طالبة وناشطة سياسية وحاصلة على جائزة السلام الدولية للأطفال.. كاواساكي رينا تثبت أن النجاح وتغيير العالم نحو الأفضل ليس حكراً على الكبار
مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
كتاب مصور يقلب حياة طفلة في المرحلة الابتدائية
كانت الناشطة اليابانية كاواساكي رينا في الثامنة من عمرها فقط عندما أدركت أنها أفضل حالًا من أقرانها في البلدان الأخرى لأنها نشأت في بلد آمن ومزدهر مثل اليابان وتمتعت بالحريات والمزايا التي يفتقر إليها أطفال آخرون. وفي المدرسة الدولية الخاصة التي التحقت بها أتقنت التواصل بشكل فعال باللغة الإنجليزية، ويعود الفضل إلى والديها في اتخاذ قرار إلحاقها بمدرسة دولية بعد أن عانوا الأمرّين خلال محاولتهم التواصل باللغة الإنجليزية أثناء فترة دراستهم في الولايات المتحدة. وفي مكتبة المدرسة وجدت رينا كتاباً كان سبباً في تغيير مسار حياتها.
كان الكتاب عبارة عن مجموعة صور واسمه Randoseru wa umi o koete (رحلة الحقائب المدرسية عبر المحيط)، وكانت هذه الصور توثق جهود المتطوعين لإرسال الحقائب المدرسية اليابانية المستخدمة إلى الأطفال في أفغانستان. أخذت كاواساكي تقلّب صفحات الكتاب لتجد نفسها وجهاً لوجه مع واقع مختلف تمامًا عن واقعها. في بلد مزقته الحرب كان الأطفال يمسكون الحقائب المتينة وعلى وجوههم علامات السعادة الغامرة، وبالنسبة لهم لم تكن تلك الحقائب لحمل كتبهم وأقلامهم الرصاص فحسب، بل كانوا يستخدمونها أيضًا كمكاتب في المدن التي دمرتها آلة الحرب فلم يعد بها مدارس، مما أعطى التلاميذ فرصة جديدة لمواصلة تعليمهم.
تنبّهت كاواساكي إلى أنها تعتبر الذهاب إلى المدرسة أمرًا بديهياً مفروغًا منه، فتقول: ”إذا استيقظت ولم أشعر بالرغبة في الذهاب إلى الفصل فيمكنني أن آخذ إجازة، ولكن في أفغانستان يواجه الأطفال صراعًا شاقًا ومستمرًا لمجرد الحصول على قسط من التعليم. لا يمكنني تجاهل أمر كهذا“. كلما فكرت فيه، زاد غضبها.
بعد التفكر في كمّ النعم التي تحظى بها، رأت أن عليها المبادرة بفعل شيء ما، فناقشت أفكارها مع زملائها في الفصل، وقاموا جميعاً بصنع أدوات مكتبية وبطاقات بريدية بأيديهم لبيعها في المهرجان الثقافي بالمدرسة واتفقوا على تخصيص العائدات لدعم اللاجئين.
الجيل الجديد يستفيد من الذكاء الرقمي
عندما اضطر العالم إلى الإغلاق الكلي بسبب ظهور جائحة كوفيد-19 في عام 2020، وجدت كاواساكي، مثل كثيرين آخرين، نفسها عالقة في المنزل فبدأت في إعادة تقييم ما تقوم به من أنشطة متنوعة وتحولت إلى الدراسة عبر الإنترنت. تروي قائلة: ”على مر السنين شاركت في مشاريع مختلفة، لكني شعرت كما لو كان شيء ما ناقصاً“. ونظراً لبراعتها في استخدام الإنترنت، فقد استفادت من ذكائها الرقمي للبحث عن فرص لتوسيع آفاقها وإحداث تأثير إيجابي يمسّ القضايا المهمة بالنسبة لها.
