«كوجي»... سر النكهات الفريدة للمطبخ الياباني
المطبخ الياباني- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
ما هي الأطعمة المخمرة
في جميع أنحاء العالم، تم تطوير مجموعة متنوعة من الأطعمة المخمرة وتقاليد التخمير، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافات معينة. تُعتبر الأطعمة المخمرة جزءًا لا يتجزأ من التراث الغذائي في معظم الثقافات، حيث يعتمد مذاقها وفوائدها الصحية على سنوات من الخبرة في تناول الطعام.
تعد الأطعمة المخمرة جزءًا لا يتجزأ من تاريخ البشرية، فهي تمثل أطعمة مصنعة تم تحضيرها باستخدام الكائنات الحية الدقيقة والإنزيمات، وهذا يعني أن وجودها يعود لآلاف السنين قبل ظهور البشر.
واجه الإنسان ظاهرة التخمر في عمليات حفظ الإمدادات الغذائية، وتعلم تسخير قوة التخمير لإنتاج الأطعمة المخمرة بشكل متعمد. وبهذه الطريقة، تم تطوير المنتجات المخمرة في جميع أنحاء العالم باستخدام المواد الغذائية الرئيسية المتوفرة في كل منطقة، مما أدى إلى تنوع كبير في الأطعمة المخمرة وتقاليد التخمير في جميع أنحاء العالم.
النكهات القائمة على التخمير في الطعام الياباني
يوجد في اليابان مجموعة واسعة من الأطعمة المخمرة التي يمكن تقسيمها إلى أربع فئات رئيسية: التوابل والأطباق الجانبية والمشروبات الكحولية والمشروبات غير الكحولية. وتشمل الأطباق الجانبية المخمرة: تسوكيمونو (المُخللات)، شيوكارا (المأكولات البحرية المملحة) والناتّو؛ والمشروبات الكحولية وتشمل الساكي والشوتشو، والمشروبات غير الكحولية وتشمل ˮأمازاكي“.
لكن الوفرة الأكبر تكمن في مجموعة متنوعة من التوابل المخمرة، كصلصة الصويا، والـ ميسو، والـ ميرين، والخل، وشيو-كوجي. وتعد مجموعة التوابل المُنتجة من خلال تقنيات التخمير سمة خاصة للمطبخ الياباني. حيث يُستخدم التخمير على نطاق واسع في اليابان لخلق نكهات للطعام: وهذا ما يجعل الطعام الياباني شهيًا للغاية.
في عام 2013، أدرجت منظمة اليونسكو الواشوكو، ˮالثقافات الغذائية التقليدية لليابانيين“، في قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. وأشارت إلى أن الـ واشوكو يستخدم مجموعة متنوعة من المكونات الطازجة ومجموعة من النكهات، وأدركت دور التوازن الغذائي الجيد في دعم نمط حياة صحي. وهذا بلا شك يرجع جزئيًا إلى عملية التخمير.
ما هو فطر كوجي؟
يشير مصطلح ˮكوجي“ إلى الحبوب الملقحة بجراثيم فطر كوجي (رشاشيات الأوريزا). فمثلًا يستخدم الأرز لإنتاج أرز ˮكوجي“، وتستخدم حبوب الصويا لصنع كوجي فول الصويا، وهكذا. وفطر الكوجي لا غنى عنه عندما يتعلق الأمر بتخمير الساكي الياباني والتوابل التقليدية. وفي عالم التخمير، هناك تعبير يقول ”أولًا، الكوجي“، يليه الكاي، وهو المضرب المستخدم لخلط المقادير، وثالثًا اللهب المستخدم لتسخين الخليط. حيث يهتم صانعو البيرة بشكل خاص بفطر الكوجي قبل كل شيء.
