الرمزية العميقة للثعابين في الثقافة والأساطير اليابانية
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
احتلت الثعابين في اليابان وفي مختلف أنحاء العالم، مكانة بارزة في الأساطير، حيث تتراوح أدوارها بين كائنات مخيفة إلى آلهة حامية للبشر إلى رموز مثيرة مهيبة للتحول والبعث. يمكن العثور على أقدم إشارة إلى الدور الروحي للثعابين في اليابان في تصاوير تلك المخلوقات على الأواني الفخارية من فترة جومون ما قبل التاريخ.
تشير هيرافوجي كيكوكو أستاذة الدراسات الشينتوية في جامعة كوكوغاكوئن والمتخصصة في الأساطير، إلى السمات الغريبة للثعابين التي تجعل منها رموزا قوية. وتقول ”إن طريقة انسلاخ الثعابين من جلودها كقطعة واحدة هي التي دفعت الكثير من الثقافات إلى اعتبارها رموزا للموت والبعث“. وتضيف أن الثعابين كانت في اليابان في عصر جومون ”مظاهر مألوفة في حياة الناس، ولكنها احتفظت لنفسها بهالة من الغموض“. وقد أدت هذه الهالة الروحية إلى ظهور الكثير من الأساطير اليابانية التي تتمحور حول الثعابين.
الرعب من الثعابين: ياماتا نو أوروتشي
تعج الأساطير المذكورة في أعمال مثل كوجيكي ونيهون شوكي في القرن الثامن والكثير من الحكايات المنتشرة في الأقاليم المحلية المعروفة باسم فودوكي، بشخصيات أبطالها حيوانات كانت لها معاني رمزية لليابانيين القدماء. وتوضح هيرافوجي أن الثعابين انضمت إلى مجموعة المخلوقات الروحية جزئيا من خلال ارتباطها بزراعة الأرز في حقول مغمورة بالمياه، والتي تأسست في فترة يايوي (من 300 قبل الميلاد إلى 300 بعد الميلاد). ”كانت مشاهدة الثعابين شائعة حول حقول الأرز وقنوات الري، ما أدى إلى ارتباطها بالماء – الذي يعد عنصرا أساسيا في زراعة الأرز – سواء كرسل للآلهة أو كحراس للممرات المائية والأراضي الزراعية في حد ذاتها“. كما تم تصوير أجسادها الملتوية في بعض الأساطير على أنها بمثابة الرعد والبرق.
في الوقت نفسه، مثلت الثعابين القوى الظلامية في الطبيعة التي يجب التغلب عليها، كما يتضح في عدد لا يحصى من قصص من جميع أنحاء العالم تروي كيف أن أبطالا شجعان يقتلون وحوشا تشبه الثعابين. وللأساطير اليابانية نسختها الخاصة من هذا الموضوع، حيث تجسد الثعابين كوحش عملاق مخيف بثمانية رؤوس وثمانية ذيول يعرف باسم ”ياماتا نو أوروتشي“.
تدور أحداث الأسطورة في مقاطعة إيزومو القديمة في الجزء الشرقي مما يعرف اليوم بمحافظة شيماني. تصف هيرافوجي المظهر الخارجي المخيف لياماتا نو أوروتشي قائلة ”يُصوَّر على أنه بطول ثمانية وديان وثمانية جبال، وله جسم مغطى بالطحالب وأشجار السرو والأرز“. ينشر الوحش الهائج الرعب في الأرض، حيث يلتهم 7 بنات من عائلة، واحدة في كل مرة. ولكن قبل أن يتمكن من التهام الابنة الأخيرة – الأميرة كوشيناداهيمي – يظهر الإله سوسانو ويهزم الثعبان، ليقطع رؤوسه الثمانية ويعيد السلام إلى الأرض.