خلال تلك الفترة، سمعت عن تدريب داخلي تقدمه منظمة EarthX البيئية الأمريكية غير الربحية لطلاب الجامعات. وعلى الرغم من أنها كانت لا تزال في المدرسة الإعدادية، إلا أن كاواساكي قُبلت في البرنامج بعد أن أرسلت عدداً ضخماً من رسائل البريد الإلكتروني إلى المنظم الرئيسي للبرنامج، مما جعله يتأثر بتصميمها وحماسها. أثناء عملها كوسيط لحدث عبر الإنترنت، تعرفت على العديد من المديرين الإقليميين لمنظمة حراس الأرض الدولية غير الحكومية التي تعمل على تثقيف الشباب حول العمل السياسي والنشاطية. وبصفتها زميلة تنتمي إلى الجيل زد، شاركت كاواساكي مع أقرانها إيمانها بقدرة النشاطية الرقمية على إحداث تغيير، مما دفعها إلى تأسيس فرع إقليمي للمؤسسة.
اليوم، يضم فرع منظمة حراس الأرض في اليابان حوالي 50 عضوًا من جميع أنحاء البلاد، تتراوح أعمارهم بين 11 و18 عامًا، تشمل أنشطتهم الربط بين الشباب والممثلين السياسيين المحليين عبر منصة التواصل على الإنترنت Zoom فضلاً عن إجراء عمليات تنظيف الأنهار في أوساكا.
الاستدامة وتأثيرها في المعادلة السياسية
بعد فترة وجيزة من تأسيس فرع منظمة حراس الأرض في اليابان، تم اختيار كاواساكي لتكون المسؤول الرئيسي في يوغلينا، وهي شركة تكنولوجيا حيوية تعمل على تطوير مواد غذائية مستدامة ووقود حيوي ومنتجات أخرى. وكانت الشركة قد استحدثت هذا المنصب في عام 2019 لضمان الأخذ بآراء الشباب في عمليات الشركة. كانت كاواساكي ثاني شخص يتولى هذا المنصب، كما كانت مسؤولة عن إدارة ”قمة المستقبل“ في يوغلينا، وهو اجتماع يضم خمسة شبان آخرين تم اختيارهم من بين المرشحين لمنصب المدير المالي.
كانت الاستدامة هي الموضوع الرئيسي للمجموعة. تقول كاواساكي، ”الاستدامة لا تتعلق فقط بمعالجة القضايا البيئية، كما أن تحقيق المساواة الاجتماعية يعد من الأمور الأساسية حتى لا يتخلف أي فرد عن ركب المجتمع“. وتشير إلى العلاقة بين البيئة والرفاهية الجسدية والعاطفية، مؤكدة على أن القمة ساعدت في إبراز أهمية الحفاظ على منظور أوسع للقضية.
تحت شعار ”تجديد الرفاهية“، اقترحت كاواساكي وزملاؤها في قمة المستقبل الإجراءات والأهداف التي يمكن أن تتبناها شركة يوغلينا لتحسين الاستدامة. كانت إحدى هذه المبادرات عبارة عن إقامة مجموعة من ورش العمل الداخلية التي تهدف إلى تعزيز مشاركة الموظفين كجزء من أهداف شركة يوغلينا لتحقيق التنوع والشمول. توضح كاواساكي: ”من الضروري تدريب الموظفين الجدد ليكونوا يقظين ومتعاطفين مع اختلافات الآخرين“. مع وضع ذلك في الاعتبار، طورت نهجًا جديدًا لتعزيز التواصل داخل مكان العمل بين الفئات العمرية المختلفة والإدارات المتباينة، أطلقت عليه نظام ”الآباء“ وهو نظام يعتمد على إلحاق كل موظف جديد بموظفين حاليين لتشجيع التفاعل غير الرسمي وكسر حاجز الاختلاف في العمر والموقع الوظيفي داخل الشركة. تقول كاواساكي: ”قد يكون من الصعب تحديد التأثير الكلي، ولكن الأمر المؤكد هو وجود إمكانية لتغيير ثقافة المكتب نحو الأفضل“. تبنّت شركة يوغلينا البرنامج في مارس/ آذار 2022.