وقد نشأ مقطع الكانجي (麹) المستخدم عمومًا لكتابة كوجي في الصين. ويتكون المقطع من جزئين: الجزء الأيسر وهو (麦) (الشعير)، والجزء الأيمن يشير إلى تغليف الحبوب (匊). وهناك كانجي آخر لكوجي (糀)، وقد تم اختراعه في اليابان خلال عصر ميجي (1868-1912)، ويتكون من حبة أرز وزهرة، ويعبر عن الفطر الرقيق الذي ينمو على الأرز.
ويفرز فطر كوجي إنزيمات هضمية، تذيب الحبوب المضيفة أثناء نمو الشعيرات الفطرية. وبالتالي، يحتوي الكوجي على مجموعة كبيرة من الإنزيمات الهاضمة المتراكمة، بعضها، على سبيل المثال، يحلل النشا، والبعض الآخر يكسر البروتينات.
والإنزيمات الأولى تحلل النشا في الحبوب لتجعلها قابلة للذوبان. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تقوم بتكسير الجلوكوز وإنتاج المذاق الحلو. وتقوم الإنزيمات الأخرى بتحليل البروتينات الموجودة في فول الصويا، مما يؤدي إلى تكوين الببتيدات التي ترتبط فيها الأحماض الأمينية في شكل سلسلة. وإذا تحللت الببتيدات أكثر، فإنها تنتج 20 نوعًا من الأحماض الأمينية. من بينها، حمض الجلوتاميك وهو أحد مكونات الأومامي: حيث كلما زادت الأحماض الأمينية، كلما كان الطعم الذ.
ومن بين الكائنات الحية الدقيقة، يعتبر فطر كوجي قويًا بشكل خاص في إنتاج الإنزيمات. حيث استخدم أسلافنا التخمير على نطاق واسع باستخدام الإنزيمات الموجودة في فطر الكوجي لصنع المُحليات ومحسنات مذاق الأومامي من الأرز وفول الصويا. وبهذه الطريقة، قاموا بتطوير الأطعمة المخمرة ذات المذاق والروائح الغنية.
ومن خلال تأثير فطر كوجي على الأرز، قاموا أيضًا بصنع مشروب الساكي، وهو مشروب كحولي معروف برائحته الخفيفة. وبالإضافة إلى ذلك، قاموا بتطوير توابل تحتوي على أومامي مكثف: الميسو وصلصة الصويا.
حيث تتحول السكريات والأحماض الأمينية الناتجة عن التحلل الأنزيمي إلى بكتيريا حمض اللاكتيك والخمائر المغذية بينما تخلق نكهات وروائح معقدة. وبالتالي فإن فطر الكوجي هو أساس عملية التخمير. ويعتبر أيضًا هو المفتاح لإنتاج خل الأرز والـ ميرين والشوتشو والشيو-كوجي. باختصار لا يمكنك التحدث عن المطبخ الياباني دون أن يتم ذكره.
الفطر الوطني الياباني
في عام 2006، قامت جمعية تخمير اليابان بتسمية فطر الكوجي باعتباره الفطر الوطني“ لليابان. وفطر الكوجي هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى فطريات ˮالرشاشيات أوريزا“، التي تدخل في مجموعة واسعة للغاية من الاستخدامات، حيث تستخدم في صنع كل شيء بدءًا من الـ ميسو المالح إلى الـ أمازاكي الحلو. وهو أيضًا مصطلح عام لفئة الفطريات المستخدمة كـ ˮبذور كوجي“ في صلصة الصويا والمشروبات الكحولية مثل الشوتشو و الـ أواموري.
ويصف مصطلح ˮبذور كوجي“ المزارع البادئة المستخدمة لإنتاج الفطر. ولعدة قرون، قام تجار بذور الكوجي بزراعة سلالاتها والحفاظ عليها لبيعها لمصانع الجعة.
ويُعتقد أن فطريات ˮالرشاشيات فلافوس“ هي الفطريات السابقة للفطر كوجي نظرًا لتصنيفها الجيني المماثل. وعلى عكس هذه السلالة شديدة السمية، فإن فطر كوجي الحديث لا يشكل أي خطر على الصحة.