وتشير هيرافوجي إلى جذور زراعية للأسطورة، حيث يرمز ياماتا نو أوروتشي إلى نهر هيي الذي لا يمكن التنبؤ بفيضانه. ”فمن جهة كان المزارعون يعتمدون على النهر للحصول على الماء، ولكنه كان أيضا سببا في الفيضانات المدمرة“. ووفقا لهذا التفسير، يرمز الثعبان إلى النهر المضطرب الذي تفيض مياهه على ضفافه في فترة من الهيجان الموسمي، بينما تمثل كوشيناداهيمي المحاصيل والأراضي الزراعية الخاضعة لرحمة المياه الهائجة.
ولكن هيرافوجي تشير إلى نظرية أخرى تربط أسطورة ياماتا نو أوروتشي بإدخال تقنية الحديد إلى اليابان. ”يوصف الثعبان في الأسطورة بأنه بعيون حمراء متوهجة وجانب سفلي منتفخ مغطى بلون قرمزي يشبه الدم، وهو وصف يستحضر في الأذهاب لهب فرن صهر حديدي“. كما يخرج من ذيل الثعبان سيف حديدي يُعتقد أنه ”كوساناغي نو تسوروغي (أحد الكنوز المقدسة الثلاثة للأسرة الإمبراطورية اليابانية)“.
إن ما يعطي هذه النظرية أهمية أكبر هو التاريخ الطويل لإيزومو كمركز لصناعة الحديد والصلب باستخدام تقنية ”تاتارا“ التي تستخدم أفرانا تعمل بالفحم ومجهزة بمنفاخ لصهر رمل الحديد. وكانت المعادن عالية الجودة التي تنتج بهذه التقنية من الأشياء التي اشتهرت بها المنطقة. على سبيل المثال، يشيد ”إيزومو نو كوني فودوكي“ المجموع عام 733 بحديد إيزومو، حيث يصفه بأنه ”قوي وجيد لصنع جميع أنواع الأدوات“.
وتشير هيرافوجي إلى أن موضوعات الأسطورة تسلط الضوء على تراث مشترك بين حضارات الشرق والغرب حول تقنيات صناعة الحديد. وتوضح قائلة ”كان لدى الحيثيين أسطورة مماثلة تتضمن وحشا أفعوانيا“، في إشارة إلى السكان القدامى لتركيا الحديثة الذين طوروا تقنيات جديدة لاستخدام الحديد حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وتضيف قائلة ”تروي الأسطورة كيف أن الوحش إيلويانكا، الذي استدرج من جحره في الأرض بمأدبة ضخمة، حيث يصبح سمينا بسبب الطعام والنبيذ. ولم يتمكن من العودة إلى جحره، ويتغلب عليه البطل هوباسياس“. وتنوه هيرافوجي إلى أوجه تشابه بين الأسطورتين مثل استخدام سوسانو للساكي لتهدئة ياماتا نو أوروتشي قبل قتله والساكي في الأسطورة الحيثية، ما يوحي بانتشار تدريجي للأفكار.
ثعبان على الجبل
من بين المواضيع الشائعة الأخرى في الأساطير زواج الإنسان بكائنات خارقة للطبيعة على شكل حيوانات تعود إلى أشكالها الحقيقية عند اكتشاف أمرها. تُصوَّر الثعابين في هذا النوع من الأساطير في اليابان بطرق عديدة، مثل قصة غريبة عن امرأة تقع في حب رجل غامض وتلد طفلا على شكل ثعبان. ولكن الأسطورة الأكثر تجسيدا هي من جبل ميوا في نارا والتي تتكلم عن الإله أومونونوشي، الذي يظهر في شكل ثعبان أبيض.
