معركة سيكيغاهارا: صراع على مستقبل اليابان
تاريخ اليابان- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
وسم إياسو بالمتمرد
قاد توكوغاوا إياسو في يوليو/تموز من عام 1600، جيشا جرارا في طريقه إلى آيزو (محافظة فوكوشيما حاليا) بهدف إخضاع زعيم المقاطعة أويسوغي كاغيكاتسو لعدم احترام سلطته. اقترب إياسو على مدار عامين منذ وفاة الحاكم السابق تويوتومي هيدييوشي وتعيين ابنه الأصغر هيدييوري (مواليد عام 1593) خلفا له، اقترب أكثر من أي وقت سبق من أن يصبح الزعيم الفعلي لليابان. ولكن تناهى إلى سمعه في 1 سبتمبر/أيلول أن منافسه إيشيدا ميتسوناري كان يجهز جيشا في الغرب. وفي اليوم التالي، استدارت قواته للتوجه غربا، بينما سافر هو إلى إيدو (طوكيو حاليا) عازما على اللحاق به على الفور.
ولكن طرأ تغير كبير في الظروف دفع إياسو إلى البقاء في إيدو لفترة أطول. فقد دخل الإقطاعي القوي موري تيروموتو قلعة أوساكا وانضم إلى ”الجيش الغربي“، واصطفت قواته ضد إياسو. وفي ظل وجود هيدييوري تحت سيطرته في القلعة، قام تيروموتو بتكوين حلفاء من والدة الصبي يودو-دونو وثلاثة آخرين من المفوضين الخمسة الأصليين الذين عينهم هيدييوشي، بالإضافة إلى أوكيتا هيدي أحد الحكماء الخمسة العظماء.
أعدت حكومة تويوتومي وثيقة اتهام توضح بالتفصيل المظالم التي ارتكبها إياسو وتشكك في ولائه لهيدييوري، ووزعتها على الإقطاعيين. وتنص الوثيقة على أن الجيش الغربي يمثل العدالة وأن إياسو متمرد.
تسلل الشك إلى إياسو في أن الإقطاعيين الذين تعهدوا بالولاء له سيقاتلون حقا في صفوف الجيش الشرقي، حيث من الممكن أن يحاول كاغيكاتسو أو آخرون غزو أراضي توكوغاوا. وكان عليه أن يعمل من أجل الفوز بالأغلبية.
متأخر عن المعركة
ولكن تبين لاحقا عدم وجود حاجة لأي شعور بالأزمة. فقد تقدمت طليعة قوات إياسو بوتيرة رهيبة، وتمكنت من إخضاع قلعة غيفو التابعة للجيش الغربي في يوم واحد. وبدا واضحا آنذاك أنهم قد يحرزون النصر حتى بدون وجوده.
كان إياسو مذهولا بالنتائج وأرسل رسالة يطلب من الجنود التريث واتباع أوامر القائد إي ناؤماسا إلى حين وصوله، حيث انطلق على وجه السرعة من إيدو في 7 أكتوبر/تشرين الأول بجيش قوامه 32 ألف جندي (هناك تضارب في الروايات بشأن العدد الدقيق). سار إياسو غربا على طول طريق توكايدو السريع، ونزل في قلعة أوكازاكي ثم في قلعة كييوسو الواقعة حاليا الآن بمحافظة آيتشي، حيث توقف هناك بسبب إصابته بالمرض. ولعل هذا بسبب تأخر وصول جيش ابنه توكوغاوا هيديتادا.
كان إياسو يقود مزيجا من جنود ذوي رتب متدنية، بينما ترأس هيديتادا الجزء الرئيسي من قوات توكوغاوا، بما في ذلك كبار الإقطاعيين وقوات النخبة. تمثلت مهمة هيديتادا في إخضاع مقاطعة شينانو (محافظة ناغانو حاليا)، بما في ذلك قلعة أويدا التابعة لسانادا ماسايوكي. وكان من المفترض أن يلتحق بعد ذلك بجيش إياسو.
ولكن بالنظر إلى الظروف المتغيرة، أمر إياسو ابنه هيديتادا بالتوجه غربا على الفور. ولكن بسبب الفيضانات تأخر وصول الرسول، وكافح جيش هيديتادا للاستيلاء على القلعة، لذلك لم يكون للجيش أي فرصة للمشاركة في المعركة الحاسمة.