وفي الواقع، كشف تحليل الجينوم الأخير أن الجينات التي تنتج السموم في فطر كوجي غير نشطة، مما يوفر دليلاً علميًا على سلامته. ومن خلال تدجين الفطر الخطير لأكثر من 1,000 عام، بنى الشعب الياباني ثقافة غذائية غنية.
وعلاوة على ذلك، أظهر تحليل الجينوم أيضًا أن فطر كوجي يحتوي على جينات إنزيمية هضمية وفيرة مقارنة بالفطر الآخر، بما في ذلك أكثر من 100 نوع جيني من الإنزيمات المُحللة للبروتين وحدها (تكسير البروتين).
الإنزيمات الموجودة في فطر الكوجي لها قوة استثنائية، حيث تبقى فعّالة في المنتجات التي تحتوي عليها حتى بعد التخمير، مما يحافظ على جاذبيتها ونكهتها الطبيعية. يُعد إنتاج الأمازاكي وشيو-كوجي أمثلة على هذا الأداء المتميز، حيث تعمل الإنزيمات على هضم النشا الموجود في الأرز، مما ينتج عنه جلوكوز يمنح الحلاوة الطبيعية. وبالنظر إلى قوتها العالية، تظل هذه الإنزيمات فعّالة وقادرة على تحويل المقادير إلى سوائل إذا تركت لفترة طويلة، مما يضفي على الطعام نكهة فريدة ومذاقًا غنيًا.
ويمكن أيضًا استخدام أمازاكي وشيو-كوجي في طهي المنتجات الحيوانية، مثل الأسماك واللحوم، التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين، لتعزيز الأومامي أو حلاوة الطعم وجعل المقادير طرية. أما بالنسبة للخضروات الورقية، التي تحتوي على القليل من النشا أو البروتين، فإن الإنزيمات تدمر جدران الخلايا، مما يسهل على النكهات التغلغل في أعماقها.
ويتضمن تحضير المقادير للطهي التقطيع والعمليات الأخرى التي تسبب أضرارًا في التركيب الفيزيائي وتعمل على تدمير الخلايا. حيث يتم تسييل الإنزيمات والمكونات الأخرى، مما يؤدي إلى حدوث تفاعلات كيميائية بينها. وهذه إحدى آليات إنتاج الأذواق والروائح.
بفضل الإنزيمات القوية الموجودة في فطر الكوجي، يحدث تغيير كبير في المكونات عند استخدامه في تحضير الطعام. فتوابل الكوجي المخمرة تحتوي على تركيبة نكهات مميزة وروائح تم استخلاصها من المقادير بواسطة الإنزيمات، مما يعزز طعم ورائحة الأطعمة بشكل ملحوظ. تظل إنزيمات فطر الكوجي حية في منتجات مثل الميسو والشيو كوجي والأمازاكي، مما يضمن استمرار تأثيرها الإيجابي على الطعم والنكهة. ويعتبر استخدام توابل الكوجي وسيلة مثالية لاستخلاص المزيد من النكهات اللذيذة، وهو جزء أساسي من تقنيات إعداد الطعام في المطابخ اليابانية التقليدية والواشوكو.
مذاق الواشوكو المميز
غالبًا ما تلعب التوابل دورًا في إضفاء المزيد من النكهات للأطعمة. وهو أمر بسيط في حالة السكر والملح، حيث تُعدل الحلاوة أو الملوحة حسب الكمية المضافة. لكن توابل الكوجي لا تضفي نكهاتها المعقدة فحسب؛ بل تعمل الإنزيمات التي تحتوي عليها أيضًا على المقادير لإنتاج الحلاوة أو مذاق الأومامي بتأثير يتخطى الكميات المضافة.