القصة مذكورة في نيهون شوكي، وتروي كيف تزوجت الأميرة ياماتو توتوبي موموسو، ابنة الإمبراطور السابع كوري، لكن زوجها لا يزورها إلا في الليل. ولأنها تريد أن ترى وجهه في ضوء النهار، تطلب الأميرة من زوجها أن يظهر نفسه لها في الصباح، فيوافق الزوج ويطلب منها أن تفتح صندوق الأمشاط الخاص بها، لكنه يوصيها بألا تفاجأ بما ستراه. تفتح الأميرة في الصباح الصندوق وتصرخ برعب عند اكتشاف ثعبان صغير مختبئ داخله. يستاء الزوج من تصرف زوجته ويبتعد متخفيا في الجبال.
يحتوي كوجيكي على أسطورة مماثلة عن فتاة جميلة تعيش في زواج مع زائر وسيم يأتي في الليل. ورغبة منها في معرفة هويته، قامت بتمرير خيط قنب عبر ثوب زوجها باستخدام إبرة. وعندما طلع الصباح، تتبعت أثر الخيط ووجدت أنه مر عبر ثقب المفتاح وامتد حتى معبد أوميوا على جبل ميوا، حيث من المعروف أن ثعبانا إلهيا يقيم هناك.
يكرس معبد أوميوا الشينتوي الآلهة المرتبطة بأنشطة مثل الزراعة والأعمال والطب. ويقال إنه مسكون من قبل ثعبان أبيض، هو تجسيد للإله أومونونوشي. يسكن هذا الثعبان المقدس ”شيروهيبي“ عند أسفل شجرة أرز قديمة تعرف باسم مينوكامي سوغي، ومن المعتقد أن – الثعابين باعتبارها رمزا للتجديد – لديها القدرة على شفاء الأمراض. وفي عادة قديمة، يترك أتباع هذا الإله بيضة نيئة – التي تعتبر طعاما مفضلا له – كقربان للوقاية من الأمراض المعدية. كما أن هذا الإله مقدس لدى صانعي الساكي، حيث تُقدم زجاجات الساكي جنبا إلى جنب مع البيض، ما يشكل مشهدا غريبا.
الثعابين والتنانين
لا توجد إلا فروق صغيرة بين الثعابين في العالم الحقيقي والتنانين الأسطورية في الشكل والسلوك. وصلت هذه الوحوش الخيالية إلى اليابان قادمة من الصين، حيث تم تصويرها على أنها مخلوقات رشيقة لها حراشف وعيون لامعة وقرون غزلان وشوارب منسابة وأقدام ذات مخالب. يعتبر التنين الصيني رمزا للحظ والبركة وكذلك القوة السياسية من خلال ارتباطه بأباطرة الصين. أما في اليابان، فيعتقد أن التنانين (تعرف باسم ”ريو“) وصلت في وقت ما حول القرن الثالث قبل الميلاد، وهو الوقت الذي بدأت فيه الظهور لأول مرة كزخارف على فخار يايوي والمرايا البرونزية.
وتوضح هيرافوجي أن تصاوير التنانين انتشرت في اليابان في نفس الوقت الذي كانت فيه البوذية تترسخ في البلاد، حيث تبجل هذه الديانة التنين الأسطوري باعتباره حارسا. ويمكن العثور على هذا التأثير في التصاوير اللاحقة للثعبان ياماتا نو أوروتشي. وتقول ”تصف السجلات المبكرة ياماتا نو أوروتشي بأنه ثعبان عملاق. ولكن بحلول العصور الوسطى، اتخذ شكل تنين“.
أصبحت عبادة الثعابين والتنانين باعتبارها مخلوقات مقدسة بمرور الوقت متشابكة بشكل لا يمكن تمييزه تقريبا. على سبيل المثال، يُقال إن شهر نوفمبر/تشرين الثاني هو الشهر الذي يجتمع فيه عدد لا يحصى من آلهة اليابان في إيزومو للمشاركة في مؤتمر سنوي يناقشون فيه عوالمهم الخاصة. تصل الآلهة الوافدة إلى شاطئ إيناسا غرب المعبد الكبير، حيث يقادون من هناك بمراسم احتفالية إلى إيزومو تايشا من قبل ”ريوجا-جين“، وهو روح تنين وثعبان ورسول إلهي لأكونينوشي المؤسس الأسطوري لليابان.