ارتأى إياسو أنه إذا بقي في قلعة كييوسو، فمن المرجح أن تهاجم قوات الطليعة – بمبادرة منها – قلعة أوغاكي التي تضم الجزء الأكبر من الجيش الغربي. ولهذا السبب انضم إليهم إياسو في 20 أكتوبر/تشرين الأول بالقرب من هذه القلعة.
سوء تقدير ميتسوناري
اندلعت معركة سيكيغاهارا المصيرية في اليوم التالي، أي في 21 أكتوبر/تشرين الأول عام 1600. لا توجد مصادر أولية مفصلة، مثل رسائل أو مذكرات، فيما يتعلق بمجريات المعركة. جميع المواد التي تقدم نظرة عامة عن المعركة هي ثانوية، وكتبت في وقت لاحق. ويعد كتاب ”أحداث سيكيغاهارا“ من المواد ذات الجودة العالية نسبيا. يستند الكتاب إلى تجارب ساكاي تاداكاتسو من مقاطعة أوباما، والذي كان مراهقا وقت المعركة، وكتبه العالمان الكونفوشيوسيان هاياشي رازان وابنه غاهو في عام 1656. وسأعتمد على هذا الكتاب هنا كأساس لوصف مجريات المعركة.
كان ميتسوناري يعتقد في البداية أن لديه خطا دفاعيا متمركزا حول قلعة كييوسو وقلعة غيفو، بالإضافة إلى معقلي إينوياما وتاكيغاهانا. وعلى اعتبار أن فوكوشيما ماسانوري من قلعة كييوسو خدم مع تويوتومي هيدييوشي منذ صغره، اعتقد ميتسوناري أنه سينضم بالتأكيد إلى الجيش الغربي.
ولكن عوضا عن الاصطفاف إلى جانبه، هاجم ماسانوري قلعة غيفو كجزء من طليعة الجيش الشرقي. وكان الاستسلام السريع لسيد القلعة أودا هيدينوبو (حفيد أودا نوبوناغا) يعني سقوطا قريبا لكل من إينوياما وتاكيغاهانا.
وقد دفع سوء التقدير الكبير ميتسوناري إلى تغيير استراتيجيته. بعد ذلك، يُعتقد أنه أخذ قوات إلى قلعة أوغاكي لسحب الجيش الشرقي، وخطط لجعل القائدين الرئيسيين في الجيش الغربي تيروموتو وهيدييوري يغادران قلعة أوساكا وينضمون إلى الجبهة. ظهرت أدلة حديثة تدل على وجود قلعة كبيرة بالقرب من سيكيغاهارا، وتشير نظرية جديدة إلى أن ميتسوناري كان ينوي أن يجعلهما يحضران جيوشهما إلى هناك.
ربما كان يعتقد أنه إذا وصل تيروموتو وهيدييوري مع عدد كبير من القوات، فإن الإقطاعيين الموالين سابقا لعشيرة تويوتومي في الجيش الشرقي سيفقدون رغبتهم في القتال.
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول، انتقل ميتسوناري من قلعة ساواياما إلى قلعة أوغاكي. في الوقت نفسه، طلب من عدد من الإقطاعيين إنشاء خط دفاعي في سيكيغاهارا على بعد حوالي 15 كيلومترا إلى الخلف. وكان هذا هو المكان الذي خطط فيه على ما يبدو لجعل تيروموتو وهيدييوري يحشدان قواتهما.
في تلك الأثناء، أراد إياسو تجنب الحرب عبر الحصار مخافة أن يمنح قضاء الوقت في اقتحام القلعة كلا من تيروموتو وهيدييوري فرصة للوصول من قلعة أوساكا. ومن المعتقد أنه أعدّ خطة سرية لخداع ميتسوناري. فقد عقد مجلس حرب قال فيه إنه بعد الاستيلاء على قلعة ساياما التابعة لميتسوناري، سيتحرك الجيش الشرقي مباشرة لمهاجمة قلعة أوساكا. وقد سُرّبت هذه المعلومة إلى الجيش الغربي من قبل أحد الجواسيس، تماما كما كان إياسو يأمل.