فالصلصات ومرق الحساء الذي تم تطويره في المطبخ الغربي عبارة عن مُركزات من الأومامي المُستخرج من مجموعة متنوعة من المقادير. ومن ناحية أخرى، تستخدم توابل الكوجي اليابانية، التي يتم إنتاجها بأقل قدر من المقادير، قوة التخمير لصنع مذاق الأومامي ونكهات معقدة أخرى. ويعد تحضير الواشوكو أمرًا بسيطًا، ولكن يمكننا الاستمتاع بهذه الأذواق المعقدة بفضل هذا التخمير.
لكن إنزيمات الكوجي تفعل أكثر من مجرد خلق الأذواق الجيدة. فلقد ثبُت أن المكونات التي يتم إنتاجها عندما تتفاعل إنزيمات فطر الكوجي على مقادير الطعام لها فوائدها الصحية.
حيث تشمل المكونات الناتجة عن تحلل النشا الجلوكوز والسكريات قليلة التعدد. وتساعد هذه العناصر على تنظيم البيئة المعوية، وبالتالي يمكنها تخفيف الإمساك والإسهال، بالإضافة إلى تعزيز وظيفة المناعة للمساعدة في منع الالتهابات والسيطرة على الحساسية.
وتشمل المكونات المُنتجة عن تكسر البروتينات الببتيدات المختلفة (سلاسل الأحماض الأمينية). وهي لديها هياكل متنوعة مع مجموعة كبيرة من الوظائف: بعضها يمكن أن يساعد في خفض ضغط الدم، بينما البعض الآخر مضاد للحموضة. وتحتوي الأطعمة دائمًا على البروتينات إلى حد ما، لذا فإن الأطعمة المخمرة التي تستخدم الكوجي تحتوي دائمًا على الأحماض الأمينية.
ويتطلب قياس كمية الببتيدات في مقادير الطعام تحليلًا معقدًا وباستخدام معدات متخصصة. ولكن كما ذكرنا أعلاه، مع تقدم عملية التخمر ووضوح مذاق الأومامي أكثر فأكثر، يزداد أيضًا تحلل البروتينات، مما يؤدي إلى إنتاج المزيد من الببتيدات. وتعد النكهة الغنية للأطعمة الناتجة عن التخمير باستخدام فطر الكوجيأ يضًا مؤشرًا على فوائدها الصحية الأكبر.
الحفاظ على ثقافة طعام الكوجي للمستقبل
هناك مصطلح باللغة اليابانية، يطلق عليه ˮكينشوكو“، والذي يُترجم تقريبًا إلى ˮالنظام الغذائي الفطري“. ويشير إلى نظام غذائي غني بالفطريات والعفن والخمائر والبكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى: أي تناول الأطعمة المخمرة بشكل أساسي. وتحتوي هذه الأطعمة على خلايا بكتيرية من الكائنات الحية الدقيقة أو مستقبلات تنتجها الكائنات الحية الدقيقة ومكونات أخرى تنتجها الإنزيمات الميكروبية.
ويستخدم الواشوكو التقليدي والطعام الياباني بشكل عام دائمًا التوابل المُنتجة من خلال عملية التخمير بواسطة فطر الـ كوجي. وتوفر هذه التوابل فوائد صحية من خلال المكونات التي يتم إنتاجها عندما تقوم إنزيمات الكوجي بتحليل مقادير الطعام المختلفة، وتضيف أيضًا نكهات وروائح غنية. وحقيقة أن هناك حاجة إلى مُعالجة أقل لإعداد المقادير مسألة تزيد من صحة الوجبات.
وفي النهاية يمكن القول إن أطعمة فطر الكوجي تدعم النظام الغذائي الصحي التقليدي للشعب الياباني، وعلى الرغم من أن الطعام الياباني يتغير مع مرور الوقت، إلا أنني آمل أن نتمكن من الحفاظ على ثقافة أطعمة فطر الكوجي للمستقبل.
(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية. والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: © بيكستا)