الممكن أن يقدمها روائيون وكُتَّاب مانغا يابانيون آخرون، الأمر الذي منع الكثيرين منهم من التعمق في هذا النوع خوفًا من أن تُقابل أعمالهم بسخرية من قبل المعجبين المتعصبين في اليابان وخارجها. إلا أن النجاح النقدي والتجاري لمانغا بيروسيرك أثبتت أن مثل هذه المخاوف كانت مضللة. وتقدم السلسلة أفضل جوانب هذا النوع الخيالي، ولكنها مزيج من مواهب ميؤرا المذهلة كفنان مانغا أضفى الحيوية على العمل وقدمه بشكل مميز. ومهد الطريق لاحقًا للمبدعين الآخرين المهتمين بالقصص الخيالية البطولية أو المظلمة الجادة.
ويمكن اعتبار هوية ميؤرا الفنية المعبرة بصريًا والمفصلة للغاية تتويجًا لتأثيرات عدد من الفنانين والأساليب. ويدخل في هذه المجموعة سلسلة الواقعية المصورة مانغا (Hokuto no ken) (قبضة نجم الشمال) لمؤلفها هارا تيتسو، ومبدع مانغا (أكيرا) أوتومو كاتسوهيرو، الذي تأثر بفناني الرسوم المتحركة في فرنسا وبلجيكا، وببراعة (ناغاي غو). وهناك أيضًا لمسات من الخصائص الدقيقة المميزة لمانغا شوجو (نوع من المانغا والأنمي تستهدف تسويقيًا الإناث ممن تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 18 عامًا).
وعادة لا يقف ميؤرا عند مثل هذه الآراء، وعوضًا عن ذلك يصر على أن نيته الوحيدة منذ البداية كانت تأليف قصة تضم شخصية قاتمة عدمية مثل شخصية (هاكَيدا) في المسلسل التلفزيوني (Jinzō ningen Kikaidā) (الروبوت كيكايدا) في أوائل السبعينيات. وتحقق له ذلك عند بناء إطار بطله المظلم (غوتس)، حيث قدم السحر والشياطين وعناصر خيالية أخرى وأدخلها إلى الحبكة
تراث خالد
وتضع وفاة ميؤرا المفاجئة علامة استفهام كبيرة حول مستقبل مانغا بيروسيرك. واستوديو غاغا، التي يشرف على إنتاج المانغا، يعمل بشكل حثيث لإكمال الأعداد الأخيرة من السلسلة، التي تضم رسومات بيد ميؤرا نفسه. والفصل رقم 364 في السلسلة بعنوان “Asatsuyu no namida” (دموع ندى الصباح)، تم إصداره في 10 سبتمبر/ أيلول 2021، في مجلة المانغا (يونغ أنيمل).
ومن المؤكد أن هذا الفصل الذي يكشف عن هوية إحدى الشخصيات الغامضة ويُدخل بطل الرواية غوتس في مرحلة جديدة من معركته الملحمية، ستكون قرأته أمرًا مؤثرًا للغاية حيث من الواضح أن ميؤرا لم يكن لديه أدنى فكرة عن مصيره الذي تخبئُه له الأقدار.
وكتب مؤلف الخيال العلمي والفنتازيا (هانمورا ريو) ذات مرة أن الجاذبية الكبيرة التي تتمتع بها القصص ذات الإعدادات الخيالية تتمثل في ميلها إلى التحول والتطور وفقًا لأهواء خيال الكاتب. وذكر أن القصص غير المكتملة من هذه النوعية ليست أمرًا جلل، بل أشاد بها باعتبارها قصص مثيرة للاهتمام للغاية بحيث لا يمكن الانتهاء منها. وكان في ذلك يشير إلى رواية الروائي (كونيئدا شيرو) غير المكتملة (Shinshū kōketsujō) (قلعة كوكيتسو في أرض الآلهة)، ولكن يمكن قول هذا أيضًا عن سلسلة بيروسيرك لـ ميؤرا.
ولن نعرف أبدًا ما كانت ستؤول إليه رؤية ميؤرا النهائية للسلسلة، لكن الأمر قد لا يكون مهمًا بقدر أهمية الإرث الذي تركه وراءه. فسيرة محارب الظلام تحيا بين سطور صفحات المانغا، تحرك معها أجيالًا جديدة من القراء بكفاحه الملحمي وتصميمه الذي لا يتزعزع. وقد يتوصل المعجبون إلى نهاياتهم الخاصة للبطل غوتس، لكن نقلًا عن الكاتب (هانمورا) قوله بأن سلسلة بيروسيرك في الحقيقة خيال مظلم وغامض وممتع للغاية يقترب من نهايته.
(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: صورة غلاف المجلد 15 من سلسلة مانغا بيروسيرك. (ميؤرا كينتارو/ استوديو غاغا/ دار نشر هاكوسينشا)