يحظى ريوجا-جين بالتبجيل في حد ذاته باعتباره إلها حارسا للزراعة وصيد الأسماك وثروات الأسر. يبدو هذا المخلوق الأسطوري على شكل ثعبان بحر ذو بطن صفراء يعثر عليه عادة في المياه الجنوبية لليابان، حيث يُعرف باسم سيغورو أوميهيبي. يُعرف عن الثعابين السامة ذات الألوان الزاهية الانجراف شمالا مع التيارات الدافئة التي تبدأ في التدفق عبر بحر اليابان حوالي شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وتظهر أحيانا في المياه قبالة ساحل إيزومو، على الرغم من أنها ليست أصلية في إيزومو. كان سكان المنطقة القدماء يشيرون إلى هؤلاء الزوار باسم ريوجا-ساما، وهو مصطلح يجمع بين حرفي الكانجي لكل من التنين والثعبان. وعند العثور عليها، كانت تقدم كقرابين في معبد إيزومو تايشا وغيرها من المعابد الشينتوية المهمة في المنطقة، أو كقرابين في المذابح المنزلية.
يعود ارتقاء الثعبان إلى مرتبة رسول إلهي إلى اعتقاد ساد بين اليابانيين الأوائل بأن آلهة الكامي تسكن في عالم سماوي ولا تزور العالم الأرضي إلا عندما تُستدعى. كان البحر بمثابة الحدود الفاصلة بين الأراضي السماوية (توكويو) والدنيوية (أوتسوشييو)، وقد اكتسب سيغورو أوميهيبي مكانة روحية بسبب عادته في الظهور من عالم الآلهة المقدس ثم العودة إليه.
الدخول إلى عالم أسطوري
سافرت هيرافوجي كثيرا إلى إيزومو رغبة منها في زيارة المواقع المرتبطة بالأساطير اليابانية، وهو الأمر الذي اعتبرته عمل حياتها. وتقول إن نهر هيي يتمتع بجاذبية خاصة بين الكثير من المواقع التي تظهر في الفولكلور. ”عندما أذهب بالطائرة إلى المنطقة أو أغادرها، أشعر دائما بالتأثر بسبب الشكل كثير التعرج للنهر، والذي يذكرني بثعبان عملاق يتلوى عبر المناظر الطبيعية“.
يتدفق النهر عبر شرق شيماني، ويمر عبر إيزومو قبل أن يصب في بحيرة شينجي. وعند تتبع نهر هيي في الاتجاه المعاكس نحو منبعه في أوكويزومو، فإن الطريق يقود إلى بحيرة ساكورا أوروتشي المتشكلة من بناء سد أوبارا. تقول هيرافوجي بحماس ”زرت البحيرة قبل عدة سنوات وفوجئت باكتشاف قطع من السحب ملونة بألوان قوس قزح. ذكّرني ذلك بمقطع في نيهون شوكي يصف مجموعة من السحب المتجمعة فوق ياماتا نو أوروتشي. تربط الكثير من المناطق في العالم قوس قزح بالثعابين، وشعرت وكأنني شهدت بأم عيني ظهور الثعبان العظيم“.
تتجسد الثعابين في الفولكلور الياباني بأشكال متنوعة، كآلهة وكرمز للأنهار الهائجة وكخدم لكامي اليابان الكثيرة. وتسلط هذه التصاوير الضوء على العلاقة العميقة التي كانت تربط اليابانيين الذين عاشوا منذ زمن بعيد بالطبيعة، وإن معرفة كيفية تمثيل هذه الثعابين في أساطير اليابان يضيف بعدا أعمق من شأنه أن يعزز تجربة السفر في هذه الأرض العريقة.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بقلم كيمي إيتاكورا من Nippon.com. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: نهر هيي والثعبان ياماتا نو أوروتشي. © ساتو تاداشي)