ابتلع ميتسوناري الطعم، وقام ببناء خط دفاعي في سيكيغاهارا بهدف منع الجيش الشرقي من التقدم. إن المقطع سيكي في سيكيغاهارا يأتي من ”سيكيشو (نقطة تفتيش)“. أدت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة كطريق عبور إلى إنشاء نقطة تفتيش سابقة، وبالتالي فإن الاستيلاء على سيكيغاهارا يعني أن الجيش الشرقي ليس لديه طريق آخر باتجاه الغرب.
تسرع ناؤماسا
قاد ميتسوناري الجيش الغربي من قلعة أوغاكي وسط الظلام والأمطار الغزيرة ليلة 20 أكتوبر/تشرين الأول. تعمدت القوات عدم إنارة مشاعل، وربطت أفواه الخيول حتى لا تصدر أي صوت، وقامت بالالتفاف حتى لا يلاحظ الجيش الشرقي حركة الجنود أثناء توجههم إلى سيكيغاهارا. وصلت أخبار مغادرتهم معقلهم إلى إياسو في حوالي الساعة الثانية من صباح اليوم التالي.
وأمر الجيش الشرقي بأكمله بالتقدم، كما تقدم تحت المطر وعبر الوحل إلى ساحة المعركة في ذلك اليوم.
أقدم إي ناؤماسا من الجيش الشرقي على التحرك الأول في المعركة. نظرا لأنه أصبح تابعا لإياسو في عام 1575، فقد كان وافدا جديدا نسبيا، لكنه ارتقى من خلال إنجازاته المجيدة في الحرب.
كان من المفترض أن يتحرك ماسانوري أولا، لذا كان تصرف ناؤماسا بمثابة انتهاك للأوامر. كان الجنرالات الآخرون في خط الجبهة أيضا من أتباع عشيرة تويوتومي، ولم يكن من أتباع توكوغاوا في هذه المجموعة الطليعية إلا ناؤماسا.
أكمل الجيشان الغربي والشرقي تشكيلهما القتالي بين الساعة السادسة والسابعة صباحا. توقف المطر ولكن الضباب كان يخيم على المنطقة. وبينما كان الجانبان يقفان وجها لوجه، حاولت مجموعة من حوالي 50 جنديا على ظهور الخيول شق طريقها عبر قوات ماسانوري على رأس الجيش الشرقي. وكانت تلك المجموعة تضم ناؤماسا ورجاله.
وعندما قيل له بتحد إنه لا يستطيع العبور، صرخ ناؤماسا قائلا إنه كان مع ماتسودايرا تادايوشي (الابن الرابع لإياسو) وبما أنها كانت المعركة الأولى للشاب، فقد أراد أن يريه كيف تبدو. واصلت المجموعة الصغيرة طريقها واندفعت نحو جنود أوكيتا هيدي البالغ عددهم 17 ألف جندي في الجيش الغربي المعارض.
وعلى الرغم من أن ناؤماسا اختلس التحرك الأول من ماسانوري، إلا أن الأخير لم يقدم أي شكوى بعد المعركة.
وفي حين أن ناؤماسا أحضر معه قوة قوامها 3 آلاف جندي، إلا أنه ترك معظمهم وراءه، ولم يأخذ معه سوى 50 فارسا في ما قال إنها ”جولة لمشاهدة المنطقة“. ربما كان ماسانوري يعتقد أنه بسبب الضباب الكثيف واجه ناؤماسا العدو عن طريق الخطأ، وبالتالي اضطر إلى القتال. أثار بعض الباحثين في السنوات الأخيرة شكوكا حول إن كان ناؤماسا وتادايوشي هما أول من بدأ الهجوم في معركة سيكيغاهارا، ولكن في هذه الحالة سأتبع الرأي المقبول بشكل عام.
قيل إن إياسو كان في حالة معنوية عالية لأن ابنه وأحد أتباع توكوغاوا قد بدآ المعركة.
تغير الولاءات
انطلقت المعركة، ولكن بسبب مناورة إياسو السياسية، قرر الكثير من أفراد الجيش الغربي الكبير مراقبة المجريات من الخطوط الجانبية، حيث لم يقاتل بالفعل إلا أقل من نصف القوات التي يقدر عددها بنحو 80 ألف جندي.
وكان من بين هؤلاء المتفرجين 16 ألف جندي من جيش موري، الذين وقفوا على سفوح نانغوسان. وعلى الرغم من أن موري تيروموتو كان القائد العام للجيش الغربي، إلا أنه كان في قلعة أوساكا يوم المعركة، وقاد ابنه بالتبني هيديموتو قوة موري.