التعليم الحكومي والتعليم الخاص في الميزان
قضت كاواساكي سنوات التعليم الإلزامي التسع في مدرسة دولية خاصة متحررةً من العديد من اللوائح الصارمة التي ينبغي على العديد من أقرانها في المدارس الحكومية الانصياع لها. وخلال أشهر الإجازة الصيفية الثلاث، كان والداها يرسلانها لبعض الوقت إلى مدرسة حكومية محلية، مما سمح لها بتجربة بيئة التعليم الياباني النموذجية بشكل مباشر. تتذكر قائلة: ”كان الوضع في المدرسة الحكومية مختلفًا تمامًا عما اعتدت عليه في مدرستي“ حيث كان عليها أن تصبغ شعرها باللون الأسود وألا ترتدي أي مجوهرات. لكن على الرغم من هذه القيود تؤكد كاواساكي أن الالتحاق بالمدارس الحكومية كان ممتعًا حيث تقول ”لقد تمكنت من تكوين صداقات مع أطفال آخرين في الحي وتعلمت تقدير جودة نظام التعليم العام“.
في عام 2021، استغلت كاواساكي تجربتها لصنع فيلم وثائقي قصير يسلّط الضوء على إيجابيات وسلبيات التعليم في اليابان، وقدمته إلى إحدى المبادرات الدولية المعنية بالفن وأفلام الشباب. هذا الفيلم القائم على مقابلات مع الطلاب والمعلمين في المعاهد العامة والخاصة، يناقش نظرة الناس للنظام التعليمي المتبع في المدارس. في حين أشاد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إلى حد كبير بمستوى التعليم في المدارس الحكومية، سخر الكثيرون أيضًا من أسلوب إخضاع التلاميذ لقواعد غير معقولة بهدف فرض ثقافة الامتثال على حساب التنوع وحرية التفكير.
من جانبها، ترى كاواساكي أن المدارس الحكومية أكثر تنوعًا من المدرسة الدولية التي تحضر فيها قائلةً ”معظم زملائي في الصف من أسر ميسورة الحال، نحن نعمل على نشر الوعي بقضايا اجتماعية مثل مشكلة فقر أطفال المدارس، لكن هذا لا يلقى صدىً حقيقيًا“. على النقيض من ذلك، في المدرسة الحكومية التي ارتادتها كان هناك أطفال من أسر ذات عائل واحد وكانوا يعتمدون على وجبات الغداء المدرسية للحصول على ما يقتاتون به. كما ترى كاواساكي إن هؤلاء الطلاب المحرومين لديهم فرصة ضئيلة لاكتساب وعي أوسع بوضعهم.
لإبراز جوهر القضايا الاجتماعية الملحة، تعتقد كاواساكي أن وجود هؤلاء الطلاب المتأثرين بشكل مباشر بالتفاوت الاقتصادي جنبًا إلى جنب مع أقرانهم الأفضل حالاً من شأنه جذب الانتباه إلى أسباب المشكلة وتقديم الحلول لها. لكنها تشدد على ضرورة التركيز بشكل أكبر على زيادة الوعي. ”تحتاج الفصول إلى معالجة القضايا التي تؤثر بشكل مباشر على الطلاب من منطلق إيجاد حلول، من المهم أن تنتقد الوضع الحالي، لكن من المهم أيضًا تعليم الطلاب كيفية التعرف على سبل النجاح وحثهم على المحاولة باستمرار لتحسين أوضاعهم“.
آفة اللامبالاة السياسية
في الخطاب الذي ألقته عند استلامها جائزة السلام الدولية للأطفال، أشارت كاواساكي إلى استيائها من عدم قدرتها على الشعور بالفخر في بلدها واعتبرتها القوة الدافعة لما تقوم به من أنشطة. بصفتها ممثلةً عن جيل الشباب، فهي تريد التعبير عن الاستياء الذي تشعر به هي وأقرانها من المواطنين الرقميين تجاه الوضع الحالي. ”هناك الكثير من الغضب وانعدام الثقة“ وهي مشاعر تنسبها إلى نشأتها وهي تشاهد نظامًا سياسيًا يبدو متهالكاً. ”هناك الكثير من الأخبار السلبية المنتشرة على الإنترنت أدت إلى فقداننا الثقة في السياسة، مثل الفضائح السياسية وصور لمشرّعين يغطّون في نوم عميق في خضم نقاشات ستحدد مصير الأمة، وما شابه ذلك. لذلك بالطبع نحن منزعجون“.