وفي حين أن هيديموتو أراد القتال، كان كيكاوا هيروي – ابن عم تيروموتو – في طليعة الجيش ممتنعا عن التحرك، على الرغم من حجم الضغوط التي مورست عليه للقيام بذلك. وعندما وصلت رسائل من ميتسوناري تحث الجيش على الانضمام إلى المعركة، تقول القصة إن هيديموتو لم يكن بإمكانه سوى التعذر بأن القوات ما زالت تأكل، على الرغم من أن هذا ربما كان عذرا سيق لاحقا.
رأى الإقطاعيون الآخرون القريبون أن جيش موري لم يتحرك ولم يشارك في المعركة أيضا، وكانت النتيجة أن أكثر من 30 ألف جندي لم يقدموا أي مساهمة في المعركة. كان هيروي بالفعل على تواصل سري مع إياسو. فعندما سمع أن ميتسوناري كان يحشد جيشا بقيادة تيروموتو، حاول إقناع ابن عمه بعدم الموافقة، لكن انتهى الأمر بتيروموتو بالانضمام إلى الجيش الغربي في أوساكا.
كان هيروي ودودا مع كورودا ناغاماسا الذي استخدمه كوسيط ليخبر إياسو أن هذه كانت خدعة من أحد أتباع موري ولا علاقة لها بتيروموتو نفسه. صدق إياسو هذا. بعد ذلك، واصل هيروي التواصل سرا مع إياسو بينما لا يزال ضمن الجيش الغربي. ومن المعتقد أنه كشف ذلك لهيديموتو وأتباع موري الرئيسيين في اليوم السابق لمعركة سيكيغاهارا.
أرسل هيروي رهائن إلى إياسو بدون إذن تيروموتو، وحصل على تعهد مختوم بالدم بأنه في حال أن ولاء عشيرة موري كان واضحا، فستتمكن من الاحتفاظ بأراضيها. وكان الهدف من تقاعس هيروي في ساحة المعركة إظهار الولاء.
خاض الجيش الغربي معركة عظيمة على الرغم من مشاركة نصف قواته فقط، ووصل الجانبان إلى طريق مسدود خلال الساعات القليلة الأولى. لا بد وأن إياسو كان قلقا بشأن نتيجة المعركة. فلو دخل المعركة الجنود من عشيرة موري وآخرون الذين وقفوا يراقبون مجرياتها في هذه المرحلة، لكان كل شيء قد انتهى بالنسبة له.
كان هناك أيضا عضو آخر في القوات الغربية قد قدم وعودا لإياسو وهو كوباياكاوا هيديأكي، قائلا إنه سيغير موقفه. ولكن نظرا لأنه لم يتخذ أي خطوة بعد، كان إياسو يخشى من تعرضه للخداع وأمر الجنود المسلحين ببنادق ذات فتيل بإطلاق النار باتجاه جبل ماتسوياما حيث كانت قوات هيديأكي تنتظر، بهدف معرفة نواياه.
كانت الخطوة التي أقدم عليها إياسو سببا في إنهاء تردد هيديأكي، الذي اندفع جيشه إلى أسفل الجبل لمهاجمة حليفه الاسمي أوتاني يوشيتسوغو، وانضم إليه آخرون الذين بدلوا موقفهم في نفس اللحظة. وأدى تدمير قوة أوتاني إلى انهيار الجيش الغربي.
أثارت نظرية جديدة تقول إن هيديأكي قاتل منذ البداية إلى جانب الجيش الشرقي جدلا جديدا. ولكن مهما كانت الحقيقة، فقد حقق الجيش الشرقي النصر في معركة سيكيغاهارا في غضون ساعات قليلة فقط، ومهدت نتيجة المعركة الطريق لحكم توكوغاوا الذي امتد لأكثر من 250 عاما.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: لوحة قابلة للطي تجسد معركة سيكيغاهارا. وهي الجزء الأيمن من لوحة مكونة من قسمين تعود لفترة إيدو (1603-1868). تصور اللوحة ساحة المعركة من الجنوب، وتظهر اشتباكات أولية. الصورة بإذن من متحف واتانابي للفنون في توتوري، بمحافظة توتوري)