غالبًا ما يُشار إلى اللامبالاة على أنها سبب انخفاض معدل الإقبال بين الناخبين الشباب في اليابان. لكن كاواساكي لا تعتقد إن اللامبالاة هي السبب في عزوف الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية، بل إن السبب في ذلك من وجهة نظرها يعود إلى إيمانهم بأن التصويت غير مجدٍ لأن النظام لا يعمل لصالحهم.
في محاولة لتعزيز المشاركة المدنية للشباب، أنشأت كاواساكي منصة عبر الإنترنت من خلال منظمة حراس الأرض في اليابان لتكون همزة الوصل بين الشباب في مسقط رأسها أوساكا وأماكن أخرى وبين الممثلين السياسيين المحليين عبر اجتماعات افتراضية. وقد ساعدها العمل مع المشرعين في البلديات والمحافظات على تكوين صورة عن المسؤولين المنتخبين الذين رحبوا بفرصة الاستماع إلى آراء الناخبين الشباب. تقول: ”لقد أصبحت واثقة من أن السياسيين من جميع الأحزاب يأخذون مسؤولياتهم على محمل الجد“. أرادت كاواساكي إرسال رسالة واضحة إلى الممثلين السياسيين المحليين مفادها أن الشباب معنيون بأداء الحكومة وبالقضايا الاجتماعية. ومن جانبهم أشاد الممثلون السياسيون المحليون بهذه التجربة التي فتحت أعينهم على القضايا التي تشغل عقول الشباب. تقول كاواساكي: ”فقط من خلال الحوار يمكن لأفراد الجيلين الأصغر والأكبر سناً معالجة خلافاتهم والالتقاء في منطقة فكرية مشتركة“.
ومع ذلك، فإن هذا يعني امتلاك الشجاعة لمشاركة الأفكار والآراء المغايرة لأفكار وآراء الطرف الآخر. تقول كاواساكي: ”علمني نشاطي أنه يمكن دائماً إيجاد أرضية مشتركة، بغض النظر عن فكر ووجهة نظر كل طرف، لكن الأهم هو طرح أكبر عدد ممكن من الأفكار البناءة ثم مناقشة ما يمكن تنفيذه فعلياً من تلك الأفكار. لقد تعلمت أن الأمل أقوى من الغضب وهذا هو ما يدفعني لمواصلة العمل“.
حماس للمستقبل
بعد أن تتخرج من المدرسة الثانوية، تخطط كاواساكي للالتحاق بالجامعة في الخارج لدراسة العلوم السياسية وعلم الاجتماع. تقول: ”أريد أن أواصل التركيز على القضايا الاجتماعية وكيفية رفع نسبة مشاركة الشباب في الحكومة“. إنها تتطلع إلى المستقبل عاقدةً العزم على توظيف كل ما ستتعلمه للعمل في القطاع العام، وهو طموح يعكس ما تعلمته من مشاركتها السابقة في المبادرات الحكومية.
شاركت كاواساكي في مشروع بنية تحتية يهدف إلى بناء مدينة مستدامة في منطقة خليج طوكيو، بالإضافة إلى مبادرة في نياما بمحافظة أيتشي لضمان دمج أصوات الشباب في القرارات الحكومية. وأثناء مشاركتها، تأثرت كاواساكي بشدة بطاقة والتزام موظفي الخدمة المدنية الذين عملت معهم ووصفتهم بأنهم ”كانوا خير واجهة لتنفيذ سياسات الحكومة والتفاعل مع المواطنين“.
بالنظر إلى المستقبل، تريد كاواساكي تركيز طاقتها على تغيير طريقة عمل الحكومات المحلية. ”أولاً وقبل كل شيء، أريد أن أدعم النساء والشباب والأقليات في جهودهم من أجل الحصول على تمثيل أفضل على المستوى المحلي“، كما تقول. وتشير إلى أن مشاعر السخط التي سادت فيما مضى بدأت تحل محلها تدريجياً مشاعر الإثارة والترقب. ”أنا حريصة على مواصلة العمل من أجل التغيير للأفضل“.
(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية بواسطة كيمي إيتاكورا من Nippon.com، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان حقوق الأطفال 2022).